الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان الكتاب والسنة لهم بالمرصاد، أنفذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه: خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا لمحاربتهم، مع أنه لم يعلم عنهم الامتناع عما سوى الزكاة من فرائض الإسلام، لكن الإخلال بركن واحد من أركان الإسلام إخلال بالكل، ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه:"والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه" فقال عمر: "فو الله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق" وفي رواية "عناقا" وهو أصح (1).
فبفضل الله ثم بجهود أبي بكر، والصحابة من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان عاد الأمر إلى نصابه، ومع ذلك بقيت لعمر ومن بعده بقية فتن، والله المستعان.
في عهد عمر رضي الله عنه
-
لم تكن الردة قاصرة على ما سبق بل لعهد أمير المؤمنين عمر الفاروق نصيب من ذلك وإن قلَّ، فقد ارتد في عهده رضي الله عنه بنوا غسان قوم جبلة بن الأيهم، قاتل عامر بن الطفيل الدوسي، وابنه جندب (2) في معركة اليرموك، وكان تنصر ولحق بالشام هو وقومه، ومات على ردته، وقيل: إنه أسلم، ويروى أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أحبار الشام لما لحق بهم كتاباً فيه: إن جبلة ورد إليَّ في سراة قومه، فأسلم فأكرمته ثم سار إلى مكة فطاف فوطئ إزاره رجل من بني فزارة فلطمه جبلة، فهشم أنفه وكسر ثناياه، وفي رواية قلع عينه فاستعدى الفزاري على جبلة إليّ، فحكمت إما بالعفو وإما بالقصاص، فقال: أتقتص مني وأنا ملك وهو سوقة؟ ! ، فقلت: شملك
(1) البخاري حديث (7284) ومسلم حديث (22).
(2)
هكذا ورد ذكرهما في فتوح الشام، ولعل اشتباها وقع بالطفيل بن عمرو، وابنه عمرو، أوضحت ذلك في كتاب الجوس في من إلى دوس.
وإياه الإسلام، فما تفضله إلا بالعافية، فسأل جبلة التأخير إلى الغد فلما كان من الليل ركب مع بني عمه ولحق بالشام مرتداً، وروي أنه ندم على ما فعله وأنشد (1):
تنصرت بعد الحق عارا للطمة
…
ولم يك فيها لو صبرت لها ضرر
فأدركني منها لجاج حمية
…
فبعت لها العين الصحيحة بالعور
فياليت أمي لم تلدني وليتني
…
صبرت على القول الذي قاله عمر
لم نسمع بمدع للنبوة في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه والذي يظهر أن الإسلام بعد حروب الردة وقر في قلوب الناس، ولسطوة عمر وقوته دور في تثبيت الحق، فقد كان سيفا للحق مصلتا على رقاب الزنادقة، وكم كان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعني اضرب عنقه فإنه منافق" وهو الرجل الذي استجاب الله دعوة نبيه فيه حين قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام» (2)، فكان عمر رضي الله عنه هو عز الإسلام، وكان أبو جهل عدو الإسلام، وهو ابن عم أم عمر بن الخطاب، وكذلك خالد بن الوليد رضي الله عنهما.
لم يكن عمر جبارا بل باحثا عن العدل، مناصرا للحق، وقافا عنده لا يعدوه إلى غيره، ولما كثر المسلمون في عهد عمر رضي الله عنه ضاق بهم المسجد، فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور، إلا دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وحجر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فقال عمر للعباس:"يا أبا الفضل إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم، وقد ابتعت ما حوله من المنازل، نوسع به على المسلمين في مسجدهم إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين، فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها، وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم، فقال العباس: ما كنت لأفعل، قال فقال له عمر: اختر مني إحدى ثلاث: إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين، وإما أن أخططك حيث شئت من المدينة وابنيها لك من بيت مال المسلمين، وإما أن تصدق بها على المسلمين فنوسع بها في مسجدهم، فقال: لا ولا واحدة منها، فقال عمر: اجعل بيني وبينك من شئت، فقال: أبي بن كعب"، فانطلقا إلى أبي فقصا عليه القصة فقال أبي: "إن شئتما حدثتكما
(1) تفسير الألوسي 5/ 21.
(2)
الطبقات لابن سعد 3/ 242.