المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌فِي التحذير من تِلْكَ الْمَحْظُورَات

- ‌الْمَحْظُور الأول

- ‌اتِّبَاع الْهوى

- ‌الْمَحْظُور الثَّانِي

- ‌الترفع عَن المداراة

- ‌الْمَحْظُور الثَّالِث

- ‌قبُول السّعَايَة والنميمة

- ‌الْمَحْظُور الرَّابِع

- ‌اتِّخَاذ الْكَافِر وليا

- ‌الْمَحْظُور الْخَامِس

- ‌الْغَفْلَة عَن مُبَاشرَة الْأُمُور

- ‌فِي جَوَامِع مَا بِهِ السياسة الْمَطْلُوبَة من السُّلْطَان وَمن يَلِيهِ

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي سياسة السُّلْطَان

- ‌السياسة الأولى

- ‌الْجُمْلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِي

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة

- ‌شَهَادَة عيان

- ‌الْجُمْلَة الثَّانِيَة

- ‌الْحق الأول

- ‌الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْحق الثَّانِي

- ‌تحذير

- ‌الْحق الثَّالِث

- ‌الْحق الرَّابِع

- ‌الْحق الْخَامِس

- ‌الْإِشَارَة الثَّانِيَة

- ‌الْإِشَارَة الثَّالِثَة

- ‌السياسة الثَّانِيَة

- ‌سياسة الْأُمُور الْعَارِضَة

- ‌ الْجِهَاد

- ‌الْعَارِض الأول

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ

- ‌الْعَارِض الثَّانِي

- ‌السّفر

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة

- ‌الْعَارِض الثَّالِث

- ‌الشدائد النَّازِلَة

- ‌التَّذْكِير الأول

- ‌التَّذْكِير الثَّانِي

- ‌التَّذْكِير الثَّالِث

- ‌التَّذْكِير الرَّابِع

- ‌التَّذْكِير الْخَامِس

- ‌الْحِكَايَة الأولى

- ‌الْحِكَايَة الثَّانِيَة

- ‌الشدَّة الأولى

- ‌الشدَّة الثَّانِيَة

- ‌الشدَّة الثَّالِثَة

- ‌فَائِدَة فِي تَنْبِيه

- ‌الْعَارِض الرَّابِع

- ‌الرسَالَة

- ‌الرِّعَايَة الأولى تحقق أَن موقع الرَّسُول من السُّلْطَان موقع الدَّلِيل من الْمَدْلُول وَالْبَعْض من الْكل فَفِي سياسة أرسطو اعْلَم أَن الرَّسُول يدل على عقل من أرْسلهُ إِذْ هُوَ عينه فِيمَا لَا يرى وَأذنه فِيمَا لَا يسمع وَلسَانه عِنْدَمَا غَابَ عَنهُ وَقَالُوا الرَّسُول قِطْعَة من الْمُرْسل

- ‌الرِّعَايَة الثَّانِيَة

- ‌الرِّعَايَة الثَّالِثَة

- ‌الرِّعَايَة الرَّابِعَة

- ‌الرِّعَايَة الْخَامِسَة

- ‌الرِّعَايَة السَّادِسَة

- ‌الرِّعَايَة السَّابِعَة

- ‌الرِّعَايَة الثَّامِنَة

- ‌الرِّعَايَة التَّاسِعَة

- ‌الرِّعَايَة الْعَاشِرَة

- ‌الْعَارِض الْخَامِس

- ‌الْوُفُود

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي سياسة الْوَزير

- ‌السياسة الأولى

- ‌سياسة لنَفسِهِ

- ‌الضَّرْب الأول

- ‌المعتقدات العلمية

- ‌المعتقد الأول

- ‌المعتقد الثَّانِي

- ‌المعتقد الثَّالِث

- ‌المعتقد الرَّابِع

- ‌المعتقد الْخَامِس

- ‌الضَّرْب الثَّانِي

- ‌العزائم العلمية

- ‌الْعَزِيمَة الأولى

- ‌الْعَزِيمَة الثَّانِيَة

- ‌الْعَزِيمَة الثَّالِثَة

- ‌الْعَزِيمَة الرَّابِعَة

- ‌الْعَزِيمَة الْخَامِسَة

- ‌السياسة الثَّانِيَة

- ‌سياسة السُّلْطَان

- ‌الْأَدَب الرَّابِع

- ‌الْأَدَب السَّادِس

- ‌الْأَدَب السَّابِع

- ‌الْأَدَب الثَّامِن

- ‌الْأَدَب التَّاسِع

- ‌الْأَدَب الْعَاشِر

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌المتقي

- ‌السياسة الثَّالِثَة لخواص السُّلْطَان

- ‌وَسَائِر أَرْبَاب الدولة

- ‌الطَّبَقَة الأولى المسالمون

- ‌المدارة الأولى

- ‌المدارة الثَّانِيَة

- ‌المدارة الثَّالِثَة

- ‌المدارة الرَّابِعَة

- ‌المدارة الخانسة

- ‌الطَّبَقَة الثَّانِيَة

- ‌المتطلعون إِلَى مَنْزِلَته

- ‌الْمُقَابلَة الأولى

- ‌الْمُقَابلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمُقَابلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمُقَابلَة الْخَامِسَة

- ‌فِي سياسة سَائِر الْخَواص والبطانة

- ‌فِي صُحْبَة السُّلْطَان وخدمته

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فِي التَّرْهِيب من مخالطته

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌التحذير من صحبته

- ‌خَاتِمَة إِفَادَة

- ‌فِي وَاجِبَات مَا يلْزم السُّلْطَان سياسة الْقيام بهَا وَفَاء بعهدة مَا تحمله وطولب مِنْهُ وَالْمَذْكُور مِنْهَا جملَة

- ‌الْوَاجِب الثَّالِث

- ‌إِقَامَة الْحُدُود

- ‌الْوَاجِب الرَّابِع

- ‌عُقُوبَة الْمُسْتَحق وتعزيزه

- ‌الْوَاجِب الْخَامِس

- ‌رِعَايَة أهل الذِّمَّة

- ‌الْكتاب الرَّابِع

- ‌فِي عوائد الْملك وعوارضه

- ‌فِي عوائق الْملك الْمَانِعَة من دَوَامه

- ‌النّظر الأول

- ‌فِي التَّعْرِيف بالعوائق المنذرة بِمَنْع دوَام الْملك

- ‌النّظر الثَّانِي

- ‌فِي التَّعْرِيف بكيفية طروق الْخلَل إِلَى الدول

- ‌بَيَان طروق الْخلَل فِي المَال

- ‌فِي عوارض الْملك اللاحقة لطبيعة وجوده

- ‌ فِي عوارض الْملك من حَيْثُ هُوَ

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي اخْتِيَار الْمنَازل الحضرية الِاجْتِمَاع

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي اكْتِسَاب المعاش بِالْكَسْبِ والصنائع وَفِيه مسَائِل

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي اكْتِسَاب الْعُلُوم

- ‌الخاتمة فِي سياستي الْمَعيشَة وَالنَّاس

- ‌الْمُقدمَة الأولى فِي التَّقْوَى

- ‌وفيهَا مسَائِل

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِي حسن الْخلق

- ‌السياسة الأولى

- ‌سياسة الْمَعيشَة

- ‌المطلع الأول

- ‌فِي كليات مِمَّا تدبر بِهِ الْمَعيشَة من جَانب الْوُجُود وَفِيه انارات

- ‌المطلع الثَّانِي

- ‌فِي أُمَّهَات مِمَّا تحفظ بِهِ من جَانب الْعَدَم وَفِيه اضاءات

- ‌السياسة الثَّانِيَة

- ‌سياسة النَّاس

- ‌وَقبل التَّلْخِيص لَهَا فَهُنَا مُقَدمَات

- ‌مسكة الختام

الفصل: ‌رعاية أهل الذمة

‌الْوَاجِب الْخَامِس

‌رِعَايَة أهل الذِّمَّة

وَفِيه مسَائِل يَتَّضِح بهَا من ضَرُورَة النّظر فِيهِ ومكمله

المسالة الأولى من اوعب الشُّرُوط الماخوذة عَلَيْهِم مَا تضمنه كتاب عبد الرَّحْمَن بن غنم إِلَى عمر رضي الله عنهما وَنَصه قَالَ كتبنَا لعمر بن الْخطاب حِين صَالح نَصَارَى الشَّام بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب لعبد الله عمر امير الْمُؤمنِينَ من نَصَارَى مَدِينَة كذ وَكَذَا لما قدمتم علينا سألناكم الامان لأنفسنا وذراينا واموالنا واهل ملتنا وشرطنا لكم على انفسنا أَن لَا نُحدث فِي مدائننا وَلَا فِيمَا حولهَا ديرا وَلَا كَنِيسَة وَلَا قلية وَلَا صومعة رَاهِب وَلَا نجدد مَا خرب مِنْهَا وَلَا نحني مَا كَانَ مِنْهَا فِي خطط الْمُسلمين وَلَا نمْنَع كنائسنا أَن ينزلها أحد من الْمُسلمين فِي ليل وَلَا فِي نَهَار وان نوسع ابوابها للمارة وَابْن السَّبِيل وان ننزل من مدائننا من مر بِنَا من الْمُسلمين ثَلَاث لَيَال نطعمهم وَلَا نُؤَدِّي فِي مَنَازلنَا وَلَا كنائسنا جاسوسا وَلَا نكتم غَشنَا للْمُسلمين وَلَا نعلم اولادنا الْقرَان وَلَا نظهر شركا وَلَا نَدْعُو اليه أحدا وَلَا نمْنَع أحدا من ذَوي قرابتنا الدُّخُول فِي الْإِسْلَام أَن أرادوه وان نوقر الْمُسلمين ونقوم لَهُم من مجالسنا إِذا أَرَادوا الْجُلُوس وَلَا تشبه بهم فِي شَيْء من لباسهم فِي قلنسوة وَلَا عِمَامَة وَلَا نَعْلَيْنِ وَفرق شعر وَلَا تَتَكَلَّم بكلامهم وَلَا تكنى بكناهم وَلَا نركب

ص: 179

السُّرُوج وَلَا نتقلد السيوف وَلَا تتَّخذ شَيْئا من السِّلَاح وَلَا نحمله مَعنا وَلَا ننقش على خواتمنا بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا نبيع الْخُمُور واذ نجز مقاديم رؤوسنا وان نلزم زيا حَيْثُ مَا كُنَّا وان نَشد الزنانير على اوساطنا وان لَا نظهر الصلبان على كنائسنا وان لَا نظهر صلبينا وكتبنا فِي شَيْء من طرق الْمُسلمين واسواقهم وَلَا نضرب نواقيسنا فِي كنائسنا إِلَّا نقرا خَفِيفا وَلَا نرفع اصواتنا بِالْقِرَاءَةِ فِي كنائسنا فِي شَيْء من حَضْرَة الْمُسلمين وَلَا نخرج شعانينا وَلَا باعوثا وَلَا نرفع اصواتنا مَعَ مَوتَانا وَلَا نظهر النيرَان مَعَهم فِي شَيْء من طرق الْمُسلمين وَلَا اسواقهم وَلَا نتطلع عَلَيْهِم فِي مَنَازِلهمْ

فَلَمَّا اتيت عمر بن الْخطاب رضي الله عنه بِالْكتاب زَاد فِيهِ وَلَا نضرب أحدا من الْمُسلمين شرطنا لكم ذَلِك على انفسنا واهل ملتنا وَقَبلنَا عَلَيْهِ الامان فان نَحن خَالَفنَا عَن شَيْء مِمَّا شرطناه لكم وضمناه على انفسنا فَلَا ذمَّة لنا وَقد حل لكم منا مَا يحل من أهل المعاندة والشقاق فَكتب اليه عمر رضي الله عنه أَن امْضِي مَا سَأَلُوهُ وزد فِيهِ حرفين اشترطتهما عَلَيْهِم مَعَ مَا شرطوه على أنفسهم إِلَّا تشتروا شَيْئا من سَبَايَا الْمُسلمين وَمن ضرب مُسلما عمدا فقد خلع عَهده

فَائِدَة فِي تَنْبِيه من هَذِه الشُّرُوط مَا يسْقط الطّلب بِهِ كأرزاق الْمُسلمين واضافة المجتاز بهم ثَلَاثَة قَالَ مَالك ارى أَن يوضع ذَلِك عَنْهُم لما احدث عَلَيْهِم

ص: 180

من الْجور قَالَ الْبَاجِيّ وَقَوله يدل على أَن ذَلِك مَعَ الْوَفَاء بِمَا عوهدوا عَلَيْهِ

المسالة الثَّانِيَة هَذِه الشُّرُوط بِاعْتِبَار الاخلال بهَا ثَلَاثَة

أَحدهَا مَا ينتقص بِهِ عقد الذِّمَّة اتِّفَاقًا قَالَ الْقَرَافِيّ كالخروج على السُّلْطَان ونبذ الْعَهْد وَالْقَتْل والقتال وحدهم أَو مَعَ الْعَدو

قلت وكالتمرد على الْأَحْكَام والتطلع على عورات الْمُسلمين

الثَّانِي مَا لَا ينْتَقض بِهِ ذَلِك اتِّفَاقًا قَالَ الْقَرَافِيّ كَتَرْكِ الزنار وركوبه الْخَيل وَترك ضِيَافَة الْمُسلمين وَنقش خواتمهم بِالْعَرَبِيَّةِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا تخف مفسدته

قلت وَلَا بُد من ذَلِك من التَّعْزِير كَمَا نصوا عَلَيْهِ فِي ترك الزنار وَظُهُور السكر الْمُتَعَمد وَبسط اللِّسَان

الثَّالِث مَا اخْتلفت فِي الحاقة بِالْأولِ وَالثَّانِي كَالزِّنَا بالمسلمة طَوْعًا الْحَقْهُ مَالك فِي بِالثَّانِي فَلَا ينْتَقض والحقه ربيعَة وَابْن وهب بِالْأولِ فينتقض

قلت وَالْمَشْهُور قَول مَالك كَمَا صرح بِهِ خَلِيل

المسالة الثَّالِثَة بر أهل الذِّمَّة ماذون فِيهِ لقَوْله تَعَالَى {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين وَلم يخرجوكم من دِيَاركُمْ أَن تبروهم وتقسطوا إِلَيْهِم إِن الله يحب المقسطين} والتودد اليهم مَنْهِيّ عَنهُ لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة}

قَالَ القارفي والبابان ملتبسان فيحتاجان إِلَى الْفرق

قلت اختصر الْمقري فِي قَوَاعِده مَا فرق بِهِ بقوله الْبر الْمَأْذُون لَهُم فِيهِ مَا يرجع إِلَى قربهم والاحسان اليهم مَعَ حفظ الْمرتبَة وعلو الْإِسْلَام وَهُوَ مُسْتَحبّ وَجَائِز والاقساط الْعدْل الْوَاجِب فيهم وَهُوَ مُسْتَحقّ

ص: 181

وَاجِب والتودد المنهى عَنهُ مَا يرجع إِلَى الاكرام وَاسْتِعْمَال الاداب الَّتِي يَسْتَحِقهَا الرؤساء والاكفاء من دونهم أَو هُوَ فِي درجتهم وَهُوَ حرَام قَالَ فَلَا تصح حجَّة اسماعيل القَاضِي بِالْآيَةِ فِي قِيَامه لِلنَّصْرَانِيِّ الَّذِي ورد عَلَيْهِ من قبل السُّلْطَان باكرامه لَهُ بل ذَلِك مِنْهُ وضع لمرتبتي الْفِقْه وَالْقَضَاء بتوهم عَارض دينوي وَهُوَ بَاطِل انتهي

المسالة الرَّابِعَة الْفرق بَين جَوَاز اخذ الْجِزْيَة على الْكفْر وَمنع اخذ الْعِوَض عَن الْمعْصِيَة مُلَخصا بِالْمَعْنَى من كَلَام الْقَرَافِيّ أَن الْجِزْيَة مُشْتَمِلَة على الْعِوَض على الْتِزَام مفْسدَة قَليلَة لدفع مفْسدَة عَظِيمَة وتوقع مصلحَة عليا واخذ الْعِوَض عَن الْمعْصِيَة مُتَضَمّن لترجيح مصلحَة حقيرة على مفْسدَة عَظِيمَة وَذَلِكَ لَان الْكَافِر إِذا قتل فانه فَاتَهُ الْإِيمَان فشرعت الْجِزْيَة رَجَاء أَن يسلم فِي الْمُسْتَقْبل وَإِذ ذَاك فتتبعه ذُريَّته وتتصل سلسلة الْإِسْلَام من قبله وان مَاتَ على كفره فإسلام ذُريَّته متوقع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَسَاعَة من الْإِيمَان تعدل دهورا من الْكفْر وَمن ثمَّ كَانَ خلق آدم عليه السلام على وفْق الْحِكْمَة واكثر ذُريَّته كفار وَعند ذَلِك فَلم تشرع الْجِزْيَة لمصْلحَة الْمَأْخُوذ فَقَط بل لما اشير اليه وَلَا كَذَلِك اخذ الْعِوَض عَن الْمعْصِيَة لرجحان مفسدته بِكُل اعْتِبَار

المسالة الْخَامِسَة من وَعِيد الاخلال بِوَاجِب الْعدْل فيهم بِمَا لَهُم من ذمَّة الله وَرَسُوله امران أَحدهمَا التَّعَرُّض لمحاجة النَّبِي ص صلى الله عليه وسلم عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة فَفِي سنَن أبي دَاوُود أَن رَسُول الله ص صلى الله عليه وسلم قَالَ من ظلم معاهدا أَو انتقضه أَو كلفه فَوق طاقته أَو اخذ مِنْهُ شَيْئا بِغَيْر طيب نفس فَأَنا حجيجه يَوْم الْقِيَامَة

الثَّانِي بَرَاءَة النَّبِي ص صلى الله عليه وسلم مِمَّن تناهي بِهِ الظُّلم إِلَى قتل وَاحِد مِنْهُم بِغَيْر حق فَفِي صَحِيح ابْن حبَان أَن رَسُول الله ص صلى الله عليه وسلم قَالَ

ايما رجل امن رجلا على ذمَّة ثمَّ قَتله فَأَنا من الْقَاتِل بَرِيء وان كَانَ يَوْم الْمَقْتُول كَافِرًا قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَقَالَ ابْن مَاجَه فانه يحمل لِوَاء الْعذر يَوْم الْقِيَامَة

ص: 182

تَفْرِيغ قَالَ الْقَرَافِيّ فَمن اعْتدى عَلَيْهِم وَلَو بِكَلِمَة سوء أَو غيبَة فِي عرض أحدهم أَو نوع من أَو أَنْوَاع الاذاية أَو اعان على ذَلِك فقد ضيع ذمَّة الله تَعَالَى وَذمَّة رَسُوله ص صلى الله عليه وسلم وَذمَّة الْإِسْلَام

استظهار قَالَ وَقد حكى ابْن حزم فِي مَرَاتِب الْإِجْمَاع لَهُ أَن من كَانَ فِي الذِّمَّة وقصده الْعَدو فِي بِلَادنَا وَجب الْخُرُوج لقتالهم حَتَّى نموت دون ذَلِك صونا لمن هُوَ فِي ذمَّة الله تَعَالَى وَذمَّة رَسُول الله ص صلى الله عليه وسلم لَان تسلميه اهمال لعقد تِلْكَ الذِّمَّة انْتهى لعَظيم

قَالَ فعقد يُؤَدِّي إِلَى اتلاف النُّفُوس وَالْأَمْوَال صونا لمقتضاه عَن الضّيَاع انه لعَظيم

تكَلمه بَيَان لاخفاء أَن مَا سبق من عد السياسة فِي اركان الْملك أَولا وَمَا بَين هُنَا من جملها ثَانِيًا كَاف فِي هَذَا الْمقَام بِحَسب ذَلِك الْقَصْد وَلَكِن رَأَيْت أَن اكلمه بِذكر مَا كتب بِهِ طَاهِر بن الْحُسَيْن لِابْنِهِ عبد الله لما ولاه المامون الرقة ومصر وَمَا بَينهمَا فانه قَالَ ابْن خلدون من احسن مَا كتب فِي ذَلِك واوعبه وانه عهد اليه فِيهِ ووصاه بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج اليه فِي دولته وسلطانه من الاداب الدِّينِيَّة والخلقية والسياسات الشَّرْعِيَّة والملوكية وحثه على مَكَارِم الاخلاق ومحاسن الشيم بِمَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ ملك

ص: 183

وَلَا سوقه قَالَ وَنَصّ الْكتاب مَنْقُولًا من كتاب السّير بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِمَّا بعد فَعَلَيْك بتقوى الله وَحده لَا شريك لَهُ وخشيته ومراقبته عز وجل ومزايلة سخطه وَحفظ رَعيته بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار والزم مَا البسك الله من الْعَافِيَة بِالذكر لمعادك وَمَا أَنْت صائر اليه وَمَوْقُوف عَلَيْهِ ومسؤول عَنهُ وَالْعَمَل فِي ذَلِك كُله بِمَا يَعْصِمك الله عز وجل وينجيك يَوْم الْقِيَامَة من عِقَابه واليم عَذَابه فان الله سُبْحَانَهُ قد احسن اليك وَأوجب عَلَيْك الرأفة بِمن استرعاك أَمرهم من عباده والزمك الْعدْل فيهم والقيلم بِحقِّهِ وحدوده عَلَيْهِم والذب عَنْهُم وَالدَّفْع عَن حريهم وبيضتهم والحقن لدمائهم والامن لسلبهم وادخار الرَّاحَة عَلَيْهِم ومواخذك بِمَا فرض عَلَيْك وموفقك عَلَيْهِ عَنهُ ومسائلك ومثيبك عَلَيْهِ بِمَا قدمت واخرت ففرغ لذَلِك فهمك وعقلك وبصرك وَلَا يشغلك عَنهُ شاغل وانه رَأس امرك وملاك شَأْنك وَأول مَا يوفقك الله عز وجل بِهِ لرشدك

وَليكن أول مَا تلْزم بِهِ نَفسك وتنسب اليه فعلك الْمُوَاظبَة على مَا افترضه الله عز وجل عَلَيْك من الصَّلَوَات الْخمس وَالْجَمَاعَة عَلَيْهَا بِالنَّاسِ قبلك وتوقعها على سنتها فِي اسباغ الْوضُوء لَهَا وافتتاح ذكر الله عز وجل فِيهَا وترتل فِي قراءتك وَتمكن فِي ركوعك وسجودك وتشهدك ولتصدق فِيهَا لِرَبِّك نيتك وحض عَلَيْهَا جمَاعَة من

ص: 184

مَعَك وَتَحْت يدك واداب عَلَيْهَا لانها كَمَا قَالَ الله عز وجل {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} ثمَّ اتبع ذَلِك بالاخذ بسنن رَسُول الله ص صلى الله عليه وسلم والمثابرة على خلائقه واقتفاء اثار السّلف الصَّالح من بعده وَإِذا ورد عَلَيْك أَمر فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ باستخارة الله عز وجل وتقواه وبلزوم مَا انْزِلْ الله عز وجل فِي كِتَابه من امْرَهْ وَنَهْيه وَحَلَاله وَحَرَامه واتمام مَا جَاءَت الاثار عَن رَسُول الله ص صلى الله عليه وسلم ثمَّ قُم فِيهِ بِمَا يحِق لله عز وجل عَلَيْك وَلَا تميلن عَن الْعدْل فِيمَا احببت وكرهت لقريب من النَّاس أَو بعيد واثر الْفِقْه واهله وَالدّين وَحَمَلته وَكتاب الله عز وجل والعاملين بِهِ فان افضل مَا يتزين بِهِ الْمَرْء الْفِقْه فِي دين الله والطلب لَهُ والحث عَلَيْهِ والمعرفة بِمَا يتَقرَّب بِهِ مِنْهُ إِلَى الله عز وجل فَإِنَّهُ الدَّلِيل على الْخَيْر كُله والقائد إِلَيْهِ والآمر بِهِ والناهي عَن الْمعاصِي والموبقات كلهَا وَبِه مَعَ توفيق الله عز ووجل يزْدَاد العَبْد معرفَة بِهِ واجلالا لَهُ لامرك والهيبة لسلطانك والانس بك والثقة بعد لَك وَعَلَيْك بالاقتصاد فِي الْأُمُور كلهَا فَلَيْسَ شَيْء ابين

ص: 185

نفعا وَلَا احسن امنا وَلَا اجْمَعْ فضلا مِنْهُ وَالْقَصْد دَاعِيَة إِلَى الرشد والرشد دَلِيل على التَّوْفِيق قَائِد إِلَى السَّعَادَة وقوام الدّين وَالسّنَن الهادية بالاقتصاد فاثره فِي دنياك كلهَا وَلَا تقصر فِي طلب الاخرة والأعمال الصَّالِحَة وَالسّنَن الْمَعْرُوفَة ومعالم الرشد ولاغاية للاستكثار من الْبر وَالسَّعْي لَهُ إِذا كَانَ يطْلب بِهِ وَجه الله تَعَالَى ومرضاته ومرافقة اولياء الله فِي دَار كرامته

وَاعْلَم أَن الْقَصْد فِي شَأْن الدُّنْيَا يُورث الْعِزّ ويحصن من الذُّنُوب وانك لن تحوط نَفسك ومرتبتك وَلَا تصلح امورك بِأَفْضَل مِنْهُ فأته واهتد بِهِ تتمّ امورك وتزيد مقدرتك وَتصْلح خاصتك وعامتك واحسن ظَنك بِاللَّه عز وجل تستقم لَك رعيتك وَالْتمس الْوَسِيلَة اليه فالأمور كلهَا تستديم بِهِ النِّعْمَة عَلَيْك وَلَا تتهمن أحدا من النَّاس فِيمَا وليته من عَمَلك قبل أَن تكشف امْرَهْ فام ايقاع التهم بِالْبَرَاءَةِ والظنون السَّيئَة بهم مأثم فَاجْعَلْ من شَأْنك حسن الظَّن فِي بِأَصْحَابِك واطرد عَنْك سوء الظَّن بهم وارفضه فيهم بِعَيْنِك ذَلِك على اصطناعهم ورياضتهم وَلَا يجدن عَدو الله الشَّيْطَان فِي امرك مغمزا فانه إِنَّمَا يَكْتَفِي بِالْقَلِيلِ من وهنك فَيدْخل عَلَيْك من الْغم بِسوء الظَّن بهم مَا ينغمص لذاذة عيشك

وَاعْلَم انك تَجِد بِحسن الظَّن قُوَّة وراحة

ص: 186

وتكفي بهَا مَا احببت كِفَايَته من امورك وَتَدْعُو بِهِ النَّاس إِلَى محبتك والاستقامة فِي الْأُمُور كلهَا وَلَا يمنعك حسن الظَّن بِأَصْحَابِك والرأفة برعيتك أَن تسْتَعْمل الْمَسْأَلَة والبحث عَن امورك والمباشرة لأمور الاولياء والحياطة للرعية وَالنَّظَر فِي مَا يقيمها ويصلحها بل لتَكون مُبَاشرَة لأمور الاولياء والحياطة للرعية بِالنّظرِ فِي حوائجهم وَحمل مسؤوناتهم اثر عنْدك مِمَّا سوى ذَلِك فانه اقوم للدّين واحيي للسّنة

واخلص نيتك فِي جَمِيع هَذَا وَتفرد بتقويم نَفسك تفرد من يعلم انه مسؤول عَمَّا صنع ومجزئ بِمَا احسن ومأخوذ بِمَا اساء فان الله عز وجل جعل الدّين حزرا وَعزا وَرفع من اتبعهُ وعززه فاسلك بِمن تسوسه وترعاه نهج الدّين وَطَرِيقَة الاهدى واقم حُدُود الله تعااى ل فِي أَصْحَاب الجرائم على قدر مَنَازِلهمْ وَمَا يستحقوه وَلَا تعطل ذَلِك وَا تتهاون فِيهِ وَلَا تُؤخر عُقُوبَة أهل الْعقُوبَة فان فِي تفريطك فِي ذَلِك مَا يفْسد عَلَيْك حسن ظَنك

واعزم على امرك فِي ذَلِك بالسنن الْمَعْرُوفَة وجانب الْبدع والشبهات يسلم لَك دينك وَتقوم لَك مروئتك وَإِذا عَاهَدت عهدا فوف بِهِ وَإِذا وعدت الْخَيْر فانجزه وَاقْبَلْ الْحَسَنَة وادفع بهَا واغمض من عيب ذِي عيب من عريتك

وَاشْدُدْ لسَانك عَن قَول الْكَذِب والزور وابغض أهل النميمة فان أول فَسَاد امورك فِي عاجلها واجلها تقريب الكذوب والجرأة على الْكَذِب

ص: 187

لَان الْكَذِب رَأس المثاثم والزور والنميمة خاتمتها لَان النميمة لَا يسلم صَاحبهَا وقائلها لَا يسلم لَهُ صَاحب وَلَا يَسْتَقِيم لطبعه أَمر

واحببت أهل الصّلاح والصدق واعز الاشراف بِالْحَقِّ واعن الضُّعَفَاء وصل الرَّحِم وابتغ بذلك وَجه الله تَعَالَى واعزاز امْرَهْ وَالْتمس فِيهِ ثَوَابه وَالدَّار الاخرة

واجتنب سوء الاهواء والجور واصرف عَنْهُمَا رَأْيك واظهر براءتك من ذَلِك لرعيتك واقم بِالْعَدْلِ سياستهم وقم بِالْحَقِّ فيهم وبالمعرفة الَّتِي تَنْتَهِي بك إِلَى سَبِيل الْهدى

واملك نَفسك عِنْد الْغَضَب واثر الْوَقار والحلم واياك والحدة والطيش والغرور غيما أَنْت بسبيله واياك أَن تَقول انا مسلط افْعَل مَا اشاء فان ذَلِك سريع فِيك إِلَى نقص الرَّأْي وَقلة الْيَقِين بِاللَّه وَحده لَا شريك لَهُ واخلص لله النِّيَّة فِيهِ وَالْيَقِين بِهِ

وَاعْلَم أَن الْملك لله سبحانه وتعالى يؤتيه من يَشَاء من عباده وينزعه مِمَّن يَشَاء وَلنْ تَجِد تَغْيِير النِّعْمَة وحلول النقمَة إِلَى أحد اسرع مِنْهُ إِلَى جهلة النِّعْمَة من أَصْحَاب السُّلْطَان والمبسوط لَهُم فِي الدولة إِذا كفرُوا نعم الله عز وجل واحسانه واستطالوا بِمَا أَتَاهُم الله عز وجل من فَضله ودع عَنْك شَره نَفسك

ولتكن ذخائرك وكنوزك الَّتِي تدخر وتكنز الْبر وَالتَّقوى وَالْعدْل واصلاح الرّعية وَعمارَة بِلَادهمْ والتفقد لأمورهم وَالْحِفْظ لدمائهم والاغاثة للمهوفهم

ص: 188

وَاعْلَم أَن الْأَمْوَال إِذا كنزت وادخرت فِي الخزائن لَا تنمو وان كَانَت فِي صَلَاح الرّعية واعطاء حُقُوقهم وكف الاذى عَنْهُم نمنت وزكت وصلحت بهَا الْعَامَّة وتزينت بهَا الْوُلَاة وطاب بهَا الزَّمَان واعتقد الْعِزّ والمنعة فَلْيَكُن كنز ذخائرك تَفْرِيق الْأَمْوَال فِي عمَارَة الْإِسْلَام واهله ووفر مِنْهُ على اولياء امير الْمُؤمنِينَ قبلك حُقُوقهم واوف رعيتك من ذَلِك حصصهم وتعهد مَا يصلح من امورهم ومعاشهم فانك إِذا فعلت ذَلِك قرت النِّعْمَة بملكك واستوجبت الْمَزِيد من الله عز وجل وَكنت بذلك على جبابة خراجك وَجمع أَمْوَال رعيتك وخراجك اقدر وَكَانَ الْجَمِيع لما شملهم من عدلك واحسانك اسكن لطاعتك واطيب نفسا بِكُل مَا اردت فاجهد نَفسك فِيمَا حددت لَك فِي هَذَا الْبَاب ولتعظم خشيتك فِيهِ فَإِنَّمَا يبقي من المَال مَا انفق فِي سَبِيل الله وَفِي سَبِيل حَقه

واعرف للشاكرين شكرهم واثبهم عَلَيْهِ واياك أَن تنسيك الدُّنْيَا وغرورها هول الاخرة فتتهاون بِمَا يحِق عَلَيْك فان التهاون يُورث التَّفْرِيط والتفريط يُورث الْبَوَار وَليكن عَمَلك لله عز وجل وَفِيه وارج الثَّوَاب فان الله سُبْحَانَهُ قد اسبغ عَلَيْك نعْمَة فِي الدُّنْيَا واظهر لديك فَضله فاعتصم بالشكر وَعَلِيهِ فاعتمد يزدك الله خيرا واحسانا فان الله عز وجل يثيب بِقدر شكر الشَّاكِرِينَ وسيرة الْمُحْسِنِينَ

ص: 189

واقض بِالْحَقِّ فِيمَا حملت من النعم والبست من الْكَرَامَة وَلَا تحقرن ذَنبا وَلَا تمارين حَاسِدًا وَلَا ترحمن فَاجِرًا وَلَا تصلن كفورا وَلَا تداهن عدوا وَلَا تصدقن نماما وَلَا تأممن غدارا وَلَا توالين فَاسِقًا وَلَا تتبعن غاويا وَلَا تحمدن مرائيا وَلَا تحقرن انسانا وَلَا تردن سَائِلًا فَقِيرا وَلَا تحسنن بَاطِلا وَلَا تلاحظن مضحكا وَلَا تخلفن موعدا وَلَا تزهون فخرا وَلَا تظهرن غَضبا وَلَا تأتين بذخا وَلَا تمشين مرحا وَلَا تزكين سَفِيها

وَلَا تفرطن فِي طلب الاخرة وَلَا تدفعن الايام عمايا وَلَا تغمضن عَن ظَالِم رهبة مِنْهُ أَو مُحَابَاة وَلَا تَطْلُبن ثَوَاب الاخرة بالدنيا

واكثر مُشَاورَة الْفُقَهَاء وَاسْتعْمل نَفسك بالحلم وَخذ عَن أهل التجارب وَذَوي الْعقل والرأي وَالْحكمَة وَلَا تدخلن فِي مشورتك أهل الرفه وَالْبخل وَلَا تسمعن مِنْهُم قولا فان ضررهم اكثر من نفعهم وَلَيْسَ شَيْء أسْرع فَسَادًا لما اسْتقْبلت فِيهِ أَمر رعيتك من الشُّح وَاعْلَم انك إِذا كنت حَرِيصًا كنت كثير الْأَخْذ قَلِيل الْعَطِيَّة وَإِذا كنت كَذَلِك لم يستقم لله امرك إِلَّا قَلِيلا فان رعيتك إِنَّمَا تعتمد على محبتك بالكف عَن اموالهم وَترك الْجور عَلَيْهِم ووال من صفا لَك من اوليائك بَالا فضال عَلَيْهِم وَحسن

ص: 190

الْعَطِيَّة لَهُم واجتنب الشُّح وَاعْلَم انه أول مَا عصى بِهِ الانسان ربه وان العَاصِي بِمَنْزِلَة الخزي وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} فسهل طَرِيق الْجُود بِالْحَقِّ وَاجعَل للْمُسلمين كلهم فِي فيئك حظا ونصيبا وايقن أَن الْجُود من افضل اعمال الْعباد فاعده لنَفسك خلقا وَارْضَ بِهِ عملا ومذهبا

وتفقد الْجند فِي دواوينهم وامكنتهم وادرر عَلَيْهِم ارزاقهم ووسع عَلَيْهِم فِي معاشهم ليذْهب الله عز وجل بذلك فاقتهم فيقوى لَك أَمرهم وتزيد بِهِ قُلُوبهم فِي طَاعَتك وامرك خلوصا وانشراحا وَحسب ذِي السُّلْطَان من السَّعَادَة أَن يكون على جنده ورعيته إِذا رَحْمَة فِي عدله وعطيته وانصافه وعنايته وشفقته وبره وتوسعته فزايل مَكْرُوه أحد الْبَابَيْنِ باستشعار فَضِيلَة الْبَاب الآخر وَلُزُوم الْعَمَل بِهِ تلق أَن شَاءَ الله بِهِ نجاحا وصلاحا وفلاحا

وَاعْلَم أَن الْقَضَاء من الله تَعَالَى بِالْمَكَانِ الَّذِي لَيْسَ فَوْقه شَيْء من الْأُمُور لانه ميزَان الله تَعَالَى الَّذِي تعتدل عَلَيْهِ احوال النَّاس فِي الأَرْض وبإقامة الْعدْل فِي الْقَضَاء وَالْعَمَل تصلح احوال الرّعية وتأمن السبل وينتصف الْمَظْلُوم من الظَّالِم وَيَأْخُذ النَّاس حُقُوقهم وتحسن الْمَعيشَة وَيُؤَدِّي حق الطَّاعَة ويرزق الله الْعَافِيَة والسلامة وَيقوم الدّين وتجري السّنَن والشرائع على مجاريها لتنجز الْحق وَالْعدْل فِي

ص: 191

الْقَضَاء وليتمكن ربحك ويقر جدك وَاسْتَوْفِ أَمر الله عز وجل وتورع عَن الشُّبُهَات وامض لاقامة الْحُدُود واقلل العجلة وابعد وتورع عَن الشُّبُهَات وامض لاقامة الْحُدُود واقلل العجلة وابعد عَن الضجر والقلق وانتفع بتجربتك وانتبه فِي صمتك واسدد فِي منطقك وانصف الْخصم وقف عِنْد الشُّبْهَة وابلغ فِي الْحجَّة

وَلَا تاخذك فِي أحد من عريتك مُحَابَاة وَلَا مجاملة وَلَا لومة لائم وَتثبت وتأن وراقب وَانْظُر وتفكر وتدبر وَاعْتبر وتواضع لِرَبِّك وارفق بِجَمِيعِ رعيتك وسلط الْحق على نَفسك وَلَا تسرعن إِلَى سفك دم فان الدِّمَاء من الله عز وجل بمَكَان عَظِيم فإياك انتهاكا لَهَا بِغَيْر حَقّهَا

وَانْظُر حق الْخراج الَّذِي استقامت عَلَيْهِ الرّعية وَجعله الله لِلْإِسْلَامِ عزا ورفعة ولاهله توسعه ومنعة ولعدوه وعدوهم كتبا وغيظا ولاهل الْكفْر من بغاتهم ومعاديهم ذلا وصغارا فوزعه بَين أَصْحَاب بِالْحَقِّ وَالْعدْل والسوية والعموم فِيهِ وَلَا ترفعن مِنْهُ شَيْئا عَن شرِيف لشرفه وَلَا عَن غَنِي لغناه وَلَا عَن كَاتب لَك وَلَا عَن أحد من خاصتك وَلَا حاشيتك وَلَا تأخذن مِنْهُ فَوق الِاحْتِمَال لَهُ وَلَا تكلفن أَمر فِيهِ شطط واحمل النَّاس كلهم على امن من الْخَوْف فان ذَلِك اجْمَعْ لالفتهم والزم لرضي الْعَامَّة وَاعْلَم انك جعلت بولايتك خَازِنًا وحافظا وراعيا وانما سمي أهل عَمَلك ورعيتك لانك راعيهم وقيمهم فَخذ مِنْهُم مَا اعطوك من عفوهم

ص: 192

ونفذه فِي قوام أَمرهم وصلاحهم وتقويم اودهم وَاسْتعْمل عَلَيْهِم ذَوي الرَّأْي وَالتَّدْبِير والتجربة والخبرة بِالْعَمَلِ وَالْعلم بالسياسة والعفاف

ووسع عَلَيْهِم فِي الرزق فان ذَلِك من الْحُقُوق اللَّازِمَة لَك فِي مَا تقلدت وَاسْنِدِ اليك وَلَا يشغلك عَن شاغل وَلَا يصرفنك عَنهُ صَارف فانك مَتى اثرته وَقمت فِيهِ بِالْوَاجِبِ استدعيت بِهِ زِيَادَة النِّعْمَة من رَبك وَحسن الاحدوثة فِي عَمَلك واحرزت بِهِ الْمحبَّة من رعيتك واعنت على الصّلاح فَدرت الْخيرَات ببلدك وفشت الْعِمَارَة بناحيتك وَظهر الخصب فِي كورك وَكثر خراجك وتوفرت اموالك وقويت بذلك على ارتياض جندك

ارْض الْعَامَّة بإفاضة الْعَطاء فَيعم من نَفسك وَكن مَحْمُود السياسة مرضى الْعدْل فِي ذَلِك عِنْد عَدوك وَكن فِي امورك كلهَا إِذا عدل وَقُوَّة والة وعدة فنافس فِي هَذَا وَلَا تقدم عَلَيْهِ شَيْئا تحمد مغبة امرك أَن شَاءَ الله تَعَالَى

وَاجعَل فِي كل كورة من عَمَلك امينا يُخْبِرك بِخَبَر عمالك وَيكْتب اليك بسيرهم واعمالهم حَتَّى كَأَنَّك مَعَ كل عَامل فِي عمله معاينا لأموره كلهَا وان اردت أَن تَأْمُرهُمْ بِأَمْر فَانْظُر فِي عواقب مَا اردت من ذَلِك فان رَأَيْت السَّلامَة فِيهِ الْعَافِيَة ورجوت فِيهِ حسن الدفاع والنصح والصنع فامضه وَألا فتوقف عَنهُ وراجع أهل الْبَصَر وَالْعلم بِهِ ثمَّ خُذ فِيهِ عدته فانه رُبمَا نظر الرجل فِي أَمر من اموره وَقد اتاه على مَا يهوي فاغواه ذَلِك

ص: 193

واعجبه فان لم ينظر فِي عواقبه اهلكه ونغص عَلَيْهِ امْرَهْ فَاسْتعْمل الحزم فِي كل مَا اردت وباشره بعد عون الله عز وجل بِالْقُوَّةِ

واكثر من استخارة رَبك فِي جَمِيع امورك وافرغ من عمل يويك وَلَا نؤخره لغدك واكثر مُبَاشَرَته بِنَفْسِك فان لغد امورا وحوادث تلهيك عَن عمل يَوْمك الَّذِي اخرت

وَاعْلَم أَن الْيَوْم إِذا مضى ذهب بِمَا فِيهِ فَإِذا اخرت عمله اجْتمع عَلَيْك أَمر يَوْمَيْنِ فشغلك ذَلِك حَتَّى تمرض مِنْهُ وَإِذا امضيت يَوْم عمله ارحت بدنك ونفسك واحكمت امور سلطانك

وَانْظُر احرار النَّاس وَذَوي الْفضل مِنْهُم مِمَّن بلوت صفاء طويتهم وشهرة مَوَدَّتهمْ لَك ومظاهرتهم بالنصح والمحافظة على امرك فاستخلصهم واحسن اليهم وتعاهد أهل البيوتات مِمَّن قد دخلت عَلَيْهِم الْحَاجة وَاحْتمل مؤونتهم واصلح حَالهم حَتَّى لَا يَجدوا لخلتهم مسا وافرد نَفسك للنَّظَر فِي امور الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَمن لَا يقدر على رفع مظْلمَة اليك والمحتقر الَّذِي لَا علم لَهُ بِطَلَب حَقه فسل عَنهُ اخفى مَسْأَلَة ووكل بأمثاله أهل الصّلاح من عريتك ومرهم بِرَفْع حوائجهم

ص: 194

وحالاتهم اليك لتنظر فِيهَا بِمَا يصلح الله بِهِ أَمرهم وتعاهد ذَوي البأساء ويتاماهم وار أملهم وَاجعَل لَهُم ارزاقا من بَيت المَال اقْتِدَاء بأمير الْمُؤمنِينَ اعزه الله تَعَالَى فِي الْعَطف عَلَيْهِم والصلة لَهُم ليصلح الله بذلك عيشهم يرزقك بِهِ بركَة وَزِيَادَة

واجر للاضراء من بَيت المَال وَقدم حَملَة الْقرَان مِنْهُم والحافظون لاكثره فِي الجراية على غَيرهم وانصب لمرضى الْمُسلمين دورا تؤويهم وقوما يرفقون بهم واطباء يعالجون اسقامهم واسعفهم بشهواتهم مَا لم يؤد ذَلِك إِلَى سرف فِي بَيت المَال

وَاعْلَم أَن النَّاس إِذا اعطوا حُقُوقهم وافضل امانيهم لم يرضهم ذَلِك وَلم تطب انفاسهم دون رفع حوائجهم إِلَى ولاتهم طَمَعا فِي نيل الزِّيَادَة وَفضل الرِّفْق بهم وَرُبمَا تبرم المتصفح لأمور النَّاس لِكَثْرَة مَا يرد عَلَيْهِ ويشغل ذكره وذهنه وفكره مِنْهَا مَا يَنَالهُ بِهِ مؤونة ومشقة وَلَيْسَ من يرغب فِي الْعدْل وَيعرف محَاسِن اموره فِي العاجل وَفضل ثَوَاب الاجل كَالَّذي يسْتَقلّ مَا يقربهُ من الله تَعَالَى ويلتمس بِهِ رَحمته

واكثر الْآذِن للنَّاس عَلَيْك وابرز لَهُم وَجهك وَسكن لَهُم حواسك واخفض لَهُم جناحك واظهر لَهُم بشرك ولين لَهُم النُّطْق فِي الْمَسْأَلَة وَالتَّصْرِيح وَالنَّظَر واعطف عَلَيْهِم بجودك وفضلط وَإِذا اعطيت فأعط بسماحة وَطيب نفس وَالْتمس الصنيعة وَالْأَجْر من غير مكدر وَلَا منان للصنيعة فان الْعَطِيَّة على ذَلِك تِجَارَة مربحة أَن شَاءَ الله تَعَالَى

وَاعْتبر بِمَا ترى من امور الدُّنْيَا وَمن مضى من قبلك من أهل السُّلْطَان

ص: 195

والرياسة فِي الْقُرُون الخالية والامم البائدة ثمَّ اعْتصمَ فِي احوالك كلهَا بِأَمْر الله سبحانه وتعالى وَالْوُقُوف عِنْد محبته وَالْعَمَل بِشَرِيعَتِهِ وسنته واقامة دينة وَكتابه واجتنب مَا فَارق ذَلِك وَخَالفهُ ودعا إِلَى سخط الله عز وجل

واعرف مَا يجمع عمالك من الْأَمْوَال وَمَا يُنْفقُونَ مِنْهَا وَلَا تجمع حَرَامًا وَلَا تنْفق اسرافا واكثر مجالسة الْعلمَاء ومشاورتهم ومخالطبتهم وَليكن هَوَاك اتِّبَاع السّنَن واقامتها وايثار مَكَارِم الاخلاق ومعاليها وَليكن اكرم دخلائك عَلَيْك وخاصتك اليك من إِذا رأى عَيْبا فِيك فَلَا تَمنعهُ هيبتك من انهاء ذَلِك اليك فِي ستر واعلامك بِمَا فِيهِ من النَّقْص فان أُولَئِكَ انصح اوليائك ومظاهريك

وَانْظُر عمالك الَّذين بحضرتك وكتابك فوقت لكل رجل مِنْهُم فِي كل يَوْم وقتا يدْخل عَلَيْك فِيهِ بكتبه ومؤامراته وَمَا عِنْده من حوائج عمالك وامور كورك ورعيتك ثمَّ فرغ لما يُورِدهُ عَلَيْك من ذَلِك سَمعك وبصرك وفهمك وعقلك وَكرر النّظر فِيهِ والتدبر لَهُ فَمَا كَانَ مُوَافقا للحق والحزم فامضه واستخر الله عز وجل فِيهِ وَمَا كَانَ مُخَالفا لذَلِك فاصرفه إِلَى التثبت فِيهِ وَالْمَسْأَلَة عَنهُ

وَلَا تمنن على رعيتك وَلَا على غَيرهم بِمَعْرُوف تؤتيه لَهُم وَلَا تقبل من أحد إِلَّا الْوَفَاء والاستقامة والعون فِي امور الْمُسلمين وَلَا تضعن الْمَعْرُوف إِلَّا على ذَلِك

ص: 196

وتفهم كتابي اليك واكثر النّظر فِيهِ وَالْعَمَل بِهِ واستعن بِاللَّه على جَمِيع امورك واستخره فان الله عز وجل مَعَ الصّلاح واهله وَليكن اعظم شغلك وافضل رغبتك مَا كَانَ فِيهِ لله عز وجل رضى ولدينه نظاما ولاهله عزا وتمكينا ولذمته عدلا وصلاحا وَأَنا اسْأَل الله عز وجل أَن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءتك وَالسَّلَام

قَالَ ابْن خلدون وَحدث الاخباريون أَن هَذَا الْكتاب لما ظهر وشاع امْرَهْ واعجب بِهِ النَّاس واتصل بالمأمون وَلما قريء عَلَيْهِ قَالَ مَا ابقى أَبُو الطّيب يَعْنِي طَاهِرا شَيْئا من امور الدُّنْيَا وَالدّين وَالتَّدْبِير والرأي والسياسة وَصَلَاح الْملك والرعية وَحفظ السُّلْطَان وَطَاعَة الْخُلَفَاء وتقويم الْخلَافَة إِلَّا وَقد احكمه واوصى بِهِ ثمَّ أَمر الْمَأْمُون فَكتب بِهِ إِلَى جَمِيع الْعمَّال فِي النواحي ليقتدوا يه ويعملوا بِمَا فِيهِ انْتهى

ص: 197