الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكرتُ هُنَا قَول عَلَاء الدّين الوداعي على لِسَان صديق لَهُ يهوى مليحاً فِي أُذُنه لؤلؤة
(قد قلتُ لمَّا مرَّ بِي
…
مُقَرْطَقٌ يَحْكِي القَمَرْ)
(هَذَا أَبُو لؤلؤةٍ
…
مِنْهُ خُذُوا ثأرَ عُمَرْ)
3 -
(زين الدّين الصَّفَدِي)
عمر بن دَاوُد بن هَارُون بن يُوسُف زين الدّين أَبُو حَفْص الْمَعْرُوف بالصفدي أَصله من نَيْن قَرْيَة بمرج بني عَامر من أَعمال صفد وَهِي بنونين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف على وزن بَيْن ورد إِلَى صفد عَام سِتَّة عشر وَسبع مائَة فِيمَا أَظن وَقد عَذَّر وَكتب على الشَّيْخ نجم الدّين الصَّفَدِي واشتغل عَلَيْهِ وتحرَّج بِهِ وَكتب الْإِنْشَاء عِنْده وَكَانَ بِهِ نباهةٌ وذكاء فأتقن كِتَابَة الترسُّل وبرع فِيهَا فَلَمَّا بَطل الشَّيْخ نجم الدّين من الْإِنْشَاء بصفد كتب هُوَ الدَّرج لعلم الدّين سَنْجَر الساقي لمَّا كَانَ مُشِدَّ الدَّوَاوِين وواليَ الْوُلَاة بصفد ولمَّا هرب علم الدّين الْمَذْكُور فارًّا من الْأَمِير سيف الدّين أَرُقْطاي نَائِب صفد كَانَ مَعَه فَحَضَرَ إِلَى دمشق وَأقَام زين الدّين بِدِمَشْق مدَّةً ثمَّ إنَّ ابْن مَنْصُور موقِّع غزَّة أَخذه مَعَه إِلَى غزَّة أَيَّام الْأَمِير علم الدّين الجاوْلي فأعجب الأميرَ علمَ الدّين فضلُه فخاف ابْن مَنْصُور من تقدّمه عَلَيْهِ فَعمل عَلَيْهِ فَأَعَادَهُ إِلَى دمشق فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ إنَّ الْأَمِير سيف الدّين تُنْكُز جهَّزه إِلَى توقيع الرَّحبة أَيَّام القَاضِي شمس الدّين بن شهَاب الدّين مَحْمُود فَأَقَامَ بهَا أَكثر من سنتَيْن فلمَّا توجَّه القَاضِي محيي الدّين وَولده القَاضِي شهَاب الدّين إِلَى مصر توجَّه جمال الدّين بن رزق الله إِلَى توقيع غزَّة فَذَكَرَاهُ للأمير سيف الدّين تنكز فرسم بإحضاره إِلَى دمشق موقِّعاً عِوَضاً عَن)
جمال الدّين بن رزق الله فَأَقَامَ بِدِمَشْق دون السّنة ثمَّ إنَّه طلبه القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله إِلَى مصر فَأَقَامَ يكْتب بَين يَدَيْهِ قَرِيبا من ثَمَانِي سِنِين إِلَى أَن لزم بَيته ثمَّ إنَّ طاجار الدوادار عمل عَلَيْهِ وَأخرجه إِلَى صفد فَأَقَامَ بهَا مدَّةً بطَّالاً
ولمَّا أُمسك الْأَمِير سيف الدّين تنكز وَحضر القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء بِدِمَشْق أحضرهُ إِلَى دمشق وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد فَدخل بِهِ القَاضِي شهَاب الدّين إِلَى ديوَان الْإِنْشَاء بِدِمَشْق أَيَّام الْأَمِير عَلَاء الدّين أَلطُنْبُغا الناصري وكتبتُ لَهُ توقيعاً بذلك وَهُوَ
رُسِمَ بِالْأَمر العالي وَلَا زَالَ يزِيد الأولياءَ زَيْناً ويزين الأكفاءَ بِمن إِذا حلَّ صَدرا كَانَ عَيْناً ويرتجع لكلِّ مستحقٍّ مَا كَانَ لَهُ فِي ذمّة الزَّمَان دَيْناً أَن يستقرَّ الْمجْلس العالي الزينيُّ فِي كَذَا لأنَّه الْكَاتِب الَّذِي دبَّجَ المهارق ورقمَ طروسها فَكَانَ لَهَا نظراتُ الحَدَق ونضارة الحدائق وخطَّ سطورها الَّتِي إِذا رمَّلها غدتْ من الحسنِ كالرَّيحان تَحت الشقائق وصرع بهَا أطيار الْمعَانِي لِأَن دالات السطور قِسِيّ والنُّقط بَنَادِق وزان آفاقها بنجوم أسجاعه فَلم يصل أحد إِلَى دَرَجَات فصاحتها لِما فِيهَا من الدقائق وأصدرها فِي الرَّوْح والرَّوْع يُرَجَّى الحيا مِنْهَا وتُخشى الصَّوَاعِق وأودعها نفائس إنشائه فَأثْنى عَلَيْهَا أئمَّة البلاغة وَلَو سكتوا أثنت حقائب الْحَقَائِق
طالما كتب بالأبواب الشَّرِيفَة تقليداً وجهَّز فِي المهمَّاتِ كتبا مَلَأت الْبَحْر حَربًا والبرَّ بريدا ووشَّى أَمْثِلَة صدرت عَنْهَا فطارت فِي الْآفَاق وَلَكِن أوثقتها الأفهام تقييداً وَعَاد الْآن إِلَى الشَّام فنفَّس عَنْهَا خناق الوحشة بِقُرْبِهِ وتلقَّته بالرّحب علما بِأَنَّهَا تَغْنَى عَن الْكَتَائِب بكُتْبه وأحلَّتْه فِي رُتبةٍ يَسُرُّ فِيهَا الوليَّ بسلمه ويسوء العدوَّ بحربه شوقاً إِلَى أُنسٍ أَلِفَتْه من لطفه وعرفته من عُرْفه فِي نفح عَرفه فطاب بِهِ الواديان كِلَاهُمَا وتنافسا فِي أَخذ حظَّيْهما من قُربه فَمَا تسهلا تساهُماً فَهُوَ من الْقَوْم الَّذين تشقى الْبِقَاع بهم وتُسْعَد وَإِذا قربوا من مكانٍ تخطَّاهم السوء للأبعد وَإِذا قَامُوا بمهمٍّ كَانُوا بِهِ أقعد وَإِذا باشروا الْمَعَالِي كَانُوا أسعد النَّاس وأصعد وَإِذا كتبُوا كبتوا العِدى لأنَّ كَلَامهم لَمَعَ فأبرق وطِرسهم قَعْقَعَ فأرعد فليباشر ذَلِك على مَا عُهد من أدواته الْكَامِلَة وكلماته الَّتِي تركت محاسنَ البرايا بائرة وأزاهرَ الخمائل خاملة والوصايا الَّتِي تُملى كَثِيرَة وَكم شرَّع لَهَا قرطاسه وشرعها بأقلامه ونضَّد عقودها بإحكام أَحْكَامه وملأ بجيوشها صُدُور مَهامِه فَمَا يُلقى إِلَى بحره مِنْهَا دُرَّة وَلَا يُذكر لطود فَضله مِنْهَا ذرَّة وَلَا)
يطلع الْقَلَم فِي أفق فضلٍ كلُّه شُموسٌ من ذَلِك بَدْرَه وَلَا يُدلُّ مثله على صَوَاب فقبيح بالعَوان أَن تُعَلَّم الخِمرة وَلَكِن لَا بُد للقلم من لفتة جِيد وفلتةِ نفثٍ تكون كالخال فِي الوجنة ذَات التوريد وَهِي الذكرى بتقوى الله تَعَالَى الَّتِي من عَدِمَها فقد باءَ بخُسران متين وَمن لَزِمَهَا فقد جَاءَ بسُلْطَان مُبين وَالله يتولَّى رفْعَة مجده وسعة رفده والخطّ الْكَرِيم أَعْلَاهُ حُجَّة بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ
ومولده سنة ثَلَاث وَتِسْعين وست مائَة وبيني وَبَينه مكاتبات كَثِيرَة تشْتَمل على نظم ونثر وَلم يَحضرني الْآن مِنْهَا شَيْء وذهنه جيّدٌ يتوقَّد ذكاءً وكتابته أصيلة منسوبة وعربيّته جيّدة وَقد أتقن مصطلح الدِّيوَان وحرَّره فَهُوَ الْآن من كتَّاب الزَّمَان
وكتبتُ إِلَيْهِ وَهُوَ بِدِمَشْق وَأَنا بصفد
(إنَّ عَيْني مذ غابَ شخصك عَنْهَا
…
يَأْمر السُّهْدُ فِي كراها ويَنْهَى)
(بدموعٍ كأَنهنّ الغوادي
…
لَا تسلْ مَا جرى على الخدِّ مِنْهَا)
وكتبتُ إِلَيْهِ وَهُوَ بغزَّة مَعَ غلامٍ حَسَن الْوَجْه
(يَا نازحاً صَوَّرْتُه فِي خاطري
…
فَرُميتُ للتصوير بالنّيرانِ)
(إِن لم يُبَلِّغْكَ النسيمُ تحيَّتي
…
فَلَقَد أتاكَ بهَا قضيبُ البانِ)
وكتبتُ إِلَيْهِ وَقد تأخَّرت مكاتباته عنِّي وَهُوَ بِدِمَشْق
(يَا بارقاً سَالَ فِي عطف الدُّجى ذَهَبا
…
أَذكرتَني زَمنا فِي جِلِّقٍ ذَهَبا)
(لَئِن حكيتَ فُؤَادِي فِي تَلَهُّبه
…
فلست تحكيه لَا وجدا وَلَا حَرَبا)
(وَيَا نسيماً سرى والليلُ معتكرٌ
…
وَهَبَّ وهْناً إِلَى أَن هزَّني طَرَبا)
(أراكَ تنفحُ عِطراً فِي صَباك فَهَل
…
تركتَ ذيلاً على جَيْرُونَ مُنْسَحِبا)
(أم قد تحمَّلْتَ من صبحي تحيَّتَهم
…
فَكَانَ ذَلِك فِي طيب الصَّبا سَببا)
(قومٌ عهدتُ الوفاءَ المحضَ شيمتَهم
…
وَإِن شكَكْتَ سَلِ العلياء والأدبا)
(صرفتُ إِلَاّ عِناني عَن محبَّتهم
…
وبِتُّ نِضواً خليفَ الشوق مكتئبا)
(لَا الدَّار تدنُو وَلَا السُّلوان يُنجدني
…
وعزَّ ذَلِك مَطْلُوبا إِذا طُلبا)
(أحبابَنا إِن وَنَتْ عنِّي رسائلكم
…
فلستُ أسألُ إِلَاّ الْفضل والحسبا)
(وحياتكم مَا لنَفْسي عنكُمُ بدلٌ
…
كلاّ وَلَا اتَّخذتْ فِي غَيْركُمْ أرَبا)
)
(أُعيذُ ودَّكم من أَن يغيِّرهُ
…
نأيٌ وَلَا جُرِّدَتْ من دون ذَاك ظُبَى)
(لعلَّ دهراً قضى بالبعد يجمعنا
…
وقلَّما جاد دهرٌ بالَّذي سلبا)
(أرْضى بِحكم زماني وَهُوَ يظلمني
…
فِيكُم وأجني ببعدي عَنْكُم التعبا)
(وَلنْ يُظَفِّرَني إِلَاّ بودَّكُمُ
…
يَا حيرتي فيكمُ إِن ردَّ مَا وهبا)
(نسيتموني وَلم أَعتدْ سوى كَرَمٍ
…
مِنْكُم يُبَوِّئُني من فَضلكُمْ رُتَبا)
(حاشاكمُ أَن تَرَوْا هجري بِلَا سَبَب
…
أَو تجْعَلُوا الْبَين فِيمَا بَيْننَا حُجُبا)
(عاقبتموني وَلَا ذنبٌ أتيتُ بِهِ
…
فَقُلْ عَن الصخر إِذْ يقسو وَلَا عجبا)
(عودوا إِلَى جبر كسري لَا فُجِعْتُ بكم
…
فقد لقيتُ ببعدي عنكمُ نصبا)
وَكتب هُوَ إليَّ وَأَنا بِدِمَشْق وَهُوَ بصفد وَقد ظنَّ أنِّي لمَّا كنت بِالْقَاهِرَةِ تمالأتُ عَلَيْهِ وَعلم الله كافٍ
(إِن كَانَ ظنُّكَ أنَّني لَك ظالمُ
…
فارْحمْ لِأَن تُسْمَى بأنَّك راحمُ)
(حَسْبُ الْمُسِيء من الْقصاص بأَنَّه
…
جرحٌ بجرحٍ والسعيد مسالمُ)
(كم قد حرصتُ على التَّنصُّلِ عِنْدَمَا
…
وَقع العتابُ فَمَا أقالَ الحاكمُ)
(الله يعلم أنَّني لَك عاذرٌ
…
وَالله منِّي بِالْبَرَاءَةِ عالمُ)
(هَا قد جرى لي مَا جرى لَك قبلهَا
…
ووقعتُ فِي صفدٍ وأنفي راغمُ)
(إِن صحَّ لي فِيهَا عَلَيْك جنايةٌ
…
فجزاؤها هَذَا العقابُ اللازمُ)
(فاقنعْ بِهِ وَاذْكُر قديمَ مودَّتي
…
فالعهدُ فِيمَا بَيْننَا متقادِمُ)
(أَوَلَم يكنْ ذنبٌ وحالي مَا ترى
…
فامدُدْ إليَّ يدا وجاهُك قائمُ)
(فَلَقَد تأتَّى مَا تُرِيدُ فوالِني
…
مِنْك الجميلَ فأنَّه لَك دائمُ)
(جارَ الزمانُ على وليِّك واعتدى
…
وَإِلَيْك للزمن الألدِّ يخاصِمُ)
(من كَانَ لَيْسَ بنادمٍ مُستدرِكٍ
…
فَأَنا عَلَيْك إِلَى مماتي نادمُ)
(كانتْ هناةٌ وانقضتْ ومَنِ الَّذِي
…
منَّا وَلَيْسَ لَهُ تُعَدُّ جرائمُ)
(إنَّ الَّذِي قَسَمَ الحظوظَ كَمَا يشا
…
للرزقِ مَا بَين البرايا قاسمُ)
(قُلٌّ وكثرٌ وَلَيْسَ تبقى حالةٌ
…
والدهر بَين النَّاس بانٍ هادمُ)
(يَا من لَهُ أخلصتُ كنْ لي مخلصاً
…
فعلى مُجازينا كِلَانَا قادمُ)
)
(أعلنتُ بالشكوى لضُرٍّ مَسَّني
…
لكنَّ وُدِّي فِي الْحَقِيقَة سالمُ)
(وَلَك السِّيَادَة حليةٌ ومكارمُ
…
الأخلاقِ مِنْهَا فِي يَديك خواتمُ)
(فاقبلْ أخوَّتيَ الجديدةَ إنَّني
…
فِيهَا لمجدك أَو لودِّك خادمُ)
(وَإِلَى الرِّضى عُدْ بِي وللحُسنى أَعِدْ
…
حتَّى تقومَ على الصفاءِ علائمُ)
(والبَسْ رياستك السّنيَّة حُلَّة
…
أبدا لَهَا من نسج سعدك راقمُ)
(واجعلْ لَهَا شكرا إقالةَ عثرةٍ
…
من صاحبٍ قد صَدَّ عَنهُ العالمُ)
(أنتَ الخليلُ بل الخليُّ من الهَوَى
…
وأخوَّتي قد جرَّها لَك آدمُ)
(فأَعِنْ أَخَاك بِحسن سعيك مرَّةً
…
إنَّ المغارِمَ فِي الإخاء مغانمُ)
وَلم يزل فِي كِتَابَة الْإِنْشَاء بِدِمَشْق إِلَى أَن طلبه القَاضِي عَلَاء الدّين بن فضل الله إِلَى بَاب السُّلْطَان بمرسوم السُّلْطَان الْملك المظفَّر فتوجَّه هُوَ وَولده شهَاب الدّين أَحْمد إِلَى الديار المصرية فِي الْبَرِيد ورُتِّب زين الدّين الْمَذْكُور موقِّعاً فِي الدَّسْت الشريف بالأبواب السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ توجَّه من دمشق فِي يَوْم عيد الْأَضْحَى سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَأقَام هُنَاكَ إِلَى أَن توفّي رحمه الله وسامحه فِي ثامن عشْرين صفر سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة بعد مرض طَوِيل قاسى مِنْهُ شدَّة
ووقفتُ لَهُ على كتاب كَانَ قد كتبه من صفد بخطِّه إِلَى القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن فضل الله وَهُوَ
(الناسُ هم بِالنَّاسِ فِي الدُّنْيَا فَذا
…
عالٍ وَهَذَا دونَه يرجوهُ)
(والكلُّ عائلةُ الْإِلَه فبعضُهم
…
يدعونَ خيرَهُمُ كَمَا يدعوهُ)
(وهمُ طباعٌ يقصدون كرامَها
…
من بَينهم ومعادنٌ ووجوهُ)
(وَإِلَيْك هَذَا القولُ يسري فالهُ
…
وَعَلَيْك معنى سرِّهِ أجْلوهُ)
يُقَبِّلُ الأرضَ ويُنهي أَن مطالعاته وتضرُّعاته ووسائله ورسائله وقصائده ومذاكراته تكرَّرتْ إِلَى بَيت يَدي المخدوم أدام الله أيَّامه وَأبقى رماحاً للدولة أقلامه وسيوفاً للهيجاء كَلَامه
وَهل سيتسقي الظمآن إِلَاّ الْغَمَام أَو يستصرخ العاني إِلَاّ بالسَّراة الْكِرَام أَو تقف الآمالُ إِلَاّ على الْوُجُوه الصِّباح أَو يجلو ظلمَة اللَّيْل البهيم إِلَاّ الْقَمَر إِذا لَاحَ أَو الصَّباح إِذا طلع بنوره الوضَّاح أَو يلوذ العبدُ إِلَاّ بسيِّده أَو يعوذ الْمُنْقَطع إِلَاّ بِمن سَبَبُ الِاتِّصَال فِي يَده والمملوك)
ظامْ وأفق سيِّدي المخدوم غمامٌ عامٍ وعان وَكَرمه قد مَلأ الدُّنيا بالإنعام وَله أملٌ وَوَجهه قد غطَّى على الشَّمْس بالإشراق وَفِي ليلٍ داج وَبَين عَيْنَيْهِ قمرٌ لَا يصل إِلَيْهِ مُحاق وَمن بِشْره صبحٌ يدلُّ فِي الْآفَاق ضالَّةَ الرفاق وعبدٌ وَأَنت السَّيِّد الْكَامِل ومنقطِع وَأَنت بِمَشِيئَة الله إِلَى المأمن حَامِل
(وَلَا تسْأَل عَن الإفلاس غَيْرِي
…
فآخر مَا يُباع هِيَ الدفاترْ)
(وَمَا لي دفترٌ فأبيعَ مِنْهُ
…
وَقد خَلَتِ الدفاترُ والمحابرْ)
(وَمَا ثَقَّلْتُ إِلَاّ بعد جهدٍ
…
فَكُن لي مُسعفاً يَوْمًا وعاذرْ)
(وحالُ الْجِسْم منِّي مثلُ حَظِّي
…
كطِرسي الكلُّ أشباهٌ نظائرْ)
(وَلَا أَشْكُو لغير الله مَا بِي
…
وَكم فِي الْعَالمين لنا بصائر)
(وَلَكِن أستقيل وَأَنت ناءٍ
…
إِلَيْك كَمَا أكون وَأَنت حَاضر)
(فأدركْني إِذن لَا زلتَ تسخو
…
بجاهٍ عِنْد رَيْبِ الدَّهْر ناصرْ)
(أكابرنا بَقِيتُمْ فِي مزيدٍ
…
من العلياء يكتنف الأصاغرْ)
(وَلَا زَالَت تروح لنا وتغدو
…
بشائرُ مِنْك تتلوها بشائرْ)
(وَإِن كسر الزمانُ لنا قلوباً
…
لقيك مِنْك بِالْإِحْسَانِ جابرْ)
ونقلتُ من خطِّه أَيْضا نُسْخَة كتابٍ كتبه إِلَيْهِ أَيْضا وَهُوَ يُقَبِّلُ الأَرْض ويُنهي أَنه قد انْتهى الْأَمر إِلَى مَا علمه مَوْلَانَا من توجُّه أهل الْمَمْلُوك وَولده إِلَى دمشق وهم الْآن بهَا يسْأَلُون النَّاس الْقُوت والمملوكُ بصفد فِي مثل حَالهم والأمور كلّها بيد الله عز وجل وَقد كَانَ الْمَمْلُوك يعْهَد لَهُ حظًّا من خاطر مَوْلَانَا ويرجو من لطف الله بَقَاء بعضه إِن لم يكن كلّه وحاشا نفسَه الشَّرِيفَة الطاهرة أَن يكون مبلغ رِضَاهُ بَين النَّاس أَن يكون هَذَا نصيب الْمَمْلُوك من جاه مَوْلَانَا وَهَذَا حَاله فِي أيَّام عزِّه وإقبال سعادته الَّتِي كَانَ الْمَمْلُوك يبشِّره بهَا ويلمح لَهُ بوادرها ويتوسَّم مقدِّماتها وَكم كَانَ مَوْلَانَا يُسلف المملوكَ وعودَ خَيره ومواثيق وفائه وعهود مواساته فَلَا يكن ذلّنا فِي عِزِّكَ الغَرضا
(وإنْ حننتَ للحمى وروضه
…
فبالغضا ماءٌ وروضاتٌ أُخَرْ)
(هَل مِصْرُ إِلَاّ منزلٌ مفارَقٌ
…
ووطنٌ فِي غَيره يُقضَى الوَطَرْ)
واللهِ إنَّ الْمَمْلُوك يسرُّه أَن يكون مَوْلَانَا فِي خير وَمَا يُنسبُ إِلَيْهِ إِلَاّ كلّ حَسَنٍ جميل فَلَا)
يتوقَّعُ من جِهَته إِلَاّ الْخَيْر وَلَا يعرف طباعه تقبل إِلَاّ الْخَيْر وَالْإِحْسَان وَلَا يُصغي إِلَاّ لمن يَقُول الْخَيْر ويُشير بِهِ
وَلَو تُرك القطا لَيْلًا لناما
(ولمَّا زَاد مَا ألْقى
…
وَقَالَ الدهرُ أَن أَشْقَى)
(وعزَّ الحظُّ فِي الدُّنيا
…
من الإخوان أَن يبْقى)
(وَكَاد الرّوح من ظمإٍ
…
إِلَى الحلقومِ أَن يرقى)
(تجلَّى لي سحابٌ مُ
…
دَّ حتَّى جَلَّلَ الأُفقا)
(فلمَّا أَن دَنا منِّي
…
تعدَّاني وَمَا أسْقى)
والمملوكُ يعلم ويتحقَّق أَن مَوْلَانَا زَاده الله من فَضله لَا يتخلَّى عمَّن لَا لَهُ بِهِ تعلُّق
فَكيف يتخلَّى عَن عبدٍ خدمَه وَصَارَ لَهُ إِلَيْهِ نِسْبة وَإِن كَانَ قد رضيَ أَن يكون هَذَا حظَّ الْمَمْلُوك مِن تَقَدُّمه وجاهه وعزِّه فالسمع وَألف طَاعَة وعَلى رَأس الْمَمْلُوك وعينه والمملوك هُوَ ملك مَوْلَانَا وَله أَن يتصرَّف فِي ملكه كَيفَ يَشَاء
(إِن كَانَ سُكَّان الغضا
…
رَضُوا بقتلي فَرِضا)
(صرتُ لَهُم عبدا وَمَا
…
للعبدِ أنْ يَعْتَرِضا)
واللهِ الْعَظِيم وَكفى بِاللَّه شَهِيدا إنَّ الْمَمْلُوك يَدْعُو لمولانا بكلِّ دعاءٍ صَالح وَمَا لَهُ أحدٌ من النَّاس غير الرَّحْمَة الَّتِي أسكنها الله فِي قلب مَوْلَانَا وعمَر بهَا خاطره وَمَا يتوَّسل إِلَيْهِ إِلَاّ بعهوده ومواثيقه ومطلوب الْمَمْلُوك الحجّ فِي هَذَا الْعَام فبالله بِاللَّه بِاللَّه يَا مَوْلَانَا لاحظ الْمَمْلُوك بعنايةٍ يتفرَّج بهَا كَرَبُ الْمَمْلُوك ويزولُ عَنهُ العائق بصفد فوَاللَّه قد ضَاقَ الْوَقْت بالمملوك عَن القُوت وَلَا حول وَلَا قوَّة إِلَاّ بِاللَّه العليّ الْعَظِيم وَلَوْلَا أنَّ المخدوم الناصري عزَّ نصرُه ابْن عمّ مَوْلَانَا افْتقدَ المملوكَ بشيءٍ وقاهُ من برد الشتَاء وَإِلَّا كَانَ قد هلك فِي هَذَا الْبرد والمملوك يسْأَل من مَوْلَانَا الحجَّ فِي هَذَا الْعَام لوجه الله عز وجل وَعَسَى أَن يوافيَني الأجَلُ فِي قُرْبةٍ يكون مَعهَا حسنُ الخاتمة فالدنيا قد فرغ مِنْهَا والمملوك مَا لَهُ أحدٌ يتوسَّل بِهِ غير مراحم مَوْلَانَا ووفائه وكرم نَفسه الشَّرِيفَة أُنهي ذَلِك
وَمن إنشائه رَحمَه الله تَعَالَى نُسْخَة كتاب كتبه تجربةً للخاطر يُقبِّلُ اليدَ الشَّرِيفَة الطاهرة الزكية المتواضعة العليَّة الَّتِي تُهدي الجَدا وتُجدي الْهدى وتورد)
الندى وتردُّ ببسطها إِلَى اللهِ الردى وَلَا زَالَت مُنْعِمة وللحسَّاد مُرغِمة وبالمعالي مُعْلَمَة وَبِمَا لَهَا من الْفضل مُعْلِمة وعَلى مَا شقَّ من أسبابِ السِّيَادَة مُقْدِمة وَإِلَى مَا نأى عَن الهمم من الغايات متقدِّمة وَلَا بَرَحَتْ بالقُبَل ملتثمة وبالأفواه مستلَمة وبالمآثر موسومة الْآثَار أحسن سِمَة وَيُنْهِي ورودَ المُشَرَّفِ الْكَرِيم ووقتُ الصَّوْم قد حَان وهلاله فِي عَنان السَّمَاء مُرخى العِنان يُشار إِلَيْهِ للْبَيَان بالبنان كأنَّها الطليعةُ وَهِي الرَّاء من أوَّل رَمَضَان أَو الساقةُ وَهِي النُّون من آخر شعْبَان أَو الخائفُ اختفى عَن العيان وترامته الْأَبْصَار فاستبان أَو طالبُ حاجةٍ مَعَ الشَّمْس أدْركهُ اللَّيْل فَوقف وِقفة الحيران أَو كوَّةٌ فِي غَار أَو قرينٌ غَار فغار أَو رقيبٌ وَلذَا اخْتَبَأَ ليطَّلع على مغيَّبات الْأَسْرَار أَو الحاجبُ لَا جَرَمَ أَنه حُجب على الأنظار أَو الواني ممَّا تمادت بِهِ الْأَسْفَار فِي الأقطار أَو كأنَّه مَا انهارَّ من جُرف النَّهَار أَو المِخلبُ الصَّائِل على النُّظَّار الصائدُ مَا جاوره من النُّجُوم ليتكمَّل فِيهِ الْأَنْوَار ويتمّ باجتماعها إِلَيْهِ فِي صُورَة الأقمار أَو المنجلُ الحاصد للأعمار القاصدُ جنيَ مَا على نهرِ المجرَّة من الْأَنْهَار أَو طوقٌ لم ينضمّ أَو مبدأُ عِمَامَة لمعتمّ أَو قرطٌ خانته العلاقة فَانْقَطع أَو مَا انخرم
من شحمة الأُذن حِين وَقع أَو علامَةُ عضَّة أَو قُلامةٌ مُبيضَّة أَو قطعةٌ من سوار فضَّة أَو تشريفٌ من نوَّارةٍ غَضَّة أَو شفةُ فتاةٍ بَضَّة أَو حافرُ جواد حَلَّى أرضه أَو وطيةُ حافٍ خَلَّى من أثر كَعبه بعضه أَو درهمٌ فيع ثلمة أَو دينارٌ مخسوف الْجَانِب لحكمة أَو تمثالُ عُشْرٍ فِي خَتمة أَو نصفُ دَائِرَة من خطِّ بركار مَا أتَمَّه أَو عُرجونٌ قديم أَو مَا مَال من كأس نديم أَو شطرٌ من كرةٍ مقسومة أَو ضاحكٌ أَسْنَانه مهتومة أَو هالةٌ وارتْ قُطراً مِنْهَا غيمةٌ مركومة أَو لثامٌ على حَنَك أَو زورقٌ على وَرَق أَو ورقٌ حمولته من عنبر الحَلَك أَو حجلٌ نزع من سَاق أَو ورقٌ رَاجع من الأوراق أَو مَا انحلَّ عَن الخصر من النطاق أَو وقفٌ من عاج أَو صدعٌ فِي زجاج أَو جدولٌ منعطف أَو نعلٌ فِي فلاةٍ قد حُذف أَو لَبَّةُ فؤاد أَو غصنٌ أثقله الثَّمر فانآد وعقدَ سماءه بأرضه أَو كَاد أَو نُؤْيٌ محفور أَو ثغرةٌ فِي سور أَو فمُ قدحٍ مكسور أَو فخٌّ مَنْصُوب على طول الدهور أَو حلقةٌ منقوصة أَو أُذن ريم مقصوصة أَو ضفيرةٌ معقوصة أَو خاتمٌ زَالَ فَصُّه ففَغَر أَو مَا انداح من رمية فِي صفحة المَاء بِحجر أَو طيَّةٌ من أعكان أَو سُرَّةٌ مُحقٌقة فِي كشحٍ ريَّان أَو ذؤابة مَرْدُودَة أَو حزَّةٌ من بِطيخةٍ مقدودة أَو عُرفُ ديكٍ مفروش أَو ممَّا فِي ريش الطاووس من تخليق النقوش أَو قوسٌ محنيَّة القَرا أَو عروةٌ)
مفكوكةٌ من العُرى أَو فترٌ مَرْفُوع أَو طيلسانٌ مُقوَّر مرقوع أَو قبضةُ إبريق مخلوعة أَو آلةٌ لَا أَقُول مِجرفة للطيب مصنوعة أَو يدٌ التفَّتْ على عنَاق حبيب أَو شعرةُ مشيب نصلت من خضيب أَو مَا أحَاط من الإكليل بالجبين أَو محرابٌ لبَعض المصلِّين أَو سالفُ تَحْسِين أَو مَشْقَةُ قَاف أَو سين أَو مَا انْدفع من جؤجؤ السفين أَو أحدُ الحُقَّين أَو عِذارٌ حول الخدَّين أَو رأسٌ من كِتَابَة صَاد لم يلتحم أَو عينٌ أَو دَال مُنْقَلب أَو طاءٌ مُنْفَصِل الطَّرفَيْنِ سقط أَلفه المنتصب أَو منسِمٌ منقوب أَو تعريقةُ جِيم مَكْتُوب أَو قميصٌ انفرجت أزراره عَن صدر مكروب أَو عقربٌ شَائِلَة أَو شعلةُ نَار لعبت بهَا الرّيح الجائلة فَهِيَ مائلة أَو حيَّةٌ ملتوية أَو صولجانٌ مقصوف لم يبْق مِنْهُ سوى الحَنيَّة أَو ترقوةٌ بدا عظمها أَو إطارةُ غرضٍ خرق هيأتها سهمُها أَو فلكةُ مِغزل مُشظَّاة أَو دُفٌّ أَمْسَكت كفٌّ سوداءُ على أَعْلَاهُ أَو مَا تَحت تنفُّس الْمَرْأَة فِي الْمرْآة أَو قنطرةٌ منكوسة الْوَضع فِي الْبُنيان أَو طبقٌ قَائِم أُخذ من حافته شيءٌ فَبَان أَو غرَّةٌ فِي أدهمَ من الْخَيل صانعتْ بهَا الشمسُ عَن نفسِها لخاطف اللَّيْل أَو رداءٌ أسبله الشرقُ فكفَّ الغربُ مِنْهُ الذيل أَو صعدة أَو مكانُ ورقةٍ من وردة أَو قفلٌ على تجليد أَو إِحْدَى المطيفتين بالوريد أَو لَبَبٌ مركَّب أَو كُورٌ مُرتَّب أَو قَتَبٌ مُجرَّد أَو سرجٌ مؤكَّد أَو قَرْبوسٌ مِنْهُ مفرَد أَو واحدةٌ من خُشْكَنان أَو حدقةٌ نجلاءُ من إِنْسَان أَو طعنةٌ مثلُها بسنان أَو سيفٌ لَان فِي يَمِين ضَارب أَو مطرحُ القلادة من ترائب الكاعب أَو خيالُ الْمَمْلُوك ممَّا شفَّتْهُ الأشواق وصنعتْه بِهِ عوادي الْفِرَاق أَو مَا خدَّه فِي خَدّه الدمع