الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ ، قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ ، قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ ، قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ ، قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ ، قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ ، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» (1)، صحيح أن حديث حذيفة هذا عام في الفتن التي تظهر في كل زمان، لكن تضمن النبأ عن أصول الفتن فتنة الخوارج قتلة عثمان رضي الله عنه وفتنة الروافض الغالين في علي وذريته رضي الله عنهم، وقد تقدم الكلام عن الخوارج في خلافة عثمان رضي الله عنه واستشهاده على أيديهم، وسيأتي مزيد بيان عنهم في خلافة علي رضي الله عنه، ولم يكن الرافضة أحسن حالا من الخوارج في محاربة عثمان رضي الله عنه، بل جدوا في ذلك، وأرعدوا وأبرقوا، ولهم مزاعم.
مزاعم الرافضة ضد عثمان
زعم طاغية الشيعة ومدلسهم الحسن بن المطهر الحلي في كتابه منهاج الكرامة أن عثمان ولَّى أمور المسلمين من لا يصلح للولاية (2)، فأجابه شيخ الإسلام ابن تيمية (3)، بأن عليا رضي الله عنه ولى زياد بن أبي سفيان، وولى الأشتر النخعي، وولى محمد بن أبي بكر، وأمثال هؤلاء، ولا يشك عاقل أن معاوية بن أبي سفيان كان خيرا من هؤلاء كلهم.
(1) البخاري حديث (6673) ..
(2)
العواصم من القواصم ط الأوقاف السعودية 1/ 87.
(3)
منهاج السنة 3: 173 - 176.
قال رحمة الله علينا وعليه: "ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان أنه ولَّى أقاربه من بني أمية، ومعلوم أن عليا ولَّى أقاربه من قبل أبيه وأمه، فولَّى عبيد الله بن عباس على اليمن، وولَّى على مكة والطائف قثم بن العباس، وأما المدينة فقيل: إنه ولَّى عليها سهل بن حنيف وقيل: ثمامة بن العباس، وأما البصرة فولَّى عليها عبد الله بن عباس، وولَّى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره؛ لأنه تزوج أمه بعد وفاة أبي بكر، وكان محمد صغيرا".
ثم إن الإمامية تدَّعي أن عليا نص على أولاده في الخلافة - أو على ولده، وولده على ولده الآخر وهلم جرا - ومن المعلوم إن كان تولية الأقربين منكرا، فتولية الخلافة العظمى أولى من إمارة بعض الأعمال. . .، وإذا قال قائل: لعليّ حجة فيما فعله، قيل له: وحجة عثمان فيما فعله أعظم.
وإذا ادَّعى لعلي العصمة ونحوها مما يقطع عنه أَلْسِنة الطاعنين، كان ما يُدَّعى لعثمان من الاجتهاد الذي يقطع أَلْسِنة الطاعنين أقرب إلى المعقول والمنقول. . .، ثم قال رحمة الله علينا وعليه: إن بني أمية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملهم في حياته، واستعملهم بعده من لا يتهم بقرابة فيهم: أبو بكر وعمر، ولا تعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من بني عبد شمس، لأنهم كانوا كثيرين، وكان فيهم شرف وسؤدد، فاستعمل النبي صلى الله عليه وسلم في عزة الإسلام على أفضل الأرض مكة عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية، واستعمل على نجران أبا سفيان بن حرب بن أمية، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص على صدقات بني مذحج، وعلى صنعاء واليمن حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمل عثمان بن سعيد بن العاص على تيماء وخيبر وقرى عُرينة، واستعمل أبان بن سعيد بن العاص على بعض السرايا، ثم استعمله على البحرين فلم يزل عليها بعد العلاء الحضرمي - حليف بني أمية - حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول عثمان: أنا لم أستعمل إلا من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جنسهم ومن قبيلتهم، وكذلك أبو بكر وعمر بعده. . .، فكان الاحتجاج على جواز الاستعمال من بني أمية بالنص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أظهر عند كل عاقل من دعوى كون الخلافة في واحد معين من بني هاشم بالنص، لأن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالنقل، وذلك صدق باتفاق أهل العلم بالنقل، والذي
يستعرض حياة عمال عثمان وجهادهم وفضائلهم يراهم في الذروة العليا من رجال الدولة، ولا يتردد في أنهم من بناة الأساس الأقوم من مجد الإسلام الإداري والعسكري، ولهم ثواب نتائجه في الفتوح وانتشار دعوة الإسلام بما يعده التاريخ من معجزاته الخارقة للعادات صلى الله عليه وسلم (1).
(1) بتصرف، انظر منهاج السنة 3/ 236 - 237.