الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(الْوَزير ابْن الْفُرَات)
عَليّ بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن الْحسن بن الْفُرَات أَبُو الْحسن بن أبي جَعْفَر الْكَاتِب من أهل هُمَيْنيا قَرْيَة بَين بغداذ وواسط وَقَالَ الصولي هُوَ من قَرْيَة بابلا قريبَة من صَريفين تولّى أَمر الدَّوَاوِين أيّام المكتفي وَلما أفضت الْخلَافَة إِلَى المقتدر أَخِيه ووزيره الْعَبَّاس بن الْحسن بَقِي ابْن الْفُرَات على ولَايَته فَلَمَّا وَقعت فتْنَة ابْن المعتزّ وَقتل الْعَبَّاس ولاّه المقتدر الوزارة سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وفوَّض إِلَيْهِ الْأُمُور كلَّها فَسَار بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَالْعَفو عَن الجُناة والإفضال وَكَانَ أَخُوهُ أَحْمد أكبر سنًّا مِنْهُ وَأَرْفَع طبقَة فِي الْآدَاب والعلوم وَأَبُو الْحسن هَذَا يتقدَّم أَخَاهُ فِي الْحساب وَالْخَرَاج وَله فِيهِ مصنَّف وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد أَبُو أَحْمد المُحَسِّن وَأَبُو نصر الْفضل وَالْحُسَيْن وعزل عَن الوزارة سنة تسع وَتِسْعين وَكَانَت وزارته ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وأعيد إِلَى الوزارة ثَانِيًا بعد عزل عَليّ بن عِيسَى ثمَّ عزل وَكَانَت وزارته الثَّانِيَة سنة وَاحِدَة وَخَمْسَة أشهر وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَولي حَامِد بن الْعَبَّاس ثمَّ إِنَّه أُعِيد إِلَى الوزارة مرّة ثَالِثَة وولَّى المحسِّن وَلَده أمرَ الدَّوَاوِين فَبسط يَده وصادر النَّاس وعذَّبهم حتَّى هَلَكُوا وجاهر الأكابر بالعداوة فعُزل أَبوهُ وَكَانَت وزارته الثَّالِثَة عشرَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَوصل الشُّعَرَاء فِي وزارته الثَّالِثَة بِعشْرين ألف دِرْهَم وَأطلق لطلاب الحَدِيث والآداب عشْرين ألف دِرْهَم وَكَانَ رجلٌ من أَرْبَاب الْحَوَائِج قد اشْترى خبْزًا وجبناً وَأكله فِي الدهليز فَبلغ الْوَزير فَأمر بِنصب مطبخ لمن يحضر من أَرْبَاب الْحَوَائِج وَلم يزل طول أَيَّامه وَمَا ردَّ أحدا قطُّ عَن حَاجَة إلَاّ وعلّق أمله إِمَّا يَقُول عاودني أَو أعوِّضك أَو تمهَّل قَلِيلا أَو شَيْئا من هَذَا وَكَانَ يُجري على خَمْسَة آلَاف من النَّاس وأقلُّ)
جاري أحدهم خَمْسَة دَرَاهِم وَنصف قفيز دَقِيق إِلَى مائَة دِينَار وَعشرَة أَقْفِزَة فِي كل شهر
وَمن شعره وَلم يُوجد لَهُ غَيرهمَا
(معذِّبتي هَل لي إِلَى الْوَصْل حيلةٌ
…
وَهل لي إِلَى استعطاف قلبكِ من وَجه)
(فَلَا خيرَ فِي الدُّنْيَا وَأَنت بخيلةٌ
…
وَلَا خيرَ فِي وصلٍ يكون على كَرْهِ)
وَأورد لَهُ هِلَال بن المُحسِّن فِي كتاب الوزراء
(خليليَّ قد أمسيتُ حيران موجَعا
…
وَقد بَان شَرخٌ للشباب فودَّعا)
(وَلَا بدَّ أَن أُعطي اللذاذة حقَّها
…
وَإِن شَاب رَأْسِي فِي الهَوَى وتصلَّعا)
(إِذا كنتُ للأعمال غيرَ مُضيِّعٍ
…
فَمَا حقُّ نَفسِي أَن أكون مضيَّعا)
وَكَانَ كثير الْمَوَاهِب والصلات وَإِنَّمَا فِي وزارته الثَّالِثَة سلّط ابْنه المحسِّن على النَّاس وَكَانَ سَبَب هلاكهما على مَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة المحسِّن ولمَّا قبض عَلَيْهِ سُلِّما إِلَى نازوك فَضرب عنق ابْنه وأحضر إِلَى أَبِيه فَلَمَّا رَآهُ ارتاع ثمَّ ضربت عنق أَبِيه وَحمل رأساهما إِلَى المقتدر وغُرِّق جسداهما ثمَّ بعد أيامٍ رمي برأسيهما فِي دجلة وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَلَاث مائَة
وَقَالَ أَحْمد بن إِسْحَاق البهلول لما أمسك بن الْفُرَات
(قل لهَذَا الْوَزير قولَ مُحِقٍّ
…
بَثَّهُ النُصحَ أيَّما إبثاثِ)
(قد تقلَّدتَها ثَلَاثًا ثَلَاثًا
…
وطلاقُ الْبَنَات عِنْد الثلاثِ)
وَفِيهِمْ يَقُول الصولي
(ذلَّل الدهرُ آل الفراتِ
…
وَرَمَاهُمْ بفُرقةٍ وشتاتِ)
(لَيْت آلَ الفراتِ عُدُّوا جَمِيعًا
…
قبلَ مَا قد رَأَوْهُ فِي الأمواتِ)
(فلَعَمري لراحةُ الْمَوْت خيرٌ
…
من صغارٍ وذِلَّةٍ فِي الحياةِ)
(لم يزَالُوا للمُلك أنجُمَ عزٍّ
…
وضياءٍ فَأَصْبَحت كاسفاتِ)
وَمِمَّا قيل فيهم
(يَا أَيهَا اللَحِزُ الضنينُ بمالهِ
…
يحمي بتقطيبٍ قليلَ نوالهِ)
(أوَما رأيتَ ابْن الْفُرَات وَقد أَتَى
…
إدبارُهُ من بعد مَا إقبالهِ)
(أيامَ تطرقُه السعادةُ بالمنى
…
وينال مَا يهواهُ من آمالهِ)
)
(فَخَلا من النُّعمى وَأصْبح يشتكي
…
أقياده ألماً على أغلالِهِ)
(وَكَذَا الزمانُ بأهلهِ متقلّبٌ
…
فاسمح لما أعطيتَ قبل زوالهِ)
روى ابْن النجّار فِي ذيله بِسَنَدِهِ إِلَى أبي النَّصر المفضَّل بن عَليّ الْأَزْدِيّ كَاتب المقتدر ومؤدّبه أَنه حضر مجْلِس أبي الْحسن بن الْفُرَات وَعَن يَمِينه أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى بن دَاوُد بن الجرَّاح وَعَن يسَاره القَاضِي أَبُو عمر مُحَمَّد بن يُوسُف وَقد تأخَّر حَامِد بن الْعَبَّاس عَن الْحُضُور فَقَالَ الْوَزير أتعلمون السَّبَب فِي تَأَخّر حَامِد فَقَالُوا لَا قَالَ ولكنَّني أعلم سَبَب ذَلِك انْصَرف البارحة مسَاء وداره بعيدَة فَأَبْطَأَ على جَارِيَته فلمَّا وصل استقبلته وقبَّلت جَبينه وَقَالَت يَا مولَايَ أقلقتني بتأخّرك فَمَا الَّذِي بطَّأ بك فَقَالَ مُوَافقَة الْوَزير أعزَّه الله على الْحساب فَقَالَت يَا مولَايَ حسابٌ فِي الدُّنْيَا وحساب فِي الْآخِرَة حمل الله عَنْك ثمَّ نزعت خفَّيه وقدَّمت نَعْلَيْه وأفرغت عَلَيْهِ دست ثِيَاب قد بخَّرتها وَأخذت ثِيَابه عَنهُ وقدَّمت إِلَيْهِ الطّهور فلمَّا صلى الْمغرب وعشاء الْآخِرَة قدَّمت إِلَيْهِ طبقًا تولَّت لغيبته ألوانه وَقد وقفت مَعَ الطبّاخة تحرِّياً لنظافتها وَأخذت تلقمه وتأكل مِنْهُ ثمَّ تولَّت غسل يَدَيْهِ وقدَّمت إِلَيْهِ الشَّرَاب وأصلحت عودهَا فَشرب ثَلَاثَة أَرْطَال وشربت مثلهَا واغتبقا فلمَّا أصبح دخل الْحمام وَخرج فسقته من الجلاّب بالثلج مَا قطع خماره وقدَّمت إِلَيْهِ طبقًا من المحمَّضات ألواناً طيّبة وَهُوَ الْآن يَأْكُل ثمَّ قَالَ غسل يَده وَلبس ثِيَابه ثمَّ قَالَ ركب وتوجَّه إِلَيْنَا ثمَّ لم يزل ينزله الطَّرِيق إِلَى أَن قَالَ هُوَ فِي الدهليز ثمَّ قَالَ يدْخل حَامِد فَرفع السّتْر وَدخل حَامِد فلمَّا رَأَيْنَاهُ مَا تمالكنا أَن ضحكنا فلمَّا سلَّم وَأخذ مَوضِع جُلُوسه قَالَ مَا الَّذِي أضحككم عِنْد مشاهدتي قُلْنَا صحّة حدس الْوَزير فَإِن شِئْت اقتصصناه فَقَالَ تفضَّلوا
فاقتصصنا مَا جرى بأسره فتحيَّر ثمَّ قَامَ على قَدَمَيْهِ وَحلف بِاللَّه جلّت أسماؤه لَوْلَا أنَّه يعلم أَن الْوَزير أعف خلق الله لقدَّرت أنَّها هِيَ حدَّثته مَا جرى فَمَا أخلَّ بشيءٍ مِنْهُ فَضَحِك الْجَمَاعَة فَالْتَفت الْوَزير إِلَى عَليّ بن عِيسَى فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن مَا أَنْفَع الْأَشْيَاء للمخمور حتَّى ينجلي خماره فَقَالَ وَالله مَا عاقرتُ عَلَيْهَا وَلَا سكرت مِنْهَا وَلَا أعرف داءها وَلَا دواءها فَأَعْرض عَنهُ والتفت إِلَى القَاضِي أبي عمر فَقَالَ أيُّها القَاضِي أفتِنا فِيمَا سألْنا عَنهُ أَبَا الْحسن أعزَّه الله فَلم يجبنا فَقَالَ القَاضِي نعم أَطَالَ الله بَقَاء الْوَزير قَالَ سبحانه وتعالى وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فانتهُوا وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
(داوِ ماري من خُمارهِ
…
بابنة الدنِّ وقارِهْ)