الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَحْظُور الرَّابِع
اتِّخَاذ الْكَافِر وليا
ويتقرر ذَلِك بِاعْتِبَار طبقتين
الطَّبَقَة الأولى عُمُوم الْخلق حَتَّى الْأُمَرَاء والولاة من تِلْكَ الْجِهَة كَمَا صرح بِهِ التَّنْزِيل فِي غير مَوضِع {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ} وَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} قَالَ ابْن عَطِيَّة نهي الله الْمُؤمنِينَ بِهَذِهِ الْآيَة عَن اتِّخَاذ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء فِي الْخلطَة والنصرة المؤدية إِلَى الامتزاج والمعاضدة وَحكم الْآيَة بَاقٍ
قَالَ وكل من اكثر مُخَالطَة هذَيْن الصِّنْفَيْنِ فه حَظّ من هَذَا المقت الَّذِي تضمنه قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ مِنْهُم}
فَائِدَتَانِ فِي تَنْبِيه إِحْدَاهمَا قَالَ ابْن عَطِيَّة النَّهْي عَن هَذَا الاتخاذ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يظهره الْمَرْء وَأما أَن يتَّخذ بِقَلْبِه وبنيته فَلَا يفعل ذَلِك مُؤمن قَالَ وَلَفظ الْآيَة عَام فِي جَمِيع الْأَعْمَار
الثَّانِيَة قَالَ وَأما مُعَاملَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى من غير مُخَالطَة وملابسة فَلَا يدْخل فِي النَّهْي وَقد عَامل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَهُودِيّا وَرَهنه درعه
الطَّبَقَة الثَّانِيَة خُصُوص الْأُمَرَاء والولاة من حَيْثُ الِاسْتِعَانَة بِهِ وَمن موارد النَّهْي فِيهَا موضعان
أَحدهمَا الْجِهَاد على الْمَشْهُور قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة وَلَا يستعان بالمشركين فِي الْقِتَال أَلا يَكُونُوا نواتية أَو خدما
وَحكى عَن عِيَاض جَوَاز ذَلِك فِي بعض الْأَئِمَّة قَائِلا وَحمل النَّهْي على وَقت خَاص يَعْنِي قَوْله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَنا لَا نستعين بمشرك
قلت وَفِي الْمَوَاضِع غير هَذَا مُطلقًا ومقيدا أَلا نطول بحكاية
قَالَ ابْن نَاجِي سَمِعت بعض من لَقيته يَحْكِي غير مرّة أَن الشَّيْخ الصَّالح أَبَا عَليّ الْقَرَوِي وَكَانَ قد قَرَأَ مَعَ أبي يحيى اللحياني سُلْطَان أفريقية فَجَاز يَوْمًا عَلَيْهِ عِنْد بَاب السويقة وَالنَّصَارَى محدقون بِهِ فَجعل الشَّيْخ يُنَادي يَا فَقِيه أَبَا يحيى وَالنَّاس لَا يعْرفُونَ مُرَاده من هُوَ فَلَمَّا سَمعه السُّلْطَان وقف وَقَالَ نعم يَا سَيِّدي مَا تُرِيدُ قَالَ أمرنَا أَلا نستعين بمشرك فَقَالَ نعم يَا سَيِّدي صدقت وَانْصَرف بِرِفْق
الثَّانِي فِي الْولَايَة والاصطناع قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ لَا يَنْبَغِي لأحد من الْمُسلمين ولي ولَايَة أَن يتَّخذ من أهل الذِّمَّة وليا فِيهَا لنهي الله عَن ذَلِك لأَنهم لَا يخلصون النَّصِيحَة وَلَا يؤدون الْأَمَانَة قلت ورد الْعَمَل بذلك عَن السّلف قولا وفعلا وَيَكْفِي من ذَلِك رِوَايَتَانِ
الرِّوَايَة الأولى قَالَ الطرطوشي لما استقدم عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ من الْبَصْرَة وَكَانَ عَاملا لِلْحسابِ دخل على عمر وَهُوَ فِي الْمَسْجِد وَاسْتَأْذَنَ لكَاتبه وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَقَالَ لَهُ عمر قَاتلك الله وَضرب فَخذه وليت ذِمِّيا على الْمُسلمين أما سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم} أَلا اتَّخذت حَنِيفا مُسلما فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لي كِتَابَته وَله دينه فَقَالَ لَا أكْرمهم إِذْ أَهَانَهُمْ الله وَلَا أعزهم إِذْ أذلّهم الله وَلَا أدينهم إِذْ أَقْصَاهُم الله
الرِّوَايَة الثَّانِيَة قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه إِلَى بعض عماله أما بعد فَإِنَّهُ بَلغنِي أَن فِي عَمَلك رجلا يُقَال لَهُ فلَان وَسَماهُ على غير دين الْإِسْلَام وَالله تَعَالَى يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذين اتَّخذُوا دينكُمْ هزوا وَلَعِبًا من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَالْكفَّار أَوْلِيَاء وَاتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين} فَإِذا أَتَاك كتابي هَذَا فَادع فلَانا إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أسلم فَهُوَ منا وَنحن مِنْهُ وَإِن أَبى فَلَا تستعن بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ من غير أهل
الْإِسْلَام على شَيْء من أَعمال الْمُسلمين فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكتاب فَأسلم وَعلمه الطَّهَارَة وَالصَّلَاة
تَعْرِيف من مستحسن التحريض على تَحْرِيك الهمة للترفع عَن وصمة هَذَا الاتخاذ مَا حكى الْقَرَافِيّ أَن الطرطوشي لما دخل على الْخَلِيفَة بِمصْر ووزير لَهُ كَافِر بإزائه أنْشدهُ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ
(يَا أَيهَا الْملك الَّذِي جوده
…
يَطْلُبهُ القاصد والراغب)
(إِن الَّذِي شرفت من أَجله
…
يزْعم هَذَا أَنه كَاذِب)
فَاشْتَدَّ غضب الْخَلِيفَة عِنْد سَماع ذَلِك وَأمر بذلك الْكَافِر فسحب وَضرب وَقتل وَأَقْبل على الشَّيْخ الطرطوشي فَأكْرمه وعظمه بعد عزمه على إذايته انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ
قلت وَيذكر أَن يحيى بن أَكْثَم كتب إِلَى الرشيد وَقد قرب يَهُودِيّا
(يَا ملكا طَاعَته عصمَة
…
وَحقه مفترض وَاجِب)
(إِن الَّذِي شرفت من أَجله
…
يزْعم هَذَا انه كَاذِب)
قَالَ بَعضهم قيل لعيسى ابْن عباهل الْبَيَانِي لَو كلفت أَن تدخل بَين أدفونش ووزيره الْيَهُودِيّ مَا كنت تَقول فَأَنْشد يَقُول
(يَا ناصرا دين الْمَسِيح بِسَيْفِهِ
…
وبذا حماه جدوده وَأَبوهُ)
(إِن الَّذِي نصرت جدودك دينه
…
زعم الْيَهُود بِأَنَّهُم صلبوه)
قلت وَمن هَذَا الْبسَاط مَا كتب بِهِ ابْن الجزار السَّرقسْطِي لبَعض إخوانه وَقد رَآهُ صانع يَهُودِيّا وَصفا إِلَيْهِ
(الضِّدّ للضد ذُو منافرة
…
من غره غير شكله هلكا)
(وكل من لست من شَرِيعَته
…
يظْهر غير الَّذِي يُرِيد لكا)
(وَالْعقل يَبْنِي لَهُ مذْهبه
…
فِيك ومسعاه آيَة سلكا)
(أنظر فَإِن كَانَ مَا تُرِيدُ لَهُ
…
خيرا فَذَاك الَّذِي يُرِيد لكا)