الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السياسة الأولى
سياسة الْمَعيشَة
وَقبل النّظر فِيهَا فَهُنَا مُقَدمَات
الْمُقدمَة الأولى
أَن الِاكْتِسَاب للمعاش مَطْلُوب شرعا مَا لم يمْنَع مِنْهُ مَانع كَمَا أَن تَركه مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ مَذْمُوم كَذَلِك أَو مفضول فقك كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يكْتَسب لنَفسِهِ وَعِيَاله وَيدخل الاسوال لذَلِك حَتَّى قَالَت الْكَفَرَة {مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ} توهما أَن ذَلِك ينْقض من على منصبه وحاشاه بل هُوَ الْمُعظم عِنْد الله وَأقرب إِلَى مرضاته لما فِيهِ من التَّوَاضُع والفهم عَنهُ فِي الدّلَالَة على طرق المكاسب بِحَسب مَا وضع الْوُجُود عَلَيْهِ
قَالَ الشَّيْخ الْأَمَام أَبُو اسحاق الشاطبي فِي بعض تقاييده وَكَذَلِكَ اصحابه رضي الله عنهم كَانُوا بَين عَامل فِي سوقه وعامل فِي أرضه ومسافر يَبْتَغِي من فضل الله وهم الْقدْوَة لمن سوماهم وَلم يَكُونُوا يتحاشون من ذَلِك وَلَا يلحقهم فِيهِ كسل وَكَانَ الْغِنَا من مقاصدهم والتكسب من شَأْنهمْ وعَلى صِحَة ذَلِك اتّفق الْعلمَاء رضي الله عنهم
الْمُقدمَة الثَّانِيَة
أَن الْقيام بأمهات الصَّنَائِع الضرورية فرض على الْكِفَايَة كَمَا قَرَّرَهُ غير وَاحِد كالفلاحة وَالْبناء والخياطة وَالتِّجَارَة والحياكة حَتَّى الْحجامَة مِمَّا تَدْعُو اليه الضَّرُورَة
غنيمَة ثاب يَنْبَغِي لمن قَامَ بِشَيْء من هَذِه الصَّنَائِع الْمَفْرُوضَة على الْكِفَايَة أَن يَنْوِي فِيهِ أَمريْن
أَحدهمَا امْتِثَال الْأَمر بِهِ وان كَانَ مَعْقُول الْمَعْنى ليحصل لَهُ الثَّوَاب من تِلْكَ الْجِهَة
الثَّانِي اسقاط الطّلب بِهِ عَن الْمُسلمين ليدْخل فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم الله فِي عون العَبْد مَا كَانَ العَبْد فِي عون اخيه واذ ذَاك فَلَا فرق بَين الِاشْتِغَال بِهِ والتلبس بِالْعبَادَة الْمَحْضَة كَالصَّلَاةِ وَنَحْوهَا وَهُوَ من بَرَكَات النِّيَّة الصَّالِحَة نبه عَن ذَلِك ابْن الْحَاج وحض عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهر
الْمُقدمَة الثَّالِثَة
أَن الممعايش المبتغى بهَا طلب الرزق من جملَة الاسباب الْمَوْضُوع عَلَيْهَا تَرْتِيب الْوُجُود والاسباب من حَيْثُ هِيَ اسباب لَا اثر لَهَا بِنَفسِهَا فِي مسبباتها وَلَا هِيَ مولدة لَهَا وانما الاثر فِي الْحَقِيقَة لفاعل كل شَيْء وَهُوَ الله تَعَالَى لما نبه عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون أأنتم تخلقونه أم نَحن الْخَالِقُونَ} أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ أأنتم تزرعونه أم نَحن الزارعون فالامناء والحرث سَبَب يكتسبه الانسان وَمَا ينشأ عَنْهُمَا فَالله خالقه ومبدعه
تَنْزِيل
قَالَ الشَّيْخ أَبُو اسحاق الشاطبي رحمه الله فَكَذَلِك قعُود التَّاجِر فِي الْحَانُوت مثلا هُوَ السَّبَب وَالله يُهَيِّئ لَهُ المعاش إِذْ لَا قدرَة لَهُ على جلب
البائعين والمشترين فَهُوَ شبه ناصب يَد الْفقر إِلَى الله تَعَالَى فِي ذَلِك السَّبَب
ثَمَرَة
قَالَ وكل من علم هَذَا تحقق أَن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين ينشأ لَهُ من هَذَا الْعلم حَالَة قلبية تسمى التَّوَكُّل وَهُوَ الِاعْتِمَاد على الله والتعويل على فَضله وَرَحمته دون الِاعْتِمَاد على السَّبَب والاكتساب عَلامَة
قَالَ وعلامة ذَلِك فِي العَبْد أَن لَا يتَغَيَّر بِتَغَيُّر الاحوال فَإِن الِاكْتِسَاب لَا يُؤمن اختلافه بالكساد والنفاق والنشاط والكسل وَغير ذَلِك فقد يكون موسعا عَلَيْهِ ثمَّ يصير مَقْدُورًا عَلَيْهِ وَبِالْعَكْسِ فَإِذا كَانَ ثَابتا صَابِرًا مَعَ وجود هَذِه الْعَوَارِض فَذَلِك هُوَ الدَّلِيل على أَن قلبه مُتَعَلق بمسبب الاسباب وَهَذَا اعلى مَرَاتِب التَّوَكُّل وَقد قَالَ تَعَالَى {وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه} انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ
إِذا تقرر هَذَا فَلَا نوار الاضاءة بجوامع الْعَمَل بِهَذِهِ السياسة مطالع ثَلَاثَة