الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ قَالَ لَا يزَال أَمر الدولة كَذَلِك وَهِي تتلاشى فِي ذَاتهَا شَأْن الْحَرَارَة الغزيرة فِي الْبدن العادم للغذاء إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى وَقتهَا الْمَقْدُور
فَلِكُل اجل كتاب وَلكُل دولة امد وَالله يقدر اللَّيْل وَالنَّهَار
بَيَان طروق الْخلَل فِي المَال
وَيظْهر ذَلِك من تَقْرِير احوال الِاحْتِيَاج اليه وَهِي ثَلَاثَة
أَحدهَا حَالَة الاقتصاد فِي النَّفَقَة وَالتَّعَفُّف عَن الْأَمْوَال وَذَلِكَ فِي أول الدولة حِين تكون اخلاقها البدوية مقتضية لذَلِك ومتجافية عَن خلق الْكيس فِي جمع الْأَمْوَال فَلَا تسرف حِينَئِذٍ وَلَا دَاعِيَة اليه
الثَّانِي حَال كَثْرَة الانفاق والاقدام على الْمَزِيد فِي الجباية بأحداث المكوس وَذَلِكَ عِنْد استفحال الْملك واستدعائه لعوائد الترف وَظَاهر أَن ذَلِك مبدأ ظُهُور الترف وطليعة طوارق الْخلَل من هَذِه الْجِهَة
الثَّالِث حَال افراط كَثِيرَة المؤونة وَمد الْيَد إِلَى التعدى على الْأَمْوَال بِشُبْهَة أَو بِدُونِهَا زَائِدا على التِّجَارَة ومضاعفة المكوس وَذَلِكَ عِنْد تزايد احوال الترف واستطالة الْملك بالقهر والاعتساف
مزِيد بَيَان استحكام الْخلَل هُنَا وَاضح الظُّهُور وَمِنْه مُضَافا لما ظهر مِنْهُ امور
أَحدهَا أَن الْجند يتجاسرون على الدولة لفشلها وهرم عصيبتها فيبادرهم صَاحبهَا بإفاضة الْعَطاء وَكَثْرَة الاحسان وَلَا يجد من ذَلِك بدا
الثَّانِي أَن جباة الْأَمْوَال إِذْ ذَاك تَعْظِيم ثروتها بِكَثْرَة مَا بِأَيْدِيهِم من الجباية وَقد يَتَّسِع لذَلِك جاههم فَيَهْتَمُّونَ باحتجا ن الْأَمْوَال وتفشو السّعَايَة فيهم بَعضهم من بعض مُنَافَسَة وحسدا فتعمهم المصادرات وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن تتلاشى أَحْوَالهم ويفقد مَا كَانَ للدولة بهم من الابهة وَالْجمال وبعدهم يتَجَاوَز إِلَى أهل الثروة من الرعايا سواهُم
قلت الْخلَل هُنَا حَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ فِي تجَاوز المصادرة إِلَى من سواهُم واما بفقد الابهة وَالْجمال أَمر قريب شرعا وسياسة عادلة
الثَّالِث أَن الشَّوْكَة عِنْد ذَلِك أَيْضا تضعف عَن الاستطالة والقهر فيعدل بِصَاحِب الدولة لَا محَالة إِلَى المداراة لهَذَا الْخلَل ببذل المَال وَيَرَاهُ نفع من السَّيْف لقلَّة غنائه فتعظم حَاجَتهَا إِلَى الْأَمْوَال وَلَا يُغني فِيمَا يُرِيد
نِهَايَة حَال لَا خَفَاء يتناهى استحكام خلل الدولة عِنْد مصيرها إِلَى هَذِه الْغَايَة وتعرضها بِهِ لاستيلاء الطَّالِب عَلَيْهَا أَن قَصدهَا
قَالَ ابْن خلدون وَألا بقيت وَهِي تلاشى إِلَى أَن تضمحل كالذبال فِي السراج إِذا فنى زينته طفئ وَالله مَالك الْأُمُور ومدبر الاطوان لَا اله إِلَّا هُوَ
قلت فِي الافلاطونيات علل الدولة كَثِيرَة وأبعدها علل العوز وَهِي تشبه نَفاذ الرُّطُوبَة من الْعُضْو فَإِنَّهَا اصعب برءا من زِيَادَة الرُّطُوبَة فِيهِ
النّظر الثَّالِث فِي التَّعْرِيف بَان مُقْتَضى الانذار بِمَنْع دوَام الْملك لاستحكام هرمه لَا يتَخَلَّف وَعبر عَنهُ ابْن خلدون بَان الْهَرم إِذا نزل بالدولة لَا يرْتَفع
قَالَ لانه لكا كَانَ طبيعي الْحُدُوث للدولة ضَرُورَة أَن اسبابه وَهِي الْعَوَائِق المنذرة بِهِ على مَا تقرر كَذَلِك فارتفاعه اذن لَا يُمكن كَمَا فِي حُدُوثه للمزاح الحيواني لَان مَا هُوَ طبيعي لَا يسْتَبْدل
تَنْبِيهَانِ أَحدهَا قَالَ وَقد يتَنَبَّه كثير من أهل الدولة مِمَّن لَهُ يقظة فِي السياسة فَيرى مَا نزل بِهِ من اسباب الْهَرم ويحبسه مُمكن الاتفاع فَيَأْخُذ فِي تلافي الدولة واصلاح مزاجها ظنا مِنْهُ أَن التَّقْدِير لحقها من الْغَفْلَة عَن التلافي وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهَا امور طبيعية والعوائد هِيَ الْمَانِعَة من ذَلِك لانها أَيْضا طبيعية فان من اِدَّرَكَ اباه وكبراء أهل بَيته يلبسُونَ الْحَرِير ويتحلون بِالذَّهَب فِي السِّلَاح والمراكب ويتحتجبون عَن النَّاس فِي الْمجَالِس والصلوات لَا يُمكنهُ الْمُخَالفَة فِي ذَلِك إِلَى الخشونة فِي اللبَاس والزي والاختلاط بِالنَّاسِ وَلَو فعل ذَلِك لرمي بالجنون والوسواس فِي الْخُرُوج من
العوائد دفْعَة وخشي عاقبته فِي سُلْطَانه
قَالَ وَانْظُر شان الْأَنْبِيَاء عليهم السلام فِي إنكارهم العوائد ومخالفتها لَوْلَا التأييد الإلهي
قَالَ وَرُبمَا تكون العصبية قد ذهبت فَتكون الابهة عوضا من موقعها من النُّفُوس فَإِذا ازيلت مَعَ ضعف العصبية تجاسر الرعايا على الدولة بذهاب اوهام الابهة فيتدرع بهَا مَا امكن حَتَّى يَنْقَضِي الْأَمر
الثَّانِي قَالَ وَرُبمَا تحدث عِنْد اخر الدولة قُوَّة توهم أَن الْهَرم قد ارْتَفع عَنْهَا ويومض ذبالها ايماضة الخمود كَمَا فِي الذبال المشتعل فانه عِنْد مقاربة انطفائه يُومِض ايماضة توهم إِنَّهَا اشتعال وَهِي انطفاء
قَالَ فَاعْتبر ذَلِك وَلَا تغفل سر الله وحكمته فِي اطراد وجوده على مَا قدر فِيهِ فَلِكُل اجل كتاب