الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت وَهُوَ من أبلغ الْمَزِيد فِي الْفَضِيلَة لِأَن فَضِيلَة التَّابِع من حَيْثُ تبعيته فرع فَضِيلَة الْمَتْبُوع
الْمُقَابلَة الْخَامِسَة
اخْتِيَار من يصطفيه ويصطنعه فَفِي العهود اختر من تصطنعه فَإِن اخْتِيَار الصنيعة يرد عَنْك سوء الذّكر وقيح القَوْل
قلت وَقد تقدم أَن صَلَاحه بصلاح حَاشِيَته وبطانته
فِي سياسة سَائِر الْخَواص والبطانة
فِي صُحْبَة السُّلْطَان وخدمته
وَقبل بَيَان ذَلِك فَهُنَا مقدمتان
الْمُقدمَة الأولى
فِي التَّرْهِيب من مخالطته
وَلَو بِمُجَرَّد الدُّخُول عَلَيْهِ إِذا جَار قَالَ الْغَزالِيّ هِيَ حَالَة مذمومة جدا وَمِنْهَا تغليظات وتشديدات تَوَاتَرَتْ بهَا الْأَخْبَار والْآثَار
قلت وَيَكْفِي من الْوَارِد من ذَلِك أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن النجَاة والسلامة فِي اجْتِنَاب ذَلِك وَبِالْعَكْسِ فَفِي الحَدِيث وَقد وصف صلى الله عليه وسلم الْأُمَرَاء الظلمَة وَقَالَ فَمن نابذهم نجا وَمن اعتزلهم سلم أَو كَاد أَن يسلم وَمن وَقع مَعَهم فِي دنياهم فَهُوَ مِنْهُم وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قله لمن طلب مِنْهُ الْوَصِيَّة إياك والأهواء إياك وَالسُّلْطَان
الثَّانِي مَا ينقص من الدّين بِهِ فَوق مَا يزِيد من الْحَط بِهِ قَالَ أَبُو ذَر رضي الله عنه لسَلمَة يَا سَلمَة لَا تغش أَبْوَاب السلاطين فَإنَّك لَا تصيب من دنياهم شَيْئا إِلَّا أَصَابُوا من دينك أفضل مِنْهُ وَعَن الْحسن أَنه قَالَ لَا تجيبن أَمِيرا وَإِن دعَاك لتقرأ عِنْده سُورَة من الْقُرْآن فَإنَّك لَا تخرج من عِنْده إِلَّا شرا مِمَّا دخلت
موعظة روى أَن الزُّهْرِيّ لما خالط السُّلْطَان كتب إِلَيْهِ أَخ لَهُ فِي الدّين عَافَانَا الله وَإِيَّاك أَبَا بكر من الْفِتَن فقد أَصبَحت بِحَال يَنْبَغِي لمن عرفك أَن يَدْعُو لَك الله ويرحمك أَصبَحت شَيخا كَبِيرا وَقد أثقلتك نعم الله بِمَا فهمك من كِتَابه وعلمك من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ كَذَلِك أَخذ الله الْمِيثَاق على الْعلمَاء قَالَ تَعَالَى {لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} وَاعْلَم أَن أيسر مَا ارتكبت وأخف مَا احتملك أَنَّك أَنْت آنست وَحْشَة الظَّالِم وسهلت سَبِيل الغي بذنوبك مِمَّن لم يرد حَقًا وَلم يتْرك بَاطِلا حِين دناك اتَّخذُوا قطبا تَدور عَلَيْك رحى ظلمهم وجسرا يعبرون عَلَيْك إِلَى بلائهم وسلما يصعدون فِيهِ إِلَى ضلالهم يدْخلُونَ بك الشَّك على الْعلمَاء ويقتادون بك قُلُوب الْجُهَّال فَمَا أيسر مَا عمروا لَك فِي جنب مَا أخربوا عَلَيْك وَمَا أَكثر مَا أخذُوا مِنْك مِمَّا أفسدوا عَلَيْك من دينك فَمَا يُؤمنك أَن تكون فِيمَن قَالَ الله تَعَالَى فيهم
{فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة وَاتبعُوا الشَّهَوَات فَسَوف يلقون غيا} الْآيَة وانك تعامل من لَا يجهل ويحفظ عَلَيْك من لَا يغْفل فداو دينك فقد دخله سقم وهيئ زادك فقد حضر سفر بعيد وَمَا يخفى على الله من شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَالسَّلَام
توضيح من معنى مَا لأَجله ورد هَذَا التَّغْلِيظ أَمْرَانِ
أَحدهمَا مَعْصِيّة السُّكُوت عَن تَغْيِير مَا يرى من مُنكرَات مُتعَدِّدَة كلبس حَرِير وافتراشه وَاسْتِعْمَال أواني ذهب أَو فضَّة وَهُوَ أَن عذر بالخوف فقد كَانَ فِي غنى عَن تعرضه بِالْمُشَاهَدَةِ لتوجه الْخطاب عَلَيْهِ بالتغيح ثمَّ سُقُوطه عَنهُ بذلك الْعذر
تَعْمِيم قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ وعَلى هَذَا القَوْل من علم فَسَادًا فِي مَوضِع لَا يقدر على إِزَالَته لَا يجوز لَهُ أَن يحضر ليجري ذَلِك بَين يَدَيْهِ
وَهُوَ يُشَاهِدهُ ويسكت بل يَنْبَغِي أَن يحْتَرز عَن مشاهدته
قلت إِلَّا إِن كَانَ حُضُوره فِي طَرِيق استجلاب مصلحَة وَلَا انفكاك لَهُ عَن تِلْكَ الْمُشَاهدَة وَله نَظَائِر
الثَّانِي سنة القَوْل الْمَحْظُور شرعا كالدعاء وَالثنَاء على غير شَرط ذَلِك وكالتصديق فِي بَاطِل تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا وكإظهار مَا يَدعِيهِ من حبه والشوق إِلَى لِقَائِه إِذْ الْغَالِب أَنه لَا يقْتَصر على السَّلَام وَفِي كل من ذَلِك وَعِيد لحَدِيث من دَعَا لظَالِم بِالْبَقَاءِ فقد أحب أَن يعْصى الله فِي أرضه
وَفِي حَدِيث إِن الله ليغضب إِذا مدح الْفَاسِق
قلت ولعسر التَّحَرُّز من هَذِه الْآفَات استبعد الْعلمَاء نجاة من يتَعَرَّض لَهَا مخاطرا بِنَفسِهِ وَدينه
قَالَ الْخطابِيّ لَيْت شعري من الَّذِي يدْخل إِلَيْهِم الْيَوْم فَلَا يُصدقهُمْ على كذبهمْ وَمن الَّذِي يتَكَلَّم بِالْعَدْلِ إِذا شهد مجَالِسهمْ وَمن الَّذِي ينصح وَمن الَّذِي ينتصح مِنْهُم
ثمَّ قَالَ إِن الَّذِي هُوَ أسلم يَا أخي فِي هَذَا الزَّمَان وأحوط لدينك أَن نقل من مخالطتهم وغشيان أَبْوَابهم وان تسْأَل الله الْغنى والتوفيق لَهُم 3 معذرة قَالَ الْغَزالِيّ اثر تَقْرِيره بِمَا لخصناه من كَلَامه أَولا فَلَا يجوز الدُّخُول عَلَيْهِم إِلَّا بعذرين
أَحدهمَا أَن يكون من جهتهم أَمر إِلْزَام لَا أَمر إكرام وعَلى أَنه لَو امْتنع لأوذي أَو أفسد عَلَيْهِ طَاعَة الرّعية واضطرب أَمر السياسة فَتجب الْإِجَابَة طَاعَة لَهُم بل مُرَاعَاة لمصْلحَة الْخلق حَتَّى لَا تضطرب الْولَايَة
الثَّانِي أَن يدْخل عَلَيْهِم فِي دفع ظلم عَن نَفسه أَو عَن مُسلم سواهُ إِمَّا بطرِيق الْحِسْبَة وَإِمَّا بطرِيق التظلم والتكلم بِشَرْط أَلا يكذب وَلَا يسيء وَلَا يدع نصيحة يتَوَقَّع لَهَا قبولا