الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستجابة مَا جعلناها إِلَّا فِي السُّلْطَان وَعَن الفضيل بن عِيَاض لَو ظَفرت بِبَيْت المَال لأخذت من حَلَاله وصنعت أطيب الطَّعَام ثمَّ دَعَوْت الصَّالِحين وَأهل الْفضل فَإِذا فرغوا قلت لَهُم تَعَالَوْا نَدع الله أَن يوفق أميرنا وَسَائِر من يَلِي علينا وَجعل إِلَيْهِ أمرنَا
وروى عَنهُ أَن رجلا أنْشدهُ
(حَتَّى مَتى لَا أرى عدلا أسر بِهِ
…
وَلَا أرى لدعاء الْخَيْر أعوانا)
فَبكى وَقَالَ اللَّهُمَّ أصلح الرَّاعِي والرعية
الْإِشَارَة الثَّانِيَة
الْإِشَارَة الثَّانِيَة أَن الْأَوْقَات الَّتِي هِيَ مَظَنَّة الْإِجَابَة يتَأَكَّد فِيهَا الدُّعَاء لَهُ وَقد قَالَ النَّوَوِيّ فِي لَيْلَة الْقدر يسْتَحبّ أَن يكثر فِيهَا من الدُّعَاء لمهمات الْمُسلمين فَهُوَ شعار الصَّالِحين وَعباد الله العارفين انْتهى
وَلَا خَفَاء أَن الدُّعَاء لَهُ بالصلاح من أهم الْمُهِمَّات على الْمُسلمين لصلاحهم بصلاحه
الْإِشَارَة الثَّالِثَة
الْإِشَارَة الثَّالِثَة أَن من أعظم الْوَسَائِل فِي قَول الدُّعَاء لَهُ عمله على شاكلة مَا طلب مِنْهُ
امتثالا واجتنابا كَمَا يحْكى عَن السُّلْطَان أبي يحيى من الْمُلُوك
الحفصيين أَنه دخل على زَاوِيَة الشَّيْخ الزبيدِيّ ليتبرك بِهِ فَلم يجده وَوجد ابْن أَخِيه الْفَقِيه الإِمَام بهَا فَقيل لَهُ قد غَابَ عمك فباشر أَنْت السُّلْطَان فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان أدع الله لي فَقَالَ وَمَا عَسى دعائي لَك قد سبقت لَك دَعْوَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَذكر حَدِيث اللَّهُمَّ من ولي أَمر أمتِي شَيْئا فرفق بهم فأرفق بِهِ وَمن ولي أَمر أمتِي شَيْئا فشق عَلَيْهِم فاشقق عَلَيْهِ
وكما يحْكى عَن بعض الْمُلُوك أَنه طلب من بعض الصَّالِحين أَن يَدْعُو لَهُ فَقَالَ وَمَا ينفع دعائي لَك وببابك أعداد من المظلومين يدعونَ الله عَلَيْك فَأَي الدُّعَاء أولى بالإجابة
النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ جملَة مخالفات
الْمُخَالفَة الأولى الْخُرُوج عَلَيْهِ لما سبق أَن الصَّبْر عَلَيْهِ إِذا جَار من فروض الدّين وَأُمَّهَات واجباته وَقَوله صلى الله عليه وسلم من رأى من أميره شَيْئا يكرههُ فليصبر عَلَيْهِ قَالَ الأبي هُوَ نَص فِي عدم الْقيام على الْأُمَرَاء
قلت وَلَا يخفى مَا يشْهد لَهُ مَعَ وضوح الْمَعْنى فِيهِ
فرع قَالَ فَانْظُر أَشْيَاخ الْبِلَاد المنحازين لأَنْفُسِهِمْ كَانَ الشَّيْخ يَقُول يَعْنِي ابْن عَرَفَة غايتهم عصاة لأَنهم لم يشقوا عَصَاهُ
قَالَ وَإِذا دَعَا الإِمَام إِلَى قِتَالهمْ فَإِن كَانَ لإِقَامَة حق وَجب طَاعَته وَألا لم تجب
الْمُخَالفَة الثَّانِيَة الطعْن عَلَيْهِ وَذَلِكَ لأمرين
أَحدهَا أَنه خلاف مَا يجب لَهُ من التجلة والتعظيم فقد قيل من إجلال الله إجلال السُّلْطَان عادلا كَانَ أَو جائرا وَمن كَلَام الصاحب بن عباد تهيب السُّلْطَان فرض أكيد وحتم على من ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد
الثَّانِي أَن الِاشْتِغَال بِهِ سَبَب تسليط السُّلْطَان بِهِ جَزَاء على الْمُخَالفَة بذلك فَفِي بعض الْكتب السوالف ذكره الطرطوشي والزمخشري أَن الله تَعَالَى يَقُول إِنَّنِي أَنا الله ملك الْمُلُوك قُلُوب الْمُلُوك بيَدي فَمن أَطَاعَنِي جعلتهم عَلَيْهِ نعْمَة وَمن عَصَانِي جعلتهم عَلَيْهِ نقمة فَلَا تشتغلوا بِسَبَب الْمُلُوك وَلَكِن تُوبُوا غلي أعطفهم عَلَيْكُم
الْمُخَالفَة الثَّالِثَة الافتيات عَلَيْهِ فِي التَّعْرِيض لكل مَا هُوَ مَنُوط بِهِ وَمن أعظمه فَسَادًا تَغْيِير الْمُنكر بِالْقدرِ الَّذِي لَا يَلِيق إِلَّا بالسلطان لما فِي السَّمْح بِهِ والتجاوز بِهِ إِلَى التَّغْيِير عَلَيْهِ وَقد سبق أَن من السياسة تَعْجِيل الْأَخْذ على يَد من يتشوق لذَلِك وَتظهر مِنْهُ مبادئ الِاسْتِظْهَار بِهِ وَإِن كَانَ لَا ينجح لَهُ سعي وَلَا يتم لَهُ غَرَض لما تقدم أَن الْملك الراسخ الْبناء لَا تهدمه إِلَّا الْمُطَالبَة لَهُ بالعصية الْغَالِبَة وَمن ثمَّ قَالَ الْخَوَارِزْمِيّ قَلِيل السُّلْطَان كثير
ومداراته حزم وتدبير ومكاشفته غرور وتغرير
قلت وَرُبمَا يعرض لغرر هَذِه المكاشفة من تظن فِيهِ النِّيَّة الصَّالِحَة من ذَوي الديانَات الْمُعْتَبرَة فأخفق فِيهَا السَّعْي لفَوَات الْقُدْرَة المقاومة
وَمن الْمَشْهُور فِي ذَلِك قصتان
الْقِصَّة الأولى خُرُوج أهل الْعرَاق على عبد الْملك بن مَرْوَان مَعَ ابْن الْأَشْعَث وَفِي جُمْلَتهمْ أعداد من التَّابِعين كسعيد بن جُبَير وَأَمْثَاله فَكَانَ من هزيمَة الْحجَّاج لَهُم بدير الجماجم واستيلائه عَلَيْهِم مَا هُوَ مَعْرُوف
الْقِصَّة الثَّالِثَة قيام أهل القيروان على الشِّيعَة من بني عبيد مَعَ أبي يزِيد مَخَافَة بدعته بِاعْتِبَار ضلالهم وَكَانُوا اثْنَي عشر ألفا فيهم اثْنَا عشر فَقِيها من جلة خيارهم وصلحائهم فَكَانَ أَيْضا من خِيَانَة أبي يزِيد لَهُم وتخلفهم هِنْد بعد قتل كثير مِنْهُم مَا هُوَ مَعْلُوم
الْمُخَالفَة الرَّابِعَة كتم مَا يجب أَن يعلم بِهِ مِمَّا فِيهِ مصلحَة فقد تقدم عَن النَّوَوِيّ أَن التَّعْرِيف بذلك للْإِمَام لَا منع فِيهِ وَأَنه قد يكون وَاجِبا أَو مُسْتَحبا حَتَّى عَن إِنْسَان معِين أَنه يرتكب كَذَا وَكَذَا من الْمُنْكَرَات ليستعان بذلك على التَّغْيِير عَلَيْهِ
قلت وَمن شَوَاهِد الْعَمَل بذلك مَعَ وضوح دَلِيله أَن عمر رضي الله عنه قيل لَهُ أَن أَبَا جندل قد تتَابع فِي شرب الْخمر فِي الشَّام فَكتب إِلَيْهِ يعظه وَلم يعد ذَلِك غيبَة مُحرمَة وَلَا نميمة مذمومة
فَائِدَتَانِ
إِحْدَاهمَا قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو سعيد وَمن خطّ صَاحبه الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي رحمه الله نقلت لهَذَا الْوَجْه يَعْنِي الِاسْتِعَانَة على تَغْيِير الْمُنكر
بالتعريف بِهِ شُرُوط خَمْسَة أَن يكون الْقَصْد صَحِيحا يَعْنِي بالاستعانة على التَّغْيِير وان يعلم الرافع بذلك أَو يغلب على ظَنّه أَن نصحه وَحده وَنَهْيه لَا ينفع وان يعلم أَو يغلب على ظَنّه الِانْتِفَاع بنصح الْمَرْفُوع إِلَيْهِ أَو تَغْيِيره لقدرته عَلَيْهِ وان يكون الْمَرْفُوع إِلَيْهِ لَا يُغير ذَلِك الْمُنكر بمنكر آخر يرتكبه وان يكون الذاكر لذَلِك قد علمه من الْمَذْكُور يَقِينا لَا بِظَنّ أَو بتهمة
الْفَائِدَة الثَّانِيَة لِلْمَرْفُوعِ عَنهُ حالتان
الْحَالة الأولى التستر والاختفاء وَحكم الْمَرْفُوع إِلَيْهِ مَعَه ستره ووعظه كَمَا فعل عمر رضي الله عنه
الْحَالة الثَّانِيَة المجاهرة والإعلان وَحكمه الْكَشْف عَنهُ أَن رَآهُ أردع لَهُ ولأمثاله ذكره ابْن حبيب عَن مطرف وَزَاد فِيهِ أَن لَهُ أَن يُخرجهُ عَن بَيته وَيكسر عَلَيْهِ إِن كَانَ لَهُ
الْمُخَالفَة الْخَامِسَة الدُّعَاء عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ مضرَّة للْمُسلمين فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك بِمَا يزِيد حكما لأَجله توجه بِهِ الدَّاعِي فَهُوَ لَا محَالة عكس الْمَقْصُود كَمَا إِذا قَالَ مظلومه اللَّهُمَّ لَا توفقه فقد دَعَا على نَفسه وَغَيره
قَالَ الطرطوشي لِأَنَّهُ من قلَّة توفيقه ظلمك فَإِن استجيبت لَك فِيهِ زَاد ظلمه لَك