المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[النوع الثالث من الأنواع الثلاثة للكفر كفر حكمي] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[النوع الثالث من الأنواع الثلاثة للكفر كفر حكمي]

فَالْفَرَحُ وَالْأَمْنُ تَبْعِيدٌ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ أَلَا تَرَى قِصَّةَ بَلْعَامَ ابْنِ بَاعُورَا وَبَرْصِيصَا أَمَّا بَلْعَامُ فَفِي أَوَّلِ أَمْرِهِ كَانَ يُوضَعُ فِي مَجْلِسِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مِحْبَرَةً لِكِتَابَةِ حِكْمَةِ لِسَانِهِ وَكَانَ إذَا نَظَرَ رَأَى الْعَرْشَ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} [الأعراف: 175] ثُمَّ بِمَيْلِهِ إلَى الدُّنْيَا مَيْلَةً وَاحِدَةً وَتَرْكُهُ لِوَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَائِهِ حُرْمَةً وَاحِدَةً سَلَبَ اللَّهُ تَعَالَى مَعْرِفَتَهُ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ حَيْثُ قَالَ - {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف: 176]- الْآيَةَ

وَأَمَّا بِرْصِيصَا فَعَبَدَ فِي صَوْمَعَتِهِ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى قِيلَ طَارَ فِي الْهَوَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ تَلَامِذَتِهِ بِقُوَّةِ هِمَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَفِي حَقِّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ} [الحشر: 16] الْآيَةَ وَأَيْضًا اُنْظُرْ إلَى حَالِ إبْلِيسَ حَيْثُ عَبَدَ ثَمَانِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى لَمْ يَتْرُكْ مَوْضِعَ قَدَمٍ إلَّا وَسَجَدَ لِلَّهِ فِيهِ ثُمَّ بِمُجَرَّدِ تَرْكِ أَمْرٍ وَاحِدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ أَبَدَ الْآبِدِينَ (فَلِذَا) أَيْ فَلِكَوْنِ سَبَبِيَّةِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لِلْخَشْيَةِ أَوْلَى وَأَقْرَبَ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] فَالْعِلْمُ إنَّمَا يُثْمِرُ الْخَشْيَةَ لَا الْأَمْنَ إذْ مَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ فِي مِثْلِهِ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ فَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعِلْمُ تَزْدَادُ الْخَشْيَةُ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أُعْرَفُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ - {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]- فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَ قَوْله تَعَالَى - {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8]- تُوجِبُ الْأَمْنَ لِلْعُلَمَاءِ إذْ بِحُكْمِ الْأُولَى نَقُولُ الْعُلَمَاءُ قَوْمٌ لَهُمْ خَشْيَةٌ وَبِحُكْمِ الثَّانِيَةِ وَكُلُّ قَوْمٍ لَهُمْ خَشْيَةٌ فَلَهُمْ الْجَنَّةُ فَيُنْتَجُ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ الْعُلَمَاءُ لَهُمْ الْجَنَّةُ

قُلْنَا إنْ أُرِيدَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الصُّغْرَى الْكُلُّ فَلَا نُسَلِّمُ دَلَالَةَ الْآيَةِ الْأُولَى عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ الْعُلَمَاءُ مَقْصُورًا عَلَى خَشْيَةِ اللَّهِ بَلْ الْعَكْسُ إذْ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ فِي إنَّمَا هُوَ الْأَخِيرُ، وَإِنْ الْبَعْضَ فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ الْكُلَّ فَلَا نُسَلِّمُ التَّقْرِيبَ، وَإِنْ الْبَعْضَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْجَنَّةِ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْأَمْنُ لِعَالِمٍ مَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَحْقِيقُهُ مَا سَبَقَتْ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ مِنْ أَنَّ الْخَشْيَةَ مِنْ لَوَازِمِ الْعِلْمِ فَعِنْدَ عَدَمِ الْخَشْيَةِ يَلْزَمُ عَدَمُ الْعِلْمِ فَمَنْ كَانَ لَهُ عِلْمُ صُورَةٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ خَشْيَةٌ فَلَيْسَ بِعَالِمٍ حَقِيقَةً وَذَلِكَ بِحُكْمِ إفَادَةِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ الْعَلِيَّةَ فَيَتَّضِحُ بِذَلِكَ قُوَّةُ سَبَبِيَّةِ الْعِلْمِ لِلْخَشْيَةِ لَا الْفَرَحِ وَالْأَمْنِ « (وَفَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ} [المؤمنون: 60] يُعْطُونَ {مَا آتَوْا} [المؤمنون: 60] مَا أَعْطَوْا مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ (بِاَلَّذِينَ) الْجَارِ مُتَعَلِّقٌ بِفَسَّرَ (يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ) فَالتَّفْسِيرُ لِقَوْلِهِ مَا آتَوْا» كَمَا أُشِيرَ رَوَى أَحْمَدُ وَكَذَا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا أَنَّهَا «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ} [المؤمنون: 60]- الْآيَةَ فَقَالَتْ أَهُوَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَا، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيُصَلِّي وَمَعَ ذَلِكَ يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَتَقَبَّلَ مِنْهُ» فَالْآيَةُ الْأُولَى لِأَقْرَبِيَّةِ الْعِلْمِ لِلْخَشْيَةِ وَالثَّانِيَةُ لِأَقْرَبِيَّةِ الْعَمَلِ (وَسَيَجِيءُ ضَرَرُ الْمَدْحِ فِي آفَاتِ اللِّسَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فَلَا حَاجَةَ أَنْ يُذْكَرَ هُنَا فَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ أَوْ اعْتِذَارٍ عَنْ عَدَمِ التَّرْكِ.

[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

(وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ)

(كُفْرٌ حُكْمِيٌّ) مَا يَكُونُ كُفْرًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ (وَهُوَ) إمَّا قَوْلًا أَوْ فِعْلًا (مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ) اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ (أَمَارَةَ التَّكْذِيبِ) ، وَإِنْ وُجِدَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِمَا مَعَ وُجُودِهَا (كَاسْتِخْفَافِ) اسْتِهَانَةِ

ص: 60

وَاحْتِقَارِ (مَا يَجِبُ تَعْظِيمُهُ) شَرْعًا (مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) بَيَانٌ لِمَا كَتَوْصِيفِهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ كَقَوْلِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْظُرُ إلَيْنَا مِنْ الْعَرْشِ أَوْ السَّمَاءِ أَوْ يُبْصِرُ وَلَوْ قَالَ يَطْلُعُ لَا وَقَوْلُ لَا تَرْضَى يَا رَبِّ بِهَذَا الظُّلْمِ وَالْأَصَحُّ لَيْسَ بِخَطَأٍ وَاَللَّهُ يَظْلِمُك كَمَا ظَلَمْتنِي الْأَصَحُّ أَنَّهُ كُفْرٌ وَاَللَّهُ جَلَسَ لِلْإِنْصَافِ وَقَالَ لِمَنْ مَاتَ اخْتِيَارُ اللَّهِ إلَى إرَادَةِ الْآدَمِيِّ وَقَالَ لِمَنْ لَا يَمْرَضُ نَسِيَهُ اللَّهُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ النَّبِيِّ وَفُلَانٌ فِي عَيْنِي يَهُودِيٌّ وَفِي عَيْنِ اللَّهِ وَقِيلَ إنْ أَرَادَ اسْتِقْبَاحَ فِعْلِهِ لَا يُكَفَّرُ وَيَدُ اللَّهِ طَوِيلَةٌ وَقِيلَ إنْ أَرَادَ بِهِ الْقُدْرَةَ لَا يَكْفُرُ وَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَيَمِينُك وَضَرْطُ الْحِمَارِ سَوَاءٌ وَيَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّ سُرُورِي وَحُزْنِي مِثْلُ سُرُورِك وَحُزْنِك وَقِيلَ إنْ ظَهَرَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا لَا يَكْفُرُ وَيَعْلَمُ اللَّهُ أَنِّي أَدْعُوك دَائِمًا وَلِحَبِيبِهِ أَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ قِيلَ لِظَالِمٍ حَالَ ظُلْمِهِ أَمَا تَخَافُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَا أَخَافُ وَلَوْ فِي غَيْرِ حَالِ ظُلْمِهِ لَا يَكْفُرُ إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ عَلَى حَقٍّ وَأَرَى هَذَا الْأَمْرَ مِنْك وَمِنْ اللَّهِ أَوْ أَعْتَمِدُ اللَّهَ وَإِيَّاكَ أَوْ أَرْجُو مِنْك وَمِنْ اللَّهِ كَلَامٌ قَبِيحٌ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَأَصَابَ عَلَى فُلَانٍ قَضَاءَ سُوءٍ خَطَأً وَكَذَا يَكْفُرُ إذَا نَعَتَ اللَّهَ بِجَارِحَةٍ أَوْ نَفَى صِفَةً مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ أَوْ قَالَ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ أَوْ وَصَفَهُ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ قَالَ مَعَهُ قَدِيمٌ آخَرُ أَوْ مُدَبِّرٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ أَوْ وَصَفَهُ بِالْجِسْمِ أَوْ الْحُدُوثِ أَوْ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْجُزْئِيَّاتِ أَوْ سَجَدَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى أَوْ سَبَّهُ تَعَالَى أَوْ أَشْرَكَ بِعِبَادَتِهِ شَيْئًا أَوْ افْتَرَى عَلَيْهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ لِمَخْلُوقٍ إنَّ خَلْقَهُ عَبَثٌ وَمُهْمَلٌ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْفَتَاوَى (وَمَلَائِكَتِهِ) وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ رُؤْيَتُك عَلَيَّ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ قَالُوا يَكْفُرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ قَالَ لِعَدَاوَةِ الْمَلَكِ وَاسْتِهْزَائِهِ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ " رَوَى فُلَانٌ دشمن ميدارجون رَوَى مَلَكُ الْمَوْتِ " فَالْأَكْثَرُ عَلَى كُفْرِهِ.

وَلَوْ قَالَ لَا أَسْمَعُ شَهَادَةَ فُلَانٍ وَلَوْ كَانَ جَبْرَائِيلُ أَوْ مِيكَائِيلَ يَكْفُرُ وَلَوْ قَالَ إذَا شَهِدَ جَبْرَائِيلُ أَوْ مِيكَائِيلُ لَا أَقْبَلُ يَكْفُرُ أَوْ قَالَ أَعْطِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ حَتَّى أَبْعَثَ مَلَكَ الْمَوْتِ لِيَرْفَعَ رُوحَ فُلَانٍ يَكْفُرُ وَلَوْ قَالَ أَنَا مَلَكُك فِي مَوْضِعِ كَذَا أَوْ أَنَا مَلَكُك مُطْلَقًا لَا يَكْفُرُ بِخِلَافِ أَنَا نَبِيٌّ (وَكُتُبِهِ) فَمَنْ اسْتَخَفَّ بِالْقُرْآنِ أَوْ حَرْفٍ مِنْهُ أَوْ أَلْقَى الْمُصْحَفَ إلَى الْقَاذُورَاتِ أَوْ جَحَدَ حَرْفًا مِنْهُ أَوْ كَذَّبَ بِهِ أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ أَوْ أَثْبَتَ مَا نَفَاهُ أَوْ بَدَّلَ حَرْفًا مِنْهُ أَوْ زَادَ أَوْ قَرَأَ عَلَى الْهَزْلِ بِنَحْوِ الدُّفِّ أَوْ قَالَ شَبِعْت مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ اسْتَعْمَلَ الْقُرْآنَ فِي بِذْلَةِ كَلَامِهِ كَمَنْ مَلَأَ الْقَدَحَ وَقَالَ كَأْسًا دِهَاقًا أَوْ قَالَ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الشُّرْبِ، وَكَانَتْ شَرَابًا طَهُورًا أَوْ عِنْدَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ لَعَلَّ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لَا يَكْفُرُ أَوْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ عَابَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ أَوْ سَبَّهُمَا وَمَنْ قَرَأَ أَوْ أَقْرَأ بِشَوَاذٍّ مِنْ الْحُرُوفِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَفِي إنْكَارِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ قِيلَ يَكْفُرُ وَقِيلَ لَا وَلَوْ قَالَ خُذْ أُجْرَةَ الْمُصْحَفِ يَكْفُرُ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ إذَا تَوَسَّدَ الْكِتَابَ إنْ قَصَدَ الْحِفْظَ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا يُكْرَهُ وَكَذَا الْجُلُوسُ عَلَى جُوَالِقَ فِيهَا مُصْحَفٌ (وَرُسُلِهِ) كَمَنْ أَنْكَرَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ لَمْ يَرْضَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ.

ص: 61

لَوْ كَانَ فُلَانٌ نَبِيًّا مَا آمَنَتْ بِهِ أَوْ أَمَرَنِي لَمْ أَفْعَلْ أَوْ فُلَانٌ أَوْ صَالِحٌ خَيْرٌ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ قَالَ الْأَوْلِيَاءُ خَيْرٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ قَالَ لِشَعْرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام شُعَيْرٌ يَكْفُرُ إلَّا بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ أَوْ قَالَ لِلنَّبِيِّ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلَ قَالَ كَذَا وَلَوْ شَتَمَ كُلَّ مَنْ كَانَ اسْمُهُ عَلَى اسْمِ النَّبِيِّ وَخَطَرَ بِبَالِهِ كَوْنُ النَّبِيِّ مِنْهُمْ يَكْفُرُ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ آدَم عليه السلام الْحِنْطَةَ لَمَا وَقَعْنَا فِي هَذَا الْبَلَاءِ قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَمَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْمُعْجِزَةَ لَا لِقَصْدِ إظْهَارِ كَذِبِهِ يَكْفُرَانِ وَقَالَ لِلنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام طَوِيلُ الظُّفْرِ خَلَقُ الثِّيَابِ يَكْفُرُ وَرَدَّ حَدِيثًا نَقَلَهُ عَنْ النَّبِيِّ أَحَدٌ قِيلَ يَكْفُرُ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ مُتَوَاتِرًا أَوْ قَالَ كَثِيرًا مَا سَمِعْنَاهُ اسْتِخْفَافًا وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ اسْتُك أَوْ قُصَّ شَارِبَك فَإِنَّهُ سُنَّةً فَقَالَ لَا أَفْعَلُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ يَكْفُرُ وَلَوْ قِيلَ النَّبِيُّ يُحِبُّ شَيْءَ كَذَا فَقَالَ لَا أُحِبُّهُ أَنَا يَكْفُرُ قَالَ رَجُلٌ أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ الْقَرْعُ حَتَّى يُحِبَّهُ النَّبِيُّ أَوْ قَالَ أَنَا لَا أُحِبُّهُ عِنْدَ مُذَاكَرَةِ حُبِّهِ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام فَأَمَرَ أَبُو يُوسُفَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَاسْتَغْفَرَ الرَّجُلُ فَتَرَكَهُ وَلَوْ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ مُكِدُّونَ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ فَقْرَهُمْ اخْتِيَارِيٌّ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَقَالَ آخَرُ مُسْتَخِفًّا أَرَى الْمِنْبَرَ وَالْقَبْرَ وَلَا أَرَى شَيْئًا آخَرَ يَكْفُرُ

وَلَوْ قَالَ إنَّ آدَمَ نَسَجَ الْكِرْبَاسَ فَقَالَ آخَرُ نَحْنُ مِنْ أَوْلَادِ الْحَائِكِ يَكْفُرُ وَلَوْ ذُكِرَ عِنْدَ رَجُلٍ قِصَّةُ يُوسُفَ مَعَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ آخَرُ شَيْخٌ فَقَدَ ابْنَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ قَالَ فِي مَعْرُوضَاتِ أَبِي السُّعُودِ كَفَرَ وَكَذَا ذُكِرَ عِنْدَ رَجُلٍ حَالُهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ نِسْوَانِهِ قَالَ بِالتُّرْكِيِّ " زنباره جه ايمش يَكْفُرُ " وَكَذَا مَنْ سَبَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَابَهُ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ التَّعْيِيرِ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ أَوْ تَمَنَّى لَهُ مَضَرَّةً أَوْ نَسَبَ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ الْعَالِي أَوْ نَسَبَ الْجُنُونَ إلَيْهِ أَوْ غَيْرَهُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ الْبَلَايَا أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ الْمُدَاهَنَةَ فِي أَمْرِ التَّبْلِيغِ وَأَلْحَقَ نَقْصًا فِي نَسَبِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ عِرْضِهِ أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ أَوْ قَالَ تَعْبِيرًا رِدَاءُ النَّبِيِّ وَسِخٌ أَوْ عَيَّرَهُ بِرَعْيِ الْغَنَمِ أَوْ السَّهْوِ أَوْ النِّسْيَانِ أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ سَفَهًا مِنْ الْقَوْلِ أَوْ قَالَ اسْتِخْفَافًا هُزِمَ النَّبِيُّ أَوْ قَالَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَرَبِ كَفَرَ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَقَدْ سَبَقَ التَّفْصِيلُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا تَوْبَةُ السَّابِّ عِيَاذًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُقْبَلُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ فَقَبْلَ التَّوْبَةِ يُقْتَلُ كُفْرًا وَبَعْدَهَا حَدًّا وَلَا تَعْمَلُ تَوْبَتُهُ فِي إسْقَاطِ قَتْلِهِ عِنْدَنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَوْبَتِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَبِّهِ صَحْوًا أَوْ سُكْرًا

وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ التَّقْيِيدُ فِي السُّكْرِ بِكَوْنِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَعَدَمِ إكْرَاهٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُؤَثِّرُ تَوْبَتُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فِي إسْقَاطِ قَتْلِهِ وَنَسَبَ الْخِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ سَبِّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُمْكِنُ إلْحَاقُ الْمَعَرَّةِ فِي جِنْسِهِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي التَّبْيِينِ أَيْضًا لَعَلَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفُ أَحْوَالِ السَّابِّ عَمْدًا وَخَطَأً وَصَلَاحًا وَفِسْقًا كَمَا أُشِيرَ فِي مَحَلِّهِ، وَأَمَّا سَبُّ الشَّيْخَيْنِ وَقَذْفُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَكُفْرٌ كَنَفَيْ خِلَافَتِهِمَا وَسَابُّ سَائِرَ الصَّحَابَةِ مَلْعُونٌ مُوجِبٌ لِلنَّكْلِ الشَّدِيدِ

(وَالْيَوْمِ الْآخَرِ وَمَا فِيهِ) مِنْ الْحِسَابِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْعِقَابِ وَالثَّوَابِ وَالْحَوْضِ وَالْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ وَالْجَنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ فَمَنْ جَحَدَ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَ الْفَزَعِ، وَفِي الْقَبْرِ وَالْقِيَامَةِ يَكْفُرُ وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ وَلَوْ أَنْكَرَ بَعْثَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَا يَكْفُرُ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْكَلَابَاذِيُّ وَكَذَا إنْكَارُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الدُّخُولِ كُفْرٌ وَإِنْكَارُ حَشْرِ الْحَيَوَانِ سِوَى بَنِي آدَمَ لَيْسَ بِكُفْرٍ بِمَكَانِ الْخِلَافِ وَلَوْ قَالَ لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ دُونَك لَا أَدْخُلُهَا، وَلَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ مَعَ فُلَانٍ لَا أَدْخُلُهَا أَوْ قَالَ لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ لِهَذَا الْعَمَلِ أَوْ لِأَجْلِك لَا أُرِيدُهَا أَوْ لَا

ص: 62

أُرِيدَ الْجَنَّةَ وَأُرِيدُ الرُّؤْيَةَ يَكْفُرُ وَلَوْ قَالَ لِخَصْمِهِ آخُذُ مِنْك حَقِّي فِي الْمَحْشَرِ فَقَالَ إيشْ شُغْلٌ لِي فِي الْمَحْشَرِ أَوْ أَيْنَ تَجِدُنِي فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ يَكْفُرُ أَوْ قَالَ أَدِّ حَقِّي وَإِلَّا آخُذُهُ فِي الْقِيَامَةِ فَقَالَ خَصْمُهُ أَعْطِنِي آخَرَ وَخُذْ مِنِّي فِي الْقِيَامَةِ الْأَكْثَرَ لَا يَكْفُرُ وَلَوْ قِيلَ دَعْ الدُّنْيَا لِتَنَالَ الْآخِرَةَ فَقَالَ لَا أُبْدِلُ النَّقْدَ بِالنَّسِيئَةِ يَكْفُرُ وَفُلَانٌ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ يَخْشَى بِالْكُفْرِ وَلَوْ قَالَ الْمُثَابُ وَالْمُعَاقَبُ هُوَ الرُّوحُ فَقَطْ لَا يَكْفُرُ وَالْكُلُّ مِنْ التتارخانية (وَالشَّرِيعَةِ) كَمَنْ قَالَ لِشَرِيعَةٍ مِنْ الشَّرَائِعِ إنَّهَا خَيْرٌ مِنْ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عِلْمٌ مِنْ الْعُلُومِ خَيْرٌ مِنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ أَوْ نَفَى كَوْنَ عِلْمِ التَّوْحِيدِ مِنْ الشَّرِيعَةِ أَوْ قَالَ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ حَقِيقَةٌ أَوْ أَنْكَرَ حُكْمًا ثَابِتًا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ اسْتَهْزَأَ بِهِ وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ صَلِّ فَقَالَ طَوَّلْت الْأَمْرَ عَلَيَّ أَوْ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُتِمَّ هَذَا الْأَمْرَ أَوْ الْعَاقِلُ لَا يَشْرَعُ فِي أَمْرٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُتِمَّهُ أَوْ غَسَلْت يَدِي مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ أَعْطَيْتهَا الزُّرَّاعَ حَتَّى يَزْرَعَهَا أَوْ أَصْبِرُ إلَى أَنْ يَجِيءَ رَمَضَانُ فَأَجْمَعَ كُلَّهَا أَوْ أُصَلِّيَ وَمَا يَزْدَادُ لِي شَيْئًا أَوْ أَنْتَ أَيَّ شَيْءٍ رَبِحْت بِهَا يَكْفُرُ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَا أُصَلِّي فَإِنَّ الثَّوَابَ لِسَيِّدِي وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ صَلِّ حَتَّى تَجِدَ حَلَاوَةً فَقَالَ أَنْتَ لَا تُصَلِّي حَتَّى تَجِدَ حَلَاوَةً أَوْ قَالَ صَلَّيْت أَوْ لَمْ أُصَلِّ سَوَاءٌ أَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ صَلِّ الْفَرِيضَةَ فَقَالَ لَا أُصَلِّي يَكْفُرُ إلَّا إنْ أَرَادَ لَا أُصَلِّي بِأَمْرِك أَوْ تَرْكُ الصَّلَاةِ طَيِّبٌ أَوْ شُغْلُ الْكُبَرَاءِ أَوْ الْكَسَالَى أَوْ هُوَ شَغْلٌ يُوجِبُ الْهَرَبَ يَكْفُرُ وَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَلَوْ قَالَ عِنْدَ مَجِيءِ رَمَضَانَ جَاءَ الضَّيْفُ الثَّقِيلُ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَدِّ الزَّكَاةَ فَقَالَ لَا أُؤَدِّي يَكْفُرُ وَلَوْ تَمَنَّى حِلْيَةَ الرِّبَا أَوْ الظُّلْمِ يَكْفُرُ لَا مَنْ تَمَنَّى شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ قَالَ اشْرَبْ الْخَمْرَ وَدَعْ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا حَرَامٌ وَمَنْ قَالَ حُكْمُ الشَّرْعِ هَكَذَا وَقَالَ هَاتِ الرِّجَالَ أَيْشَ أَعْمَلُ بِالشَّرْعِ أَوْ أَنَا أَعْمَلُ بِلَا شَرْعٍ قِيلَ نَعَمْ، وَقِيلَ لَا وَلَوْ قَالَ تَعَالَ مَعِي إلَى الشَّرْعِ فَقَالَ خَصْمُهُ هَاتِ الرِّجَالِ حَتَّى أَمْشِيَ أَوْ أَنَا أيش أَعْمَلُ بِالشَّرْعِ أَوْ لَا أَعْرِفُ أَوْ فِي هُنَا لَا يَمْشِي الْأَمْرُ أَوْ عِنْدِي دَبُّوسٌ إيشْ أَعْمَل بِالشَّرْعِ أَوْ حِينَ أَخَذْت الدَّرَاهِمَ أَيْنَ كَانَ الشَّرْعُ يَكْفُرُ وَمَنْ كَذَبَ فَقَالَ الْآخَرُ بَارَكَ اللَّهُ فِي كَذِبِك يَكْفُرُ وَلَوْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا يَخَافُ الْكُفْرَ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْفَقِيرِ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ شَيْئًا يَرْجُو الثَّوَابَ يَكْفُرُ وَلَوْ عَلِمَ الْفَقِيرُ بِذَلِكَ الْحَرَامِ فَدَعَا لِلْمُعْطِي كَفَرَ وَلَوْ قِيلَ كُلْ مِنْ حَلَالٍ فَقَالَ الْحَرَامُ أَحَبُّ إلَيَّ يَكْفُرُ وَلَوْ قَالَ الشَّرِيعَةُ تَلْبِيسٌ أَوْ حِيَلٌ إنْ أَرَادَ أَنَّ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَا يَصِحُّ فِيهِ الْحِيلَةُ لَا يَكْفُرُ وَإِلَّا يَكْفُرُ وَفِي التتارخانية رَجُلٌ قِيلَ لَهُ طُلَّابُ الْعِلْمِ يَمْشُونَ عَلَى أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ " أَيْنَ بَارِي دروغست " كَفَرَ حُكِيَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الطُّلَّابِ سَمِعَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَلَائِكَةُ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ» فَضَرَبَ رِجْلَهُ عَلَى الْأَرْضِ لِيَكْسِرَ أَجْنِحَةَ الْمَلَائِكَةِ فَجَعَلَ اللَّهُ رِجْلَهُ يَابِسَةً رَجُلٌ قَالَ " قِيَاسُ أَبِي حَنِيفَةَ حَقٌّ نَسِيت " يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] إلَى قَوْلِهِ {نُخْرِجُ الْمَوْتَى} [الأعراف: 57] فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ رَدُّ الْمُخْتَلَفِ إلَى الْمُتَّفَقِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْمَطَرَ وَيُخْرِجُ النَّبَاتَ مِنْ الْأَرْضِ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ لِإِحْيَائِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا (وَعُلُومِهَا) كَعِلْمِ التَّوْحِيدِ وَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ رَجُلٌ جَلَسَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ أَوْ أُجْلِسَ فَيَسْأَلُونَ مِنْهُ مَسَائِلَ اسْتِهْزَاءً أَوْ يَضْرِبُونَهُ بِمَا شَاءُوا وَهُمْ يَضْحَكُونَ كَفَرُوا وَالِاسْتِهْزَاءُ بِالْعِلْمِ أَوْ الْعُلَمَاءِ كُفْرٌ وَمَنْ شَتَمَ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ خِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَلَوْ قَالَ " فَسَادُ كردن بِهِ ازدانشمدي " أَوْ قَصْعَةُ ثَرِيدٍ خَيْرٌ مِنْ الْعِلْمِ كَفَرَ قَالَ لَا أَقُولُ بِفَتْوَى الْأَئِمَّةِ

ص: 63

وَلَا أَعْمَلُ بِفَتْوَاهُمْ لَازِمٌ لَهُ الِاسْتِغْفَارُ قَالَ لِعَالِمٍ ذَكَرُ الْحِمَارِ فِي اسْتِ عِلْمِك مُرِيدًا عِلْمَ الدِّينِ يَكْفُرُ قَالَ فِعْلُ طَالِبِ الْعِلْمِ وَالْكُفْرِ سَوَاءٌ إنْ أَرَادَ جَمِيعَ أَفْعَالِهِمْ يَكْفُرُ وَمَنْ أَبْغَضَ عَالِمًا وَشَتَمَهُ بِلَا سَبَبٍ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ قَالَ لِصَالِحٍ وَجْهُهُ عِنْدِي كَوَجْهِ الْخِنْزِيرِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ قَالَ لِفَقِيهٍ أَخَذَ شَارِبَهُ مَا أَعْجَبَ قُبْحَ قَصِّ الشَّارِبِ وَلَفِّ الْعِمَامَةِ تَحْتَ الذَّقَنِ يَكْفُرُ وَالتَّشَبُّهُ بِالْعِلْمِ وَأَخْذُ الْخَشَبَةِ لِضَرْبِ الصِّبْيَانِ اسْتِهْزَاءً كُفْرٌ مَنْ رَجَعَ مِنْ مَجْلِسِ الْعِلْمِ فَقَالَ أَحَدٌ هَذَا يَرْجِعُ مِنْ الْكَنِيسَةِ كَفَرَ وَمَنْ قِيلَ لَهُ اذْهَبْ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ فَقَالَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا يَقُولُونَ أَوْ مَا لِي فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ يَكْفُرُ أَوْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِمَا أَمَرَ الْعُلَمَاءُ أَوْ لَا تَذْهَبُ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ تُطَلِّقُ امْرَأَتَك مُمَازَحَةً أَوْ أَيُّ شَيْءٍ أَعْرِفُ الْعِلْمَ اسْتِهْزَاءً أَوْ اعْتَقَدَ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْعِلْمِ أَوْ قَالَ مَاذَا يَصْلُحُ لِي مَجْلِسُ الْعِلْمِ أَوْ أَلْقَى الْفَتْوَى عَلَى الْأَرْضِ أَوْ قَالَتْ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ اللَّعْنَةُ عَلَى الزَّوْجِ الْعَالِمِ أَوْ قَالَ لِعَالِمٍ عُوَيْلِمٌ اسْتِخْفَافًا كُلُّهُ كَفَرَ قَالَ لِفَقِيهٍ يَذْكُرُ عِلْمًا هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ أَوْ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْلُحُ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُوجَدَ الدِّرْهَمُ؛ لِأَنَّ الْعِزَّةَ وَالْحُرْمَةَ الْيَوْمَ لِلدِّرْهَمِ لَا الْعِلْمِ قَالَ لِعَابِدٍ مَهْلًا أَوْ اجْلِسْ حَتَّى لَا تُجَاوِزَ الْجَنَّةَ كَفَرَ (وَالرِّضَا بِكُفْرِ نَفْسِهِ كُفْرٌ مُطْلَقًا) اسْتِحْسَانًا أَوَّلًا (وَبِكُفْرِ غَيْرِهِ اسْتِحْسَانًا لَهُ) أَيْ الْكُفْرِ لِإِرَادَةِ اشْتِدَادِ عَذَابِهِ لِكَوْنِهِ شِرِّيرًا مُؤْذِيًا حَتَّى يَنْتَقِمَ اللَّهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى عليه الصلاة والسلام {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس: 88]- كُفْرٌ (بِالِاتِّفَاقِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِحْسَانَ مَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ تَكْذِيبٌ لِلشَّرْعِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَى هَذَا إذَا دَعَا عَلَى ظَالِمٍ أَمَاتَك اللَّهُ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ سَلَبَ اللَّهُ إيمَانَك أَوْ دَعَا عَلَيْهِ بِالْفَارِسِيِّ " خداي تَعَالَى جان توبكافري ستاند " لَيْسَ بِكُفْرٍ ثُمَّ مَا فِيهَا مِنْ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ مُخْتَلَفٌ وَفِي النِّصَابِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْكُفْرِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَسْأَلَةٌ عَلَى عَدَمِ كُفْرِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْسَانِ كَمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (وَ) الرِّضَا بِكُفْرِ غَيْرِهِ كُفْرٌ (مُطْلَقًا) اسْتِحْسَانًا أَوَّلًا (عِنْدَ الْبَعْضِ) وَفِيهَا أَيْضًا وَقَدْ عَثَرْنَا عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ كُفْرٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ انْتَهَى لَا يَخْفَى فِي جَرَيَانِ قَاعِدَةِ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ أَوْ تَفْسِيرِ الْمُجْمَلِ إنْ كَانَ كَلَامُ الْإِمَامِ مُطْلَقًا أَوْ مُجْمَلًا فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ كَوْنُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَقَطْ وَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُخْتَارُ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ أَقْوَى رِوَايَةً وَالثَّانِي دِرَايَةً فَلَمْ نَعْثِرْ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ عَلَى هَذَا وَنُقِلَ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي (وَالتَّكَلُّمِ بِمَا يُوجِبُهُ) أَيْ الْكُفْرَ (طَائِعًا مِنْ غَيْرِ سَبْقِ اللِّسَانِ) ، وَأَمَّا إذَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى كَلِمَةِ كُفْرٍ خَطَأً عِنْدَ إرَادَةِ كَلِمَةٍ مُبَاحَةٍ فَلَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْكُلِّ بِخِلَافِ الْهَازِلِ لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الشِّفَاءِ لِلْعِيَاضِ الْخَطَأُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ لَيْسَ بِمَعْفُوٍّ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَدَمُ الْكُفْرِ دِيَانَةً وَفِي الْقَضَاءِ لَا يُصَدَّقُ (عَالِمًا بِأَنَّهُ كُفْرٌ كُفْرٌ) خَبَرٌ وَالتَّكَلُّمُ (بِالِاتِّفَاقِ) يَشْكُلُ بِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة

ص: 64

عَنْ الْخَانِيَّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ الْكُفْرُ كُفْرًا حَتَّى يَعْتَقِدَ عَلَيْهِ الْقَلْبُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالِاعْتِقَادِ (وَ) أَمَّا التَّكَلُّمُ بِمَا يُوجِبُهُ حَالَ كَوْنِهِ (جَاهِلًا بِهِ) أَنَّهُ كَفَرَ فَهُوَ كُفْرٌ (عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمَنْ أَتَى بِلَفْظَةِ الْكُفْرِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَفْظَةُ الْكُفْرِ، وَلَكِنْ أَتَى بِهَا عَنْ اخْتِيَارٍ فَقَدْ كَفَرَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ خدايم بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَيُرِيدُ بِهِ مِنْ خودائم. بِالْهَمْزَةِ يَكْفُرُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْجَاهِلُ إذَا تَكَلَّمَ بِكُفْرٍ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ كُفْرٌ لَا يُكَفَّرُ وَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْجَاهِلُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا كُفْرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ يَكْفُرُ وَقِيلَ لَا وَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، وَأَمَّا إذَا خَطَرَ بِبَالِهِ أَشْيَاءُ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَكِنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا، فَذَلِكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ (وَكَذَا الْفِعْلُ) كَالتَّكَلُّمِ فِيمَا إذَا فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ عَمْدًا عَالِمًا بِكُفْرِهِ فَكَافِرٌ، وَإِنْ جَاهِلًا بِكُفْرِهِ فَكُفْرٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ دُونَ الْبَعْضِ، وَذَا كَشَدِّ الزُّنَّارِ عَلَى وَسَطِهِ وَوَضْعِ الْعَسَلِيِّ عَلَى كَتِفِهِ عَنْ الْخَانِيَّةِ سَوَاءٌ بِاعْتِقَادٍ أَوْ لَا كَسُخْرِيَةٍ وَوَضْعِ قَلَنْسُوَةِ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ إنْ لِضَرُورَةٍ كَدَفْعِ الْبَرْدِ لَا وَإِلَّا فَنَعَمْ إلَّا لِخَدِيعَةِ الْحَرْبِ وَلِلتِّجَارَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَكْفُرُ (وَلَوْ هَزْلًا وَمُزَاحًا) بِضَمِّ الْمِيمِ لَعِبًا (بِلَا اعْتِقَادِ مَدْلُولِهِ) كَمَا سَمِعْت آنِفًا (بَلْ مَعَ اعْتِقَادِ خِلَافِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ) أَيْ دِيَانَةً (أَيْضًا) كَمَا هُوَ كُفْرُ قَضَاءٍ وَعِنْدَ النَّاسِ (فَلَا يُفِيدُهُ) فِي عَدَمِ الْكُفْرِ (اعْتِقَادُ الْحَقِّ) بِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ جُعِلَ كُفْرًا فِي الشَّرْعِ فَلَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ فِي تَغْيِيرِهِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا فِي الْأَشْبَاهِ، وَأَمَّا الْكُفْرُ فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ لِقَوْلِهِمْ إنَّ كُفْرَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ النِّيَّةِ النِّيَّةُ فِي التَّكَلُّمِ فَمَنْ فَعَلَ مَا يَخْتَصُّ بِالْكَفَرَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَبِاخْتِيَارٍ، وَلَوْ بِلَا اعْتِقَادٍ بِكُفْرٍ فِي الْخُلَاصَةِ وَمَنْ أَهْدَى الْبَيْضَةَ إلَى الْمَجُوسِ يَوْمَ النَّيْرُوزِ كَفَرَ وَمَنْ اشْتَرَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ شَيْئًا تَعْظِيمًا لِلنَّيْرُوزِ.

ص: 65

كَفَرَ قِيلَ عَنْ الشَّارِحِ الْكُرْدِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْفَارَ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ فَالْحُكْمُ بِالْكُفْرِ عِنْدَ اللَّهِ حُكْمٌ بِالْمَجْهُولِ، وَهُوَ بَاطِلٌ ثُمَّ قَالَ فَاحْفَظْ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي الْفَتَاوَى مِنْ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالتَّهْوِيلِ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِيمَانِ إلَّا بِجُحُودِ مَا دَخَلَ فِيهِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ انْتَهَى.

وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْكُفْرَ قَدْ يَكُونُ بِمَا جُعِلَ أَمَارَةً لِلتَّكْذِيبِ وَدَلِيلًا كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ بِالْقَاذُورَاتِ وَأَيَّدَ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْعَلَامَةِ مُقَرَّرٌ فِي الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ كَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ أَقُولُ الْكُلُّ مَنْظُورٌ فِيهِ إذْ الْحَقُّ وَاحِدٌ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ فَيَلْزَمُ عَلَى الْإِصَابَةِ بِلَا احْتِمَالِ خَطَأٍ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِجَهَالَةِ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى جَارٍ فِي جَمِيعِ الِاعْتِقَادِيَّاتِ، وَلَوْ أُرِيدَ أَنَّ سَائِرَ الِاعْتِقَادِيَّاتِ لَهَا أَدِلَّةٌ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ بِخُصُوصِهَا دَلِيلٌ فَتَحَكُّمٌ وَأَنَّ نِسْبَةَ نَحْوِ التَّهْدِيدِ إلَى الْفَتَاوَى كَالْمَقَامِ الْخَطَّابِيِّ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ مَعَ بَسْطِهِمْ الْأَدِلَّةِ وَتَقْرِيرِهِمْ الْوُجُوهَ الْمُعَيَّنَةَ لِعَيْنِ مُدَّعِي هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ ذُهُولًا عَمَّا قَرَّرَهُ فِي آخَرِ كَلَامِهِ مِنْ الطَّحَاوِيِّ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ حَاكِمَ الْكُفْرِ إنَّمَا يَحْكُمُ بِنَحْوِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُطْلَقِ وَلَيْسَ بِمَطْلُوبٍ وَالْمَطْلُوبُ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِدَالٍّ وَلَوْ أَشْكَلَ بِأَنَّ التَّصْدِيقَ الْيَقِينِيَّ الْقَلْبِيَّ مَا دَامَ ثَابِتًا فِي الْقَلْبِ كَيْفَ يَزُولُ بِالْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ فَإِنَّ فِيهِ زَوَالَ الْأَصْلِ الذَّاتِيِّ بِالْعَوَارِضِ الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَإِذَا تَعَارَضَ الْوَجْهُ الذَّاتِيُّ مَعَ الْوَجْهِ الْعَرْضِيِّ يُقَدَّمُ الذَّاتِيُّ وَأَنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ عَلَى كَوْنِهِ كَافِرًا عِنْدَ اللَّهِ مَعَ ثُبُوتِ التَّصْدِيقِ الْإِيمَانِيِّ فِي الْقَلْبِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِصُعُوبَةِ دَفْعِهِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ

(وَسَبَبُهُ) أَيْ سَبَبُ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ (قَصْدُ إظْهَارِ الظَّرَافَةِ) أَيْ الْكَيَاسَةِ وَالْبَرَاعَةِ فِي الْكَلَامِ (وَالْبَلَاغَةِ) الْفَصَاحَةِ كَقَوْلِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَحْبُوبِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَقَوْلُهُ لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ (وَإِتْيَانُ الْأَمْرِ الْغَرِيبِ) لِيَتَعَجَّبَ مِنْهُ النَّاسُ (وَتَطْيِيبُ الْمَجْلِسِ) أَيْ عَلَى اعْتِقَادِهِ لِانْشِرَاحِ الصُّدُورِ وَالِامْتِلَاءِ بِالسُّرُورِ لِلسُّفَهَاءِ مِنْ بَأْسِ الْغُرُورِ (وَإِضْحَاكُ الْحَاضِرِينَ بِالْهَزْلِ) الْمُزَاحِ (وَالْهَزْءُ) السُّخْرِيَةِ (وَالْمُزَاحِ) لِيَتَقَرَّبَ بِذَلِكَ إلَى مَحَبَّةِ الْمَغْرُورِينَ مِنْ عَبَدَةِ الدُّنْيَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65]

كَمَا حُكِيَ أَنَّ تَيْمُورَ بْنَ نَجْمِ الدِّينِ انْقَبَضَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِإِضْحَاكِ الْأَمِيرِ إنَّهُ دَخَلَ عَلَى فُلَانِ الْقَاضِي وَاحِدٌ فَقَالَ فُلَانٌ أَكَلَ صَوْمَ رَمَضَانَ فَقَالَ الْقَاضِي لَيْتَ آخَرَ يَأْكُلُ الصَّلَاةَ لِيُتَخَلَّصَ مِنْهُمَا فَقَالَ الْأَمِيرُ أَمَّا وَجَدْت مُضْحِكًا آخَرَ سِوَى الدِّينِ فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ (أَوْ) سَبَبُهُ (شِدَّةُ الْغَضَبِ وَالضَّجَرِ) أَيْ الْقَلَقِ وَالْجَزَعِ عَلَى فَوَاتِ حَظِّهِ بِالْحِقْدِ عَلَى الْغَيْرِ الْمَحْظُوظِ فَيُحَاكِيهِ وَيَسْخَرُ مِنْهُ وَيُضْحِكُ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ وَغَيْرَ عَدُوِّهِ (وَبِالْجُمْلَةِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَبَبَ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ (الْخِفَّةُ) فِي الْعَقْلِ (وَالشَّرَهُ) أَيْ الْحِرْصُ (عَلَى الْكَلَامِ) فَيَتَكَلَّمُ بِتِلْكَ الْفَضَائِحِ وَالْقَبَائِحِ فَيَحْرِقُ نَفْسَهُ لِرِضَا الْغَيْرِ (وَالْمُحَاكَاةُ) مِنْ حِكَايَةِ كُفْرِيَّاتِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْقَبُولِ وَالرِّضَا وَالِاسْتِحْسَانِ (وَعَدَمُ حِفْظِ اللِّسَانِ) عَنْ كُلِّ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ (وَ) عَدَمُ حِفْظِ سَائِرِ (الْأَعْضَاءِ) مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُوجِبُ الْكُفْرَ

ص: 66

(وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ فِي أَمْرِ الدِّينِ) أَيْ عَدَمُ الِاعْتِنَاءِ فِيهَا كَالِاسْتِهَانَةِ بِالْمَعْصِيَةِ وَلَوْ صَغِيرَةً

عَنْ الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ ارْتَكَبَ صَغِيرَةً فَقَالَ آخَرُ تُبْ فَقَالَ مَا فَعَلْت أَنَا حَتَّى أَحْتَاجَ إلَى التَّوْبَةِ وَفِي الْمُحِيطِ أَوْ قَالَ حَتَّى أَتُوبَ كَفَرَ وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا مُسْلِمَةٌ صَغِيرَةٌ إذَا بَلَغَتْ عَاقِلَةً، وَهِيَ لَا تَعْرِفُ الْإِسْلَامَ وَلَا تَصِفُهُ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا جَاهِلَةٌ لَيْسَ لَهَا مِلَّةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَهِيَ شَرْطُ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَمُحَمَّدٌ سَمَّاهَا مُرْتَدَّةً؛ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ بِالتَّبَعِيَّةِ وَالْآنَ تَكْفُرُ بِفَقْدِ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي حَقِّ الْجَمِيعِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى زَوْجًا وَمُجَرَّدًا فَيَلْزَمُ عَلَى مَنْ كَانَ حَالُهُ كَذَا حِينَ الْبُلُوغِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَنْ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ وِجْدَانًا لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْبِيرِهِ لِسَانًا سِيَّمَا بِالِاصْطِلَاحِ الْمُتَعَارَفِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ وَعَنْ جَوَاهِرِ الْفِقْهِ مَنْ قَالَ قَتْلُ فُلَانٍ حَلَالٌ أَوْ مُبَاحٌ بِلَا شَيْءٍ يُوجِبُ قَتْلَهُ وَقَالَ آخَرُ: صَدَقَتْ كَفَرَ كَمَنْ يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَحْسَنْت لِمَنْ يَأْمُرُ بِقَتْلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ لِمَنْ قَتَلَ سَارِقًا أَحْيَانَا سِرًّا وَنَحْوَهُ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَمَنْ قَالَ قَتْلُ فُلَانٍ وَاجِبٌ أَوْ فُلَانٌ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ مَا يَلْزَمُهُ الْقَتْلُ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا كَثِيرُ الْوُقُوعِ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ

وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ ظَالِمٌ مِنْ الظَّالِمِينَ شَخْصًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ قَدْ أَحْسَنْت أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلضَّرْبِ أَوْ الْقَتْلِ يَكْفُرُ لِمَا قُلْنَا انْتَهَى.

قَالَ لِمَنْ لَبِسَ حَرِيرًا بَارَكَ اللَّهُ فِي هَذَا يَكْفُرُ عِنْدَ بَعْضٍ وَعَنْ جَوَاهِرِ الْفِقْهِ قَالَ لَبَّيْكَ لِمَنْ قَالَ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ يَكْفُرُ وَعَنْ الْخُلَاصَةِ إنْ كُنْت كَذَلِكَ فَفَارِقْنِي أَوْ قَالَ أَنَا كَذَلِكَ أَوْ إذَا أَنَا هَكَذَا فَلَا تُقِمْ مَعِي أَوْ عِنْدِي فِي الْخُلَاصَةِ الْأَظْهَرُ يَكْفُرُ قَالَ لِرَمَضَانَ جَاءَ الشَّهْرُ الثَّقِيلُ أَوْ الطَّوِيلُ أَوْ الضَّعِيفُ كَفَرَ وَفِي قَاضِي خَانْ مَنْ قِيلَ لَهُ أَلَا تَخَافُ اللَّهَ أَوْ أَلَا تَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَا كَفَرَ وَفِي جَوَاهِرِ الْفِقْهِ قَالَ لِخَصْمِهِ لَا أَسْتَحْلِفُك بِاَللَّهِ وَأَسْتَحْلِفُك بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ أَوْ قَالَ حَلِفُك وَضَرْطُ الْحِمَارِ سَوَاءٌ أَوْ وَاحِدٌ أَوْ قَالَ يَظْلِمُك اللَّهُ كَمَا ظَلَمْتنِي أَوْ قَالَ أَحْسَنُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّي كُلَّ الْإِحْسَانِ وَالْإِسَاءَةِ مِنِّي يَكْفُرُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْت كَذَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ اللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُ هَكَذَا، وَهُوَ يَكْذِبُ أَوْ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ كَفَرَ قَالَ حِينَ أُصِيبُ بِمَصَائِبَ مُخْتَلِفَةٍ يَا رَبُّ أَخَذْت مَالِيَّ وَكَذَا وَكَذَا فَمَاذَا تَفْعَلُ أَيْضًا لِي أَوْ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ قِيلَ يَكْفُرُ

وَنُقِلَ عَنْ فَوْزِ النَّجَاةِ قَالَ لَوْ قَوَّانِي اللَّهُ تَعَالَى لِأَنْتَصِفَ مِنْك كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي عَدْلِ اللَّهِ وَعَنْ الظَّهِيرِيَّةِ سُلْطَانٌ عَطَسَ فَقَالَ رَجُلٌ

ص: 67

يَرْحَمُك اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ آخَرُ لَا يُقَالُ لِلسُّلْطَانِ هَكَذَا يَكْفُرُ وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ تَهَاوُنًا كَفَرَ وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَالْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ قَالَ مُعْتَذِرًا كُنْت كَافِرًا فَأَسْلَمْت قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَمَنْ قِيلَ لَهُ أَتَعْمَلُ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ بِلَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ بِهَذَا الْأَمْرِ لَا أَفْعَلُهُ كَفَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ قَالَ لِحَرَامٍ هَذَا حَلَالٌ بِلَا اعْتِقَادٍ لَا يَكْفُرُ وَفِيهَا رَجُلٌ يَبِيعُ فِي السُّوقِ وَيَقُولُ إنَّهُ حَلَالٌ، وَهُوَ كَاذِبٌ لِتَرْوِيجِ مَا بَاعَهُ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: إذَا اعْتَقَدَهُ حَلَالًا، وَهُوَ حَرَامٌ إنْ حَرَامًا لِغَيْرِهِ كَمَالِ الْغَيْرِ لَا يَكْفُرُ بِاعْتِقَادِ الْحِلِّ، وَإِنْ لِعَيْنِهِ فَإِنْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ يَكْفُرُ، وَإِنْ بِالْآحَادِ لَا وَعَنْ تَاجِ الدِّينِ الْكَبِيرِ هَذَا التَّفْصِيلُ لِلْعَالِمِ أَمَّا فِي حَقِّ الْجَاهِلِ فَإِنْ ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ كَفَرَ مُطْلَقًا لَعَلَّ هَذَا مَرْجِعُ مَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ اعْتِقَادُ الْحَلَالِ الثَّابِتِ بِقَطْعِيٍّ حُرْمَتِهِ وَاعْتِقَادُ الْحَرَامِ الثَّابِتِ بِقَطْعِيٍّ حِلِّهِ كُفْرٌ عِنْدَ بَعْضٍ وَعِنْدَ آخَرَ فِي الْحَرَامِ لِغَيْرِهِ لَا وَاسْتِحْلَالُ الْمَعْصِيَةِ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ بِقَطْعِيٍّ يَكْفُرُ كَاسْتِهَانَتِهَا وَتَخْفِيفِهَا وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِالْمَسْجِدِ أَوْ بِنَحْوِهِ مِمَّا يَعْظُمُ فِي الشَّرْعِ كَفَرَ

وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَمْدًا أَوْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ تَرَكَ صَلَاةً تَهَاوُنًا كَفَرَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا كَافِرَةُ فَقَالَتْ: لَا بَلْ أَنْتَ أَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا يَا كَافِرُ فَقَالَ لَا بَلْ أَنْتَ لَمْ تَقَعْ فُرْقَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ وَيَنْبَغِي وُقُوعُ الْفُرْقَةِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ قَالَ لِمُسْلِمٍ يَا كَافِرُ وَلَمْ يَقُلْ الْمُخَاطَبُ شَيْئًا أَوْ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا وَكَذَا لِزَوْجِهَا قَالَ الْأَعْمَشِ يَكْفُرُ وَكَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَئِمَّةِ بُخَارَى وَالْمُخْتَارُ فِي مِثْلِهِ إنْ عَلَى طَرِيقِ الشَّتْمِ بِلَا اعْتِقَادِ كُفْرِهِ لَا يَكْفُرُ وَقِيلَ إنْ قَالَ فِي حَالِ غَضَبِهِ لَا يَكْفُرُ وَإِذَا قَالَ لِدَابَّتِهِ يَا مَالَ الْكَافِرِ لَا يَكْفُرُ وَقِيلَ إنْ نَتَجَتْ عِنْدَهُ يَكْفُرُ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا كَافِرُ إنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْكُفْرِ كَكَوْنِهِ عَرِيفًا أَوْ عَشَّارًا أَوْ عَوَانًا فَلَا يَكْفُرُ وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي إيمَانِهِ، وَإِنْ فَاسِقًا مُعْلِنًا مِصْرًا جَاهِلًا فِي عُلُومِ الدِّينِ فَيَكْفُرُ، وَأَمَّا فِي شَكِّ إيمَانِهِ فَلَا يَكْفُرُ وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تُوجِبُ سَلْبَ الْإِيمَانِ، وَلَكِنْ نِسْيَانُ التَّوْبَةِ وَتَحْقِيرُ الذَّنْبِ وَعَدَمُ رُؤْيَةِ الْعُقُوبَةِ يُوجِبُ سَلْبَ الْإِيمَانِ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَرَ الْمَعَاصِيَ قَبِيحًا وَلَمْ يَرَ الطَّاعَةَ حَسَنًا أَوْ لَمْ يَرَ الثَّوَابَ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ لَمْ يَرَ وُجُوبَ الطَّاعَاتِ يَكْفُرُ

وَمَنْ يَتَوَهَّمُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ بِدَلِيلِ أَفْعَالِهِ يَجُوزُ الشَّكُّ فِي إيمَانِهِ وَمَنْ تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ مِثْلَ هَذِهِ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَلَوْ تَمَنَّى حِلَّ مَا يُدْرِكُ حُرْمَتَهُ الْعَقْلُ كَالزِّنَا وَاللُّوَاطَةِ وَالظُّلْمِ وَقَتْلِ النَّفْسِ ظُلْمًا يَكْفُرُ وَلَوْ تَمَنَّى حِلَّ مَا لَا تُدْرَكُ حُرْمَتُهُ بِالْعَقْلِ كَالْخَمْرِ وَالْمُنَاكَحَةِ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ لَا يَكْفُرُ قَالَ أَنَا إبْلِيسُ أَوْ فِرْعَوْنُ لَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا قَالَ اعْتِقَادِي كَاعْتِقَادِهِمَا رَجُلٌ رَوَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ رَأَوْهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِالْبَصْرَةِ وَبِمَكَّةَ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ يَكْفُرُ وَكَذَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ وَكَذَا مَشَايِخُ الْعِرَاقِ قَالُوا بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ الْكَرَامَةِ بَلْ مِنْ الْمُعْجِزَةِ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ بِجَوَازِهَا فِي حَقِّ الْوَلِيِّ وَيُؤَيِّدُهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ بَيْنَ الْمَشْرِقِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَكَذَا مَشَايِخُ خُرَاسَانَ جَوَّزُوهَا فِي الْكَرَامَةِ وَسُئِلَ عُمَرُ النَّسَفِيُّ أَنَّ الْكَعْبَةَ تَدُورُ حَوْلَ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ أَجَابَ نَقْضُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ جَائِزٌ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ الْعَامِّيُّ عَنْ التَّوْحِيدِ لَكِنْ يُقَالُ لَهُ أَلَيْسَ الدِّينُ هَكَذَا وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ أَنْ لَا يَغْشَاهَا حَتَّى يَسْأَلَهَا عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ وَصَفَتْ أَوْ وَصَفَ هُوَ فَعَلِمَتْ وَإِلَّا بَانَتْ وَالسَّبِيلُ أَنْ يَصِفَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ يَقُولُ هَلْ أَنْتِ عَلَى هَذَا

ثُمَّ تَفَاصِيلُ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ وَأَفْعَالِ الِارْتِدَادِ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَتَاوَى لَكِنَّ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْكُفْرِ فِي كُلِّ ذَلِكَ مُطْلَقًا مَا لَمْ يُعَايِنْ إرَادَةَ جِهَةِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ لَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ مَا دَامَ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ غَيْرُ الْكُفْرِ وَلَوْ احْتِمَالًا ضَعِيفًا لِجَوَازِ إرَادَةِ ذَلِكَ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ احْتِمَالًا لِلْكُفْرِ وَاحْتِمَالٌ وَاحِدٌ لِغَيْرِ الْكُفْرِ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى عَدَمِ الْكُفْرِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ وَأَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ فَتْوَى الْمُفْتِي عِنْدَ نِيَّةِ الْوَجْهِ الَّذِي يُوجِبُ إلَى هُنَا مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة إلَّا قَلِيلًا

(وَعِلَاجُهُ) أَيْ عِلَاجُ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ قَوْلًا وَفِعْلًا (أَنْ يَعْرِفَ أَوَّلًا آفَاتِ الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ) أَيْ مَفَاسِدَهُ

ص: 68

(مِنْ حَبْطِ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا) حَتَّى لَمْ يَعُدْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَيَصِيرُ مُتَسَاوِيًا مَعَ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدُ فِي عَدَمِ الثَّوَابِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثَانِيًا إنْ غَنِيًّا، وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ مَا صَلَّى وَصَامَ، وَزَكَّى لِلْحَرَجِ وَعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَذْهَبُ بِالْكُفْرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ فَوْرًا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ عَرْضَهُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَذَهَابِ النِّكَاحِ) وَالْمَوْلُودُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَلَدُ زِنًا (وَحِلِّ دَمِهِ) حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ أَتْلَفَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ نُقِلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ (وَحُرْمَةِ ذَبِيحَتِهِ) وَالْإِجْبَارُ عَلَى التَّوْبَةِ، وَهِيَ الرُّجُوعُ عَمَّا قَالَ بِعَيْنِهِ فَلَا يُفِيدُهُ إتْيَانُ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ وَالْجُحُودُ تَوْبَةٌ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ بَعْدَ الْعَرْضِ يَجِبُ قَتْلُهُ (وَالْعَذَابِ الْمُخَلَّدِ) الْمُؤَبَّدِ (فِي النَّارِ لَوْ مَاتَ بِدُونِ التَّوْبَةِ) عِلَاجُهُ أَنْ يَعْرِفَ (ثَانِيًا آفَاتِ اللِّسَانِ مِمَّا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ مُلَازَمَةُ الصَّمْتِ وَالسُّكُوتِ) هُمَا تَرْكُ الْكَلَامِ، وَقِيلَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الصَّمْتَ مَا كَانَ عَنْ عَمْدٍ وَالسُّكُوتُ يَعُمُّهُ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ» فَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ (وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَالْأَعْضَاءِ) عَنْ الْحَرَكَاتِ الْخَارِجَةِ عَنْ قَوَانِينِ الِانْتِظَامِ (وَالْجَدُّ وَتَرْكُ الْهَزْلِ وَالْهَزْءِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَبَعْدَ الزَّايِ فِي الثَّانِي هَمْزَةٌ أَوْ وَاوٌ (وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ) الْمُؤَدِّيَةِ إلَى سَخَافَةِ الْعَقْلِ وَقِلَّةِ الْمُرُوءَةِ وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِ الشَّرِيعَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ.

(وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (الدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ) شِدَّةُ الطَّلَبِ لِغَايَةِ خَطَرِ الْأَمْرِ وَقُوَّةِ خَوْفِهِ وَصُعُوبَةِ تَخَلُّصِهِ (لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَهُ مِنْ الْكُفْرِ) بِأَنْوَاعِهِ كُلِّهَا (خُصُوصًا الدُّعَاءُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) كَمَا (خَرَّجَهُ حَدّ طب) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالطَّبَرَانِيُّ (فَقَالَ) أَبُو مُوسَى «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ» قِيلَ أَيْ الْخَفِيَّ وَقِيلَ مُطْلَقًا «فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ» أَيْ حَرَكَتِهَا فَيَسْرِي لِلْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ «فَقَالَ لَهُ» عليه الصلاة والسلام «مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ» مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَوْلُهُ «وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ، وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ» مَقُولُ الْقَوْلِ (قَالَ) عليه الصلاة والسلام -

ص: 69

فِي جَوَابِهِ «قُولُوا اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِك أَنْ نُشْرِكَ بِك شَيْئًا» مِنْ الشِّرْكِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ «نَعْلَمُهُ» كَالشِّرْكِ الْجَلِيِّ «وَنَسْتَغْفِرُك لِمَا لَا نَعْلَمُهُ» كَالشِّرْكِ الْخَفِيِّ فِي أَكْثَرِ الْفَتَاوَى «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أُشْرِكَ بِك شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا لَا أَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» يَقُولُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَسَاءِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الدُّعَاءَيْنِ كَمَا فِي وَصَايَاهُ التُّرْكِيَّةِ.

(وَخَرَّجَهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (يَعْلَى) أَبُو يَعْلَى (مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَزَادَ يَقُولُ «كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَغَائِلَةُ الْكُفْرِ) أَيْ مَفْسَدَتُهُ (الْعُظْمَى حِرْمَانُ دُخُولِ الْجِنَانِ وَالْعَذَابُ الْمُؤَبَّدُ فِي النِّيرَانِ) بِالنُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ وَإِجْمَاعِ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ إذَا كَانَ غَايَةً فِي الْجِنَايَةِ فَجُوزِيَ بِمَا يَكُونُ غَايَةً فِي الْعُقُوبَةِ، وَهِيَ الْخُلُودُ وَالتَّأْبِيدُ فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي نِيَّتِهِ أَنْ لَوْ بَقِيَ أَبَدًا لَكَانَ عَلَى الْكُفْرِ أَبَدًا فَجَزَاءُ الْأَبَدِيِّ أَبَدِيٌّ جَزَاءً وِفَاقًا أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الظُّلْمُ وَاَللَّهُ تَعَالَى نَفَى الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى نَحْوِ مَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ مِنْ أَنَّ التَّأْبِيدَ إنَّمَا هُوَ لِلْكَافِرِ الْمُعَانِدِ، وَأَمَّا الَّذِي يَجْتَهِدُ فِي دِينِهِ عَلَى حَسَبِ وُسْعِهِ فَلَا لِخَرْقِ الْإِجْمَاعِ وَلِكَوْنِهِ كَلَامًا فِي مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، وَإِنْ أُسْنِدَ إلَى نَحْوِ الْغَزَالِيِّ (وَسَبَبُ الْإِيمَانِ) فِي مُقَابَلَةِ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ (النَّظَرُ) الْمُعَرَّفُ بِتَرْتِيبِ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ لِلتَّأَدِّي إلَى الْمَجْهُولِ، وَهُوَ أَوَّلُ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَوْ جُزْءُ الْأَوَّلِ أَوْ الْقَصْدُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ.

(وَالتَّأَمُّلُ) بِمَعْنَى النَّظَرِ فَعَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَإِنْ فُسِّرَ بِنَحْوِ التَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ (فِي الْآيَاتِ) الْأَدِلَّةُ وَالتَّفْسِيرُ بِالْعَلَامَاتِ إمَّا مُؤَوَّلٌ بِالْأَدِلَّةِ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعَلَامَاتِ ظَنِّيَّةٌ كَالْأَمَارَةِ وَالْمَقَامُ بُرْهَانِيٌّ تَحْقِيقِيٌّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (الدَّالَّةِ) إذْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الدَّلَالَةِ الْمُطَلَّقَةِ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ لَهُ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ آخَرَ (عَلَى وُجُودِ الْبَارِي) عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْأَثَرِ إلَى الْمُؤَثِّرِ كَالِاسْتِدْلَالِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ أَوْ إمْكَانِهِ أَوْ بِهِمَا عَلَى وُجُودِ مُحْدِثِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت: 37] {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22]- وَغَيْرُ ذَلِكَ (وَاتِّصَافِهِ) تَعَالَى (بِأَوْصَافِ الْكَمَالِ) كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ كَمَا سَبَقَ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ (وَ) عَلَى (تَنَزُّهِهِ) تَبَرُّئِهِ وَتَقَدُّسِهِ (عَنْ صِفَاتِ) سِمَاتِ (النُّقْصَانِ) كَمَا فِي جَمِيعِ الْمُنَزِّهَاتِ الْمُقَرَّرِ فِيمَا مَرَّ (وَ) التَّأَمُّلُ فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ (عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَهِيَ الْمُعْجِزَاتُ (وَ) سَبَبُ الْإِيمَانِ أَيْضًا (تَيَقُّنُ التَّأْبِيدِ) أَيْ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ الْقَطْعِيُّ عَلَى تَأَبُّدِهِ (فِي النَّارِ إنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ) بِاَللَّهِ عِيَاذًا بِهِ تَعَالَى (وَالْإِنْكَارِ) لِنُبُوَّتِهِ عليه الصلاة والسلام (وَ) سَبَبُهُ (رَجَاءُ دُخُولِ الْجَنَّةِ دَارِ الْقَرَارِ) يَتَقَرَّرُ مَنْ دَخَلَ مُؤَبَّدًا بِلَا خُرُوجٍ (وَفَائِدَتُهُ) أَيْ الْإِيمَانِ (الْعُظْمَى

ص: 70