الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ وَكَذَا شَأْن كل دولة لَا بُد وان يعرض فِيهَا عوارض الْهَرم بالترف والدعة وتقلص ظلّ الغلب فينقسم اعياصها أَو من يغلب من رجال دولتها الْأَمر ويتعدد فِيهَا الدول وَالله وَارِث الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
النّظر الثَّانِي
فِي التَّعْرِيف بكيفية طروق الْخلَل إِلَى الدول
لما كَانَ مبْنى الْملك على اساس لَا بُد مِنْهُمَا أَحدهمَا العصبية وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالجند
وَالثَّانِي المَال الَّذِي هُوَ قوام الْجند وَمَا يحْتَاج اليه الْملك والخلل إِذا طرق الدولة طرقها فِي هذَيْن الاساسين
بَيَان طروق الْخلَل فِي العصبية وَذَلِكَ إِذا احاط بذوي التَّمْهِيد بهَا للدولة هادمان
أَحدهَا الترف المستحيل بِهِ خلق البسالة على مَا تقدم بَيَانه
الثَّانِي الْعَهْد الَّذِي يَأْخُذهُمْ بِهِ صَاحب الدولة إِذا جَاءَت طبيعة الْملك ثمَّ يصير اخذا إِلَى النّيل لما يحصل من مرض قُلُوبهم عِنْد رسوخ الْملك لصَاحبه فتأخذهم بِهِ غَيره مِنْهُ على ملكه خُصُوصا ذَوي قرباه المقاسمين لَهُ فِي اسْم الْملك فتفسد عصبيته مِنْهُم وَهِي العصبية الْكُبْرَى الَّتِي بهَا جمع العصائب واستتباعها ويستبدل مِنْهَا بِالْمَوَالِي والمصطنعين وَلَا تكون عصبيتهم مثل ذَلِك فِي شدَّة الشكيمة لفقدان الرَّحِم مِنْهَا فينفرد عَن الْعَشِيرَة
وهم أهل النعرة الطبيعية ويشعر بذلك أهل العصائب الْأُخْرَى فيتجاسرون عَلَيْهِ وعَلى بطانته تجاسرا طبيعيا فِيمَا لَهُم ويتبعهم بِالْقَتْلِ وَاحِدًا بعد وَاحِد ويقلد الآخر من أهل الدولة فِي ذَلِك الأول مُضَافا لما نزل بِهِ من مهلكة الترف فيستولي عَلَيْهِم الْهَلَاك ترفا وقتلا حَتَّى يخرجُوا عَن ضبغة العصبية الأولى ويصيروا اجزاء على الحماية لتقل الحماية النَّازِلَة بالأطراف والثغور فتتجاسر الرّعية على بعض الدولة فِي ذَلِك ويبادر الْخَوَارِج من الاعياص وَغَيرهم إِلَى تِلْكَ الاطراف لما يرجعُونَ من حُصُول غرضهم بمتابعة أَهلهَا لَهُم وامنهم من وُصُول الحماية اليها وَلَا يزَال كل ذَلِك يتدرج ونطاق الدولة ضائق حَتَّى يتقربوا من مَرْكَز الدولة وَرُبمَا انقسمت الدولة عِنْد ذَلِك بدولتين أَو ثَلَاث على قدر قوتها فِي الأَصْل كَمَا تقدم وَيقوم بأمرها غير أهل عصبيتها اذعانا لَهُم ولغلبهم الْمَعْهُود
اعْتِبَار
قَالَ ابْن خلدون وَاعْتبر هَذَا فِي دولة الْإِسْلَام انْتَهَت أَولا إِلَى الأندلس والهند والصين وَكَانَ أَمر بني امية نَافِذا فِي جَمِيع الْعَرَب بعصبية بني عبد منَاف حَتَّى لقد أَمر سُلَيْمَان بن عبد الْملك من دمشق بقتل عبد الْعَزِيز ابْن مُوسَى بن نصير بقرطبة فَقتل وَلم يرد امْرَهْ ثمَّ تلاشت
لما اصابهم من الترف فانقرضوا وَجَاء بَنو الْعَبَّاس فغضوا من اعنه بني هَاشم وقتلوه الطالبين وشردوهم فنلاشت عصبية بني عبد منَاف وتجاسر الْعَرَب عَلَيْهَا فاستبد عَلَيْهَا أهل القاصية مثل بني الاغلب بأفريقية واهل الأندلس وَغَيرهم وانقسمت الدولة ثمَّ خرج بَنو ادريس بالمغرب وَقَامَ البربر بأمرهم اذغانا للعصبية الَّتِي لَهُم وامنا من وُصُول الحماية اليهم
تَحْصِيل وَاقع
قَالَ فَإِذا خرجت الدعاة اخرا تغلبُوا على الاطراف والقاصية وحصلوا هُنَاكَ ملكا تَنْقَسِم بِهِ الدولة وَرُبمَا زادوا على ذَلِك مَتى زَادَت الدولة تقلصا إِلَى أَن ينْتَهوا إِلَى المركز وتضعف بذلك الدولة على إِنَّهَا رُبمَا طَال امرها إِذْ اذك فيستغني عَن العصبية بِمَا حصل لَهَا فِي نفوس ابالتها من صبغة الانقياد وَالتَّسْلِيم مُنْذُ سنتَيْن طَوِيلَة مُنْضَمًّا لاكتفاء صَاحبهَا بالأجراء على الحماية من جندي ومرتزق
وَقَالَ وَرُبمَا كَانَت الدولة فِي هَذِه الْحَال اسْلَمْ من المخارجة والمنازعة لاستحكام صبغة التَّسْلِيم والانقياد بذلك إِذْ النُّفُوس تحدث سرها بمخالفة وَلَا يختلع فِي ضميرها انحراف عَن الطَّاعَة فَيكون اسْلَمْ من الْهَرج والانتقاض الْحَادِث بالعصائب والعشائر