الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ خَالِد بن أبان الْأَنْبَارِي أَخُو عبد الْملك بن أبان بَينه وَبَين ابْن الْهَيْثَم حُرْمَة أَيَّام مُقامهما بالأنبار فاختلَّت حَال خَالِد وَضَاقَتْ وتوجَّه إِلَى مصر فَبَلغهُ مَا وصل إِلَيْهِ عَليّ بن الْهَيْثَم)
فَكتب إِلَيْهِ أبياتاً بِالذَّهَب مِنْهَا
(على الْخَالِق الْبَارِي توكَّلتُ إِنَّه
…
يَدُوم إِذا الدُّنْيَا أبادت قُرونَها)
(فداؤكَ نَفسِي يَا عليَّ بن هيثمٍ
…
إِذا أكلَتْ عُجْفُ السنين سمينَها)
(رميتُك من مصرٍ بأمٍّ قلائدي
…
ترفُّ وَقد أقسمتُ أَن لَا تُهينها)
فوجّه إِلَيْهِ بِأَلف دِينَار وَكتب إِلَى عَامل مصر فَاسْتَعْملهُ وَحسنت حَاله وعاتبه الْفضل بن الرّبيع يَوْمًا على تأخّره وَزَاد عَلَيْهِ فَقَالَ جونقا
(وَجَدَني الفضلُ رخيصاً جدًّا
…
فعقَّني وازوَرَّ عنّي صَدّا)
(وظنَّ والظُّنونَ قد تعَدَّى
…
أنّي لَا أُصيبُ مِنْهُ بِدّا)
أعُدُّ مِنْهُ ألفَ بِدٍّ عَدّا ثمَّ انْصَرف جونقا وَلم يعْمل بعْدهَا للسُّلْطَان عملا
3 -
(خُشكَنانجَة الْكَاتِب)
عَليّ بن وصيف الملقَّب بخُشكنانجة الْكَاتِب البغداذي كَانَ أَكثر مقَامه بالرَّقَّة ثمَّ انْتقل إِلَى الْموصل وَكَانَ من البلغاء وألّف عدَّة كتب ونحلها عَبْدَانِ صَاحب الإسماعلية قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق النديم وَكَانَ لي صديقا وأنيساً توفّي بالموصل وَله من الْكتب كتاب الإفصاح والتثقيف فِي الْخراج ورسومه
3 -
(مجد الدّين بن دَقِيق الْعِيد الْمَالِكِي)
عَليّ بن وهب بن مُطِيع بن أبي الطَّاعَة الإِمَام العلاّمة مجد الدّين أَبُو الْحسن وَالِد شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَقد تقدَّم ذكره فِي المحمدين الْقشيرِي البهزيّ بهز بن حَكِيم بن مُعَاوِيَة بن حيدرة المنفلوطي الْمَالِكِي نزيل قُوص ولد سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وتوفِّي سنة
سبع وَسِتِّينَ وست مائَة تفقَّه على أبي الْحسن بن المفضّل الْحَافِظ على مَذْهَب مَالك وَسمع مِنْهُ وَمن غَيره ودرَّس وَأفْتى وصنَّف فِي الْمَذْهَب وانتفع بِهِ أهل الصَّعِيد وَكَانَ شيخ تِلْكَ الديار تفقَّه عَلَيْهِ وَلَده وَغَيره وَكَانَ جَامعا لفنون من الْعلم مَعْرُوفا بالصلاح وَالدّين معظَّماً عِنْد الخاصَّة والعامَّة مطّرحاً للتكلُّف كثير السَّعْي فِي قَضَاء حوائج النَّاس على سمت السَّلف ارتحل النَّاس إِلَيْهِ من الأقطار وتخرَّجوا بِهِ وبرعوا فِي الْفَضَائِل
ولمَّا بنى النجيب بن هبة القوصي مدرسته بقوص أَشَارَ عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو الْحسن بن الصبَّاغ أَن)
يحضر إِلَيْهَا الشَّيْخ مجد الدّين فَأحْضرهُ وَجرى بِسَبَبِهِ من الْخَيْر وَمن الْعلم مَا جرى بقوص
وَسمع على الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن بنت الجُمَّيزي وَعنهُ أَخذ الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي وحدَّث عَن شَيْخه الْمَقْدِسِي وَعَن أبي رَوح عبد المُعزّ بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل الْأنْصَارِيّ وحدَّث عَنهُ ولداه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالشَّيْخ سراج الدّين مُوسَى وتلميذه الشَّيْخ بهاء الدّين القِفطي والحافظ مَنْصُور بن سليم والحافظ عبد الْمُؤمن الدمياطي وقاضي الْقُضَاة ابْن جمَاعَة وَالشَّيْخ تَاج الدّين مُحَمَّد بن الدشناوي وَالشَّيْخ المعمّر أَبُو معِين أَحْمد بن التقيّ عبيد وَغَيرهم
قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأُدْفوي حكى لي تَقِيّ الدّين عبد الْملك الأرمنتي أَن شَيْخه مجد الدّين مرَّ وتقيّ الدّين عبد الْملك هَذَا مَعَه فَرَأى كلبةً قد ولدت وَمَاتَتْ فَقَالَ يَا تقيُّ هَات هَذِه السجَّادة فَحمل الجراء وَجعلهَا فِي مَكَان قريب ورتَّب لَهَا لَبَنًا يسقيها حتَّى كَبرت وَذكر لَهُ وقائع من هَذَا النَّوْع
وَكَانَ يمشي بِنَفسِهِ فِي قَضَاء حوائج النَّاس قَالَ حكى أَصْحَابنَا أنَّه كَانَ عِنْده شخصٌ يُشفق عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه يَا سَيِّدي هَذَا فِيهِ قلَّة دين لينقّصه عِنْده فَقَالَ الشَّيْخ لَا حول وَلَا قوَّة إلَاّ بِاللَّه العليّ الْعَظِيم كنَّا نشفق عَلَيْهِ من جِهَة الدُّنْيَا صرنا نشفق عَلَيْهِ من جِهَة الدّين
قَالَ وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى يسْعَى لطلبته على قدر استحقاقهم فَمن يصلح للْحكم سعى لَهُ فِيهِ وَمن يصلح للتعديل سعى لَهُ فِيهِ وَإِن لم يصلح سعى لَهُ فِي إِمَامَة أَو فِي شغل وإلاّ أَخذ لَهُ على السهمين راتباً حتَّى جَاءَهُ بعض النَّاس وشكا لَهُ ضَرُورَة فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قصَّة للْقَاضِي وَأَنا أتحدَّث مَعَه فَكتب الْمَمْلُوك فلَان يقبِّل الأَرض ويُنهي أنَّ الْمَمْلُوك فَقير مضرور وَكتب مضرور بالظاء وَقَلِيل الْحَظ وَكتبه بالضاد وناولها للشَّيْخ فتبسَّم وَقَالَ يَا فقيهُ ضرّك قَائِم وحظُّك سَاقِط
قَالَ وَكَانَ فِيهِ مَعَ تورُّعه وتقشُّفه بسطة جَاءَهُ بعض الطّلبَة وَقَالَ يَا سَيِّدي هَؤُلَاءِ
الْفُقَهَاء يلقِّبونني بِوَجْه سبع الْحَوْض فَنظر إِلَيْهِ الشَّيْخ وَقَالَ مَا أبعدوا
قَالَ وَكَانَ يقْرَأ فِي المذهبين مَالك وَالشَّافِعِيّ والأصولين وَاخْتصرَ الْمَحْصُول اختصاراً جيّداً قَالَ وَحكى عَنهُ أَصْحَابه أنَّه كَانَ يحفظ فِي الأَدب زهر الْآدَاب وَكَانَ لَهُ شعر وَمِنْه أَنْشدني شَيخنَا العلاّمة أثير الدّين قَالَ أنشدنا أَبُو الْفَتْح مُوسَى بن عَليّ بن وهب قَالَ أنشدنا)
وَالِدي لنَفسِهِ
(وزهَّدني فِي الشِّعر أنَّ سجيَّتي
…
بِمَا يستجيدُ النَّاس ليسَ تجودُ)
(ويأبى ليَ الخِيم الشريفُ رديئَةُ
…
فأطرده عَن خاطري وأذودُ)
وَبِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَيْهِ
(أقولُ لدهرٍ قد تناهَى إساءةً
…
إليَّ وَلَكِن للأحبَّةِ أحسنَا)
(أَلا دُم على الْإِحْسَان فِي من نحبّهم
…
فإنَّهمُ الأولى ودعْ عنكَ أمرنَا)
قلت هُوَ مَأْخُوذ من قَول الْقَائِل
(أَبى دَهْرنَا إسعافنا فِي نفوسنا
…
وأسعَفنا فِي من نجلُّ ونكرمُ)
(فقلتُ لَهُ نعماكَ فيهم أتمَّها
…
ودَعْ أمرنَا إنَّ المهمَّ المقدَّمُ)
وَكتب الشَّيْخ مجد الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي إجَازَة شمس الدّين عمر بن الْمفضل بالفتوى والتدريس أستخير الله تَعَالَى فِي الْإِيرَاد والإصدار وأعتصم بِهِ من آفتي التَّقْصِير والإكثار وأستغفره فِيمَا فرط فِي الْجَهْر والإسرار وَأَقُول إنِّي ذاكرتُ فلَانا زيَّنه الله بالتقوى وحرسه فِي السّرّ والنجوى فِي فنونٍ من الْعُلُوم الشرعيَّة العقليَّة والنقليَّة فَأَلْفَيْته يرجع إِلَى مَعْقُول صَحِيح ومنقول صَرِيح واطِّلاعٍ على المشكلات واضطلاع بحلِّ المعضلات لَا سيَّما فِي فقه الْمَذْهَب فإنَّه أصبح فِيهِ كَالْعلمِ المُذهب وَقَامَ بِعلم الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير فَصَارَ فيهمَا الْفَاضِل النحير وَقد أَجَبْته إِلَى مَا التمس وَإِن كَانَ غنيًّا بِمَا حصَّل واقتبس فليدرّس مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه لطالبيه وليُجب المستفتي بقلمه وفِيه ثِقَة بفضله الباهر وفطرته الوقَّادة وألمعيَّته المنقادة وَالله تَعَالَى يَنْفَعنِي وإيَّاه بِمَا علمناه ويرفعنا بذلك لَدَيْهِ فَمَا الْقَصْد سواهُ تمَّت
وانتفع بالشيخ مجد الدّين جمَاعَة كبار مِنْهُم أَوْلَاده الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالشَّيْخ سراج الدّين مُوسَى وَالشَّيْخ تَاج الدّين أَحْمد وتلاميذه الأئمَّة الشَّيْخ بهاء الدّين هبة الله القفطي وَالشَّيْخ جلال الدّين أَحْمد الدشناوي وَالشَّيْخ محبّ الدّين الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ ضِيَاء الدّين جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الْحُسَيْنِي والنجيب بن مُفْلِح كلُّ هَؤُلَاءِ عُلَمَاء فضلاء