المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْوَاجِب الثَّالِث   ‌ ‌إِقَامَة الْحُدُود   وَفِيه مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى من الْوَارِد فِي التَّرْهِيب من - بدائع السلك في طبائع الملك - جـ ٢

[ابن الأزرق]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌فِي التحذير من تِلْكَ الْمَحْظُورَات

- ‌الْمَحْظُور الأول

- ‌اتِّبَاع الْهوى

- ‌الْمَحْظُور الثَّانِي

- ‌الترفع عَن المداراة

- ‌الْمَحْظُور الثَّالِث

- ‌قبُول السّعَايَة والنميمة

- ‌الْمَحْظُور الرَّابِع

- ‌اتِّخَاذ الْكَافِر وليا

- ‌الْمَحْظُور الْخَامِس

- ‌الْغَفْلَة عَن مُبَاشرَة الْأُمُور

- ‌فِي جَوَامِع مَا بِهِ السياسة الْمَطْلُوبَة من السُّلْطَان وَمن يَلِيهِ

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي سياسة السُّلْطَان

- ‌السياسة الأولى

- ‌الْجُمْلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِي

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة

- ‌شَهَادَة عيان

- ‌الْجُمْلَة الثَّانِيَة

- ‌الْحق الأول

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْحق الثَّانِي

- ‌تحذير

- ‌الْحق الثَّالِث

- ‌الْحق الرَّابِع

- ‌الْحق الْخَامِس

- ‌الْإِشَارَة الثَّانِيَة

- ‌الْإِشَارَة الثَّالِثَة

- ‌السياسة الثَّانِيَة

- ‌سياسة الْأُمُور الْعَارِضَة

- ‌ الْجِهَاد

- ‌الْعَارِض الأول

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ

- ‌الْعَارِض الثَّانِي

- ‌السّفر

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة

- ‌الْعَارِض الثَّالِث

- ‌الشدائد النَّازِلَة

- ‌التَّذْكِير الأول

- ‌التَّذْكِير الثَّانِي

- ‌التَّذْكِير الثَّالِث

- ‌التَّذْكِير الرَّابِع

- ‌التَّذْكِير الْخَامِس

- ‌الْحِكَايَة الأولى

- ‌الْحِكَايَة الثَّانِيَة

- ‌الشدَّة الأولى

- ‌الشدَّة الثَّانِيَة

- ‌الشدَّة الثَّالِثَة

- ‌فَائِدَة فِي تَنْبِيه

- ‌الْعَارِض الرَّابِع

- ‌الرسَالَة

- ‌الرِّعَايَة الأولى تحقق أَن موقع الرَّسُول من السُّلْطَان موقع الدَّلِيل من الْمَدْلُول وَالْبَعْض من الْكل فَفِي سياسة أرسطو اعْلَم أَن الرَّسُول يدل على عقل من أرْسلهُ إِذْ هُوَ عينه فِيمَا لَا يرى وَأذنه فِيمَا لَا يسمع وَلسَانه عِنْدَمَا غَابَ عَنهُ وَقَالُوا الرَّسُول قِطْعَة من الْمُرْسل

- ‌الرِّعَايَة الثَّانِيَة

- ‌الرِّعَايَة الثَّالِثَة

- ‌الرِّعَايَة الرَّابِعَة

- ‌الرِّعَايَة الْخَامِسَة

- ‌الرِّعَايَة السَّادِسَة

- ‌الرِّعَايَة السَّابِعَة

- ‌الرِّعَايَة الثَّامِنَة

- ‌الرِّعَايَة التَّاسِعَة

- ‌الرِّعَايَة الْعَاشِرَة

- ‌الْعَارِض الْخَامِس

- ‌الْوُفُود

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي سياسة الْوَزير

- ‌السياسة الأولى

- ‌سياسة لنَفسِهِ

- ‌الضَّرْب الأول

- ‌المعتقدات العلمية

- ‌المعتقد الأول

- ‌المعتقد الثَّانِي

- ‌المعتقد الثَّالِث

- ‌المعتقد الرَّابِع

- ‌المعتقد الْخَامِس

- ‌الضَّرْب الثَّانِي

- ‌العزائم العلمية

- ‌الْعَزِيمَة الأولى

- ‌الْعَزِيمَة الثَّانِيَة

- ‌الْعَزِيمَة الثَّالِثَة

- ‌الْعَزِيمَة الرَّابِعَة

- ‌الْعَزِيمَة الْخَامِسَة

- ‌السياسة الثَّانِيَة

- ‌سياسة السُّلْطَان

- ‌الْأَدَب الرَّابِع

- ‌الْأَدَب السَّادِس

- ‌الْأَدَب السَّابِع

- ‌الْأَدَب الثَّامِن

- ‌الْأَدَب التَّاسِع

- ‌الْأَدَب الْعَاشِر

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌المتقي

- ‌السياسة الثَّالِثَة لخواص السُّلْطَان

- ‌وَسَائِر أَرْبَاب الدولة

- ‌الطَّبَقَة الأولى المسالمون

- ‌المدارة الأولى

- ‌المدارة الثَّانِيَة

- ‌المدارة الثَّالِثَة

- ‌المدارة الرَّابِعَة

- ‌المدارة الخانسة

- ‌الطَّبَقَة الثَّانِيَة

- ‌المتطلعون إِلَى مَنْزِلَته

- ‌الْمُقَابلَة الأولى

- ‌الْمُقَابلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمُقَابلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمُقَابلَة الْخَامِسَة

- ‌فِي سياسة سَائِر الْخَواص والبطانة

- ‌فِي صُحْبَة السُّلْطَان وخدمته

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فِي التَّرْهِيب من مخالطته

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌التحذير من صحبته

- ‌خَاتِمَة إِفَادَة

- ‌فِي وَاجِبَات مَا يلْزم السُّلْطَان سياسة الْقيام بهَا وَفَاء بعهدة مَا تحمله وطولب مِنْهُ وَالْمَذْكُور مِنْهَا جملَة

- ‌الْوَاجِب الثَّالِث

- ‌إِقَامَة الْحُدُود

- ‌الْوَاجِب الرَّابِع

- ‌عُقُوبَة الْمُسْتَحق وتعزيزه

- ‌الْوَاجِب الْخَامِس

- ‌رِعَايَة أهل الذِّمَّة

- ‌الْكتاب الرَّابِع

- ‌فِي عوائد الْملك وعوارضه

- ‌فِي عوائق الْملك الْمَانِعَة من دَوَامه

- ‌النّظر الأول

- ‌فِي التَّعْرِيف بالعوائق المنذرة بِمَنْع دوَام الْملك

- ‌النّظر الثَّانِي

- ‌فِي التَّعْرِيف بكيفية طروق الْخلَل إِلَى الدول

- ‌بَيَان طروق الْخلَل فِي المَال

- ‌فِي عوارض الْملك اللاحقة لطبيعة وجوده

- ‌ فِي عوارض الْملك من حَيْثُ هُوَ

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي اخْتِيَار الْمنَازل الحضرية الِاجْتِمَاع

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي اكْتِسَاب المعاش بِالْكَسْبِ والصنائع وَفِيه مسَائِل

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي اكْتِسَاب الْعُلُوم

- ‌الخاتمة فِي سياستي الْمَعيشَة وَالنَّاس

- ‌الْمُقدمَة الأولى فِي التَّقْوَى

- ‌وفيهَا مسَائِل

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِي حسن الْخلق

- ‌السياسة الأولى

- ‌سياسة الْمَعيشَة

- ‌المطلع الأول

- ‌فِي كليات مِمَّا تدبر بِهِ الْمَعيشَة من جَانب الْوُجُود وَفِيه انارات

- ‌المطلع الثَّانِي

- ‌فِي أُمَّهَات مِمَّا تحفظ بِهِ من جَانب الْعَدَم وَفِيه اضاءات

- ‌السياسة الثَّانِيَة

- ‌سياسة النَّاس

- ‌وَقبل التَّلْخِيص لَهَا فَهُنَا مُقَدمَات

- ‌مسكة الختام

الفصل: ‌ ‌الْوَاجِب الثَّالِث   ‌ ‌إِقَامَة الْحُدُود   وَفِيه مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى من الْوَارِد فِي التَّرْهِيب من

‌الْوَاجِب الثَّالِث

‌إِقَامَة الْحُدُود

وَفِيه مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى من الْوَارِد فِي التَّرْهِيب من مواقعة الْحُدُود وانتهاك الْمَحَارِم أَمْرَانِ

أَحدهمَا غيرَة الله تَعَالَى عَلَيْهَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن الله يغار وغيرة الله أَن يَأْتِي العَبْد الْمُؤمن مَا حرم الله عَلَيْهِ

الثَّانِي مصير الْعَمَل الصَّالح بذلك كالهباء المنثور فَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لأعلمن أَقْوَامًا من أمتِي يأْتونَ يَوْم الْقِيَامَة بأعمال أَمْثَال جبال تهَامَة بَيْضَاء فيجعلها الله هباء منثورا قَالَ ثَوْبَان رضي الله عنه يَا رَسُول الله صفهم لنا لِئَلَّا نَكُون مِنْهُم وَنحن لَا نعلم قَالَ أما أَنهم من إخْوَانكُمْ وَمن جلدتكم وَيَأْخُذُونَ من اللَّيْل كَمَا تأخذون وَلَكنهُمْ أَقوام إِذا خلوا بمحارم الله انتهكوها رَوَاهُ ابْن ماجة قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَرُوَاته ثقاة

تَمْثِيل روى التِّرْمِذِيّ عَن النواس بن سمْعَان رضي الله عنه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن الله ضرب مثلا صراطا مُسْتَقِيمًا على كنفي الصِّرَاط أَي جانبيه داران لَهما أَبْوَاب مفتحة على الْأَبْوَاب سور وداع يَدْعُو على رَأس السراط وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام وَيهْدِي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم والأبواب الَّتِي على كنفي الصِّرَاط حُدُود

ص: 147

الله فَلَا يَقع أحد فِي حُدُود الله حَتَّى يكْشف السّتْر وَالَّذِي يَدْعُو من فوقم واعظ ربه عز وجل

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من التَّرْغِيب الْمَرْوِيّ فِي إِقَامَة الْحُدُود أَمْرَانِ

أَحدهمَا تَأْكِيد الْأَمر بهَا باستواء الْقَرِيب والبعيد فِيهَا فَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه

قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم أقِيمُوا حُدُود الله فِي الْقَرِيب والبعيد وَلَا تأخذكم فِي الله لومة لائم رَوَاهُ ابْن ماجة

الثَّانِي تَعْجِيل ثَمَرَة السياسة بهَا خُصُوصا وعموما فَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لحد يُقَام فِي الأَرْض خير لأهل الأَرْض من أَن يمطروا ثَلَاثِينَ صباحا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حد يعْمل بِهِ فِي الأَرْض خير لأهل الأَرْض من أَن يمطروا أَرْبَعِينَ صباحا

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة المداهنة فِي إِقَامَة الْحُدُود عَائِدَة بنقيض مصلحتها من حُلُول النقمَة بهَا عَاجلا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن قُريْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْن المخزومية الَّتِي سرقت فَقَالُوا من يكلم فِيهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالُوا وَمن يجترئ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَة حب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَكَلمهُ أُسَامَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا أُسَامَة أَتَشفع فِي حد من حُدُود الله

ص: 148

تَعَالَى ثمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ إِنَّمَا هلك الَّذين منقبلكم أَنهم كَانُوا إِذا سرق فيهم الشريف تَرَكُوهُ وَإِذا سرق فيهم الضَّعِيف أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَد وأيم الله لَو أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد سرقت لَقطعت يَدهَا

تَمْثِيل روى البُخَارِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مثل الْقَائِم فِي حُدُود الله وَالْوَاقِع فِيهَا كَمثل قوم استهموا على سفينة فَأصَاب بَعضهم أَعْلَاهَا وَبَعْضهمْ أَسْفَلهَا فَكَانَ الَّذين فِي أَسْفَلهَا إِذا استقوا من المَاء مروا على من فَوْقهم فَقَالُوا لَو أَن خرقنا فِي نصيبنا خرقا وَلم نؤذ من فَوْقنَا فَإِن تركوهم وَمَا أَرَادوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِن أخذُوا على أَيْديهم نَجوا جَمِيعًا

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة مِمَّا يدل على منع الشَّفَاعَة فِي الْحُدُود زَائِدا على مَا يفهم من الحَدِيث الأول فِي الْمَسْأَلَة قبل أَمْرَانِ

أَحدهمَا تردده بهَا فِي غضب الله تَعَالَى حَتَّى ينْزع فَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَيّمَا رجل حَالَتْ شَفَاعَته دون حد من حُدُود الله تَعَالَى لم يزل فِي غضب الله تَعَالَى حَتَّى ينْزع وَأَيّمَا رجل شدّ غَضبا على مُسلم فِي خُصُومَة لَا علم لَهُ بهَا فقد عاند الله فِي حَقه وحرص على سخطه وَعَلِيهِ لعنة الله تتَابع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَيّمَا رجل أشاع على مُسلم كلمة هُوَ مِنْهَا بَرِيء سبه بهَا فِي الدُّنْيَا كَانَ حَقًا لله أَن يدليه يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار حَتَّى يَأْتِي بنفاذ مَا قَالَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

الثَّانِي مضادة الله تَعَالَى بهَا وَأعظم بذلك هَلَاكًا فَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول من حَالَتْ شَفَاعَته دون حد فِي حُدُود الله فقد ضاد الله عز وجل وَمن خَاصم فِي بَاطِل وَهُوَ

ص: 149

يعلم لم يزل فِي سخط الله حَتَّى ينْزع وَمن قَالَ فِي مُؤمن مَا لَيْسَ فِيهِ أسقاه الله ردعه الخبال حَتَّى يخرج مِمَّا قَالَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُود

تَفْسِير قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي الردعة بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وتحريكهما أَيْضا وبالعين الْمُعْجَمَة هِيَ الوجل والخبال بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْهَاء الْمُوَحدَة هِيَ عصارة أهل النَّار وعرفهم كَمَا جَاءَ مُفَسرًا فِي مُسلم وَغَيره

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة قبُول الشَّفَاعَة فِي الْحُدُود وَهُوَ من بَاب إرضاء النَّاس بسخط الله تَعَالَى ووباله مَحْذُور من وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن فَاعل ذَلِك مُوكل إِلَى النَّاس وَلنْ يغنوا عَنهُ من الله شَيْئا فقد كتب مُعَاوِيَة إِلَى عَائِشَة رضي الله عنها أَن اكتبي لي كتابا توصيني فِيهِ وَلَا تكثري عَليّ فَكتبت إِلَيْهِ سَلام عَلَيْك أما بعد فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من التمس رضى الله بسخط النَّاس كَفاهُ الله مُؤنَة النَّاس وَمن التمس رضى النَّاس بسخط الله وَكله الله إِلَيْهِم وَالسَّلَام

الثَّانِي إِن ذَلِك يعود عَلَيْهِ بسخط الله وَسخط النَّاس فَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أَسخط الله فِي رضى النَّاس سخط الله عَلَيْهِ وأسخط عَلَيْهِ من أرضاه فِي سخطه وَمن أرْضى الله فِي سخط النَّاس رضي الله عنه وأرضى عَنهُ من أسخطه فِي رِضَاهُ حَتَّى يزينه ويزين عمله وَقَوله فِي عينه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

فَوَائِد فقهية تكمل مَقْصُود الْموضع فِي الْجُمْلَة

ص: 150

الْفَائِدَة الأولى إِقَامَة الْحُدُود ولَايَة مَخْصُوصَة بالسلطان وَالسَّيِّد فِي رَفِيقه على تَفْصِيل فِي مَوَاضِع مقررة قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَهُوَ قِسْمَانِ تنَاول إِيجَابهَا وَذَلِكَ للقضاة

قلت مَا دَامَت مستندة إِلَيْهِم كَمَا تقدم

قَالَ وَتَنَاول استيفائها وَقد جعله النَّبِي صلى الله عليه وسلم لقوم مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَمُحَمّد بن مسلمة وَهِي أشرف الولايات لِأَنَّهَا على أشرف الْأَشْيَاء وَفِي الْأَبدَان فلمعصية النَّاس ورخصهم بِالذنُوبِ ألزمهم الله الذلة بِأَن جعلهَا فِي أَيدي الأدنياء والأوضاع من الْخلق

الْفَائِدَة الثَّانِيَة قَالَ ابْن الْحَاجِب وَالْحُدُود كلهَا بِسَوْط وَضرب معتدلين قَاعِدا غير مربوط مخلي الْيَدَيْنِ على الظّهْر والكتفين دون غَيرهمَا ويجرد الرجل وَيتْرك على الْمَرْأَة مَا لَا يَقِيهَا وَاسْتحْسن أَن تجْعَل الْمَرْأَة فِي قفة

قلت زَاد الْبَاجِيّ عَن الموازنة فِي متولى الضَّرْب أَن يكون وسطا من الرِّجَال الأقوياء وَلَا ضَعِيفا وَزَاد ابْن الْعَرَبِيّ وَيفرق عَلَيْهِ الضَّرْب فِي ظَهره ويتجنب مقاتله

قَالَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة ضرب الزَّانِي أَشد من ضرب الْقَذْف وَضرب الْقَذْف أَشد من ضرب الشّرْب

قَالَ وَكَأَنَّهُم رَأَوْا صُورَة الذِّئْب فَرَكبُوا عَلَيْهَا صُورَة الْعقُوبَة وَالشرب أخف من الْقَذْف وَالْقَذْف أخف من الزِّنَى فَحَمَلُوهُ عَلَيْهِ وقرنوه بِهِ

الْفَائِدَة الثَّالِثَة قَالَ ابْن الْحَاجِب وَيُؤَخر حَيْثُ يخْشَى الْهَلَاك كَمَا تقم فِي الزَّانِي

ص: 151

قلت يَعْنِي قَوْله هُنَالك وينتظر للجلد اعْتِدَال الْهَوَاء وروى أَلا يُؤَخر للْحرّ وَهُوَ قَول أَن خيف على السَّارِق أَن يقطع فِي الْبرد أخر قَالَ ابْن الْقَاسِم وَالَّذِي يضْرب الْحَد فِي الْبرد مثله إِذا خيف عَلَيْهِ أخر وَالْحر بِمَنْزِلَة الْبرد قَالَ ابْن رَاشد وَمثله فِي الْكتاب وَيُؤَخر الْمَرِيض إِلَى برئه

الْفَائِدَة الرَّابِعَة قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة وَلَا يجلد السَّكْرَان حَتَّى يصحو

قَالَ ابْن عَرَفَة زَاد فِي سَماع أبي زيد بن الْقَاسِم وَلَو خَافَ أَن يَأْتِيهِ شَفَاعَة فَيبْطل حَده اللَّخْمِيّ وَكَذَا فِي الزِّنَا والفرية فَإِن أَخطَأ الإِمَام فحده فِي حَال سكره وَهُوَ طافح لم يجزه وَإِن كَانَ سكرا خَفِيفا أَجزَأَهُ وَإِن كَانَ طافحا فَأذْهب ذَلِك الضَّرْب عَنهُ حسب ضرب وَقت ذهب عَنهُ إِلَّا أَن يكون ضربه فِي الْفِرْيَة بِرِضا المفتري عَلَيْهِ فَيجوز قَالَ ابْن عَرَفَة هَذَا على أَن الْحق فِيهِ كُله أَو على رعى الْخلاف قَالَ وَقَالَ عبد الْحق عَن بعض شُيُوخه الْقرَوِيين إِن جهل الإِمَام وَأقَام الْحَد على السَّكْرَان قبل صحوه مضى ذَلِك وَلَا يُعَاد قَالَ يُرِيد لِأَنَّهُ يجد ألم الضَّرْب بعد صحوه

الْفَائِدَة الْخَامِسَة قَالَ ابْن عَرَفَة نَاقِلا عَن الشَّيْخ عَن ابْن حبيب

ص: 152

لَيْسَ عَلَيْهِ نفي الشَّارِب مَعَ الضَّرْب وسواه من حلاق وَلَا سجن وَلَا طواف إِلَّا المدمن الْمُعْتَاد الْمَشْهُور بِالْفِسْقِ فَلَا بَأْس أَن يُطَاف بِهِ ويشهر وَاسْتحبَّ مَالك أَن يلْزم السجْن

الْفَائِدَة السَّادِسَة قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة وَيُقِيم أَمِير الْجَيْش الْحُدُود بِبِلَاد الْحَرْب على أهل الْجَيْش فِي السّرقَة وَغَيرهَا وَذَلِكَ أقوى لَهُ على الْحق

قلت وَلَو كَانَت من الْمغنم لقَوْله بعد ذَلِك وَمن سرق من بَيت المَال أَو من الْمغنم وَهُوَ من أهل ذَلِك الْمغنم قطع قيل أَو لَيْسَ لَهُ فِي الْمغنم حِصَّة قَالَ قَالَ مَالك وَكم تِلْكَ الْحصَّة

الْفَائِدَة السَّابِعَة قَالَ ابْن حبيب يَنْبَغِي أَن تكون إِقَامَة الْحُدُود عَلَانيَة لينتهي النَّاس عَمَّا حرم الله عَلَيْهِم

قلت لقَوْله تَعَالَى {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَفقه ذَلِك أَن الْحَد يردع الْمَحْدُود وَمن شهده وحضره يتعظ بذلك ويزدجر ويشيع حَدِيثه فَيعْتَبر بِهِ بعده

الْفَائِدَة الثَّامِنَة لَا رأفة فِي الْحُدُود لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} فَقيل فِي إِسْقَاط الْحَد وَقيل فِي تخفيفه

قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَهُوَ عِنْدِي مَحْمُول عَلَيْهِمَا مَعًا فَلَا يسْقط الْحَد على الزَّانِي وَلَا يُخَفف عَنهُ

الْفَائِدَة التَّاسِعَة قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ يزِيد الْحَد لزِيَادَة الذَّنب فقد أَتَى عمر رضي الله عنه بسكران فِي رَمَضَان فَضَربهُ مائَة وَثَمَانِينَ حد الْخمر وَعشْرين لهتك حُرْمَة الشَّهْر وَكَذَا يجب أَن تتركب الْعُقُوبَات على تَغْلِيظ الْجِنَايَات وهتك الحرمات انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ

ص: 153

الْفَائِدَة الْعَاشِرَة قَالَ الْمقري فِي قَوَاعِده الشُّبْهَة إِمَّا قريبَة جدا كالشركة فِي الْقطع فَتعْتَبر أَو بعيدَة جدا كالأجير والصدق فِيهِ فَلَا تعْتَبر أَو متوسطة فَقَوْلَانِ هَذَا ضَابِط مَذْهَب مَالك قَالَ وَمن هَذَا تعرف وَجه الرَّد لما أفتى بِهِ الْفَقِيه أَبُو مُوسَى عِيسَى ابْن الإِمَام حَدثنِي رحمه الله أَن عبد الْحق بن أبي بكر حَاكم تونس أخبرهُ أَنه وجد رجلا وَامْرَأَة فَأَفلَت الرجل فأقرت الْمَرْأَة بِأَنَّهَا مكنته من نَفسهَا واعتلت بِمَا كَانَ النَّاس فِيهِ يَوْمئِذٍ من شدَّة المسغبة وَأَنَّهَا لحقها من الْجُوع مَا حملهَا على ذَلِك فرحمتها وسرحتها قَالَ فَقلت لَهُ أصبت فقد قَالُوا إِذا سرق لجوع لم يقطع

فَقلت الْجُوع يُبِيح أَخذ مَال الْغَيْر باخْتلَاف فِي لُزُوم الثّمن فِيهِ فسرقته لَو لم تكن جَائِزَة فَهِيَ شُبْهَة قَوِيَّة وَلَا يُبَاح الزِّنَى بِوَجْه وَلَا على حَال وَلَا مُنَاسبَة بَينه وَبَين إِبَاحَته فَلَا تنهض شُبْهَة تدرء الْحَد فَيجب الْحَد وَلَا بُد انْتهى المُرَاد مِنْهُ

عاطفة تتميم من صدق الحذر من مُوَافقَة الْحُدُود طلب الْقصاص والاستحلال مِمَّا عَسى أَن يكون فِيهِ خلاص وَلَا تؤمن فِيهِ تبعة وَيَكْفِي من ذَلِك أثران

الْأَثر الأول قيل دخل عُثْمَان رضي الله عنه فَوجدَ غُلَاما لَهُ يعلف نَاقَته فَرَأى فِي عَلفهَا شَيْئا فَأخذ بأذنه فعركها ثمَّ نَدم فَقَالَ لغلامه قُم فاقتص مني فَأبى الْغُلَام فَلم يزل بِهِ حَتَّى قَامَ فَأخذ بأذنه قَالَ أعرك وَهُوَ يَقُول شدّ حَتَّى عرف عُثْمَان أَنه قد بلغ مِنْهُ ثمَّ قَالَ واها لقصاص الدُّنْيَا من قصاص الْآخِرَة

الْأَثر الثَّانِي قَالَ مَالك بَلغنِي أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه لما ولى ضرب رجلا ثمَّ نَدم فَقَالَ مَالِي وَلِهَذَا إِلَّا رَددتهَا عَلَيْهِم

فَسمِعت عَائِشَة رضي الله عنها بذلك فَأرْسلت إِلَيْهِ فجَاء إِلَيْهَا فَقَالَ

ص: 154