الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلافة الراشدة
الله أكبر، ماذا كان حال المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الوحدة والانجبار، ومن الذي لا يتمنى أن يكون رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة؟ ! ! ، ومن الذي لا يتمنى اليوم أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه؟ ! إن عزاءنا في ذلك أن العاملين بالكتاب والسنة، هم الداعون إلى تلك الوحدة، وذلك الانجبار، وهم أمته وهم الغر المحجّلون على الحقيقة، وهو صلى الله عليه وسلم قائدهم، وهم الواردون حوضه، وما قال صلى الله عليه وسلم:
…
«أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ» (1)، ما قال هذا صلى الله عليه وسلم إلا لأن الخلفاء هم الصفوة من الأصحاب، والأصحاب هم الصفوة من الناس، وأمته صلى الله عليه وسلم هي الصفوة من الأمم، إن من يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، في القدوة والعمل كغيرهم من الناس فقد ضل سواء السبيل، وهو ممن اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن نهج نهجهم إلى يوم الدين، هم الفرقة الناجية؛ لأنهم اتبعوا ولم يبتدعوا؛ لأنهم المحققون لقيود الكتاب والسنة، آمنوا بالكتاب والسنة جملة وتفصيلا، فطبقوا قول الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2)، وكم يخافون من قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3)، ويعملون بقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (4)، حياتهم دعوة وإصلاح وبناء عملا بقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ
(1) الترمذي، حديث (2676) وقال: حسن صحيح.
(2)
من الآية (7) من سورة الحشر.
(3)
من الآية (7) من سورة النور ..
(4)
الآية (36) من سورة الأحزاب.
اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1)، نقاء في الاعتقاد، حين تحقق فيهم قول الله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (2)، تمسكوا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم «تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ » قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس:«اللهم اشهد، اللهم اشهد» (3)، وهم الواعون لقوله صلى الله عليه وسلم:«ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروهم، فإن لم يقروهم فلهم أن يعقبوهم بمثل قراهم» (4)، وهم الصابرون امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» (5)، وغير ذلك كثير من منهج الإسلام، مما يطول ذكره وتفصيله، إنها فرقة مجاهدة في تطبيق الكتاب والسنة، جملة وتفصيلا، في كل مناحي الحياة، حتى في كيفية لباس الثوب، والنعل، وآداب الدخول والخروج، وركوب الدابة، قائمون على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي وعد الله عز وجل، ومن كان حريصا على مثل هذه الشعائر اليسيرة السهلة، فهو لما سواها من الأمور العظيمة أطلب، وعليها أحرص، ولرسم الصورة لمنهج المهتدين، نَطْرق باب المهتدي الأول.
والعجب أن لفتة أعرض عنها أهل الأهواء، وكأنها عندهم لم تكن ولم ينطق بها المصطفى صلى الله عليه وسلم، مع أنها من غرر كلامه صلى الله عليه وسلم، ومن علامات صدق نبوته حين قال في شأن الاختلاف والفتن: «فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتى وسنة الخلفاء
(1) الآية (108) من سورة يوسف.
(2)
من الاية (36) من سورة النساء.
(3)
أخرجه مسلم، حديث (1217) وهو طويل.
(4)
أخرجه أحمد المسند حديث (17213).
(5)
البخاري حديث (3792) ومسلم حديث (2493) ..
الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ» (1)، لفتة هامة في سداد أهل السنة، وإشارة واضحة وجلية إلى أنه سيكون بعده صلى الله عليه وسلم خلفاء من أصحابه يلون أمر الأمة المحمدية، فأمر الأمة بالتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم، وبما يسنه كل واحد منهم، لأنهم راشدون مهديون، ولا أشك في علم رسول الله بأعيانهم، وقد ورد عنه ما يشير إلى ذلك في صور منامية رآها رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم:«رأيت الناس مجتمعين فى صعيد، فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفى بعض نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها عمر، فاستحالت بيده غربا، فلم أر عبقريا في الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن» (2)، فاجتماع الناس فيه إشارة إلى اجتماعهم على الخلافة ونزع أبي بكر أولا، يدل على أنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والضعف في النزع إشارة إلى قلة الزمن الذي يكون فيه أبو بكر رضي الله عنه خليفة، وهو ما حدث فعلا فلم يبق في الخلافة سوى سنتين، ونزعُ عمر ثانيا، فيه إشارة إلى أنه الخليفة بعد أبي بكر رضي الله عنه، ويدل وصف عمر رضي الله عنه بقوة النزع على مدة خلافته وقوة عهده، وهو ما حدث فعلا، فلم يكن في الخلفاء بعده أعظم منه عملا، ولا عدلا، ولا قوة للأمة رضي الله عنه، ومما يؤكد أحقية أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة قول الله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (3)، فالآية عامة في استخلاف المؤمنين بعد المشركين، وأهل الكتاب، وهو وعد بشر الله به المؤمنين في أول الإسلام، لتقوى عزائمهم على الثبات ومقارعة المشركين، واليهود والنصارى، وعد بأن يكون للمؤمنين خلفاء يخلفون، أولهم يخلف رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول الخلفاء أبو بكر رضي الله عنه؛ تحققت هذه الآية الكريمة فيه، وفي الثلاثة بعده رضي الله عنهم، فهم في مقدمة الذين آمنوا وعملوا الصالحات، واستخلفهم بعد رسوله واحد تلو الآخر، ووعد الله الذين آمنوا بالمغفرة
(1) الترمذي حديث (2891).
(2)
أخرجه البخاري حديث (2633) ..
(3)
الآية (55) من سورة النور.