الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أئمَّة ويليهم جمَاعَة كَالْقَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن قدس وَالْقَاضِي سراج الدّين يُونُس الأرمنتي وَالْقَاضِي نجم)
الدّين أَحْمد بن نَاشِئ كلُّهم أَيْضا فُقَهَاء مفتون وَمن الْغَرِيب أنَّه مالكي الْمَذْهَب وَالَّذين تخرَّجوا عَلَيْهِ شافعيَّة قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي لَا نَعْرِف مالكيًّا انتُفع بِهِ ذَلِك الِانْتِفَاع
وَكَانَ كثير الصَّوْم يَصُوم الدَّهْر ويلازم قيام اللَّيْل وَيكثر التِّلَاوَة حكى عَنهُ تِلْمِيذه الشَّيْخ بهاء الدّين أنَّه كَانَ كلَّ يومٍ يخْتم الْقُرْآن مرَّتَيْنِ مَعَ شغله وتولَّى الحكم بسيوط ومنفلوط وعمَلهما وصنَّف تلاميذه فِي حَيَاته
قَالَ كَمَال الدّين أَخْبرنِي بعض الْجَمَاعَة أَنه قبل مَوته بأيَّام تَذَاكر هُوَ وَأَصْحَابه جمَاعَة مِمَّن مَاتَ فَلَمَّا بَات تِلْكَ اللَّيْلَة رأى قَائِلا ينشده
(أتَعُدُّ كثرةَ من يَمُوت تعجُّباً
…
وَغدا لَعَمري سَوف تحصلُ فِي العددْ)
وَكَانَ سَبَب تَسْمِيَة جدّه دَقِيق الْعِيد أنَّه كَانَ عَلَيْهِ يومَ عيدٍ طيلسانٌ شديدُ الْبيَاض فَقَالَ بَعضهم كأَنَّه دقيقُ العي فلُقِّب بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى
وَقَالَ كَمَال الدّين حكى تِلْمِيذه الْبُرْهَان المالِقي أنَّه توجَّه فِي خدمته إِلَى الأقصُر لزيارة الشَّيْخ أبي الْحجَّاج فقدموا وَقت الْمسَاء فَقَالَ الشَّيْخ مَا ندخل على الْفُقَرَاء عشَاء فنزلوا فِي مَكَان فلمَّا كَانَ بعدُ ليلٌ طُرق البابُ فَخَرجُوا فوجدوا الشيخَ أَبَا الْحجَّاج فَقَالَ رَأَيْت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ الْفَقِيه أَبُو الْحسن قدم قُم فسلّم عَلَيْهِ وَقد حَكَاهَا الشَّيْخ عبد الْغفار فِي كِتَابه
(عَليّ بن يحيى)
عَليّ بن يحيى بن أبي مَنْصُور المنجِّم أَبُو الْحسن كَانَ أَبوهُ يحيى من خدم الْخُلَفَاء من آل المنجِّم وَإِلَيْهِ يُنسبون وأوَّل من خدم الْمَأْمُون وأمَّا ابْنه أَبُو الْحسن هَذَا فإنَّه نادم المتوكّل ومَن بعده إِلَى أيَّام الْمُعْتَمد وَقد نبّهتُ على مَا وهم فِيهِ القَاضِي شمس الدّين بن خلِّكان فِي تَرْجَمَة حفيد هَذَا وَهُوَ عَليّ بن هَارُون بن عَليّ بن يحيى وَكَانَ أَبُو الْحسن هَذَا شَاعِرًا أخباريًّا علاّمةً منجِّماً طبَّاخاً طَبِيبا نديماً عَارِفًا بِأَصْوَات
الْغناء لكنَّه كَانَ صَغِير الْخلقَة دَقِيق الْوَجْه صَغِير الْعين توفِّي سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ آخر أَيَّام الْمُعْتَمد
كَانَ أوَّلاً خصيصاً بِمُحَمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم المُصْعَبي حتَّى لقد مَاتَ وَيَده فِي يَده
وَوَصفه الْفَتْح بن خاقَان للمتوكِّل فَأحْضرهُ وَأَعْجَبهُ واستمرَّ بِهِ نديماً وحُسب جملَة مَا وصل إِلَيْهِ من أنعام المتوكِّل فَكَانَ ذَلِك ثَلَاثَة مائَة ألف دِينَار وَوَصله من المعتزّ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار وقلَّده الْمُنْتَصر بن المتَوَكل العمارات والمستَغَلاّت والمرمَّات وكلّ مَا على شاطئ دجلة إِلَى البطيحة من الْقرى وأقرَّه المستعين على ذَلِك ثمَّ حدثت الْفِتْنَة فانحدر مَعَ المستعين وَلم يزل إِلَى أَن خُلع المستعين فَأَقَامَ يَغْدُو إِلَيْهِ وَيروح بعد الْخلْع إِلَى أَن أحلَّه من الْبيعَة الَّتِي كَانَت لَهُ فِي عُنُقه وَلَك يكن المستعين قبل الْخلْع بِسنة يَأْكُل إلَاّ مَا يُحمل إِلَيْهِ من منزل عَليّ بن يحيى فِي الجَوْن فيُفطر عَلَيْهِ لأنّه كَانَ يَصُوم فِي تِلْكَ الأَيام وَلَكِن لما تولى الْمهْدي حقد عَلَيْهِ أَشْيَاء كَانَت تجْرِي بَينه وَبَين الْمُهْتَدي فِي مجَالِس الْخُلَفَاء وسلَّمه الله مِنْهُ وَمضى الْمُهْتَدي لسبيله وَكَانَ الْمُهْتَدي يَقُول لست أَدْرِي كَيفَ يسلم منِّي عَليّ بن يحيى ثمَّ أفْضى الْأَمر إِلَى الْمُعْتَمد فحلَّ مِنْهُ محلا عَظِيما وقدَّمه على النَّاس جَمِيعًا وقلَّده مَا كَانَ يتقلَّده قبله أيامَ الْخُلَفَاء وزاده بِنَاء المعشوق فَبنى لَهُ أَكْثَره وَكَانَ الموفَّق يذكرهُ فِي مجالسه ويثني عَلَيْهِ
أَمر المتوكِّل فِي بعض ليَالِي شرابه مَن يمْضِي إِلَى بَيت عَليّ بن المنجم ويأتيه بِمَا فِي بَيته من طَعَام وَلَا يدع أَهله يُهيِّئون شَيْئا من غير مَا عِنْدهم فَمضى وأتى بجَونةٍ ملأى من ضروب الطَّعَام ففُتحت بَين يَدَيْهِ فأعجبه مَا فِيهَا وأعظمه فصاح المتوكِّل بعلي بن المنجم وَقَالَ لَهُ انْظُر إِلَى هَذِه الجونة أتعلم من أَيْن هِيَ قَالَ لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ هِيَ من مَنْزِلك وَالله لقد سرَّني مَا رأيتُ من مروءتك وسَرْوِك كَذَا فَلْيَكُن مَن خدم الْمُلُوك واتَّصل بهم ثمَّ قَالَ لَهُ مَا تحبُّ أَن أهب لَك قَالَ مائَة ألف دِينَار فَقَالَ لَهُ أَنْت تستحقّها وَأكْثر مِنْهَا)
وَمَا يَمْنعنِي من دَفعهَا إِلَيْك إلَاّ خوفُ الشنَّاع وَأَن يُقَال صرف لنديمه مائَة ألف دِينَار وَقد وصلتك الْآن بِمِائَة ألف دِرْهَم معجَّلةً وعليَّ أَن أصلك الْبَاقِي مفرَّقاً وَلم يزل يُنعم عَلَيْهِ بِشَيْء بعد شَيْء إِلَى أَن أكملها
وَكَانَ عَليّ بن يحيى سَرِيًّا مُمَدَّحاً منزله مأوى الْفُضَلَاء وَمجمع الأدباء يصلهم بالأموال والقماش والخيول وَغير ذَلِك وَفِيه يَقُول إِدْرِيس بن أبي حَفْصَة
(أضحى عليُّ بن يحيى وَهُوَ مشتهرٌ
…
بِالصّدقِ فِي الْوَعْد والتصديق فِي الأملِ)
(لَو زيد بالجود فِي رزقٍ وَفِي أجلٍ
…
لزاد جودك فِي رزقٍ وَفِي أجل)
وَيَقُول أَيْضا
(مَا من دعوتُ ولَبّاني بنائله
…
كمن دعوتُ فَلم يسمع وَلم يُجِبِ)
(إنّي وجدت عليًّا إذْ نزلتُ بِهِ
…
خيرا من الفضَّة الْبَيْضَاء والذهبِ)
وَفِيه يَقُول أَبُو هِفّان
(وقائلٍ إذْ رأى عزمي عَن الطَّلَبِ
…
أتِهْتَ أم نِلْتَ مَا ترجو من النَّشَبِ)
(قلت ابنُ يحيى عليٌّ قد تكفَّل لي
…
وصان عِرضي كصون الدِّين للحَسَبِ)
وَيَقُول يعقوبُ بن يزِيد التمّار
(يُذكي لزوّاره نَارا مضرَّمةً
…
على يَفاعٍ وَلَا يُذكي على صَبَبِ)
(من فَارس الْخَيْر فِي أبياتِ مملكةٍ
…
وَفِي الذوائب من جُرثومةِ الحَسَبِ)
وَيَقُول أَحْمد بن أبي طَاهِر
(لَهُ خلائقُ لم تُطبَع على طَبَعٍ
…
ونائلٌ واصلتْ أسبابُه سَبَبي)
(كالغيث يعطيك بعد الرِّي واصلَه
…
وَلَيْسَ يعطيك مَا يعطيك عَن طَلَبِ)
وَكَانَ الثَّلَاثَة قد اجْتَمعُوا عِنْده على الشَّرَاب فوصلهم وخلع عَلَيْهِم وَدخل عَلَيْهِ ابْنه هَارُون يَوْمًا فَقَالَ لَهُ يَا أَبَت رأيتُ فِي النّوم أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُعْتَمد وَهُوَ فِي دَاره على سَرِير إذْ بَصُرَ بِي فَقَالَ لي أقبل عليَّ يَا هَارُون يزْعم أَبوك أَنَّك تَقول الشّعْر فأنشدني طريد هَذَا الْبَيْت
(أسالت على الخدَّين دمعاً لَو أنَّهُ
…
من الدُّرِّ عقد كَانَ ذخْرا من الذخر)
فَلم أرد عَلَيْهِ شَيْئا وانتبهتُ فزحف إِلَيْهِ أَبوهُ غَضبا وَقَالَ لَهُ وَيحك لِمَ لمْ تقل)
(فَلَمَّا دنا وَقت الْفِرَاق وَفِي الحشا
…
لفرقتها لذع أحرُّ من الجمرِ)
وَلما مَاتَ قَالَ ابْن بسّام
(قد زرتُ قبرك يَا عليُّ مسلِّماً
…
وَلَك الزيارةُ من أقلِّ الواجبِ)
(وَلَو استطعتُ حملتُ عَنْك ترابَه
…
فلطالما عنّي حملتَ نَوائبي)
وَمن شعر عَليّ بن يحيى الْمَذْكُور يمدح المعتز