الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِنْد الْقُدْرَة وَذُو حلم عِنْد الْغَضَب وَذُو سطوة عِنْد المغالبة وَذُو عُقُوبَة عِنْد الإجرام وَقد كسى رَعيته جميل نعْمَته وخوفهم عنيف عُقُوبَته فهم بتراؤه ترائي الْهلَال خيالا ويخافونه مَخَافَة الْمَوْت نكالا أوسعهم عدله ورد عَنْهُم سطوته فَلَا تمتهنه مزحة وَلَا توهنه غَفلَة إِذا أعْطى أوسع وَإِذا عاقب أوجع فَالنَّاس اثْنَان راج وخائف فَلَا الراجي خائب الأمل وَلَا الْخَائِف بعيد الْأَجَل قلت فَكيف هيبتهم لَهُ قَالَ لَا ترفع غليه الْعُيُون أجفانها وَلَا تتبعه الْأَبْصَار إنسانها كَأَن رَعيته قطا رفرفت عَلَيْهِم صقور صوائد فَحدثت الْمَأْمُون بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين فَقَالَ كم قيمتهَا عنْدك قلت ألفا دِرْهَم قَالَ يَا فضل إِن قيمتهَا عِنْدِي لأكْثر من الْخلَافَة أما علمت قَول عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قيمَة كل أمرء هِيَ مَا يحسن أفتعرف أحدا من الخطباء البلغاء يحسن أَن يصف أحدا من خلفاء الله الرَّاشِدين المهديين بِمثل هَذِه الصّفة فقد أمرت لَهما بِعشْرين ألف دِينَار وَأَجْعَل الْعذر مَادَّة بيني وَبَينهمَا فِي الْجَائِزَة فلولا حُقُوق الْإِسْلَام وَأَهله لرأيت إعطاءهما مَا فِي بَيت مَال الْعَامَّة والخاصة دون مَا يستحقانه
الْعَارِض الْخَامِس
الْوُفُود
وللسياسة الفاضلة بهم عنايات
الْعِنَايَة الأولى احتفال السُّلْطَان للقائهم بِإِظْهَار زِينَة الْملك وجماله فقد كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يتجمل بهَا للوفود والعظماء
قَالَ الْقَرَافِيّ وَذَلِكَ أهيب وأوقع فِي النُّفُوس وأجدر لحُصُول التَّعْظِيم فِي الصُّدُور
قَالَ ابْن رضوَان فَهُوَ أَمر عادي وشرعي
الْعِنَايَة الثَّانِيَة إكرام من يرد فيهم من ذَوي النباهات فِي قومه وَفِي الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما وَفد عَلَيْهِ زيد الْخَيل بسط لَهُ رِدَاءَهُ وَأَجْلسهُ عَلَيْهِ وَقَالَ إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه
الْعِنَايَة الثَّالِثَة حسن الإقبال عَلَيْهِم بالتلطف لَهُم فِي الْخطاب تأنيسا لَهُم وإدلالا فَفِي الصَّحِيح أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ رَفِيقًا بالوفد
قلت كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لوفد عبد الْقَيْس مرْحَبًا بالوفد غير خزايا وَلَا ندامى
الْعِنَايَة الرَّابِعَة الْأذن فِي الْكَلَام لمن هُوَ أهل لَهُ فِي الْمقَام السلطاني لِئَلَّا يتجاسر عَلَيْهِ من لَا يسْتَحقّهُ هُنَاكَ فَفِي وفادة قُرَيْش على سيف بن ذِي يزن قَوْله لعبد الْمطلب جد النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذْ كَانَ لَا يعرفهُ وَأَرَادَ أَن يتَكَلَّم إِن كنت مِمَّن يتَكَلَّم بَين يَدي الْمُلُوك فقد أذنا لَك وَفِي وفادة الْحِجَازِيِّينَ على عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه قَوْله للغلام الَّذِي تصدر
للْكَلَام ليَتَكَلَّم من هُوَ أسن مِنْك
الْعِنَايَة الْخَامِسَة إفَاضَة الْإِحْسَان على وَفد التهنئة مُبَالغَة فِي الترحيب بهم وَإِدْخَال السرُور عَلَيْهِم قَالَ ابْن رضوَان وَهِي من سنَن الْمُلُوك الْحَسَنَة وَكَأَنَّهَا فِي معرض شكر الله تَعَالَى بِإِدْخَال المسرة على خلقه على النِّعْمَة المهناء بهَا انْتهى
شرح إِشَارَة تقدّمت بحكايتين فيهمَا جمل من آدَاب هَذَا الْمقَام
الْحِكَايَة الأولى قَضِيَّة وَفد قُرَيْش على سيف بن ذِي يزن يرْوى عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ لما ظفر سيف بن ذِي يزن بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ قبل بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ وُفُود الْعَرَب وأشرافهم وشعراؤهم لتهنئته وتمدحه وَأَتَاهُ وَفد قُرَيْش وَفِيه عبد الْمطلب بن هَاشم وَأُميَّة بن عبد شمس وخويلد بن أَسد فِي عدَّة من وُجُوه قُرَيْش وَأهل مَكَّة وأتوه بِصَنْعَاء وَهُوَ فِي قصره الَّذِي يُقَال لَهُ غمدان فَاسْتَأْذنُوا عَلَيْهِ فَأذن لَهُم ودخلوا عَلَيْهِ وَهُوَ متضمخ بالعنبر وبيض الْمسك من مفارقه وَعَن يَمِينه ويساره الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك فَاسْتَأْذن عبد الْمطلب فِي الْكَلَام وَكَانَ أجل الْقَوْم قدرا وأعظمهم فخرا وَأَعْلَاهُمْ نسبا وَأكْرمهمْ حسبا وَلم يكن سيف يعرفهُ فَقَالَ لَهُ إِن كنت مِمَّن يتَكَلَّم بَين يَدي الْمُلُوك فقد أذنا لَك فَقَالَ عبد الْمطلب أَيهَا الْملك إِن الله عز وجل قد أحلك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا وأنبتك نباتا طابت أرومته وعزت جرثومته وَثَبت أَصله وبسق فَرعه فِي أكْرم مَعْدن وَأطيب موطن وَأَنت رَأس الْعَرَب
وربيعها الَّذِي بِهِ تخصب وعمودها الَّذِي عَلَيْهِ الْعِمَاد ومعقلها الَّذِي إِلَيْهِ يلجأ الْعباد سلفك خير سلف وَأَنت مِنْهُم خير خلف وَلنْ يخمد ذكر من أَنْت خَلفه أَيهَا الْملك نَحن أهل حرم الله وسدنة بَيته أشخصنا عَلَيْك الَّذِي أبهجنا بك فَنحْن وَفد التهنئة لَا وَفد المرزية قَالَ فَأَيهمْ أَنْت أَيهَا الْمُتَكَلّم قَالَ أَنا عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف قَالَ ابْن أُخْتنَا قَالَ نعم قَالَ ادن فأدناه ثمَّ أقبل عَلَيْهِ وعَلى الْقَوْم قَالَ مرْحَبًا وَأهلا وناقة ورحلا وَأمنا ومستناخا سهلا وملكا مجلا يُعْطي عَطاء جزلا قد سمع الْملك مَقَالَتَكُمْ وَعرف قرابتكم وَقبل وسيلتكم لكم الْكَرَامَة رحبا مَا أقمتم والحباء إِذا أظعنتم فَأخْبرهُ ببعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قومه وَأمر لكل رجل مِنْهُم بِمِائَة من الْإِبِل وَعشرَة أعبد وَعشر إِمَاء وَعشرَة أَرْطَال ذَهَبا وَعشرَة أَرْطَال فضَّة وكرش عنبر وَأمر لعبد الْمطلب بِعشْرَة أَمْثَال مَا أَمر لَهُم
الْحِكَايَة الثَّانِيَة
خبر وَفد الْحِجَازِيِّينَ على عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه فيروى أَنه لما ولي الْخلَافَة وَفد عَلَيْهِ الْوُفُود من كل بِلَاد فوفد عَلَيْهِ الحجازيون فَتقدم غُلَام مِنْهُم للْكَلَام وَكَانَ حَدِيث السن فَقَالَ لَهُ عمر ليَتَكَلَّم من هُوَ أسن مِنْك فَقَالَ أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا الْمَرْء بأصغريه قلبه وَلسَانه فَإِذا منح الله عبدا لِسَانا لافظا وَقَلْبًا حَافِظًا فقد اسْتحق الْكَلَام وَعرف فَضله من سمع خطابه من الْأَنَام وَلَو أَن الْأَمر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالسِّنِّ لَكَانَ فِي مجلسك هَذَا من الْأمة من هُوَ أَحَق بِهِ مِنْك فَقَالَ نعم صدقت قل مَا بدا لَك فَقَالَ
الْغُلَام أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ نَحن وَفد تهنئة لَا وَفد تَعْزِيَة وَقد أَتَيْنَاك لحق الله الَّذِي من علينا بك لم يقدمنا عَلَيْك رَغْبَة وَلَا رهبة أما الرَّغْبَة فقد أتتنا مِنْك وَأما الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك فَقَالَ لَهُ عمر عظني يَا غُلَام فَقَالَ اصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن نَاسا من النَّاس غرهم حلم الله تَعَالَى عَنْهُم وَطول آمالهم وَكَثْرَة ثَنَاء النَّاس عَلَيْهِم فزلت بهم أَقْدَامهم فهووا فِي النَّار فَلَا يغرنك حلم الله تَعَالَى وَطول أملك وَكَثْرَة ثَنَاء النَّاس عَلَيْك فتزل بك قدمك فتلحق بالقوم فَلَا جعلك الله مِنْهُم وألحقك بِصَالح هَذِه الْأمة ثمَّ سكت فَسَأَلَ عمر عَن سنّ الْغُلَام فَإِذا هُوَ ابْن ثَمَان عشرَة سنة ثمَّ سَأَلَ عَن نسبه فَإِذا هُوَ من ولد الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وتمثل بقوله
(تعلم فَلَيْسَ الْمَرْء يُولد عَالما
…
وَلَيْسَ أَخُو علم كمن هُوَ جَاهِل)
(وَإِن كَبِير الْقَوْم لَا علم عِنْده
…
صَغِير إِذا الْتفت عَلَيْهِ المحافل)
(وَإِن صَغِير الْقَوْم وَالْعلم عِنْده
…
كَبِير إِذا ردَّتْ غليه الْمسَائِل)