الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأقاويل، ونفى علمه بها في السابقين، وهذا ما كان عليه جميع الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم علي رضي الله عنه قد تواتر عنه من طرق كثيرة قيل: إنها تبلغ ثمانين طريقا أنه قال: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم وعمر» (1)، ومن بعد الصحابة التابعون، قال ليث بن أبي سليم رحمه الله:"أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدا"، وقال مسروق وطاووس - وهما من أجل التابعين رحمهما الله:"حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة"(2).
قلت: هذا موقف العالمين بقدر وفضل آل البيت، بعيدا عن الغلو والزندقة، هم شيعة الحق والهدى، ليسوا كمن رفض الحق وانتحل الكذب والزور والبهتان، وصنع من آل البيت آلهة يعبدون من دون الله عز وجل، كل ذلك من أجل الكيد لخير القرون ومن تبعهم بإحسان، أهل السنة والجماعة السائرين على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فهم الطائفة المنصورة لا يضرهم من خالفهم حتي يأتي وعد الله عز وجل.
ختم الخلافة ووحدة الأمة:
بقتل علي رضي الله عنه وتنازل الحسن رضي الله عنه ختمت خلافة النبوة، وختمت وحدة الأمة على المنهج النبوي، وصار للسنة مدلولان:
الأول: يطلق على المنهج المخصوص بالسلوك والاتباع لأمر الكتاب والسنة فعلا وتركا، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فلما قُتل علي رضي الله عنه وظهرت البدعة في الدين وصار لها شيع وأنصار، وجُعل لكل شيعة منها اسم، وأُطلق على الملتزمين بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، والذين اتبعوهم لقب: أهل السنة والجماعة، فالمراد بالسنة هنا معناها اللغوي، والتعريف فيها للعهد.
الثاني: إطلاق السنة على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وشمائله، ويطلق عند الفقهاء على ما واظب عليه صلى الله عليه وسلم غالباً لا على سبيل الوجوب، وبالمدلول الأول اللغوي يأخذ كل من ابتدع في الدين ولهم في ذلك اصطلاحات وقواعد في إثبات
(1) المنتقى من منهاج الاعتدال 1/ 361.
(2)
المنتقى من منهاج الاعتدال 1/ 361.
السنة ونفيها وتأويلها وتعارضها، كما أن للفقهاء والمتكلمين المنسوبين إلى السنة والجماعة بالمعنى الأصلي قواعد في ذلك.
ومن هنا يتبين أن ما كان عليه السلف في الصدر الأول لم يسمَّ مذهباً في الإسلام، لأنه هو الإسلام كله، وهو كلٌ لا يتجزأ، ولا يجوز أن تفترق فيه الأمة، وقد أمرنا الله عز وجل بإقامة ذلك المنهج، وهو الدين: وصيته تعالى إلى الأنبياء، ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (1)، لكن من غفلة البعض سمّى ذلك مذهبا ليقابل به مذاهب المبتدعين، وكذلك مسمى السلف أو السلفية أُطلق على غير الواقع، فاعتبار مسمى "السلف" أو "السلفية" مذهبا غيرُ صحيح، الصحيح أنه دليل على التزام المنهج المخصوص بالسلوك والاتباع، المجافي للابتداع في الدين، والغلو فيه، لأن القرآن إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إمام لأصحابه رضي الله عنهم، وأصحابه أئمة لمن بعدهم، وهم التابعون رحمهم الله، هكذا أهل السنة والجماعة، كانوا متفقين هم ومن بعدهم في الرد على أصحاب الأهواء، وقد تسكع أصحاب الأهواء بآرائهم فأحدثوا بدعا مختلفة؛ جائرة عن القصد ومفارقة عن الصراط المستقيم.
فالمراد "بالسلف" أو "السلفية" الذين آثروا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يحيدوا عنه ولاسيما في الاعتقاد، ولذلك كبُر على المبتدعين ما دعا إليه السلفيون، أعني أهل السنة والجماعة، فسماهم الروافض النواصب بالنظر لغلو الرافضة في آل البيت، واعتدال أهل السنة والجماعة العارفين بفضل آل البيت، ووجوب محبتهم على السَّنن الصحيح، ويستمر السجال العقدي بين أهل السنة والغلاة بكل فرقهم وبدعهم المتنوعة، والتي لا تقف عند حد، حتى قام مجدد الاعتقاد في جزيرة العرب الإمام
(1) الآية (159) من سورة الأنعام.
محمد بن عبد الوهاب رحمة الله علينا وعليه، معتمدا براهين الكتاب والسنة، لم يجاوز ما قال الله في كتابه العزيز، وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقسامها الثلاثة، ولاقت دعوة الإمام التصحيحية قبولا ولاسيما في جزيرة العرب، وقامت على نهج تلك الدعوة المباركة دولة التوحيد المباركة، فلم يرُقْ ذلك لأهل الأهواء ناشري الضلال، من الأئمة المضلين وأتباعهم الغوغائيين، فلقبوهم وقالوا:"وهابيون" نسبة إلى الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله علينا وعليه، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب في الفقه على مذهب الإمام أحمد إمام أهل السنة، وفي العقيدة على اعتماد السلف منهج الكتاب والسنة الصحيحة والعمل بذلك، وكذلك الإمام محمد بن سعود على ذلك.
وبالمناسبة ما يزعم الناس من تسمية أهل السنة "بالوهابية" غلط كبير وقع فيه الأعداء، والجهال بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فالأعداء أخذوا عيوب الفرقة الوهابية أتباع إمام الإباضية بالمغرب عبد الوهاب بن رستم، وهم من الخوارج، وقد انشقت عنهم فرقة النكارية؛ لأنهم أنكروا على عبد الوهاب بن رستم، وأتباعه أمورا لم يوافقوهم فيها (1)، فأخذ أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب يلصقون عيوب تلك الفرقة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، واتبعهم الجهال من المسلمين، لأمور: منها العنصرية العمياء، أو السياسة الضالة، أو التدين بالبدع والخرافات، أو الجهل بكل ذلك واتباع كل ناعق.
ومن هنا تعلم عداوة المبتدعين لمنهج السلف، لأن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله علينا وعليه، أحيا منهج السلف في الاعتقاد والسلوك، فكل من يرمي متبعي هذا المنهج بلقب "الوهابية" فهو مبتدع ولا ريب، وقد فارق المنهج السوي، فالسلفيون هم الذين لا يقعون في الإفراط، ولا يقبلون التفريط، أمة وسط بين الغلاة والمفرطين.
(1) وللمزيد أنظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/ 59.