الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حماية الركيزة الرابعة:
هذا هو الرصيد الأمني للأمة الإسلامية مبنيا على الركائز الثلاث السابقة؛ لكون الركيزة الرابعة هي الوحدة في المنهج، والمنهج هو العمل بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكتاب الله مضمون الصلاحية لكل زمان ومكان؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، والسنة النبوية الصحيحة، كلام من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم؛ فهي محفوظة بما قام به علماء الأمة رحمهم الله من أعمال عظيمة قنّنت حمايتها من الزور والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أهل النار لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار» (1)، بل توعد الناقلين فقال صلى الله عليه وسلم:«من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين» (2)، ومن هنا وجب على الأمة مدافعة الأفكار الهدامة، وهي التي لا تمت إلى الكتاب والسنة بصلة، وما أكثرها من زمن قديم، ولكنها في هذا العصر أكثر انتشارا، تحت شعارات براقة تخدع البسطاء من الناس كثيرا، وتستميل أصحاب الأهواء كثيرا، ولكن المعيار الدقيق لكشفها وبيان زيفها عرضها على الكتاب والسنة، فما كان موافقا قبلناه وما كان مخالفا رددناه، ونحن مع الكتاب والسنة على البيضاء طريق الحق المبين، وهو منهج الرعيل الأول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الهادي، وأصحابه هم المهتدون، وقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للعلم بالكتاب والسنة حُماته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال صلى الله عليه وسلم:«يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (3)، فمن الأهمية أن نعرف من هم أصحاب رسول الله رضي الله عنهم، ولماذا سموا أصحابا، وبم نعرف الصحابي من غيره.
الذي عليه جمهور أهل الحديث: أن الصحابي كل مسلم رآه النبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة، وعقل منه شيئاً، فهو صحابي، سواء عقل قليلاً أو كثيراً (4)، مثال ذلك قول محمود
(1) البخاري حديث (107).
(2)
أحمد حديث (18236).
(3)
ذم الكلام للهروي 4/ 199 ..
(4)
تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة 1/ 30.
بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه: "عقلت مجّة مجّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي من دلو معلقة في دارنا"(1).
ولمعرفة من هو الصحابي طرق معلومة عند العلماء وهي:
أولا: التواتر المفيد للعلم القطعي بالصحبة، وهذا لا يختص بالعشرة المشهود لهم بالجنة وأمثالهم، بل يدخل فيه أيضاً كل من تواترت الرواية عنه من الصحابة المكثرين الذين بلغ الرواة عنهم العدد المفيد للتواتر كالمكثرين الرواية عنه صلى الله عليه وسلم وهم مرتبون حسب عدد ما رووا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1 -
أبو هريرة رضي الله عنه روى (5374) حديثا.
2 -
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، روى (2630) حديثا.
3 -
أنس بن مالك رضي الله عنه، روى (2286) حديثا.
4 -
عائشة رضي الله عنها، روت (2210) أحاديث.
5 -
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، روى (1660) حديثا.
6 -
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، روى (1540) حديثا.
7 -
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، روى (1170) حديثا، وغيرهم كعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم وأمثالهم، وكذلك من اتفقت الأمة على صحة حديثه، وتلقته بالقبول وإن لم تكثر الرواية عنه كأبي قتادة رضي الله عنه، وأبي مسعود البدري: عقبة بن عامر مشهور بكنيته رضي الله عنه ونحوهما، فإن من لوازم ذلك اتفاقهم على كونه صحابياً، ويندرج في هذا عدد كثير من الصحابة المتفق على صحة أحاديثهم.
ثانيا: أن تكون صحبته ثابتة بالاشتهار القاصر عن رتبة التواتر، وهو يفيد العلم النظري عند كثير من العلماء، ويلتحق بهذه الرتبة من اتفقت كتب السير والمغازي والتاريخ على ذكره في الصحابة، ويندرج في هذا النوع خلق كثير من الصحابة رضي الله عنهم وإن كان فيهم من ليس له إلاّ الحديث الواحد أو الحديثان، وقد ألف العلماء في هؤلاء مؤلفات منها: المنفردات والوحدان.
(1) اللطائف من دقائق المعارف لأبي موسى المديني 1/ 255.
ثالثا: من لم يشتهر من جهة الرواية عنه ولكن ذكرته كتب السير، إما بالوفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو باللقاء اليسير، أو في أثناء قصة أو غزوة، فهذه مرتبة دون التي قبلها.
رابعا: من روى عنه أحد أئمة التابعين الذين لا يخفى عنهم مدعي الصحبة ممن هو متحقق بها، وأثبت له التابعيُّ الصحبة أو اللقاء، أو جزم بالرواية عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير معترض على ذلك، لما يلزم في روايته عنه على هذا الوجه من تصديقه فيما ذكر من الصحبة والرواية، سواء سماه في روايته عنه أو لم يسمه، بل قال: رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لا تضر الجهالة بعين الصحابي بعد ثبوت صحبته.
خامسا: أن يقول من عرف بالعدالة والأمانة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رأيته يفعل كذا ونحو ذلك، ويكون سنه يحتمل ذلك، والسند إليه صحيح.
سادسا: أن يصح السند إلى رجل مستور لم تتحقق عدالته الباطنة، ولا ظهر فيها ما يقتضي جرحه، فيروي حديثاً يتضمن أنه صحابي.
سابعا: أن يثبت أنه تولى غزوة من غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شارك فيها.
ثامنا: أن يكون ممن أمَّره أحد الخلفاء في حروب الردة وفتوح الأمصار، فإنهم لا يقدمون على الصحابي غيره.
تاسعا: أن يكون ممن ثبت أن ابنه حنَّكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مسح على رأسه، أو دعا له، فإنه كان لا يولد لأحد من الصحابة مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له.
عاشرا: أن يكون من يدعي صحبته صلى الله عليه وسلم ممن كان بمكة أو الطائف سنة عشر من الهجرة؛ إذ من المعلوم عند المحدثين أن كل من كان بمكة أو الطائف سنة عشر قد أسلم، أو حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع؛ فالحجة معه صلى الله عليه وسلم أمر يحرص عليه المسلمون القريبون من مكة، فيكون من حج من الصحابة.
حادي عشر: أن يكون مَنْ يدعي صحبته صلى الله عليه وسلم من الأوس، أو الخزرج الذين كانوا بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد ثبت أنهم دخلوا في الإسلام جميعاً رضي الله عنهم، ولم يثبت عن أحد منهم أنه ارتد عن الإسلام.