الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثاني عشر: أن يروي بعض صغار التابعين، ومن ليس من أهل المَيز منهم عن رجل مبهم ما يقتضي له صحبة، وهي أضعف المراتب وإن كان جماعة من الأئمة قبلوا مثل ذلك، وأثبتوا حديثهم في مسانيد الصحابة والرواة عنهم؛ ولعل ذلك والله أعلم لقرينة صدق ذلك الجيل الذي هو خير القرون، وأن مرتبة الصحبة الشريفة لم يدَّعِها أحد في ذلك العصر كذباً (1).
لماذا سموا أصحابا
؟ :
في أقصر تعبير نقول: لأنهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخلصوا له الصحبة في المنشط والمكره، فلم يكن لديهم أثمن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعته ونصرته، بالأموال نعم، بالأرواح نعم، بالأهلين نعم، بكل شيء نعم، ولم يقدر على هذا أحد سواهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
فضل أصحاب رسول الله رضي الله عنهم
-:
قبل الشروع في بيان التفاضل بين الصحابة رضي الله عنهم يجب أن نعلم أن التفاضل بين الأفراد والجماعات والأمم لا يلزم منه التفاضل من كل وجه، بل المراد منه التفاضل على سبيل الإجمال، فالتفاضل بين الخلفاء الأربعة بإجماع أهل السنة أنهم على الترتيب: أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر رضي الله عنه، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم علي رضي الله عنه، وهذا على سبيل الإجمال، ولا يمنع أن يكون الواحد منهم أفضل من غيره في صفة معينة، وهكذا في الجماعات والأمم، ومن اعتقد غير هذا فقد شذ عن الإجماع وانتحل غلوا، لأن المردّ في ذلك إلى الله ورسوله: فالله الخالق يصطفي من الخلق ما يشاء، وفق حكمة أرادها سبحانه، وهو فعال لما يريد، ولا معقب لحكمه، وقد جعل لكل شيء قدرا، فقد ورد فضل الصحابة على سائر الأمة المحمدية على وجه العموم، للأسباب التالية:
1 -
أن الله اصطفاهم لنصرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
2 -
أنهم استجابوا لذلك مهاجرين وأنصارا، فمجرد الاستجابة والترحيب بذلك فضيلة.
(1) تحقيق منيف الرتبة ص: 50 - 59.
3 -
أنهم أكدوا استجابتهم عمليا، فكانوا مضرب الأمثال في الوفاء والتضحية في سبيل الله ورسوله، بالنفس والمال.
4 -
أن الله شهد لهم في كتابه العزيز بالصدق قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (1)، وهذا نص صريح في خروج المهاجرين رضي الله عنهم نصرة لله ورسوله، وفي صدقهم في ذلك، وأخبر تعالى بالرضا عنهم فيما صنعوا قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2)، ولذلك أمرنا الله أن نكون معهم، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (3)، فقد شهد الله عز وجل بأنهم صدقوا في الإيمان والنصرة وهو الأمر الذي عاهدوا الله عليه، قال تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (4)، وهذا عام في المهاجرين والأنصار، وكل من صدق ما عاهد الله عليه، وكذلك صرح الرب عز وجل بالرضى عنهم فيما صنعوا في بيعة الرضوان، لعلمه بما في قلوبهم من صدق الإيمان والنصرة، قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (5)، وكان عدد الذين بايعوا أربعمائة وألف رجل، قال البراء رضي الله عنه: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها، فجلس على شفيرها ثم
(1) الآية (8) من سورة الحشر.
(2)
الآية (100) من سورة التوبة.
(3)
الآية (119) من سورة التوبة.
(4)
الآية (23) من سورة الأحزاب.
(5)
الآية (18) من سورة الفتح ..