الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«جعلتني عِدلا، قل ما شاء الله» (1)، فطهارة المسلم من الشرك تجب اعتقادا ولفظا وعملا، فلا يُعتقد أن مع الله من يُصرف له أيُّ نوع من العبادة مهما كانت تسميتها، لا وسطاء، ولا شفعاء، ولا يُتلفظ بما فيه تعظيم لا يستحقه إلا الله عز وجل ولا ما يشعر بعبادة لغير الله عز وجل، كطلب قضاء الحوائج، وتفريج الكربات، وغير ذلك، ولا يُقام بعمل فيه لله شريك أو شركاء، فلا يُنذر لغير الله، ولا يُذبح لغير الله، كالأضحية، والهدي والفدية، وغير ذلك مما هو قربة، يرجا بها جلب نفع أو دفع ضرر، ولا يُسأل غير الله فيما لا يقدر عليه أحد سواه، وعلى هذا كانت حماية الركيزة الأولى في العهد النبوي.
فالركائز الخمس دوائر مغلقة يرتبط بعضها ببعض، لو كسرة واحدة منهن أذهبت قوة الكل.
حماية الركيزة الثالثة:
إن الركيزة الثالثة جزء لا يتجزأ من الركيزة الثانية، ولذلك كانت الشهادتان: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله تكوِّنان الركن الأول من أركان الإسلام، فلابد في توحيد المعبود من توحيد المتبوع، والعكس كذلك إذ لا تُغني أحداهما عن الأخرى، وحماية وحدة المتبوع تكون بالتبرؤ من كل قول لا يتفق مع ما جاء به صلى الله عليه وسلم لذلك قال صلى الله عليه وسلم:«من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار» (2)، لأنه الناقل عن الله عز وجل، ولأن قوله بأمر أو نهي شرع ألزمنا الله عز وجل به، ولذلك قال حسان بن عطية رحمة الله علينا وعليه:"كان جبريل ينزل بالسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ينزل عليه بالقرآن"(3)، لكونه وحي قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4)، لذلك قال صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد» (5)، وفي
(1) المعجم الكبير للطبراني حديث (13006) ..
(2)
البخاري حديث (107).
(3)
الإبانة الكبرى حديث (220).
(4)
الآيتان (3، 4) من سورة النجم.
(5)
البخاري حديث (20).
رواية «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» (1)، ومِنْ الحماية عدم الغلو في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع في هذا المحذور أمة من الناس، مخالفين بذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله) (2)، وإذا كان الغلو في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهي عنه حماية لوحدة المعبود، فكذلك الغلو في أشخاص العلماء والصالحين منهي عنه، حماية لوحدة المتبوع صلى الله عليه وسلم، هذا هو دين الإسلام، دين الوسطية لا إفراط ولا تفريط؛ لذلك حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإحداث في الدين، واعتبر ذلك من الضلال، كان صلى الله عليه وسلم في خطبته يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: «من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» (3)، ألا يكفي هذا لتنبيه الغافلين، وتحذير الغالين من الخسران المبين؟ ! ، فتصان الوحدة في الاتباع من اقتحام البدع، وسيطرة الأهواء، فلا يكون الاتباع إلا خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (4)، وقد ربط الله محبته باتباع عبده ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (5)، وقال صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به لا يزيغ عنه» (6)، فلا يجوز ترك قول الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع ما يخالفه، من الأقوال كائنا من كان قائلها، وقد فهم هذا الأئمة الأعلام وكل مسلم يجب أن يقول كما قال الأئمة رحمهم الله: قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: إذا جاء القول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى
(1) البخاري حديث (2697).
(2)
البخاري حديث (3445) ..
(3)
النسائي حديث (1578).
(4)
من الآية (7) من سورة الحشر.
(5)
الآية (31) من سورة آل عمران.
(6)
السنة لابن أبي عاصم 15 ..
الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين فنحن رجال وهم رجال؛ لأنه رحمه الله كان من أتباع التابعين، وتتلمذ على التابعين، فأبو حنيفة هو أقدم الأئمة الأربعة رحمهم الله (1)، والإمام مالك رحمه الله قال: كلنا رادّ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - ويقول رحمه الله: أوَ كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء؟ ! ، ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ويقول رحمه الله: إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوا بقول رسول الله، واضربوا بقولي عرض (2) الحائط، ويقول رحمه الله: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائنا من كان، والإمام أحمد رحمه الله يقول: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، هذه أقوال أئمة الإسلام رحمهم الله فكل الأقوال تذوب أمام قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما جرى عليه أمر الرعيل الأول، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما:«يوشِك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟ ! » (3)، إن إخلاص العبادة لله وحده، وخلوص الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو معنى الشهادتين سواء بسواء، ولهذا ورد ما يدل على وجوب حماية هاتين الركيزتين في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك» (4)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض» (5)، وهذا هو مسار الرعيل الأول.
(1) إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد 2/ 111.
(2)
بسكون الراء الموحدة المراد العرض ضد والطول، وهذا عندي أبلغ في الرفض، وبضم العين المراد به الناحية، أي ناحية الجدار، وهو عندي أقل بلاغة، وكلاهما يصح.
(3)
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد 2/ 108 ..
(4)
ابن ماجه حديث (43).
(5)
المستدرك حديث (319).