الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ عَليّ بن هِشَام فَاضلا شَاعِرًا وَكَانَ الْمَأْمُون يزوره فِي بَيته وَمن شعر عَليّ بن هِشَام
(يَا موقِدَ النَّار يُذكيها فيجمدُها
…
قُرُّ الشتَاء بأرياحٍ وأمطارِ)
(قُم فاصطلِ النارَ من أحشايَ مُضرمةً
…
بالشوقِ تغنَ بهَا يَا مُوقد النارِ)
(وَيَا أَخا الذَّوْدِ قد طالَ الظَّماءُ بهَا
…
مَا تعرفُ الرِّيَّ من جدبٍ وإقتارِ)
(رُدَّ العطاشَ على عَيْني ومَحجرِها
…
تُرْوَ العطاشُ بدمعٍ واكفٍ جاري)
(إِن غَابَ شخصُك عَن عَيْني فَلم تَرضهُ
…
فإنَّ ذكرك مقرونٌ بإضماري)
(عَليّ بن هِلَال)
3 -
(ابْن البوَّاب الْكَاتِب)
عَليّ بن هِلَال أَبُو الْحسن الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن البوَّاب وَكَانَ أَبوهُ يُعرف بالسِّتْري بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء ثَالِثَة الْحُرُوف وَبعدهَا رَاء نِسْبَة إِلَى السِّتْر لأنَّ البوَّاب يلازم السّتْر هُوَ صَاحب الخطّ الْفَائِق الَّذِي لم يُرزق أحدٌ فِي الْكِتَابَة سعادته بِإِجْمَاع النَّاس عِلّة أنَّ الوليَّ العجمي كتب خيرا مِنْهُ فِيمَا أرى وَلَا يَجْسُر أحدٌ على قَول ذَلِك وأوَّل من عرَّب الْخط من الْكُوفِي ابْن مُقلة لَكِن بَقِي فِيهِ تكويفٌ مَا إِلَى أَن جَاءَ ابْن البوَّاب هَذَا فزاده تعريباً ودوَّر حروفَه وَوضع هَذَا الضَّبْط على مَا قيل وَقَالَ ابْن البوَّاب مَا كتبتُ يَوْم السبت مثلَ يَوْم الْخَمِيس قطّ قلت معنى هَذَا الْكَلَام أَنه يكتبُ كلَّ يَوْم فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة استراح فَلَا يكْتب شَيْئا وَفَائِدَة هَذَا الْكَلَام أَن الْكِتَابَة تقوى بالإدمان وتضعف بِالتّرْكِ وَيُقَال إِنَّه كَانَ يتصدَّق بالحروف يكْتب الْحَرْف ويهبه للصعلوك فيتوجَّه بِهِ ويبيعه للكتَّاب بِمَا يتَّفِق لَهُ من الثّمن وَيُقَال إِنَّه وُجد لَهُ سريرٌ ملآن مسودَّاتٍ جَمِيعهَا صُورَة الشدَّة كَذَا قيل وَزعم بعض الْفُضَلَاء أنَّ خطَّه ثَلَاث طَبَقَات سفلى ووسطى وعليا فالسفلى أول كِتَابَته واسْمه فِيهَا عَليّ بن هِلَال بِأَلف بَين اللامين وَالْوُسْطَى أَوسط كِتَابَته واسْمه فِيهَا عَليّ بن هليل بياء)
آخر الْحُرُوف بَين اللامين والعليا وَهِي آخر مَا كتب واسْمه فِيهَا عَليّ بن هلل بِحَذْف الْألف مَا بَين اللامين
وسمعتُ جمَاعَة من الْيَهُود يدَّعون أنَّه كَانَ فِي عصره شخصٌ من الْيَهُود كتب العبراني طبقَة مثل ابْن البوَّاب فِي الْعَرَبِيّ وأنَّه لم يكْتب العبراني أحدٌ قبله وَلَا بعده مثله
ورأيتُ من خطِّه كثيرا وملكتُ مِنْهُ قِطْعَة بلم الرِّقاع فرآها الشَّيْخ بهاء الدّين مَحْمُود ابْن خطيب بعلبكَّ فَقَالَ لم أرَ لِابْنِ البوَّاب رِقَاعًا قطّ غير هَذِه إلَاّ أنَّ هَذِه الْقطعَة الْمَذْكُورَة كَانَ عَلَيْهَا خطّ القاشي الْكَاتِب المُذَهِّب البوَّاب فَاضلا مُذَهِّباً أَيْضا لَهُ مجاميع أدبيَّة وتواليف وَقد شهد لهَذِهِ الْقطعَة أنَّها من نفائس عُقُود ابْن البوَّاب وَشَيخ ابْن البوَّاب فِي الْكِتَابَة مُحَمَّد بن أَسد الْكَاتِب وَقد تقدَّم ذكره فِي مَكَانَهُ البوَّاب ابْن البوَّاب فِي أوَّل أمره مُزَوِّقاً يُزَوِّقُ الدّور ثمَّ صوَّر الْكتب ثمَّ تعانى الْكِتَابَة قلت التَّصْوِير والتذهيب هُوَ الَّذِي أَعَانَهُ على استنباط مَا زَاده فِي الْكِتَابَة وغيَّره من الأَوضاع وَلَقَد دَار بيني وَبَين شرف الدّين عِيسَى النَّاسِخ الْكَاتِب وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد المصريين فِي بعض الْأَيَّام كلامٌ أفْضى إِلَى التعجُّب من أَمر ابْن البوَّاب فَقَالَ مَا بَين النَّاس تفاوتٌ إِلَى حدّ يكون قد جَاءَ أحدٌ لم يجِئ بعده مثله قلت لَيْسَ هَذَا بعجيب لأنَّه اتّفق لَهُ أَشْيَاء مَا اتَّفقت لغيره قَالَ مَا هِيَ قلت الأولى أنَّه اسْتَعَانَ على ذَلِك بِمَا عِنْده من التَّصْوِير والتذهيب والمصوِّرون يَقُولُونَ هَذِه الصُّورَة فِي حركاتها رُطوبةٌ هُنَا ويُبْسٌ هُنَا والرطوبةُ عِنْدهم رتبةٌ عليا واليُبُوسَةُ عيب كَمَا ذَلِك عِنْد الكتَّاب الثَّانِيَة أَنه كَانَت أعضاؤه قَابِلَة لما يَضَعهُ على مَا يتصوَّره فِي نَفسه من الأشكال وَلَيْسَ كل النَّاس كَذَلِك الثَّالِثَة أنَّه هُوَ الَّذِي أبرز هَذِه الأوضاع إِلَى الْوُجُود على مَا رَآهُ وقبلته أعضاؤه المفطورة لذَلِك وإلاّ فَلَيْسَتْ هَذِه الأوضاع أمرا تُلُقِّيَ عَن نبيّ وَلَا وصيّ وَلَا هِيَ أوضاعٌ طبيعيَّة وَلَا أشكالٌ لَازِمَة الْوُجُود أَن تكون كَذَا لأنَّ المغاربة يخالفون المشارقة فِي أوضاعهم الرَّابِعَة أنَّه صقلها بالإدمان حتَّى قويتْ وَقَعَدت وكلُّ من كَانَت كِتَابَته مصقولةً قَاعِدَة كَانَت حَسَنَة فِي الْعين وَلَو لم يراعِ كاتبها أصُول ابْن البوَّاب فَهَذَا الشَّيْخ فتح الدّين بن سيِّد النَّاس أَخْبرنِي أَنه لم يكْتب على أحدٍ وكتابته فِي المغربي والعربي طبقَة الْخَامِسَة أَنه وضع شَيْئا على مَا فِي نَفسه لَيْسَ بطبيعي وَلَا شَرْعِي فجوَّده وساعده الْأُمُور الَّتِي ذكرتُها لَك وَالنَّاس يُرِيدُونَ يحاكونه فيتكلَّفون مَا كَانَ فِي طباع الأول لَا جَرَمَ أنَّ النَّاس تفاوتوا فِي ذَلِك فَمن مُقارب وَمن مُباعد)
على طَبَقَات وَهُوَ الغايةُ فِي ذَلِك فسَلَّم لي شرف الدّين النَّاسِخ وَمن كَانَ حَاضرا واعترفوا بِصِحَّة التَّعْلِيل انْتهى
وَكَانَ ابْن البوَّاب فَاضلا وَلِهَذَا يعرف الْفُضَلَاء خطَّه ممَّا زوَّره عَلَيْهِ الوليّ العجميّ وعَتَّقه على خطوطه لأنَّ ابْن البوَّاب لَا يلحن فِيمَا يكْتب والوليّ يَقع لَهُ اللّحن
وَكَانَ ابْن البوَّاب قد قَرَأَ على ابْن جنِّي وَسمع من أبي عبيد الله المرزُباني وَصَحب أَبَا الْحُسَيْن بن سمعون الْوَاعِظ وَكَانَ ابْن البوَّاب يعظ النَّاس بِجَامِع الْمَنْصُور ويعبِّر للرؤيا وَله نظم ونثر إلَاّ أنَّ نظمه منحطّ
وَتُوفِّي ابْن البوَّاب سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع مائَة وَقيل سنة أَربع عشرَة وَدفن بجوار قبر أَحْمد بن حَنْبَل رضي الله عنه ورثاه الشريف المرتضى بقوله وَكَانَ كثير الْمُلَازمَة للشريف
(رُدِّيتَ يَا ابنَ هلالٍ والرَّدى عَرَضٌ
…
لم يُحْمَ مِنْهُ على سخط لَهُ البَشَرُ)
(مَا ضرَّ فقدكَ والأَيامُ شاهدةٌ
…
بأنَّ فضلك فِيهِ الأنجمُ الزُّهُرُ)
(أغْنيتَ فِي الأرضِ والأقوامِ كلَّهمُ
…
من المحاسن مَا لم يُغنه المطرُ)
(فللقلوب الَّتِي أبهجتَها حَزَنٌ
…
وللعيون الَّتِي أقررتَها سَهَرُ)
(وَمَا لعيشٍ وَقد ودَّعتَه أَرَجٌ
…
وَلَا لليلٍ وَقد فارقتَه سَحَرُ)
(وَمَا لنا بعد أَن أضحت مطالعُنا
…
مسلوبةً مِنْك أوضاح وَلَا غُرَرُ)
وَقيل إِن بعض الشُّعَرَاء رثاه بقوله
(استشعَرَ الكُتَّابُ فقدَك سالفاً
…
وقضتْ بصحَّة ذَلِك الأَيَّامُ)
(فلذاك سُدِّدَتِ الدُّوِيُّ كآبةً
…
أسفا عَلَيْك وشُقَّتِ الأَقلامُ)
وَقَالَ مُحَمَّد بن اللَّيْث الزجَّاج الْموصِلِي يهجوه
(هَبْ لنا الموسويَّ يَا ابنَ هلالِ
…
وابغِ من شئتَ من ذَوي الأَحوالِ)
(ذَاك عينُ الْهدى وَأَنت عَمى الأع
…
يُنِ فِي النَّقْص مُولَعٌ بالكسالِ)
وَقَالَ أَيْضا فِيهِ
(أَيُّهذا الشريفُ حاشاكَ حاشا
…
كَ يُرى فِي فِنائكَ ابنُ هلالِ)
(هُوَ نحسُ النحوس فِي السادةِ الغُ
…
رِّ وسعدُ السُّعودِ فِي الأنذالِ)
)
(أنْظُرِ اللامَ من هلالٍ فَخذهَا
…
فِيهِ مشكولةً بِلَا إشكالِ)
وَقَالَ غَيره
(من ذَا رَأَيْتُمْ من النُّسَّاخ متَّخذاً
…
سِبالَ لصٍّ على غُثْنون مُحتالِ)
(هَذَا وأنتَ ابنُ بوَّابٍ وَذُو عَدَمٍ
…
فَكيف لَو كنتَ ربَّ الدَّار والمالِ)
وَمن شعر ابْن البوَّاب
(ولَوَ أنّي أهْدَيتُ مَا هُوَ فَرْضٌ
…
للرئيس الأجلِّ من أمثالي)
(لنظمتُ النجومَ عِقداً إِذا رصّ
…
ع غَيْرِي جواهراً بلآلي)
(ثمَّ أهديتُها إِلَيْهِ وأقرر
…
تُ بعجزي فِي القَوْل والأفعالِ)
(غير أَنِّي رأيتُ قدرك يَعْلُو
…
عَن نظيرٍ ومُشبهٍ ومثالِ)
(فتفاءلتُ فِي الهديَّة بالأق
…
لَام عِلْماً منّي بِصدق الفالِ)
(فاعتقِدْها مفاتحَ الشرق والغر
…
ب سَرِيعا والسَّهل والأجبالِ)
(فَهِيَ تستنُّ إِن جَرَيْن على القر
…
طاس بَين الأرزاق والآجالِ)
(فاختبرها مُوقِّعاً برسوم ال
…
بِرِّ والمكرُمات والإفضالِ)
حكى مُحَمَّد بن هِلَال بن الصَّابِئ فِي كتاب الهفوات أنَّ أَبَا نصر بن مَسْعُود الْكَاتِب لَقِي يَوْمًا ابْن البوَّاب الْكَاتِب فسلَّم عَلَيْهِ وقبَّل يَده فَقَالَ لَهُ ابْن البوَّاب الله الله يَا سيِّدي مَا أَنا وَهَذَا فَقَالَ لَو قبَّلت الأَرض بَين يَديك لَكَانَ قَلِيلا قَالَ ولمَ ذَاك يَا سَيِّدي وَمَا الَّذِي أوجبه واقتضاه قَالَ لأنَّك تفرّدت بأَشْيَاء مَا فِي بغداذ كلّها من يشاركك فِيهَا مِنْهَا الخطُّ الْحسن وأنَّه لم أرَ عمري كَاتبا من طرف عمَامَته إِلَى طرف لحيته ذراعان وَنصف غَيْرك فَضَحِك ابْن البوَّاب وجزاه خيرا وَقَالَ أَسأَلك أَن تكْتم عنِّي هَذِه الْفَضِيلَة وَكَانَت لحية ابْن البوَّاب طَوِيلَة جدًّا
ولمَّا ورد الْوَزير فَخر الْملك أَبُو غَالب مُحَمَّد بن خلف والياً على الْعرَاق من قبل بهاء بن عضد الدولة جعل ابْن البوَّاب نديماً لَهُ واختصَّ بِهِ وَكَانَ ابْن البوَّاب يتصرَّف فِي خزانَة الْكتب الَّتِي لعضد الدولة بشيراز وأمرها مَرْدُود إِلَيْهِ وَله مَعَ عضد الدولة وَاقعَة جرت فِي أَمر أَجزَاء ربعةٍ بخطِّ ابْن مُقلة فإنَّه كمَّل مِنْهَا جُزْءا مخروماً فكمَّله ابْن البوَّاب وذهَّبه وعتَّقه وأحضره إِلَيْهِ فِي جملَة الْأَجْزَاء فَلم يعرفهُ
قلت وللكتَّاب لحنٌ فِي الْوَضع يعدّونه كَمَا يعدُّ أهل الْعَرَبيَّة لحنهم من ذَاك أنَّ الْكَاف لَا)
تكْتب مجلَّسة إِذا وَقعت طرفا فِي مثل إِلَيْك ولديك وَعَلَيْك وَلَك وَمَا أشبه ذَلِك ثمَّ إِذا كتبت طرفا لَا يعْمل لَهَا ردَّة إنَّما الردّة عَلَيْهَا إِذا كَانَت مَكْتُوبَة أوَّلاً وَفِي بعض