الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تطل مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان، ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل، ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح، ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض، فلم يبق من الخلافة إلا الاسم في بعض البلاد، بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض، شرقا وغربا وشمالا ويمينا مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة، ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك، فعلى هذا يكون المراد بقوله ثم يكون الهرج يعني القتل الناشئ عن الفتن، وقوعا فاشيا يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام، وكذا كان والله المستعان (1).
مكانة أبي بكر رضي الله عنه
-:
هو رجل الإسلام الأول بعد رسول الله رضي الله عنه، أسلم بإسلامه ستة نفر، خمسة من العشرة المبشرين بالجنة: وهم عثمان، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة، والسادس خباب بن الأرت رضي الله عنهم، ولقد أعز الله الإسلام بخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقد كان الرجل الأول من رجال الإسلام العظام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، رفيق درب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول وهلة، عرفه وآمن به وصدقه ولازمه ملازمة الظل للجسد، ولم يفضِّل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من أصحابه بل كان سيدهم والمقدم عليهم في كل شأن، وقد أَم الناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، عن عائشة رضي الله عمها قالت: "لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: «مروا أبا بكر أن يصلى بالناس» فقلت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى ما يقم
(1) فتح الباري 13/ 214.
مقامك لا يُسمع الناس، فلو أمرت عمر، فقال:«مروا أبا بكر يصلى بالناس» فقلت: لحفصة قولي له إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى ما يقم مقامك لا يُسمع الناس، فلو أمرت عمر، قال:«إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر أن يصلى بالناس» فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه يخطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب أبو بكر يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبى بكر، فكان أبو بكر يصلى قائما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى قاعدا، يقتدى أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس مقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه " (1)، ولو كان عمر رضي الله عنه أفضل من أبي بكر أو حتى مساويا له في الفضل لم يُغلظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام لحفصة مع وجاهة العذر، ولكنه فضل أبي بكر رضي الله عنه، وأول من يعترف به عمر رضي الله عنه، ولم يكن خافيا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يُقِّدم أبا بكر ليصلي بالناس صلاة العصر، في اليوم الذي ذهب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإصلاح بين بني عمرو بن عوف (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:«ولو كنت متخذا من أمتى خليلا لاتخذت، أبا بكر ولكن أخي وصاحبي» (3)، فلم يفضل أحدا من أهل الأرض على أبي بكر رضي الله عنه، إشارة واضحة في استحقاق أبي بكر رضي الله عنه، لو جازت الخلة لأحد من الناس لكانت لأبي بكر كلام من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، ومن هنا عرف الصحابة فضل أبي بكر، وقد قال عمر رضي الله عنه:«لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم» (4)، وهذا الأمر أغاظ كثيرا أتباع أبي لؤلؤة المجوسي على أبي بكر وعمر وعامة الصحابة، وعلى كل من رضي بذلك.
(1) البخاري حديث (713) ومسلم حديث (968) ..
(2)
المعرفة والتاريخ 1/ 455.
(3)
البخاري حديث (3656) ومسلم (6323).
(4)
الإبانة الكبرى لابن بطة (3/ 183).