الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمنين على عزلك بعد عنائك وبلائك؟ ! ، فقال عمر: زعم أني جواد أنفق المال في غير حقه، قال علقمة: والله لقد جئت من الشام أسأله أن ينقل ديوان ابن أخي إلي، وراعيا لإبلي، فآيسني من كل خير هو عنده، قال عمر: قد كان ذلك منه في أمري فماذا عندك؟ ، فقال علقمة وماذا يكون عندي، هم قوم ولاهم الله أمرا ولهم علينا حق؛ فأما حقهم فيؤدى، وأما حقنا فنطلبه إلى الله، فافترقا فلما كان من الغد اجتمع علقمة وخالد عند عمر، فقال عمر: هيه يا خالد لقيت علقمة البارحة فقلت كيت وكيت، فقال خالد والله ما فعلت، فجعل علقمة يعجب من جحده، ثم قال عمر يا علقمة قلت هم قوم ولّاهم الله أمرا، ثم أقتص كلام علقمة الذي كلمه، وخالد ينكر ما سمع، وعلقمة يقول: خل أبا سليمان قد كان ذلك، ثم قال عمر: نعم يا علقمة أنا الذي لقيتك وكلمتك؛ ولأن يكون ما قلت وتكلمت به في قلب كل أسود وأحمر من هذه الأمة أحب إلي من حمر النعم (1).
هذا حال المخلصين لولي الأمر، وليت عثمان رضي الله عنه وجد من أهل مصر والكوفة والبصرة مثل قول علقمة، كذلك علي رضي الله عنه لم يلق من
الخوارج
والرافضة إلا التكفير والغلو الخذلان، فنشأت ثلاث فرق هي أمهات الفرق الضالة، فجميع الفرق الضالة على كثرتها ترجع إلى ثلاث: الخوارج، والرافضة، والصوفية الغالية.
الخوارج
بدأ انشطار الوحدة الإسلامية بفتنة عثمان رضي الله عنه، وتحقق بالفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وذلك بخروج المطالبين بدم عثمان، الأمر الذي نتج عنه تعميق الخلاف بين المسلمين باستحداث أمورا لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عهد الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولا أقرها الخليفتان عثمان وعلي رضي الله عنهما، ولاسيما عليا وآل بيته رضي الله عنهم، وظهر الابتداع في الدين في صور شتى منها القريب والبعيد والموغل في البعد والمارق، وتطور ذلك باستخدام الفلسفة من علم الكلام، وتحكيم العقل فيما جاء به الكتاب والسنة، إما بالتأويل،
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر 41/ 153.
وصرف الأمور عن ظواهرها، وإما بالقدح في نقلة السنة العدول، ونبزهم بالكذب على رسول الله واختلاق ما يناقض الكتاب والسنة الصحيحة، كما سيأتي عن الرافضة، فكان أول من شذ عن الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين الخوارج؛ فهم نابتة سوء برزت في عهد عثمان رضي الله عنه، واشتهر أمرهم في الخروج على علي الخليفة الراشد رضي الله عنه، وشهدوا بالضلال على من هو خير منهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل بالكفر فكفروا عليا من معه من الأصحاب رضي الله عنهم، بل أبطلوا شهادة الله لهم بالإيمان، فإذا فعلو هذا مع زكاهم الله، وشهد لهم بالخيرية والإيمان، فهم مع عامة المؤمنين أشد عداوة فلا يرون لهم حقًا لمن عداهم ليس لهم إلا السيف واستباحة المال والعرض، ولم تجتمع كلمة المسلمين على الخوارج، بل هم أنفسهم على كثرة فرقهم لم يجتمعوا، وكفّر بعضهم بعضا والتاريخ شاهد بذلك، وذلك رحمة من الله بالمسلمين فلو اجتمعت كلمتهم لعادت الجاهلية على أشدها، وانتشر الفساد في الأرض، وتعطلت شعائر الإسلام من صوم وصلاة وحج وزكاة وغير ذلك، فالحمد لله الذي لم يظهر الخوارج على كثرة فرقهم على عباده الصالحين، فكا هذا نصرا منه تعالى لعباده المؤمنين قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (1)، وهذا من أوضح الأدلة على فساد منهج الخوارج؛ لأن الله لم يجمع كلمتهم بل كان يقتل بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا، وقد جمع الله كلمة أهل السنة والجماعة، وأقام لهم من الحكام من حكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله، وإن وقعت من بعضهم هنات، ولكنهم إلى الخير أنزع، ولإقامة العدل والحدود أقرب، أما الخوارج فقد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وبين الحكم عليهم، حين أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال:«ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدل» فقال عمر: " يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ " فقال: «دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر
(1) الآية (51) من سورة غافر.
إلى نصله (1) فلا يوجد فيه شيء (2)، ثم ينظر إلى رصافه (3) فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه (4)، فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه (5) فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر (6)، ويخرجون على حين فرقة من الناس» (7).
قال أبو سعيد: "فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي ابن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته "(8) هذا وصفهم والحكم عليهم، فسماهم الناس خوارج لخروجهم على عثمان الخليفة الراشد، واستباحتهم دمه، في الأشهر الحرم، في ذي الحجة، واقتحام داره وقتله وهو يتلوا كتاب الله عز وجل لتقع أول قطرة من دمه على قول الله تعالى:{فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (9).
وبقتله وقعت الفتنة العظيمة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس في بقايا من شرها إلى اليوم، فظهرت أول فرقة شقّت الوحدة الإسلامية، مع الاحتراز عن التعميم فما كل فرد منهم كان يريد قتل عثمان رضي الله عنه، ولا كل فرد رضي بقتله رضي الله عنه، ومنهم من قصد وترصد وانتهز الفرصة فتولى كبر تلك الفتنة، ولا أستبعد أنهم نواة الخوارج المنشقين على علي رضي الله عنه، فارقوا معاوية إلى صف علي رضي الله عنهما، ثم واصلوا كسر الوحدة الإسلامية بإعلانهم تكفير علي رضي الله عنه، وكذلك ليس كل من خرج على علي كان مكفرا له، بدليل رجوع عدد كبير منهم لما ناظرهم
(1) نصل السهم حدية مسننة تركب في رأسه.
(2)
لا يوجد أثر للدم من سرعة الاختراق والمرور، شبه به سرعة مروق الخوارج من الدين.
(3)
عقبة السهم "مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 293".
(4)
نضي الرمح ما فوق المقبض من صدره "العين 7/ 59".
(5)
ريش السهم؛ واحدتها قذة " مشارق الأنوار على صحاح الآثار 2/ 175".
(6)
تضطرب وتتحرك "غريب الحديث للخطابي 1/ 379".
(7)
البخاري حديث (3610) وفي مواضع عدة، ومسلم حديث (1064).
(8)
البخاري حديث (3610).
(9)
من اللآية (137) من سورة البقرة.
ابن عباس رضي الله عنهما، قدروا بأربعة آلاف (1)، وبقي من كتبت عليهم الشقوة على ضلالهم.
ولو كانوا طلاب حق لما خفي عليهم الأمر سواء في عهد عثمان رضي الله عنه أو عهد علي رضي الله عنه، فالصحابة كثر وكتاب الله محكَّم، وسنة رسول الله ناطقة بالحق، ولكن لهم غاية أبعد من الحق وهو الباطل، الذي اتخذوه شرعة ومنهاجا لتكفير عثمان ثم علي رضي الله عنهما، وتكفير من كان معهما على الحق، ولم يخف أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك عُدّ قتلهم من قبل علي رضي الله عنه فتحا من أجل الفتوح، لأنهم كانوا لا يرون طاعة خليفة، ولا يرونها في قرشي، وكان ضررهم معلوما (2)، وكانت علامتهم ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسما (3)، فأتاه رجل من بني تميم يقال له: ذو الخويصرة فقال: يا رسول الله! اعدل، فقال صلى الله عليه وسلم:«هاك لقد خبت وخسرت إن لم أعدل» فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أقتله، فقال:«لا، إن لهذا أصحابا يخرجون عند اختلاف من الناس. . . .» الحديث تقدم ذكره (4).
وذو الثُّدية هو: حرقوس بن زهير، أحد الخوارج يوم النهروان، قاتلهم علي رضي الله عنه، وتفقد قتلاهم، فاستخرج من بينهم ذا الثُّدية، فرآه ناقص اليد، ليس فيها عظم، طرفها حلمة مثل الثدي، عليها خمس شعرات أو سبع، رؤوسها معقفة، ثم نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة (5)، حينها سجد علي شكرا لله عز وجل لما رأى ذا الثُّدية في القتلى، لأن ذلك كان علامة على أنه رضي الله عنه على الحق (6).
يتلخص من هذا أن نابتة الخوارج أولهم ذو الخويصرة التميمي، وأن شوكتهم تقوى عند اختلاف الناس، وحصل الاختلاف على عثمان رضي الله عنه فبرز ناب الخوارج ليكسر الوحدة الإسلامية، وتبلور في عهد علي رضي الله عنه، وامتد شرهم بعد ذلك.
(1) البداية والنهاية 7/ 312.
(2)
جوامع السيرة 1/ 340.
(3)
قيل: يوم خيبر، وقيل يزم حنين.
(4)
أخرجه البخاري ومسلم.
(5)
مروج الذهب 4/ 416.
(6)
انظر: زاد المعاد 3/ 511.