المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرق بين الشيعة والتشيع - الهادي والمهتدي

[مرزوق بن هياس الزهراني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌المقدمة

- ‌القسم الأولخطوات الوحدة الإسلامية

- ‌الاصطفاء للرسالة:

- ‌نزول الوحي

- ‌العهد النبوي

- ‌ركائز وحدة الأمة

- ‌الركيزة الأولى: الوحدة في الإيمان:

- ‌الركيزة الثانية: الوحدة في المعبود:

- ‌الركيزة الثالثة: الوحدة في المتبوع:

- ‌الركيزة الرابعة: الوحدة في المنهج:

- ‌الركيزة الخامسة: حماية الركائز الأربع:

- ‌حماية الركيزة الأولى:

- ‌حماية الركيزة الثانية:

- ‌حماية الركيزة الثالثة:

- ‌حماية الركيزة الرابعة:

- ‌لماذا سموا أصحابا

- ‌فضل أصحاب رسول الله رضي الله عنهم

- ‌المفاضلة بين الصحابة رضي الله عنه

- ‌أصل المفاضلة:

- ‌عدالة الصحابة رضي الله عنه

- ‌كلام الله عز وجل

- ‌مراتب بلاغ القرآن:

- ‌المرتبة الأولى:

- ‌المرتبة الثانية:

- ‌المرتبة الثالثة:

- ‌المرتبة الرابعة:

- ‌كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المرتبة الخامسة:

- ‌الخلافة الراشدة

- ‌موقف الصحابة من الخلافة الراشدة

- ‌مكانة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌نسبه:

- ‌صفته رضي الله عنه

- ‌إسلامه رضي الله عنه

- ‌خلافة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌الوحدة الإسلامية في عهد أبي بكر رضي الله عنه

- ‌موقف أبي بكر رضي الله عنه من استخلافه:

- ‌أبرز الأحداث في خلافة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌حروب الردة

- ‌بعد حروب الردة:

- ‌أبو بكر عند احتضاره رضي الله عنه

- ‌وفاة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌نسبه:

- ‌صفته رضي الله عنه

- ‌إسلامه:

- ‌خلافة عمر بن الخطاب

- ‌عمر بين الحياة والموت:

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌نسبه:

- ‌صفته رضي الله عنه

- ‌إسلامه رضي الله عنه

- ‌زواجه وهجرته رضي الله عنه

- ‌نفقته في سبيل الله:

- ‌لماذا لم يشهد بدرا رضي الله عنه

- ‌لماذا لم يشهد بيعة الرضوان رضي الله عنه

- ‌خلافة عثمان رضي الله عنه

- ‌بروز البلوى التي وُعد بها عثمان: رضي الله عنه

- ‌لماذا يسميه الرافضة نعثلا

- ‌علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌نسبه رضي الله عنه

- ‌صفته رضي الله عنه

- ‌خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌قتل علي رضي الله عنه

- ‌موقف علي رضي الله عنه من الخلفاء قبله رضي الله عنهم

- ‌موقفه من أبي بكر:

- ‌موقف علي من عمر رضي الله عنهما:

- ‌موقف علي من عثمان رضي الله عنهما:

- ‌ختم الخلافة ووحدة الأمة:

- ‌الحقد على الإسلام

- ‌في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ادعاء النبوة:

- ‌لإدعاء النبوة سببان في نظري:

- ‌في عهد أبي بكر رضي الله عنه

- ‌في عهد عمر رضي الله عنه

- ‌ الحقد المجوسي

- ‌في عهد عثمان رضي الله عنه

- ‌فتنة الخلاف

- ‌فتنة الخروج:

- ‌مزاعم الرافضة ضد عثمان

- ‌القسم الثاني افتراق الأمة الإسلامية

- ‌فُرقة المسلمين في العهد الأول

- ‌الموقف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما

- ‌كل خير لابد أن يقابله شر

- ‌التحالف الثلاثي

- ‌عهد عمر رضي الله عنه

- ‌ الخوارج

- ‌الرافضة

- ‌ما الحكم في قوم هذا شأنهم

- ‌مسلمون ولكن

- ‌الطريق إلى وحدة المسلمين

- ‌ السنة والشيعة

- ‌الفرق بين الشيعة والتشيع

الفصل: ‌الفرق بين الشيعة والتشيع

‌الفرق بين الشيعة والتشيع

المراد بالشيعة الأنصار والأعوان، قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) وقال حكاية عن نوح عليه السلام: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} (2) أي من أنصاره في الدين والتوحيد إبراهيم عليه السلام، فاتضح أن للفظ "الشيعة" مسارين: ما يراد به القوم والعشيرة؛ فالذي من شيعة موسى هو من قومه بني إسرائيل، وما يراد به النصرة في الدين والاعتقاد كما حكى الله عن نوح وإبراهيم عليهما السلام.

فالشيعة قد يكونون أنصارا للحق، وقد يكونون أنصارا للباطل.

وكذلك التشيع: له مساران:

الأول: في الحق: وهو حب آل البيت على منهج الكتاب والسنة، وأن لهم الفضل والمكانة العالية لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا ينكره مؤمن بالله ورسوله، وعليه أهل السنة والجماعة، من غير إفراط ولا تفريط، وهو ما كان عليه المؤمنون في عهد النبوة، وعهد الخلفاء الراشدين الثلاثة، لم يزد فيه عند البعض على أن عليا رضي الله عنه كان أحق بالخلافة لما قدمنا من الأوصاف.

الثاني: في الباطل؛ فإنه لما حدث قتل عثمان رضي الله عنه استغل أصحاب الفتنة الموقف، في توسعة الفتنة بما حدث بين على ومعاوية رضي الله عنهما، ونحن لا نشك في أن الحق مع على رضي الله عنه، فانقسم الناس إلى موالين لعلي رضي الله عنه، وموالين لمعاوية رضي الله عنه، ثم انقسم الموالون لعلي بعد التحكيم، إلى موالين لعلي رضي الله عنه، ومفارقين له مكفرين للطرفين: علي وأصحابه، معاوية وأصحابه، فتحصل ثلاث فرق:

علي ومن شايعه، ومعاوية ومن معه، والخوارج ضدهما.

فسمي من شايع عليا رضي الله عنه شيعة علي رضي الله عنه، لأنهم يرون أحقية علي بالخلافة، لما تقدم ذكره في شأن علي رضي الله عنه ولم يجاوز الخلاف بينهم وبين من يرى أحقية الخلفاء الثلاثة بالخلافة حسب ترتيب الفضل، فأهل السنة يرون الخلافة صحيحة على

(1) من الآية (15) القصص.

(2)

من الآية (83) من سورة الصافات.

ص: 191

الولاء: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم، والشيعة يرون عليا رضي الله عنه الأحق أولاً، من غير سب للثلاثة رضي الله عنهم؛ هكذا كان الخلاف بين السنة والشيعة، ولكن التشيع لم يقف عند هذا الحد، ولو وقف عند هذا لهان الخطب كثيرا، لأنه خلاف لا يفقد للود قضية، ولم يخرج معتقدوه عن المعتقد العام لأهل السنة والجماعة، لكن تطور التشيع حتى خرج عن هذا تماما، وابتدع منهجا للتشيع بعيدا كل البعد عن المعتقد العام للرعيل الأول، وكان التطور مبنيا على خطة متدرجة في البعد عن منهج الكتاب والسنة، أحكم نسجها عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل، المتستر بالإسلام ظاهرا.

إن الله عز وجل أنزل كتابه العزيز على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بلغة العرب، فالقرآن عربي، والرسول عربي، وقد امتدح الله عز وجل لغة العرب فقال:{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (1)، ولذلك لم يعسر على العرب فهم دلالاته، من أول ما سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى قول:"لا إله إلا الله"، فهموا معناها مباشرة دون تفكير ولا عناء، فقالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (2)، ولم يقل أحد من العرب: إن لهذا الكلام باطنا لا نعلمه، بل فهموه بدلالة الظاهر من غير تأويل ولا تحريف، ولم ينقل عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لهذا القرآن باطنا لا يعلمه إلا الخواص، نعم ورد في التأويل قال تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (3)، والمراد أن القرآن الكريم فيه المحكم؛ وهو بين واضح لا لبس فيه، وفيه المتشابه؛ الذي يحتاج إلى الفهم الدقيق، ويحتمل التأويل وهو قليل، ولا يختلف عليه الراسخون في العلم، بل يؤمنون بالمتشابه؛ كإيمانهم بالمحكم؛ لأن كلاً من عند الله عز وجل، وعلى هذا درج العهد النبوي والخلافة الراشدة، فلما ظهرت الرافضة باسم الشيعة رفضت ذلك المنهج السوي، وشرعت في مناقضته جملة وتفصيلا، وجعلت للقرآن ظاهرا يعلمه

(1) الآية (195) من سورة الشعراء.

(2)

الآية (5) من سورة: ص.

(3)

الآية (5) من سورة آل عمران ..

ص: 192

العامة، وباطنا لا يعلمه إلا الأئمة والأولياء، ليتم لهم التحريف والتشويه، ومنه صنعوا أفكارهم في العبادة والاعتقاد، وأوغلوا في الاعتقاد في آل البيت، كل حسب رغبته وميوله، وما يريد الوصول إليه، فتحصل من ذلك زيغ في شأن علي رضي الله عنه، وآخر في شأن الحسين رضي الله عنه، وآخر في شأن فاطمة رضي الله عنها، وأفرغوا عليهم من أوصاف الألوهية ما لا يقره المجانين فضلا عن العقلاء، وجعلوا لمسمى الشيعة ظاهرا وباطنا؛ فظاهره ما يظن العامة أن المراد الانتصار لعلي بن أبي طالب: الخليفة الراشد رضي الله عنه وذريته، والباطن وهو الحق أنهم شيعة عبد الله بن سبأ، وقد اجتمع في هذا التشيع الحقد المجوسي، والحقد اليهودي، لأن ابن السوداء المعروف بعبد الله بن سبأ، من يهود اليمن، دخل في الإسلام ظاهرا، وهو يهودي حاقد منتقم، كانت فكرة حب آل البيت مجالا لدعوته الناس إلى الكفر والزندقة؛ لأن ذلك يحقق له أنصارا لهم ثأثير على الإسلام والمسلمين، وأتباعا من الرعاع، الذين يتبعون كل ناعق، ولحصرهم في مجال الفكر السبئي، جرى استخدام حب آل البيت مظلة، لذلك الفكر الذي لم يأل جهدا في تصوير كل ما جاء في الكتاب والسنة بطريقة مغايرة تماما لما كان عليه المسلمون قبل الفتنة، فكان منهج التشيع جملة الأفكار التي نشرها عبد الله بن سبأ، بناء على الدلائل التالية:

أولا: قام بتحريف مفهوم التشيع من مجرد المفاضلة بين علي بن أبي طالب الخليفة الراشد، والخلاف على أحقيته بالخلافة دون من سبقه، إلى أن القول بإمامته أمرا واجبا، وأن من لم يعتقد ذلك فليس بمسلم.

ثانيا: أوجد القول بالوصية لعلي بن أبي طالب الخليفة الراشد رضي الله عنه، فهو أول من قال بالنص في الإمامة (1)، ولم يسبق إلى ذلك البتة، فأظهر الغلو في إمامة علي وذريته، مبتدعا النص عليها (2)، ومن هنا دوَّن أفكاره الأئمة المضلون من شيعته، يقول الكليني: "ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولاً

(1) رجال الشيعة للكشي: ص 71، وفرق الشيعة للنوبختي: ص 22، وأنظر: الفصل في الملل والنحل 2/ 91، 4/ 138، 142.

(2)

انظر: الفتاوى لابن تيمية 4/ 435.

ص: 193

إلا بنبوة محمد، ووصية علي عليه السلام" (1)، وزعم أنه كان ألف نبي لكل نبي وصي، وعلي وصي محمد، ومحمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء، فاستوعب القوم التشيع السبئ.

ثالثا: ادَّعى العصمة لعلي بن أبي طالب الخليفة الراشد رضي الله عنه، وللأئمة من أبنائه وأحفاده. وهذا تشيع سبئي (2).

رابعا: ابن سبأ أول من قال بالرجعة، فزعم أن علي بن أبي طالب الخليفة الراشد رضي الله عنه سيرجع، وأنه يملأ الأرض عدلا، وقد قصد من هذا التغرير بالتابع، فزعم أيضاً أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيرجع إلى الدنيا، مستدلا بالإقرار برجعة عيسى عليه السلام، وبقول الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} (3)، فابن سبأ اليهودي نقل معتقد الرجعة من قومه إلى الرافضة الذين ألَّفوا الكتب الكثيرة لإثبات هذا المعتقد الدخيل (4)، ولما بلغه نعي علي بالمدائن، قال للذي نعاه:"كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلاً، لعلمنا أنه لم يمت، ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض"(5)، لماذا هذا الإصرار، إذا لم يكن لتثبيت التشيع السبئي.

خامسا: شرع البراءة من مخالفة الشيعة في أي من هذه الدعاوى، لتكون دينا ومعتقدا لا يسع أحدا إلا الالتزام به، فيقضى على منهج الكتاب والسنة.

سادسا: شرع الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم (6)، ليبطل الأساس الذي قام عليه الإسلام.

سابعا: حرَّف القرآن عن دلالته الظاهر، فكل عمل لدى الرعيل الأول، فمنهج التشيع السبئي خلافه تماما، حتى دلالة القرآن.

(1) مذكور في الكافي في الأصول، والحجة من الكافي.

(2)

انظر: مناظرات ابن تيمية لأهل الملل والنحل 1/ 60.

(3)

من الآية (85) من سورة القصص.

(4)

انظر: أثر الملل والنحل القديمة في بعض الفرق 1/ 68.

(5)

ابن سبأ حقيقة لا خيال 1/ 158.

(6)

ابن سبأ حقيقة لا خيال 1/ 150.

ص: 194

ثامنا: أبطل العمل بالسنة النبوية، وقرر سب الخلفاء والصحابة رضي الله عنهم.

تاسعا: سن التزوير والكذب فيما يخدم التشيع السبئي، ووضع النصوص لذلك كذبا من طريق آل البيت.

بعد أن تمكن ابن السوداء من تحديد مسار التشيع السبئي، جاء دور الأتباع من الأئمة المضلين، وأتباعهم الغلاة، كل ذلك باسم التشيع الظاهر منه أنه لعلي وذريته، والباطن منه مناوأة الإسلام جملة وتفصيلا؛ فقد تفرقت بهم الأهواء، واستطار بهم الضلال، وعظم فيهم الفساد، واجتهدوا في نشره بين العباد، فصاروا شيعا وأحزابا، كل حزب بما لديهم من هدم الإسلام فرحون، ولنبدأ بأخطر الفرق على المسلمين، الفرقة الإمامية.

فرقة الرافضة الإمامية المِعْول الأكثر هدما للوحدة، التي بني عليها الإسلام، فهي تخالف أهل البيت في عامة أصولهم، فليس أحد من أئمة أهل البيت: مثل علي بن الحسين، وأبي جعفر الباقر، وابنه جعفر بن محمد، ينكر الرؤية، ويقول بخلق القرآن، وينكر القدر، ويقول بالنص على علي، وبعصمة الأئمة الاثني عشر، ويسب أبا بكر وعمر وعثمان، والمنقولات الثابتة المتواترة معروفة موجودة عن هؤلاء رحمهم الله؛ وهي خلاف معتقد الإمامية، المنكرين للرؤية، والقائلين بخلق القرآن، وبسب أبي بكر وعمر وعثما، وتكفير الصحابة (1)، وهذا خلاف منهج أهل السنة، فلم يوافقوا أهل البيت في العقيدة، كما وافقهم أهل السنة، وشيوخ الرافضة معترفون بأن هذا الاعتقاد في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب، ولا سنة، ولا عن أئمة أهل البيت، وإنما يزعمون أن العقل دلهم عليه، كما يقول ذلك المعتزلة، وإنما يزعمون أنهم تلقوا عن الأئمة الشرائع، ولذلك يتفقون مع أهل السنة في غالب الأحكام الشرعية، ولهم مفردات شنيعة لم يوافقهم عليها أحد، ولهم مفردات عن المذاهب الأربعة، قد قال بها غيرهم من السلف، وأهل الظاهر، وفقهاء المعتزلة، وغير هؤلاء، فهذه ونحوها من مسائل الاجتهاد التي يهون الأمر فيها، بخلاف الشاذ الذي يعرف أنه لا أصل له، لا في كتاب الله، ولا سنة رسوله،

(1) جامع الرسائل 1/ 209، بتصرف.

ص: 195

ولا سبقهم إليه أحد (1)، ومن أسباب زيغهم في الاعتقاد زعمهم أن التنصيص على الولاية واجب، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ولاية علي رضي الله عنه، وليس الأمر كما زعموا، فلو كان ذلك صحيحا لما خفي على عامة الصحابة، ولما جاز لهم مبايعة أبي بكر ومن بعده عمر، ومن بعده عثمان، ومن بعده علي رضي الله عنهم، كل واحد منهم تمت له البيعة بالتفويض، ولم يحصل الخلاف على بيعة أحد منهم، حتى معاوية رضي الله عنه لم يحصل منه خلاف على بيعة علي رضي الله عنه، وإنما كان الخلاف على قتلة عثمان رضي الله عنه.

وزعم الرافضة عصمة الإمام، فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وجب عندهم أن يكون خليفته معصوما، فقالوا: علي أولى بالخلافة لأمور، ومنها كما زعموا أنه معصوم، وزعموا انسحاب العصمة فيه وفي أبنائه إلى اثني عشر إماما كلهم معصومون، آخرهم صاحب السرداب كما يزعمون، وهم يرجون خروجه رغم مرور أكثر من (1200) سنة، واجتهدوا بكل فكر يخدم هذا المشروع، حتى أعدوا خطة محكمة قبلها الرعاع منهم، وتم بها نشر المذهب البعيد كل البعد عن وحدة المنهج، فبدؤوا بتجريح الخلفاء الراشدين الثلاثة، حتى وصفوهم بالكفر والزندقة، وحشدوا من السب والشتم واللعن ما يستحي منه الفجار فضلا عن الأبرار، وطفحت كتبهم بذلك بدون خوف من الله ولا حياء من الناس، وهكذا حولت الرافضة الإمامية مسار التشيع بادئ ذي بدء، واتخذوا الخلفاء الراشدين الثلاثة غرضا لكل قول قبيح، وغلو في ذلك أشد الغلو حتى جرحوا من حيث لا يشعرون عليا رضي الله عنه فزعموا أنه معصوم وأحق بالولاية، كل ذلك الخلط من أجل الإثبات للرعاع أتباعهم أن الولاية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه، ومن بعده أبناؤه وأحفاده إلى اثني عشر منهم، وحاولوا تقديم بعض النصوص تدعيما للموقف، أبرزها قصة غدير خم التي لم تصح البتة، وزعموا أن البيعة عقدت لعلي بهذا القول:" من كنت مولاه فعلي مولاه " بتأويل باطل، وقطعوا النظر في سبب هذا القول، والسبب أن عليا رضي الله عنه شكاه قوم فقالوا: يا رسول الله، إن عليا فعل كذا وكذا، كانوا أربعة كلهم

(1) جامع الرسائل 1/ 209 ..

ص: 196

قال ذلك، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرابع وقد تغير وجهه فقال:«دعوا عليا، دعوا عليا، إن عليا مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي» (1).

كان ذلك لما عاد من اليمن وكان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرا على سرية نقم بعض الجيش أشياء تعاطاها هناك من أخذه جارية من الخمس، ومن نزعه الحلل من اللباس، فتكلموا فيه وهم قادمون إلى حجة الوداع، فلم يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الحج لإزاحة ذلك من أذهانهم، فلما قفل راجعاً إلى المدينة ومر بهذا الموضع في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ورآه مناسباً لذلك خطب الناس هنالك، وبرأ ساحة علي مما نسبوه إليه، ونحن نبرؤه من ذلك رضي الله عنه، فلو وافقنا الرافضة على أن المراد الولاية العامة نكون خالفنا الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأنه لم يفهم ما فهمه الرافضة زورا وبهتانا، فهم منه الخليفة الراشد علي رضي الله عنه المعنى اللغوي الصحيح وهو: النصرة والمحبة وهذا حاصل له عند أهل السنة قاطبة، فلو لم يكن الخلاف بين علي والصحابة الذين ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا عليا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تغير وجه رسول الله لذلك، ولا قام خطيبا ينبه على فضل علي رضي الله عنه، وكان تغير وجهه صلى الله عليه وسلم كرها أن يذكر علي رضي الله عنه بسوء، ومحبة لعلي رضي الله عنه ونصرة، فأراد أن يؤكد تلك المحبة وذلك الولاء على ملأ من الناس ليحفظوا رسول الله في قرابته، وهذا القول في علي رضي الله عنه، كقوله صلى الله عليه وسلم في شأن أبي بكر رضي الله عنه لما شكا إليه عمر رضي الله عنه قال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك" فقال صلى الله عليه وسلم: «يغفر الله لك يا أبا بكر، ثلاثا» ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال:"يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مرتين، فما أوذي بعدها» (2)، فهل يترك الرافضة لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه؟ هذا ما لن يحدث.

(1) فضائل الصحابة لأحمد حديث (1035).

(2)

البخاري حديث (3661).

ص: 197

وبعد حديث الغدير ثبت عند الجميع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر يصلي بالناس (1) فلماذا لم يأمر عليا بإمامة الناس ليكون تعضيدا على الأقل لما ورد في حديث الغدير؟ ! ، ولِمَ قال النبي صلى الله عليه وسلم «اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر» (2)، ولِمَ قال عمر رضي الله عنه:"إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وألا أستخلف، فلم يستخلف من هو خير مني - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال عبد الله بن عمر: " فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مستخلف.

وما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلف؟ . والظاهر أن المراد أنه لم يستخلف بعهدٍ مكتوب، ولو كتب عهدا لكتبه لأبي بكر، بل قد أراد كتابته ثم تركه، وقال:«يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (3)، فكان هذا أبلغ من مجرد العهد، ولِمَ لم يقل أحد من الصحابة قط: إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على غير أبي بكر، لا علي، ولا العباس، ولا غيرهما، ولِمَ يجيب الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بما يوافق أهل السنة والجماعة لما سئل:"ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه»؟ قال: بلى، ولكن والله لم يعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الإمارة والسلطان، ولو أراد ذلك لأفصح به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أنصح للمسلمين، ولو كان الأمر كما قيل لقال: يا أيهنا الناس هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا. والله لئن كان الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر وجعله القائم للمسلمين من بعده ثم ترك علي أمر الله ورسوله، لكان علي أول من ترك أمر الله ورسوله"(4)، أجاب الحسن رحمه الله بهذا لأنه من أهل السنة، وهذا قولهم.

وكذلك علي نفسه رضي الله عنه لم يستخلف وقد قيل له: ألا تستخلف علينا؟ قال: "ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلِفْ، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على

(1) البخاري حديث (679) وسلم حديث (418).

(2)

جامع بيان العلم وفضله حديث (2302).

(3)

المستدرك حديث (6016).

(4)

رواه البيهقي من طرق متعددة في بعضها زيادة وفي بعضها نقصان والمعنى واحد.

ص: 198

خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم" (1)، فما هو خيرهم الذي جمعهم الله عليه بعد نبيهم، أليس هو أبو بكر رضي الله عنه.

ونحن أهل السنة نقول: إن الولاية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد فيها نص صريح، لا من كتاب الله عز وجل ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونتحدى الرافضة أن يحضروا نصا صحيحا في ذلك، بل ونباهلهم على عدم وجود النص، علما بأن من علمائهم من اعترف أنهم بحثوا في جميع المصادر السنية والشيعية ليجدوا نصا واحدا من الكتاب أو السنة صحيحا صريحا في الولاية وخرجوا من بحثهم بخفي حنين، وأبقوا على كتمان الأمر لمصالح شخصية، وخوفا من طغيان الغلاة.

ولو أخذنا بقول الرافضة: إن حديث الغدير نص في الولاية للزمنا أمران:

الأول: تفسير "المولى بالوالي" وهو هنا المراد به النصير والمحب الموالي، وإلا يناقض ما ورد في كتاب الله تعالى في شأن الولاية، قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (2)، هذه الآية الكريمة يسمونها آية الولاية، ويقولون: إنها تدل على أن إمام المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل هو على بن أبى طالب، لأن لفظة "إنما" تفيد الحصر و"وليكم" تفيد من هو أولى بتدبير الأمور ووجوب طاعته، ويزعمون أن الآية الكريمة نزلت في على بلا خلاف عندما تصدق بخاتمه وهو راكع. وهذا باطل؛ لأن الروايات التي تشير إلى هذا، لا يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها، وهذا معلوم عند أهل العلم بالأسانيد والجرح والتعديل، والصحيح الذي لا شك فيه أن معنى قوله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} ليس اليهود بأوليائكم، بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين، وقوله:{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقامة الصلاة التي هي بعد الشهادتين أكبر أركان الإسلام، وهى له وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين.

(1) البداية والنهاية 8/ 95، وسنده قوي

(2)

الآية (55) من سورة المائدة.

ص: 199

وقوله تعالى: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} فقد توهم البعض أن هذه الجملة في موضع الحال في قوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي في حال ركوعهم، وهذا فهم باطل؛ لأنه لو صح لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنه ممدوح وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء، وما ذكر في شأن علي رضي الله عنه أسانيده واهية فلا يصح.

والثاني: القول بمخالفة علي رضي الله عنه للنص الوارد في ولايته، وقد يكون كافرا على رأي الرافضة أن الولاية وهي الإمامة عندهم شرط في الدين، وهذا لا يقول به عاقل فضلا عن مؤمن يحب الله ورسوله وآل البيت.

من أدلة عدم تخصيص الولاية لعلي: حديث العرباض رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ " فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» سبحان الله لِمَ لم يذكر الوصية لعلي بالخلافة، ويؤكد عليها لأهميتها في حياة الأمة ومعادها، بل جعلها عامة وأشار وذكر وجوب طاعة من يتولى أمر المسلمين كائنا من كان ولو عبدا حبشيا، ولِمَ أقر علي رضي الله عنه بأن أمر الخلافة شورى؛ لأن هذا نهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم علي رضي الله عنهم، وسار عليه الثلاثة قبله.

أما الإشارة إلى الولاية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يوجد منها شيء أقوى مما كان في جانب أبي بكر رضي الله عنه، وهو ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، ولكن الغلاة من الشيعة أظهروا الانتصار لعلي رضي الله عنه بالباطل لا حبا في علي ولكن لأنه الوسيلة التي تجر الرعاع من الشيعة إلى ذلك الانتصار ظاهرا، والباطن تحقيق مرام الغالين بمفارقة أهل السنة، وإبطال نصوص السنة النبوية الصحيحة، ليحل محلها اجتهادات الغلاة في وضع الأحاديث زورا على آل البيت، ومنها يكون بناء عقيدة يختص بها الرافضة دون سواهم من المسلمين، وأعدوا من أساليب إقناع العامة

ص: 200

بذلك أشدها تأثيرا في العاطفة، مستغلين مكانة آل البيت في قلوب الناس، فغلوا في تقديس علي وذريته ولاسيما ذريته من فاطمة رضي الله عنها، وأوجدوا من صفات الخزي والعار زورا وبهتانا ألصقوها بالخليفتين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وانتحلوا كل مسلك خبيث حتى أنهم جعلوا أبا لؤلؤة المجوسي من خيار الصحابة، لأنه قتل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وزيادة في الزور وتضليل أتباعهم أقاموا له ضريحا في بلاد فارس يزار ويقدس غاية التقديس، والمعروف تاريخيا أن أبا لؤلؤة المجوسي قتل في المدينة، فمن نقله إلى بلاد فارس ليقيم عليه ضريحا يعبد من دون الله؟ ! ، وقد اعترف بعض الشيعة بذلك وقال: "ليس لأبي لؤلؤة المجوسي جثة في ضريحه المقام في إيران، ولكن لا نستطيع أن نصرح بذلك للأتباع، لأمرين:

الأول: أن لنا عليهم رياسة وزعامة، فلو صرحنا بذلك انفضوا عنا ولم يعد لنا عليهم سلطة.

الثاني: أن من يصرح بذلك قد يقتل من قبل الغلاة أنفسهم لأنه سيكون منه عملا على هدم ما قام التشيع من أجله".

قلت: ومثل هذا ضريح علي، وضريح ابنه الحسين ليسا حقيقيين، وإنما أنشئا لهدفين:

الأول: التلبيس على الأتباع، وخداعهم بالزيارة والتقديس، وتقديس كربلاء مضاهاة للحرمين الشريفين في مكة والمدينة، مع أن الحسين رضي الله عنه تشاءم من كربلاء حين قدمها وسأل ما اسم هذا المكان؟ ! قالوا كربلاء، قال:" صدق الله ورسوله: كرب وبلاء ". وفي رواية: " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرض كرب وبلاء "(1).

ومناواة لفقه الأئمة الأربعة اجتهد الشيعة في تأسيس المذهب الشيعي في الفقه، حصروه في فقه آل البيت، وجعلوا مرتكز ذلك ما نقلوا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق رحمه الله، وسموه المدرسة الفقهية الجعفرية.

(1) المعجم الكبير حديث (637).

ص: 201

إنك حينما تتعرف على تلك الفرق الهدامة، التي نشأت كأشد ما تكون مِعْول الهدم، والتي تنوعت مناهجها في الإضلال والزندقة تعرف تماما أن الأمر لا يتعلق بحب آل البيت، ولا بعبادة تقربهم من الله، ولكنها لمقاصد وغايات تجتمع كلها على قلب الإسلام رأسا على عقب، إما لمطلب رياسي، وإما لانتقام قومي، أو انتصار لوثنيات وأديان محاها الإسلام.

فتجد دعاوى يستميت أصحابها لنشرها وهي كما يلي:

أولاً: دعوى أن الله عز وجل على صورة الإنسان، وأنه يهلك كله إلا وجهه، وصاحب هذه الفرية العظيمة: هو بيان بن سمعان التميمي، ولكي يقرر هذه الفرية في أذهان الأتباع زعم أنه بالاسم الأعظم يدعو الزهرة فتجيبه، فاغتر به السذج من الأتباع فأثبتوا لهذا الكذاب النبوة (1).

وهذا فيه من الضلال:

1 -

تشبيه الله عز وجل بالمخلوق، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فهو القائل سبحانه:{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2).

2 -

حكمه بفناء الله عز وجل، واستثنى الوجه حتى لا يرد قوله الباطل، والله عز وجل هو الحي القيوم، الذي لا يفنى.

3 -

دعواه النبوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، فلا نبي بعده.

4 -

صرف الناس عن منهج الكتاب والسنة إلى مزاعم وأباطيل تنافست الفرق الضالة في ابتداعها.

ولكن هذا الكذاب قيض الله له خالد القسري فقتله، لقاء ما أحدث من ضلال، وخالد القسري من قبيلة بجيلة من بني مالك، ولاه هشام بن عبد الملك على العراق سنة (105 هـ) له مواقف مع الزنادقة، فقد ضحى بالجعد بن درهم القائل بخلق القرآن.

(1) مقالات الإسلاميين 1/ 2.

(2)

الآية (11) من سورة الشورى.

ص: 202

ثانيا: دعوى تناسخ الأرواح، فحلت روح الله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - في آدم، ثم تناسخت حتى حلت في عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فصار ربا عند بعضهم فعبدوه من دون الله، وعند بعضهم صار نبيا، وشيعة هذا الرجل لا يؤمنون بالقيامة، ويزعمون أن الدنيا لا تفنى، واستحلوا ما حرم الله كالميتة، والخمر وغير ذلك (1).

وهذا فيه من الضلال:

1 -

القول بالحلول والاتحاد، عقيدة باطلة، مقتضاها أن الخالق سبحانه يحل في المخلوق، فيصير المخلوق إلاها، تعالى الله عن ذلك علو كبيرا.

2 -

مناقضة معنى لا إله إلا الله، ومعناها لا معبود بحق إلا الله.

3 -

دعوى النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الأنبياء ولا نبي بعده.

4 -

مناقضة قول الله تعالى في تحريم الميتة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (2) وقوله تعالى في تحريم الخمر: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3) ومن استحل شيئا حرمه الله فإنه يكفر، ولا يصح التذرع بتأول قوله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (4) لأنه تأول باطل في مقابل نصوص قرآنية حرمت الخمر وغيرها، علما بأن الآية هنا نصت على تحريم الميتة.

5 -

صرف الناس عن منهج الكتاب والسنة إلى مزاعم وأباطيل تنافست الفرق الضالة في ابتداعها.

ثالثا: خرج من الفرقة السابقة فرقة تبنت القول بالحلولية، فزعموا أن عبد الله بن عمرو بن حرب تحولت فيه روح حفيد علي: عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، وزعموا أن عبد الله بن محمد بن علي المعروف بابن الحنفية نص على إمامة عبد الله بن عمرو بن حرب، فسمى أتباعه أنفسهم الحربية.

(1) مصدر المعلومات في هذا البحث مقالات الإسلاميين 1/ 26 - 60، بتصرف.

(2)

من الآية (3) من سورة المائدة.

(3)

الآية (90) من سورة المائدة.

(4)

من الآية (145) من سورة الأنعام.

ص: 203

وهذا فيه من الضلال:

1 -

القول بالتناسخ عقيدة الحلول والاتحاد، لكن الذي حل هنا ليس الخالق بل المخلوق حل في المخلوق.

2 -

طلب الدنيا بفساد الاعتقاد، فصاحبُ هذه الفرية ما أراد بها سوى حظ نفسه من الشهرة، وسيادة الأتباع، ولو على ضلال وفساد في الاعتقاد.

رابعا: القول بألوهية غير الله، قال بذلك فرقة تسمى المغيرية نسبة إلى المغيرة بن سعيد، زعموا أنه كان يزعم أنه نبي، وأنه يعلم اسم الله الأعظم، وأنه يحيي الموتى بهذا الاسم، وأنهم يعبدون رجلا من نور له تاج، خلْقه كالرجل وله مثل أعضاء الرجل، تنبع الحكمة من قلبه، وأن عدد أعضائه على عدد حروف أبجد، فالألف قدمه لاعوجاجها، وقال عن حرف الهاء معرضا بالعورة: لو رأيتم موضعها منه لرأيتم أمرا عظيما، وزعم أنه رأى ذلك المعبود، وجاء بأباطيل في حق الله وخلْق الكفار والمؤمنين، وزعم أنه عرض على السماوات والأرض منع علي رضي الله عنه فأبين، فعرض على الناس فقام عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فأمره أن يتحمل منعه والغدر به، ففعل أبو بكر، واستدل هذا الكذاب، بقول الله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (1) وزعم أن عمر قال لأبي بكر: أنا أعينك على علي لتجعل لي الخلافة بعدك، ويستدل هذا الكذاب بقول الله تعالى:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} (2)، يعني بذلك عمر وأبا بكر، لأن عمر قاده إلى الكفر بإمامة علي، وقال هذا الكذاب بالرجعة، فزعم أن الناس كلهم يرجعون إلى الدنيا، وأن القبور تنشق عنهم، ولذلك كان هذا الكذاب يأمر أتباعه بانتظار محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وذكر لهم أن جبريل وميكائيل عليهما السلام يبايعانه بين الركن والمقام، ويحيي له سبعة عشر رجلاً يعطى كل رجل منهم كذا وكذا حرفاً من الاسم الأعظم،

(1) الآية (72) من سورة الأحزاب.

(2)

الآية (16) من سورة الحشر ..

ص: 204

فيهزمون الجيوش ويملكون الأرض، فلما خرج محمد وقتل قال بعض أصحاب المغيرة: لم يكن الخارج محمد بن عبد الله، وإنما كان شيطاناً تمثل في صورته، وأن محمداً سيخرج ويملك، وبرئ بعضهم من المغيرة.

وكانت نهاية هذا الكذاب على يد مبيد الزنادقة خالد القسري البجلي رحمه الله.

وهذا فيه من الضلال:

1 -

القول بألوهية غير الله تعالى.

2 -

الافتراء على الله في ذاته وصفاته، وفي تصرفه فيما خلق.

3 -

الاستدلال بالقرآن على ما يروج من كذب وبهتان.

4 -

الكذب على الله في أمر علي، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهم.

5 -

صرف الناس عن منهج الكتاب والسنة إلى مزاعم وأباطيل تنافست الفرق الضالة في ابتداعها.

خامسا: القول بحل ما حرم الله عز وجل، وأن الله لم يحرم شيئا تقوى به النفوس، قال بهذا المنصورية فرقة تنتسب إلى أبي منصور الكذاب: رجل من بني عجل، زعم أن آل محمد صلى الله عليه وسلم السماء، وهو الأرض، وزعم أنه عرج به إلى السماء، فمسح معبوده رأسه بيده، ثم قال له: أي بني اذهب فبلغ عني، ثم نزل به إلى الأرض، وزعم أنه الكِسَف الساقط من بني هاشم، وكان أتباعه إذا حلفوا أن يقولوا: ألا والكلمة، وزعم أن عيسى أول من خلق الله من خلقه، ثم علي، وأن رسل الله سبحانه لا تنقطع أبداً، وكفر بالجنة والنار، وزعم أن الجنة رجل، وأن النار رجل، واستحل النساء والمحارم، وأحل ذلك لأصحابه، وزعم أن الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر وغير ذلك من المحرمات حلال، وقال: لم يحرم الله ذلك علينا ولا حرم شيئاً تقوى به أنفسنا وإنما هذه الأشياء أسماء رجال حرم الله سبحانه ولايتهم، وأسقط الفرائض، وقال: هي أسماء رجال أوجب الله ولايتهم، وكانت نهاية هذا الكذاب على يد يوسف بن عمر الثقفي والي العراق في أيام بني أمية أخذه فقتله.

وهذا فيه الضلال كله: وهو محو الإسلام جملة وتفصيلا.

ص: 205

سادسا: القول بأن الأئمة أنبياء محدَّثون، ورسل الله وحججه على خلقه، لا يزال منهم رسولان واحد ناطق والآخر صامت، فالناطق محمد صلى الله عليه وسلم، والصامت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهم في الأرض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق، يعلمون ما كان وما هو كائن.

وهذه الفرقة تسمى الخطابية نسبة إلى أبي الخطاب بن أبي زينب، زعم أتباعه أنه نبي، وأن ألرسل فرضوا عليهم طاعته، بل زعموا أنه إلهٌ، وعبدوه، وزعموا أن الأئمة آلهة، وزعموا أن أولاد الحسين رضي الله عنه أبناء الله وأحباؤه، ثم زعموا ذلك لأنفسهم، واستدلوا على كذبهم بتأول قول الله تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (1) فقالوا: المراد نحن، ونحن ولد الحسين، وزعموا أن جعفر بن محمد إلههم، ولكن أبا الخطاب أعظم منه، وأعظم من علي رضي الله عنه، ومن الدين عند هؤلاء شهادة الزور لموافقيهم.

قُتل أبو الخطاب الكذاب حينما خرج على أبي جعفر المنصور، قتله عيسى بن موسى، فواعجبا لإله لا يمنع نفسه من الناس.

وهذا فيه من الضلال:

1 -

القول بعدم ختم النبوة والرسالة.

2 -

القول بألوهية غير الله.

3 -

القول بتعدد الآلهة، خلافا لقول الله عز وجل:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (2).

سابعا: تولدت من هذه الفرقة الضالة فرق هي:

1 -

أتباع معمر من الخطابية، ويسمون المعمرية، أو العمومية، قالوا بعدم الموت، ولكن يرفعون بأبدانهم، وقالوا بأن الدنيا لا تفنى، وافقوا أتباع عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، في هذا القول وفي التناسخ، وزعموا أن

(1) من الأية (29) من سورة الحجر، ومن الآية (72) من سورة: ص.

(2)

الآية (22) من سورة الأنبياء.

ص: 206

الجنة ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية، وأن النار ما يصيب الناس من الشر، واستحلوا المحرمات، من خمر وزنا وغير ذلك.

وفي هذا من الضلال ما تقدم ذكره.

ثامنا: الفرقة الثالثة من الخطابية: زعموا أن كل ما يحدث في قلوبهم وحي وأن كل مؤمن يوحى إليه، مستدلين على باطلهم بقول الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ} (1) ولم يعتبر الاستثناء في الآية، وهم الفرقة البزيغية من الخطابية، أتباع بزيغ بن موسى، زعموا أن الله هو جعفر بن محمد، وأنه ليس الذي يرون، وزعموا أن منهم من هو خير من جبريل عليه السلام، وخير من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وزعموا أنهم يرون أمواتهم بكرة وعشية، وأنهم لا يموتون بل يرفعون إلى الملأ الأعلى.

تاسعا: الفرقة الرابعة من الخطابية: القول بعبادة جعفر بزعم أنه ربهم، والقائلون بهذا هم الفرقة العُميرية، نسبة إلى عمير بن بيان العجلي، أقروا بالموت، ولكن زعموا أنه لا يزال خلف منهم في الأرض أئمة وأنبياء، عبدوا جعفر في خيمة بنوها فوق كناسة بالكوفة، فأخذهم يزيد بن عمر بن هبيرة الوالي على العراق، فقتل عمر بن بيان الكذاب، وحبس بعض الأتباع.

وهذا فيه من الضلال: بعض ما تقدم بيانه.

عاشرا: الفرقة الخامسة من الخطابية، القول بألوهية جعفر بن محمد كما قالت به الفرق الثلاث، السابقة في سابعا، وثامنا، وتاسعا، وخالفوا في أنهم تبرؤا من أبي الخطاب، لأن جعفر بن محمد تبرأ منه، خلط عجيب إله تبرأ من إله.

تحصل مما تقدم أن ستة من الإمامية أخرجوا الأمر من بني هاشم، وادعوه لأنفسهم، مع أنهم يقولون بالنص على ولاية علي رضي الله عنه، والستة هم:

عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي، وبيان بن سمعان التميمي، والمغيرة بن سعيد، وأبو منصور، والحسن بن أبي منصور، وأبو الخطاب الأسدي، وزعم أبو الخطاب أنه أفضل من بني هاشم.

(1) من الآية (145) من سورة آل عمران، ومن الآية (100) من سورة يونس.

ص: 207

فتبين أن هذه المزاعم كلها مناوأة للإسلام جملة وتفصيلا، وسواء كان الدافع إليها حب الشهرة والسيادة على الناس، وما يتبع ذلك من شهوات الدنيا ومتاعها، أو التكذيب لما جاء به نبينا محمد جملة وتفصيلا، فالنتيجة واحدة ضرب لوحدة الأمة المحمدية التي نسجها العمل بالكتاب والسنة.

الحادي عشر: القول أن روح القدس هو الله عز وجل، فكانت هذه الروح في النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في علي، ثم في الحسن، ثم في الحسين، ثم في علي بن الحسين، ثم في محمد بن علي، ثم في جعفر بن محمد بن علي، ثم في موسى بن جعفر، ثم في علي بن موسى بن جعفر، ثم في محمد بن علي بن موسى، ثم في علي بن محمد بن علي بن موسى، ثم في الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى، ثم في محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي، وهؤلاء آلهة عندهم، كل واحد منهم إله على التناسخ، والإله عندهم يدخل في الهياكل.

الثاني عشر: القول بأن عليا رضي الله عنه هو الله عز وجل، ويُكذّبون نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، ويشتمونه، ويقولون ادعى الأمر لنفسه، وإنما هو لعلي رضي الله عنه.

الثالث عشر: القول بأن الله حل في خمسة أشخاص: في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي علي، وفي الحسن، وفي الحسين، وفي فاطمة رضي الله عنهم، فهؤلاء آلهة عندهم، والقائلون بهذا هم أتباع الشريعي، وقد حكي أن الشريعي كان يزعم أن البارئ جل جلاله يحل فيه، وخالفوا القائلين بتكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وسموا هؤلاء الأشخاص الخمسة، الذين حل فيها الإله حسب زعمهم، خمسة أضداد، فالأضداد أبو بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، وعمرو بن العاص، ومن هنا افترقوا في الأضداد على مقالتين:

زعم بعضهم أن الأضداد محمودة؛ لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا بأضدادها، فهي محمودة من هذا الوجه.

وزعم آخرون أن الأضداد مذمومة، وأنها لا تحمد بحال من الأحوال.

وحكي أن فرقة من الرافضة يقال لهم: النُّميرية أصحاب النميري، يقولون: إن البارئ عز وجل كان حالاً في النميري.

ص: 208

الرابع عشر: القول بألوهية علي رضي الله عنه، وبرجعته إلى الدنيا، قبل يوم القيامة، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، والقائلون بهذا هم أتباع عبد الله بن سبأ، وذكروا عنه أنه قال لعلي رضي الله عنه: أنت أنت، يعني الإله.

الخامس عشر: القول بأن الله عز وجل وَكَلَ الأمور إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه أقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها، وأن الله سبحانه لم يخلق من ذلك شيئاً، وزعم ذلك كثير منهم في علي رضي الله عنه، ويزعمون أن الأئمة ينسخون الشرائع، وتهبط عليهم الملائكة، وتظهر عليهم المعجزات ويوحى إليهم.

ومنهم من يسلم على السحاب ويقول إذا مرت سحابة به: إن علياً رضي الله عنه بها.

وفيهم يقول بعض الشعراء:

برئت من الخوارج لست منهم

من الغزال منهم وابن باب

ومن قوم إذا ذكروا علياً

يردون السلام على السحاب

وفي النُّساك من الصوفية من يقول بالحلول وأن البارئ يحل في الأشخاص وأنه جائز أن يحل في إنسان وسبع وغير ذلك من الأشخاص، وأصحاب هذه المقالة إذا أرادوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعل الله حال فيه، ومالوا إلى اطراح الشرائع، وزعموا أن الإنسان ليس عليه فرض ولا يلزمه عبادة إذا وصل إلى معبوده.

الصنف الثاني من الأصناف الثلاثة التي ذكرنا بأن الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف؛ هم الرافضة وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر وهم مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف، وأنها قرابة، وأنه جائز للإمام في حال التقية أن يقول: إنه ليس بإمام، وأبطلوا جميعاً الاجتهاد في الأحكام، وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس، وزعموا أن علياً رضوان الله عليه كان مصيباً في جميع أحواله، وأنه لم يخطئ في شيء من أمور الدين، إلا الكاملية أصحاب أبي كامل فإنهم كفروا الناس بترك الاقتداء به، وكفروا علياً بترك الطلب، وأنكروا الخروج على أئمة الجور، وقالوا: ليس يجوز ذلك دون الإمام المنصوص على إمامته، وهم

ص: 209

سوى الكاملية أربع وعشرون فرقة يُدعون الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي بن أبي طالب.

فالفرقة الأولى: القطعية وإنما سموا قطعية لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي بن أبي طالب واستخلفه بعده بعينه واسمه، وأن علياً نص على إمامة ابنه الحسن بن علي، وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي، وأن الحسين بن علي نص على إمامة ابنه علي بن الحسين، وأن علي بن الحسين نص على إمامة ابنه محمد بن علي، وأن محمد بن علي نص على إمامة ابنه جعفر بن محمد، وأن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر، وأن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه علي بن موسى، وأن علي بن موسى نص على إمامة ابنه محمد بن علي بن موسى، وأن محمد بن علي نص على إمامة ابنه علي بن محمد بن علي بن موسى، وأن علي بن محمد بن علي بن موسى نص على إمامة ابنه الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى؛ وهو الذي كان بسامرا، وأن الحسن بن علي نص على إمامة ابنه محمد بن الحسن بن علي؛ وهو الغائب المنتظر عندهم الذي يدَّعون أنه يظهر فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وهم يتعلقون به وهو أوهى من خيط العنكبوت، قال ياقوت رحمه الله: قرأت في كتاب ألفه أبو العباس أحمد بن علي بن بابة القاشي (1)، وكان رجلا أديبا، قدم مرو وأقام بها إلى أن مات بعد الخمسمائة، ذكر في كتاب ألّفه في فرق الشيعة إلى أن انتهى إلى ذكر المنتظر فقال: ومن عجائب ما يذكر مما شاهدته في بلادنا قوم من العلوية، من أصحاب التنايات (2) يعتقدون هذا المذهب، فينتظرون صباح كلّ يوم طلوع القائم عليهم، ولا يرضون بالانتظار، حتى إن جلّهم يركبون متوشّحين بالسيوف شاكّين في السلاح، فيبرزون من قراهم مستقبلين لإمامهم،

(1) نسبة إلى قاشان؛ مدينة قرب أصبهان، تذكر مع قم.

(2)

لم أقف على معناها.

ص: 210

ويرجعون متأسفين لما يفوتهم، قال: هذا وأشباهه منامات من فسد دماغه، واحترقت أخلاطه (1).

والفرقة الثانية منهم وهم الكيسانية: وهي إحدى عشرة فرقة؛ وإنما سموا كيسانية لأن المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي، ودعا إلى محمد بن الحنفية، كان يقال له: كيسان، ويقال: إنه مولى لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه.

الفرقة الأولى من الكيسانية: هي الثانية من الرافضة يزعمون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نص على إمامة ابنه محمد بن الحنفية، لأنه دفع إليه الراية بالبصرة.

الفرقة الثالثة من الرافضة: هي الثانية من الكيسانية يزعمون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نص على إمامة ابنه الحسن بن علي رضي الله عنه، وأن الحسن بن علي رضي الله عنه نص على إمامة أخيه الحسين بن علي رضي الله عنه، وأن الحسين بن علي رضي الله عنه نص على إمامة أخيه محمد بن علي رضي الله عنه وهو محمد بن الحنفية.

الفرقة الرابعة من الرافضة: هي الثالثة من الكيسانية، وهي الكربية: أصحاب أبي كرب الضرير، يزعمون أن محمد بن الحنفية حي بجبال رضوى، أسد عن يمينه، ونمر عن شماله يحفظانه، يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه، وزعموا أن السبب الذي من أجله صبر على هذا الحال أن يكون مغيباً عن الخلق أن لله تعالى فيه تدبيراً لا يعلمه غيره، ومن القائلين بهذا القول كُثير الشاعر وفي ذلك يقول:

ألا إن الأئمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر

وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها اللواء

تغيب لا يرى فيهم زماناً

برضوى عنده عسل وماء

الفرقة الخامسة من الرافضة: هي الرابعة من الكيسانية يزعمون أن محمد بن الحنفية إنما جعل بجبال رضوى عقوبة لركونه إلى عبد الملك بن مران، وبيعته إياه، ولك أن تتعجب من هذه السخافة، ومن حقد الرافضة على الأمويين.

(1) معجم البلدان 4/ 296.

ص: 211

الفرقة السادسة من الرافضة: هي الخامسة من الكيسانية يزعمون أن محمد بن الحنفية مات، وأن الإمام بعده ابنه أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية.

الفرقة السابعة من الرافضة: هي السادسة من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ابن أخيه الحسن بن محمد بن الحنفية، وأن أبا هاشم أوصى إليه، ثم أوصى الحسن إلى ابنه علي بن الحسن، وهلك علي ولم يعقب، فهم ينتظرون رجعة محمد بن الحنفية، ويقولون: إنه يرجع ويملك، فهم اليوم في التيه لا إمام لهم، إلى أن يرجع إليهم محمد بن الحنفية في زعمهم.

الفرقة الثامنة من الرافضة: هي السابعة من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم هو محمد بن علي بن عبد الله بن العباس قالوا: وذلك أن أبا هاشم مات بأرض الشراة منصرفه من الشام، فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد، ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض، ثم رجع بعض هؤلاء عن هذا القول وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ونصبه إماماً، ثم نص العباس على إمامة ابنه عبد الله، ونص عبد الله على إمامة ابنه علي بن عبد الله، ثم ساقوا الإمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور، وهؤلاء هم الراوندية، وافترقت هذه الفرقة في أمر أبي مسلم الخراساني على مقالتين: فزعمت فرقة منهم تدعى الرزامية أصحاب رجل يقال له: رزام، زعمت أن أبا مسلم قتل، وقالت فرقة أخرى يقال لها: أبو مسلمية إن أبا مسلم حي لم يمت، ويحكى عنهم استحلال لما لم يحلِل لهم أسلافهم.

الفرقة التاسعة من الرافضة: هي الحربية أصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب، وهي الثامنة من الكيسانية يزعمون أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نصب عبد الله بن عمرو بن حرب إماماً، وتحولت روح أبي هاشم فيه، ثم وقفوا على كذب عبد الله بن عمرو بن حرب فصاروا إلى المدينة يلتمسون إماماً، فلقوا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فدعاهم إلى أن يأتموا به، فاستجابوا له ودانوا بإمامته، وادعوا له الوصية، وافترقوا في أمر عبد الله بن معاوية ثلاث فرق:

ص: 212

زعمت فرقة منهم أنه قد مات، وزعمت فرقة أخرى أنه بجبال أصبهان وأنه لم يمت، ولا يموت حتى يقود بنواصي الخيل إلى رجال من بني هاشم، وزعمت فرقة ثالثة أنه حي بجبال أصبهان لم يمت ولا يموت حتى يلي أمور الناس وهو المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم.

الفرقة العاشرة من الرافضة: هم البيانية أصحاب بيان بن سمعان التميمي، وهي الفرقة التاسعة من الكيسانية: يزعمون أن أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي، وأنه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه.

الفرقة الحادية عشرة من الرافضة: هي العاشرة من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

الفرقة الثانية عشرة من الرافضة: هم الذين يسوقون النص من النبي صلى الله عليه وسلم على إمامة علي وينتهون بها إلى علي بن الحسين، وهم المغيرية: أصحاب المغيرة بن سعيد، يزعمون أن الإمام بعد علي بن الحسين ابنه محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر، وأن أبا جعفر أوصى إلى المغيرة بن سعيد، فهم يأتمون به إلى أن يخرج المهدي، والمهدي فيما زعموا هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، وزعموا أنه حي مقيم بجبال ناحية الحاجر، وأنه لا يزال مقيماً هناك إلى أوان خروجه، وإذا قلنا عن صنف أنهم يسوقون الإمامة إلى علي بن الحسين فإنما نعني الذين يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي، وأن علياً نص على إمامة الحسن، وأن الحسن نص على إمامة الحسين، وأن الحسين نص على إمامة علي بن الحسين.

الفرقة الثاثة عشرة من الرافضة: يسوقون الإمامة من علي بن أبي طالب وينتهون بها إلى علي بن الحسين ثم يزعمون أن الإمام بعد علي بن الحسين أبو جعفر محمد بن علي، وأن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج بالمدينة، وزعموا أنه المهدي وأنكروا إمامة المغيرة بن سعيد.

الفرقة الرابعة عشرة من الرافضة: يسوقون الإمامة من علي وينتهون بها إلى علي بن الحسين، ويزعمون أن علي بن الحسين نص على إمامة أبي جعفر محمد

ص: 213

بن علي، وأن أبا جعفر محمد بن علي أوصى إلى أبي منصور، ثم اختلفوا فرقتين:

فرقة يقال لها: الحسينية يزعمون أن أبا منصور أوصى إلى ابنه الحسين بن أبي منصور وهو الإمام بعده.

وفرقة أخرى يقال لها: المحمدية مالت إلى تثبيت أمر محمد بن عبد الله بن الحسن، وإلى القول بإمامته وقالوا: إنما أوصى أبو جعفر إلى أبي منصور دون بني هاشم، كما أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون، دون ولده ودون ولد هارون، ثم إن الأمر بعد أبي منصور راجع إلى ولد علي، كما رجع الأمر بعد يوشع بن نون إلى ولد هارون، قالوا: وإنما أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون دون ولده، ودون ولد هارون لئلا يكون بين البطنين اختلاف، فيكون يوشع هو الذي يدل على صاحب الأمر، فكذلك أبو جعفر أوصى إلى أبي منصور وزعموا أن أبا منصور قال: إنما أنا مستودع وليس لي أن أضعها في غيري، ولكن القائم هو محمد بن عبد الله.

الفرقة الخامسة عشرة من الرافضة: يسوقون الإمامة إلى أبي جعفر محمد بن علي، وأن أبا جعفر نص على إمامة جعفر بن محمد، وأن جعفر بن محمد حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره، وهو القائم المهدي، وهذه الفرقة تسمى الناوسية: لقبوا برئيس لهم يقال له عجلان بن ناوس من أهل البصرة.

الفرقة السادسة عشرة من الرافضة: يزعمون أن جعفر بن محمد مات وأن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل وأنكروا أن يكون إسماعيل مات في حياة أبيه وقالوا: لا يموت حتى يملك لأن أباه قد كان يخبر أنه وصيه والإمام بعده.

الفرقة السابعة عشرة من الرافضة: هم القرامطة يزعمون أن النبي عليه السلام نص على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن علياً نص على إمامة ابنه الحسن رضي الله عنه، وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي رضي الله عنه، وأن الحسين بن علي نص على إمامة ابنه علي بن الحسين، وأن علي بن الحسين نص على إمامة ابنه محمد بن علي، ونص محمد بن علي على إمامة ابنه جعفر، ونص جعفر على إمامة ابن ابنه محمد بن إسماعيل، وزعموا أن محمد بن إسماعيل حي إلى اليوم لم

ص: 214

يمت، ولا يموت حتى يملك الأرض، وأنه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به، واحتجوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم يخبرون فيها أن سابع الأئمة قائمهم.

الفرقة الثامنة عشرة من الرافضة: يسوقون الإمامة من علي بن أبي طالب على سبيل ما حكينا عن القرامطة وينتهون بها إلى جعفر بن محمد، ويزعمون أن جعفر بن محمد جعلها لإسماعيل ابنه دون سائر ولده، فلما مات إسماعيل في حياة أبيه صارت في ابنه محمد بن إسماعيل، وهذا الصنف يدعون المباركية: نسبوا إلى رئيس لهم يقال له المبارك، وزعموا أن محمد بن إسماعيل قد مات، وأنها في ولده من بعده.

الفرقة العشرون من الرافضة: يسوقون الإمامة من علي على ما حكينا عمن تقدمهم وينتهون بها إلى جعفر بن محمد، ويزعمون أن الإمام بعد جعفر محمد بن جعفر، ثم هي في ولده من بعده، وهم السميطية نسبوا إلى رئيس لهم يقال له: يحيى بن أبي سميط.

الفرقة الحادية والعشرون من الرافضة: يسوقون الإمامة من علي إلى جعفر بن محمد على ما حكينا عمن تقدم، ويزعمون أن الإمام بعد جعفر ابنه عبد الله بن جعفر، وكان أكبر من خلف من ولده، وهي في ولده، وأصحاب هذه المقالة يدعون العمارية: نسبوا إلى رئيس لهم يعرف بعمار، ويدعون الفطحية: لأن عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين، وأهل هذه المقالة يرجعون إلى عدد كثير.

فأما زرارة فإن جماعة من العمارية تدعي أنه كان على مقالتها وأنه لم يرجع عنها، وزعم بعضهم أنه رجع عن ذلك حين سأل عبد الله بن جعفر عن مسائل لم يجد عنده جوابها، وصار إلى الائتمام بموسى بن جعفر بن محمد، وأصحاب زرارة يدعون الزرارية ويدعون التميمية.

الفرقة الثانية والعشرون من الرافضة: يسوقون الإمامة وينتهون بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر وأن موسى بن جعفر حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا الصنف يدعون الواقفة لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه إلى غيره، وبعض مخالفي هذه الفرقة

ص: 215

يدعونهم الممطورة وذلك أن رجلاً منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن ويونس من القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر فقال له يونس: أنتم أهون عليّ من الكلاب الممطورة فلزمهم هذا النبز.

والقائلون بإمامة موسى بن جعفر يدعون الموسوية لقولهم بإمامة موسى بن جعفر ويدعون المفضلية لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم يقال له المفضل بن عمر وكان ذا قدر فيهم، وفرقة من الموسوية وقفوا في أمر موسى بن جعفر فقالوا: لا ندري أمات أم لم يمت إلا أنا مقيمون على إمامته حتى يتضح لنا أمر غيره وإن وضحت لنا إمامة غيره كما وضحت لنا إمامته قلنا بذلك وأنقدنا له.

الفرقة الثالثة والعشرون من الرافضة: يسوقون الإمامة من علي إلى موسى بن جعفر كما حكينا من قول المتقدمين غير أنهم يقولون أن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه أحمد بن موسى بن جعفر.

الفرقة الرابعة والعشرون من الرافضة: يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي وأن علياً نص على الحسن بن علي ثم انتهت الإمامة إلى محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر كما حكينا عن أول فرقة من الرافضة، ويزعمون أن محمد بن الحسن بعده إمام هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلاً ويقمع الظلم والأولون قالوا: إن محمد بن الحسن هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

واختلفت الروافض القائلون بإمامة محمد بن علي بن موسى بن جعفر لتقارب سنه؛ وذلك أن أباه توفي وهو ابن ثماني سنين - وقال بعضهم: بل توفي وله أربع سنين - هل كان في تلك الحال إماماً واجب الطاعة على مقالتين:

زعم بعضهم أنه كان في تلك الحال إماماً واجب الطاعة عالماً بما يعلمه الأئمة من الأحكام وجميع أمور الدنيا يجب الائتمام والاقتداء به كما وجب الائتمام والاقتداء بسائر الأئمة من قبله.

وزعم بعضهم أنه كان في تلك الحال إماماً على معنى أن الأمر كان فيه وله دون الناس وعلى أنه لا يصلح لذلك الموضع في ذلك الوقت أحد غيره وأما أن يكون اجتمع فيه في تلك الحال ما اجتمع في غيره من الأئمة المتقدمين فلا، وزعموا أنه

ص: 216

لم يكن يجوز في تلك الحال أن يؤمهم، ولكن الذي يتولى الصلاة لهم وينفذ أحكامهم في ذلك الوقت غيره من أهل الفقه والدين والصلاح إلى أن يبلغ المبلغ الذي يصلح هذا فيه.

تم الكلام في الغلاة والإمامية.

واختلفت الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم وهم فرق:

منها الهشامية: أصحاب هشام بن الحكم الرافضي يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية وحد طويل عريض عميق طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه لا يوفي بعضه على بعض ولم يعينوا طولاً غير الطويل، وإنما قالوا: طوله مثل عرضه على المجاز دون التحقيق، وزعموا أنه نور ساطع له قدر من الأقدار في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وطعمه هو رائحته ورائحته هي مجسته وهو نفسه لون ولم يعينوا لوناً ولا طعماً هو غيره وزعموا أنه هو اللون وهو الطعم وأنه قد كان لا في مكان ثم حدث المكان بأن تحرك البارئ فحدث المكان بحركته فكان فيه وزعم أن المكان هو العرش، وذكر أبو الهذيل في بعض كتبه أن هشام بن الحكم قال له: إن ربه جسم ذاهب جاءٍ فيتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم أخرى وأنه طويل عريض عميق لأن ما لم يكن كذلك دخل في حد التلاشي قال فقلت له: فأيما أعظم إلهك أم هذا الجبل وأومأت إلى أبي قبيس قال: فقال: هذا الجبل يوفي عليه أي هو أعظم منه، وذكر أيضاً ابن الراوندي أن هشام بن الحكم كان يقول: إن بين إلهه وبين الأجسام المشاهدة تشابهاً من جهة من الجهات لولا ذلك ما دلت عليه، وحكي عنه خلاف هذا أنه كان يقول: إنه جسم ذو أبعاض لا يشبهها ولا تشبهه، وحكى الجاحظ عن هشام بن الحكم في بعض كتبه أنه كان يزعم أن الله عز وجل إنما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه الذاهب في عمق الأرض ولولا ملابسته لما وراء ما هناك لما درى ما هناك، وزعم أن بعضه يشوب وهو شعاعه وأن الشوب محال على بعضه، ولو زعم هشام أن الله تعالى يعلم ما تحت الثرى بغير اتصال ولا خبر ولا قياس كان قد ترك تعلقه بالمشاهدة وقال بالحق.

ص: 217

وذكر عن هشام أنه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل: زعم مرة أنه كالبلورة، وزعم مرة أنه كالسبيكة، وزعم مرة أنه بشبر نفسه سبعة أشبار، ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام، وزعم الوراق أن بعض أصحاب هشام أجابه مرة إلى أن الله عز وجل على العرش مماس له وأنه لا ينفصل عن العرش ولا ينفصل العرش عنه.

الفرقة الثانية: يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام وإنما يذهبون في قولهم أنه جسم إلى أنه موجود ولا يثبتون البارئ ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله عز وجل على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.

والفرقة الثالثة: من الرافضة الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجواليقي - وهو غير هشام بن الحكم - يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون: هو نور ساطع يتلألأ بياضاً، وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان، له يد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وأنه يسمع بغير ما يبصر به، وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم، وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة سوداء وأن ذلك نور أسود.

الفرقة الخامسة: يزعمون أن رب العالمين ضياء خالص ونور بحت وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك بأمر واحد وليس بذي صورة ولا أعضاء ولا اختلاف في الأجزاء وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان.

والفرقة السادسة: يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس، وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من متأخريهم فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه.

واختلفت الروافض في القرآن وهم فرقتان:

الفرقة الأولى: هشام بن الحكم وأصحابه يزعمون أن القرآن لا خالق ولا مخلوق، وزاد بعض من يخبر على المقالات في الحكاية عن هشام فزعم أنه كان يقول: لا خالق ولا مخلوق، ولا يقال أيضاً غير مخلوق؛ لأنه صفة والصفة لا توصف، وحكى زرقان عن هشام بن الحكم أنه قال: القرآن على ضربين:

ص: 218

إن كنت تريد المسموع فقد خلق الله عز وجل الصوت المقطع وهو رسم القرآن.

فأما القرآن فهو فعل الله مثل العلم والحركة لا هو هو ولا غيره.

الفرقة الثانية: يزعمون أنه مخلوق محْدث لم يكن ثم كان كما، تزعم المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من المتأخرين منهم.

ومنهم أهل الغلو: ينكرون القيامة والآخرة ويقولون: ليس قيامة ولا آخرة، وإنما هي أرواح تتناسخ في الصور، فمن كان محسناً جوزي بأن ينقل روحه إلى جسد لا يلحقه فيه ضرر ولا ألم، ومن كان مسيئاً جوزي بأن ينقل روحه إلى أجساد يلحق الروح في كونه فيها الضرر والألم، وليس شيء غير ذلك، وأن الدنيا لا تزال أبداً هكذا.

واختلفت الروافض في القرآن هل زيد فيه أو نقص منه: وهم فرق:

منها من يزعم: أن القرآن قد نقص منه، وأما الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان، وكذلك لا يجوز أن يكون قد غير منه شيء عما كان عليه، فأما ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير منه، والإمام يحيط علماً به، وهذا يخالف قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1).

ومنهم القائلون بالاعتزال والإمامة: يزعمون أن القرآن ما نقص منه ولا زيد فيه وأنه على ما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم لم يغير ولم يبدل ولا زال عما كان عليه.

واختلفت الروافض في الأئمة هل يجوز أن يكونوا أفضل من الأنبياء:

منهم من يزعم أن الأئمة لا يكونون أفضل من الأنبياء، بل الأنبياء أفضل منهم، غير أن بعض هؤلاء جوزوا أن يكون الأئمة أفضل من الملائكة.

ومنهم من يزعم: أن الأئمة أفضل من الأنبياء والملائكة وأنه لا يكون أحد أفضل من الأئمة، وهذا قول طوائف منهم.

واختلفت الروافض في الرسول صلى الله عليه وسلم هل يجوز عليه أن يعصي:

(1) الآية (9) من سورة الحجر.

ص: 219

فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جائز عليه أن يعصي الله وأن النبي قد عصى الله في أخذ الفداء يوم بدر، فأما الأئمة فلا يجوز ذلك عليهم؛ لأن الرسول إذا عصى فالوحي يأتيه من قبل الله، والأئمة لا يوحى إليهم ولا تهبط الملائكة عليهم، وهم معصومون فلا يجوز عليهم أن يسهوا، ولا يغلطوا، وإن جاز على الرسول العصيان، والقائل بهذا القول هشام بن الحكم.

ومنهم من يزعم: أنه لا يجوز على الرسول عليه السلام أن يعصي الله عز وجل، ولا يجوز ذلك على الأئمة؛ لأنهم جميعاً حجج الله وهم معصومون من الزلل، ولو جاز عليهم السهو واعتماد المعاصي وركوبها لكانوا قد ساووا المأمومين في جواز ذلك عليهم، كما جاز على المأمومين، ولم يكن المأمومون أحوج إلى الأئمة من الأئمة لو كان ذلك جائزاً عليهم جميعاً.

واختلفت الروافض في الإمام هل يعلم كل شيء:

فمنهم يزعم أن الإمام يعلم كل ما كان وكل ما يكون، ولا يخرج شيء عن علمه من أمر الدين ولا من أمر الدنيا، وزعم هؤلاء أن الرسول كان كاتباً ويعرف الكتابة وسائر اللغات، وهذا مخالف لقوله تعالى:{الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} (1) فقد بين الله عز وجل أنه أمي، والأمي هو من لا يقرأ ولا يكتب.

واختلفت الروافض في الأئمة هل يجوز أن تظهر عليهم المعجزات:

فمنهم من يزعم: أن الأعلام تظهر عليهم، وتهبط الملائكة بالوحي عليهم، ولا يجوز أن ينسخوا الشرائع، ولا يبدلوها ولا يغيروها.

ومنهم من قال: ويجوز أن ينسخوا الشرائع ويبدلوها ويغيروها.

واختلفت الروافض في الإيمان:

فالجمهور منهم يزعمون: أن الإيمان هو الإقرار بالله وبرسوله وبالإمام، وبجميع ما جاء من عندهم، فأما المعرفة بذلك فضرورة عندهم؛ فإذا أقر وعرف فهو مؤمن مسلم، وإذا أقر ولم يعرف فهو مسلم وليس بمؤمن.

(1) من الآيتين (157، 158) من سورة الأعراف.

ص: 220

هذه بعض طامات الرافضة، وبعض ضلالات فرقها، وهو غيض من فيض، لم نتوسع في ذلك؛ لأن المقصود التحذير منهم إجمالا، فضلالهم بين لكل ذي عقل.

والحمد لله أن ثبتنا على منهج الكتاب والسنة وأبعدنا عن الزيغ والضلال.

تم العمل في هذا الكتاب في يوم الاثنين 17/ 6/ 1436 هـ بالمدينة النبوية، سائلا الله عز وجل أن يُعْظم الثواب لمن كتب، ومن نشر، ومن قرأ، والحمد لله المنعم المتفضل، اللهم صلِ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين له، وعلينا معهم عدد خلقك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، ورضى نفسك.

ص: 221