الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُسَيْنِي الزيدي الحرَّاني الْحَنْبَلِيّ السُّني الْمُقْرِئ
كَانَ صَالحا كَبِير الْقدر توفِّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة
3 -
(الصُّليحي صَاحب الْيمن)
عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الصُّلَيحي بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وسمون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا حاء مُهْملَة الْقَائِم بِالْيمن كَانَ أَبوهُ مُحَمَّد قَاضِي الْيمن سنِّيَّ الْمَذْهَب وَكَانَ أَهله)
وجماعته يطيعونه وَكَانَ الدَّاعِي عَامر بن عبد الله الزَّواخي يلاطفه وَيكْتب إِلَيْهِ ويركب إِلَيْهِ لرياسته وسؤدده وَعلمه وصلاحه فَلم يزل عَامر الْمُذكر إِلَى أَن استمال قلب وَلَده عَليّ وَهُوَ دون الْبلُوغ ولاحت لَهُ فِيهِ مخايل النجابة وَقيل كَانَت عِنْده حِلية الصليحي فِي كتاب الصُوَر من الذَّخَائِر الْقَدِيمَة فأوقفه على تنقّل حَاله وَأمره بكتمان أمره عَن أَهله وَأوصى لَهُ بكتبه
ورسخ فِي ذهن عَليّ من كَلَامه مَا رسخ وَعَكَفَ على الدَّرْس وَكَانَ ذكيًّا فَمَا بلغ حتَّى تضلّع من الْعُلُوم وَكَانَ فَقِيها فِي مَذْهَب الإمامية بَصيرًا بالتأويل ثمَّ إنَّه صَار يحجّ بِالنَّاسِ دَلِيلا على طَرِيق السَّراة والطائف خمس عشرَة سنة وَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ لَهُ بلغنَا أنَّك تملك الْيمن جَمِيعه فينكر هَذَا القَوْل وشاع ذَلِك فِي أَفْوَاه النَّاس فلمَّا كَانَ فِي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة ثار فِي رَأس مسار وَهُوَ أَعلَى ذرْوَة فِي جبال الْيمن وَمَعَهُ سِتُّونَ رجلا قد حالفهم بمكَّة فِي موسم سنة ثَمَان وَعشْرين على الْمَوْت وَالْقِيَام بدعوته وَمَا مِنْهُم إلَاّ من هُوَ من قومه وعشيرته فِي مَنَعَة وَعدد كثير وَلم يكن فِي ذرْوَة الْجَبَل إلَاّ قُلَّةٌ منيعة فلمَّا ملكهَا لم ينتصف النَّهَار إِلَى اللَّيْلَة إلَاّ وَقد أحَاط بِهِ عشرُون ألف ضَارب سيف وحصروه وسبّوه وسفَّهوا رَأْيه وَقَالُوا إِن نزلت وإلاّ قتلناك وَمن مَعَك بِالْجُوعِ فَقَالَ لم أفعل هَذَا إلَاّ خوفًا علينا وَعَلَيْكُم أَن يملكهُ غَيرنَا فَإِن تركتموني حرسته وَإِلَّا نزلت فانصرفوا عَنهُ وَلم يمض شهر حتَّى حصَّنه وأتقنه واستفحل أمره ودعا للمستنصر صَاحب مصر فِي الْخفية وَلذَلِك سمِّي الدَّاعِي وَخَافَ من
نجاح صَاحب تهَامَة فَكَانَ يلاطفه وَفِي الْبَاطِن يعْمل على قَتله وَلم يزل حتَّى قَتله بالسم مَعَ جَارِيَة أهداها إِلَيْهِ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبع مائَة بالكَدْراء
وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين كتب الصليحي إِلَى الْمُسْتَنْصر يَسْتَأْذِنهُ فِي إِظْهَار الدولة فَأذن لَهُ فطوى الْبِلَاد والحصون والتهائم وَلم تخرج سنة خمس وَخمسين إلَاّ وَقد ملك الْيمن كلّه سهله وجبله ووعره وبحره وَهَذَا أَمر لم يُعهد مثله فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام حتَّى قَالَ يَوْمًا وَهُوَ يخْطب فِي جَامع الْجند وَفِي مثل هَذَا الْيَوْم يُخطب على مِنْبَر عدن وَلم يكن ملكهَا بعد فَقَالَ بعض الْحَاضِرين سُبُّوح قُدُّوس مستهزئاً فَأمر بالحوطة عَلَيْهِ وخطب الصليحي فِي مثل ذَلِك الْيَوْم على مِنْبَر عدن فَقَامَ ذَلِك الْإِنْسَان وتغالى فِي القَوْل وَأخذ الْبيعَة وَدخل فِي الْمَذْهَب
وَأخذ مُلُوك الْيمن الَّذين أَزَال ملكهم وأسكنهم مَعَه وولّى فِي الْحُصُون غَيرهم واختطَّ فِي)
صنعاء عدّة قُصُور وَحلف أَن لَا يولِّي تهَامَة إلَاّ مَن وزن مائَة ألف دِينَار فوزنت لَهُ زَوجته أَسمَاء عَن أَخِيهَا أسعد شهَاب الدّين فولاّه وَقَالَ لَهَا يَا مولاتنا أنَّى لكِ هَذَا قَالَت هُوَ من عِنْد الله الْآيَة فَتَبَسَّمَ وَعلم أَنه من خزانته فَقَبضهُ وَقَالَ هَذِه بضاعتنا ردَّت إِلَيْنَا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا
وعزم سنة ثَلَاث وَسبعين على الْحَج فَأخذ مَعَه الْمُلُوك الَّذين يخافهم وزوجتَه واستخلف عِوَضه وَلَده الْملك المكرَّم أَحْمد وَهُوَ وَلَدهَا أَيْضا وتوجَّه فِي ألفي فَارس فلمَّا كَانَ بالمَهْجَم وَنزل فِي ظَاهرهَا بضيعة يُقَال لَهَا أمّ الدُّهيم وبئر أمّ مَعْبَد وخيَّمت عساكره لم يشْعر النَّاس حتَّى قيل لَهُم قُتل الصليحي فانذعر النَّاس وكشفوا عَن هَذَا الْأَمر وَكَانَ سعيد الْأَحول بن نجاح الْمَذْكُور قد استتر فِي زَبيد وَخرج هُوَ وَأَخُوهُ ومعهما سَبْعُونَ رَاجِلا بِلَا مركوب وَلَا سلَاح بل مَعَ كل وَاحِد جَرِيدَة فِي رَأسهَا مِسْمَار حَدِيد وسلكوا غير الطَّرِيق الجادَّة وَكَانَ بَينهم وَبَين المهجم ثَلَاث ليالٍ للمُجِدّ وَكَانَ الصليحي سمع بخروجهم فسيَّر خَمْسَة آلَاف حَرْبَة من الْحَبَشَة لقتالهم فَاخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيق فوصل سعيد وَمن مَعَه إِلَى أَطْرَاف المخيم وَقد أَخذ مِنْهُم الحفا والتعب وقلَّة المادَّة فظنَّ النَّاس أنَّهم من جملَة عبيد الْعَسْكَر وَلم يشْعر بهم إلَاّ عبد الله أَخُو عَليّ الصليحي فَقَالَ لَهُ اركب فإنَّ هَذَا الْأَحول سعيد بن نجاح وَركب عبد الله فَقَالَ الصليحي إنِّي لَا أَمُوت إلَاّ بالدُّهيم وبئر أمّ مَعْبَد مُعْتَقدًا أنَّها أمّ معبد الَّتِي نزل بهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ رجل من أَصْحَابه قاتلْ عَن نَفسك فَهَذِهِ وَالله الدُّهيم وبئر أمّ مَعبد فلمَّا سمع ذَلِك زمِع ولحقه الْيَأْس من الْحَيَاة
وبال وَلم يبرح من مَكَانَهُ حتَّى قُطع رَأسه بِسَيْفِهِ وقُتل أَخُوهُ وَسَائِر الصُّليحيِّين وَذَلِكَ ثامن ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبع مائَة
ثمَّ أرسل سعيد إِلَى الْخَمْسَة آلَاف الَّذين أرسلهم الصليحي لقتاله يُخْبِرهُمْ بقتل الصليحي وَقد أخذتُ بثأر أبي وَأَنا رجل مِنْكُم فقدموا عَلَيْهِ وأطاعوه واستعان بهم على قتال عَسْكَر الصليحي وَرفع رَأس الصليحي على عود المظلَّة وَقَرَأَ الْقَارئ اللَّهُمَّ مالِك المُلك تُؤتي الملكَ من تشَاء الْآيَة
وَرجع إِلَى زبيد وَقد جَازَ الْغَنَائِم وَملك ملكا عقيماً وَملك بِلَاد تهَامَة وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن قُتل سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة بتدبير الحُرَّة وَهِي امْرَأَة من الصُّليحيِّين وَخبر ذَلِك)
يطول وَفِي رفع رَأس الصليحي قَالَ العُثماني القَاضِي
(بكرتْ مظلَّته عَلَيْهِ فَلم ترح
…
إلَاّ على الْملك الأجلِّ سعيدِها)
(مَا كَانَ أقبحَ وجهَه فِي ظلّها
…
مَا كَانَ أحسن رأسَه فِي عودِها)
(سودُ الأراقم قَاتَلت أُسْدَ الشرى
…
وارحمتا لأسودها من سودِها)
وَمن شعر الصليحي الْمَذْكُور
(أنكحتُ بيضَ الْهِنْد سمرَ رقابهم
…
فرؤوسهم دون النثار نُثارُ)
(وَكَذَا العُلَى لَا يستباح نكاحُها
…
إلَاّ بِحَيْثُ تطلَّق الأعمارُ)
وَمِنْه
(وألذُّ من قرع المثاني عِنْده
…
فِي الحربِ ألْجِمْ يَا غلامُ وأسْرِجِ)
(خيلٌ بأقصى حضرموتٍ أَسْرُها
…
وزئيرها بَين الْعرَاق ومَنْبِجِ)
وَمن شعر الصليحي قصيدةٌ أوَّلها
(لباسيَ دِرْعِي
…
لَا لباسُ الغلائل)
وَمِنْهَا
(وسَرجي لجامي والحسامُ مضاجعي
…
وعُدة حَرْبِيّ لَا ذواتُ الخلاخلِ)
(ورمحي يعاطيني الْبعيد لأنّني
…
تناولت مَا أعيا على المتناولِ)
(ولي همَّة تسمو على كل همَّةٍ
…
ولي أمل على كل آملِ)
(ولي من بني قحطان أنصارُ دولةٍ
…
بطاريقُ من أنجاد كلّ القبائلِ)