الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَالِاسْتِرْشَادُ وَالْإِرْشَادُ بِتَرْبِيَةٍ وَتَعْلِيمٍ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ وَالِابْتِدَاءُ بِهِ وَإِكْرَامُ الْجَارِ وَإِجَابَةُ السَّائِلِ وَالْإِعْطَاءُ قَبْلَ السُّؤَالِ وَاسْتِكْثَارُ قَلِيلِ الْخَيْرِ مِنْ الْغَيْرِ وَاحْتِقَارُ عَظِيمِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَبَذْلُ الْجَاهِ وَالْجَهْدِ وَالْبِشْرُ وَالْبَشَاشَةُ وَالتَّوَاضُعُ وَالتَّوْبَةُ وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالتُّؤَدَةُ وَالتَّأَنِّي وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ وَالْمَعِيشَةِ وَالتَّفَكُّرُ وَالتَّكَبُّرُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ وَتَنْزِيلُ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ وَتَقْدِيمُ الْأَهَمِّ وَالتَّغَافُلُ عَنْ زَلَلِ النَّاسِ وَتَحَمُّلُ الْأَذَى وَالتَّهْنِئَةُ وَالتَّسْلِيمُ لِمَجَارِي الْقَدَرِ وَتَرْكُ الْأَذَى وَالْبَطَالَةِ وَمُعَادَاةِ الرِّجَالِ وَالتَّكَلُّفِ وَالْمِرَاءِ وَالتَّحْمِيضُ لِدَفْعِ الْمَلَالَةِ وَالتَّحَدُّثُ بِالنِّعْمَةِ وَالتَّكْثِيرُ مِنْ الْإِخْوَانِ وَالْأَعْوَانِ وَتَحَمُّلُ الْمُعْسِرِ وَالتَّسْمِيَةُ بِاسْمٍ حَسَنٍ مَعَ تَغْيِيرِ اللَّقَبِ الْقَبِيحِ وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ وَتَجَنُّبُ مَوَاقِعِ التُّهَمِ وَمَوَاضِعِ الظُّلْمِ وَالْكَلَامُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَالتَّعَرُّفُ بِاَللَّهِ وَالتَّطْبِيبُ بِالطِّبِّ النَّبَوِيِّ وَالثَّبَاتُ فِي الْأُمُورِ وَالثِّقَةُ بِاَللَّهِ وَجِهَادُ النَّفْسِ وَجَلْبُ الْمَصَالِحِ وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ وَالْحِلْمُ وَالْحَيَاءُ وَحِفْظُ الْأَمَانَةِ وَالْعَهْدِ وَالْعِرَضِ وَحُسْنُ الصَّمْتِ وَالتَّفَهُّمُ وَالتَّعَقُّلُ فِي الْمَقَالِ وَالسَّمْتِ وَحُسْنُ الظَّنِّ وَطَلَبُ الْمَعِيشَةِ وَالْمُعَاشَرَةُ وَالْحَمِيَّةُ وَخِدْمَةُ الصُّلَحَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْإِخْوَانِ وَالضَّيْفِ وَالْخُشُوعُ وَخَوْفُ اللَّهِ وَخِدَاعُ الْكُفَّارِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ وَدَوَامُ التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ وَالدَّأْبُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالذِّلَّةُ لِلَّهِ وَالرِّفْقُ فِي الْمَعِيشَةِ وَرَحْمَةُ الصِّغَارِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْيَتِيمِ وَالْحَيَوَانِ وَالْمَرِيضِ وَالرِّضَا بِالدُّونِ مِنْ الْمَجَالِسِ وَالرَّجَاءُ وَالرِّقَّةُ لِلْغَيْرِ لِتَأَذِّيه وَالزُّهْدُ وَالسَّخَاءُ وَالسَّمَاحُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ اللِّقَاءِ حَتَّى عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ وَالشَّجَاعَةُ وَالشَّهَامَةُ وَالشَّفَاعَةُ وَالشُّكْرُ وَالصَّبْرُ وَالصِّدْقُ وَالصُّلْحُ وَالصَّدَاقَةُ وَالصُّحْبَةُ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَالصَّمْتُ وَضَبْطُ النَّفْسِ عَنْ التَّفْرِقَةِ وَطَهَارَةُ الْبَاطِنِ وَالْعِفَّةُ وَالْعَدْلُ وَالْعَفْوُ وَالْعُزْلَةُ وَعُلُوُّ الْهِمَّةِ وَالْغَضَبُ لِلَّهِ وَالْغَيْرَةُ الْحَمِيدَةُ وَالْغِبْطَةُ وَالْفَزَعُ إلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْفِرَاسَةُ وَفِعْلُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْقِيَامُ بِحَقِّ الْغَيْرِ وَقَبُولُ الْحَقِّ وَقَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مُرًّا وَقَضَاءُ حَوَائِجِ النَّاسِ وَكَظْمُ الْغَيْظِ وَكَفَالَةُ الْيَتِيمِ وَلِقَاءُ الْقَادِمِ وَلُزُومُ الطَّهَارَةِ وَالتَّهَجُّدُ وَالصَّلَاةُ الْمَأْثُورَةُ وَالْفَوَائِدُ الْجَمِيلَةُ وَالْمُدَارَاةُ وَالْمُخَاطَبَةُ بِلِينِ الْكَلَامِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ وَمُخَالَفَتُهَا وَالْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ لِأَهْلِهِ وَلِمَنْ عَرَفَهُ لَك وَمَحَبَّةُ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْمُعَافَاةُ وَالْمَزْحُ الْعَدْلُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالنُّصْحُ وَالنَّزَاهَةُ وَالْوَرَعُ وَهَضْمُ النَّفْسِ وَالْيَقِينُ وَنَحْوُ ذَلِكَ انْتَهَى لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ كُلُّهُ مَضْمُونُ آيَاتٍ وَآثَارٍ يَجِبُ حِفْظُهُ وَيَلْزَمُ ضَبْطُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ
[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]
[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]
[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]
(الْقِسْمُ الثَّانِي)
مِنْ الْقِسْمَيْنِ (فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ) الرَّدِيئَةِ (وَتَفْسِيرِهَا) بَيَانُ مَفْهُومَاتِهَا الشَّرْعِيَّةِ وَغَوَائِلِهَا مُفْسِدَاتِهَا (وَعِلَاجِهَا تَفْصِيلًا)(اعْلَمْ أَنِّي تَتَبَّعْتهَا) يَعْنِي عَلَى تَتَبُّعِي (فَوَجَدْتهَا سِتِّينَ) ، وَإِنْ جَازَ تَجَاوُزُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ اسْتِقْرَائِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ قِيلَ ذَلِكَ بِحَسَبِ النَّوْعِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْأَفْرَادِ (الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ) أَيْ نَوْعٌ كَمَا قِيلَ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (وَهُوَ أَعْظَمُ الْمُهْلِكَاتُ) فِي الدُّنْيَا لِإِيجَابِ إهْدَارِ النَّفْسِ وَالْأُسَرِ وَإِبَاحَةِ الْأَمْوَالِ، وَفِي الْآخِرَةِ لِإِيجَابِهِ الْخُلُودَ فِي النَّارِ (عَلَى الْإِطْلَاقِ) ، وَإِنْ كَانَ فِي أَنْوَاعِهِ تَفَاوُتٌ فِي نَفْسِهِ بِإِيجَابِ زِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ أَنْ يُجْزَى بِمَا يَكُونُ نِهَايَةً فِي الْعُقُوبَةِ، وَهُوَ الْخُلُودُ (فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ) إمَّا لِصُعُوبَةِ الْمَبْحَثِ أَوْ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِإِيثَارِ الْحَمْدِ عَلَى تَخَلُّصِهِ مِنْهُ (هُوَ) أَيْ الْكُفْرُ (عَدَمُ الْإِيمَانِ عَمَّنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا) يَشْكُلُ بِالشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ الْإِيمَانُ لِكَوْنِهِ مَطْبُوعًا عَلَى الْكُفْرِ وَلِذَا قَالُوا هُوَ جَوْهَرٌ هَوَائِيٌّ إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ ذَلِكَ بِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي اضْمِحْلَالَ أَكْثَرِ
قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، فَإِمَّا مُؤَوَّلٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَلْيُتَأَمَّلْ.
فَالتَّقَابُلُ عَدَمٌ وَمَلَكَةٌ وَقِيلَ تَضَادٌّ لِكَوْنِ الْكُفْرِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ الْأَخْلَاقَ مِنْ قَبِيلِ الْكَيْفِيَّاتِ وَالْكَيْفُ مِنْ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْدُومًا نَعَمْ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: إنَّ الْأَحْكَامَ الْوُجُودِيَّةَ جَارِيَةٌ فِي الْعَدَمِ فِي تَقَابُلِ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ قِيلَ هَذَا شَامِلٌ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَكِ فَإِنَّهُمْ هُمْ الْمُكَلَّفُونَ وَغَيْرُهُمْ لَا يُوصَفُونَ بِإِيمَانٍ وَكُفْرٍ لِعَدَمِ الشَّأْنِ فِيهِمْ أَقُولُ يَشْكُلُ بِالشَّيْطَانِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ دُخُولَهُ فِي الْجِنِّ أَوْ الْمَلَكِ فَافْهَمْ وَأَيْضًا بِالْمَلَكِ لِامْتِنَاعِ تَصَوُّرِ عَدَمِ الْإِيمَانِ فِيهِمْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ إمْكَانَ الْكُفْرِ مِنْهُمْ كَمَا قِيلَ فِي إبْلِيسَ أَوْ بِنَاءً عَلَى الْإِمْكَانِ الْأَصْلِيِّ وَالِامْتِنَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُقُوعِ فَتَأَمَّلْ أَيْضًا.
(وَالْإِيمَانُ) إنَّمَا ذُكِرَ هُنَا لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا فِي مَاهِيَّةِ الْكُفْرِ وَمَعْرِفَةُ الْكُلِّ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ أَجْزَائِهِ (هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ) عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ وَالْإِذْعَانِ وَلَوْ تَقْلِيدًا (بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى) فَلَوْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ وَلَمْ يُصَدِّقْ وَاحِدًا فَلَا يُوجَدُ لَهُ إيمَانٌ (وَالْإِقْرَارُ بِهِ) بِذَلِكَ الْجَمِيعِ، وَلَوْ إجْمَالًا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا عَلِمَ مِنْ دِينِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَلَوْ صَبِيًّا وَعَامِّيًّا بَلْ قَدْ يَعْلَمُ الْمُخَالِفُ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ لِبَدَاهَتِهِ فِي الدِّينِ، وَإِنْ نَظَرِيًّا فِي نَفْسِهِ كَالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ (عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ) كَالْإِكْرَاهِ وَالْخُرْسِ وَالْمَرَضِ وَغَيْرِهَا كَعَدَمِ وِجْدَانِ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ التَّصْدِيقُ فَمَاتَ فَوْرًا بِلَا إقْرَارٍ فَمُسْلِمٌ (حَقِيقَةً وَحُكْمًا) أَيْ حُكْمُ الشَّرْعِ قَيْدَانِ لِمَجْمُوعِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِمَا مَعًا إذْ لَوْ وُجِدَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ حَقِيقَةً وَلَمْ يُوجَدَا حُكْمًا كَأَنْ يُقَارِنَا بِمَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ عَلَامَةً لِلتَّكْذِيبِ كَاسْتِخْفَافِ الشَّرِيعَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْمَلَكِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا (أَوْ حُكْمًا فَقَطْ) يَعْنِي يُوجَدُ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ فِي حُكْمٍ وَلَا يُوجَدَانِ حَقِيقَةً كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِنَحْوِ الْأَخْرَسِ وَالْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى دُخُولَهُ فِي الْأَوَّلِ فَلَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ وُجِدَتْ حَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ وَأَنَّ فِي الثَّانِي كَمَا تَوَهَّمَ فَقَدْ وُجِدَ فِيهِمَا حَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ (وَتَفْسِيرُ الْكُفْرِ بِالْإِنْكَارِ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ الشَّكِّ وَخُلُوِّ الذِّهْنِ عَنْهُ) إذْ الْمُعَرَّفُ أَيْ الْكُفْرُ صَادِقٌ وَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ بِصَادِقٍ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ فِيهِمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْإِنْكَارِ عَدَمُ التَّصْدِيقِ أَوْ الْجَهْلُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَدَمِ الْإِيمَانِ عَمَّنْ مِنْ شَأْنِهِ إلَى آخِرِهِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ (تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَعَلَى الثَّانِي تَقَابُلُ التَّضَادِّ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَقَابِلَيْنِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا وُجُودِيَّيْنِ وَأَمْكَنَ تَعَقُّلُ أَحَدِهِمَا مَعَ الذُّهُولِ
عَنْ الْآخَرِ فَضِدَّانِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَهُمَا يُكَذَّبَانِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَاتِّصَافِهِ بِالْوَسَطِ كَالْجِسْمِ الْأَحْمَرِ مَثَلًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَعَقُّلُ أَحَدِهِمَا مَعَ الذُّهُولِ عَنْ الْآخَرِ فَمُضَافَانِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَهُمَا أَيْضًا يُكَذَّبَانِ لِخُلُوِّ الْمَحَلِّ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا وُجُودِيًّا وَالْآخَرُ عَدَمِيًّا فَإِنْ اُعْتُبِرَ كَوْنُ الْمَوْضُوعِ مُسْتَعِدًّا لِلِاتِّصَافِ بِالْوُجُودِيِّ بِحَسَبِ شَخْصِهِ كَالْأَعْمَى أَوْ نَوْعِهِ كَالْأَكْمَهِ أَوْ جِنْسِهِ كَالْعَقْرَبِ فَعَدَمٌ وَمَلَكَةٌ حَقِيقَةٌ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ كَوْنُ الْمَوْضُوعِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِهِ فَمَلَكَةٌ وَعَدَمٌ مَشْهُورَانِ وَهُمَا يُكَذَّبَانِ لِعَدَمِ الْمَوْضُوعِ أَوْ عَدَمِ اسْتِعْدَادِهِ لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فَسَلْبٌ وَإِيجَابٌ كَالْإِنْسَانِ وَاللَّا إنْسَانِ وَهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ وَلَا يُكَذَّبَانِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ وَارْتِفَاعَهُمَا مُحَالَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِنْكَارَ لَيْسَ بِوُجُودِيٍّ فَلَا يَكُونُ تَقَابُلُ تَضَادٍّ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَحْوَ الْجَهْلِ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ وُجُودِيَّتِهِ لَا يَرِدُ إشْكَالُ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ جَمْعِ التَّعْرِيفِ ثُمَّ أَقُولُ هَذَا الْبَحْثُ لَا يَحْسُنُ عَلَى وَظِيفَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْتِزَامِهِ وَعَادَتِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَا يُعْلَمُ لِحُسْنِهِ دَاعٍ حَسَنٌ (وَالْكُفْرُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ)
لَمَّا عَرَّفَ الْكُفْرَ وَبَيَّنَ مَاهِيَّتَه أَوَّلًا أَرَادَ أَنْ يُقَسِّمَ ثَانِيًا الْأَوَّلُ (جَهْلِيٌّ) لِتَسَبُّبِهِ عَنْ الْجَهْلِ (وَسَبَبُهُ عَدَمُ الْإِصْغَاءِ) وَالِاسْتِمَاعِ بِالسَّمْعِ (وَالِالْتِفَاتِ) بِالْبَصِيرَةِ وَالنَّفْسِ (وَالتَّأَمُّلِ فِي الْآيَاتِ) الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ (وَالدَّلَائِلِ) الْعَقْلِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ (كَكُفْرِ الْعَوَامّ وَالْجَهْلُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (هُوَ الثَّانِي مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ) بِمَعْنًى يَعُمُّ الْكُفْرَ وَغَيْرَهُ يَعْنِي عَدَمَ عِلْمِ مَا يَجِبُ الْعِلْمُ بِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْجَهْلُ (عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا) فَبَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ تَقَابُلُ عَدَمٍ وَمَلَكَةٍ (وَهُوَ نَوْعَانِ) جَهْلٌ (بَسِيطٌ) أَيْ غَيْرُ مُرَكَّبٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ جَهْلَهُ وَلَيْسَ فِيهِ اعْتِقَادٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ (وَأَصْحَابُهُ كَالْأَنْعَامِ) كَالْبَهَائِمِ لِفَقْدِهِمْ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَذْكُورٌ بِقَوْلِهِ (مَا بِهِ يَمْتَازُ الْإِنْسَانُ عَنْهَا) عَنْ الْأَنْعَامِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِدْرَاكِ (بَلْ هُمْ أَضَلُّ) مِنْ تِلْكَ الْأَنْعَامِ لَكِنَّ نِسْبَةَ أَصْلِ الضَّلَالَةِ إلَى الْأَنْعَامِ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ مِنْ الضَّلَالَةِ مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ الْمَشْهُورِ
كَمَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (لِتَوَجُّهِهَا) أَيْ الْأَنْعَامِ (نَحْوَ كَمَالَاتِهَا) الَّتِي تَقْتَضِيهَا طَبِيعَتُهَا النَّوْعِيَّةُ فَإِنَّ الْأَنْعَامَ تُبْصِرُ مَنَافِعَهَا فَتُلَازِمُهَا وَمَضَارَّهَا فَتَجْتَنِبُهَا بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلِينَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَلَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ هَذَا الْعَارَ الَّذِي هُوَ أَقْبَحُ الْقَبَائِحِ وَلَا يَسْعَى إلَى تَحْصِيلِ مَنَافِعِهِ الَّتِي هِيَ الْمَعْرِفَةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179]- وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَلْمِيحٌ إلَيْهِ
(فَمَا وَجَبَ عِلْمُهُ مِمَّا سَبَقَ) فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ مِنْ الْفُرُوضِ عَيْنًا وَكِفَايَةً (حَرُمَ جَهْلُهُ) وَمَا وَجَبَ عِلْمُهُ كِفَايَةً حَرُمَ جَهْلُ النَّاسِ أَجْمَعَ بِهِ (وَمَا لَا) يَجِبُ عِلْمُهُ (فَلَا) يَحْرُمُ جَهْلُهُ، وَلَكِنْ يَفُوتُ بِهِ مِنْ الْكَمَالِ حَسَبِ مَرْتَبَةِ عِلْمِهِ وَقَدْ عَرَفْت مَرَاتِبَ الْعِلْمِ فِيمَا سَبَقَ (وَعِلَاجُهُ) أَيْ مُدَاوَاةُ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ التَّعَلُّمُ (بَعْدَ مَعْرِفَةِ غَوَائِلِهِ) إلَى الْكُفْرِ وَإِلَى الْأَضَلِّيَّةِ مِنْ الْأَنْعَامِ (وَفَوَائِدُ الْعِلْمِ مِمَّا سَبَقَ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ) مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَالْأَقْوَالِ (التَّعَلُّمُ) فَإِنَّهُ دَوَاءٌ مُجَرَّبٌ وَمُنْحَصِرٌ إلَيْهِ.
(وَقَدْ يَحْصُلُ) لِلْإِنْسَانِ (بِسَبَبِ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ جَهْلٌ يُسَمَّى حَيْرَةً) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ يُقَالُ حَارَ فِي أَمْرِهِ يَحَارُ حَيْرًا وَحَيْرَةً فَهُوَ حَيْرَانُ إذَا لَمْ يَقِفْ عَلَى الصَّوَابِ فِيهِ (وَ) يُسَمَّى (شَكًّا وَتَرَدُّدًا وَتَوَقُّفًا فَعِلَاجُهُ مُمَارَسَةٌ) مُدَاخَلَةٌ وَمُدَانَاةٌ (الْقَوَانِينِ) الضَّوَابِطِ الْكُلِّيَّةِ (الْعَقْلِيَّةِ كَالْمَنْطِقِ) فَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا عَرَفْت مِنْ الْمُصَنِّفِ مِنْ كَوْنِهِ وُجُوبًا عَلَى الْكِفَايَةِ لَكِنْ يَقْتَضِي ذَلِكَ كَوْنُهُ عَيْنًا تَأَمَّلْ (وَغَيْرِهِ) قِيلَ مِنْ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْمَعَانِي وَالْأُصُولِ وَالْجَدَلِ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ مِنْ الْكَلَامِ وَالْحِكْمَةِ الْيُونَانِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا فِي نَفْسِهِ لَكِنْ قَدْ يُبَاحُ لِعَارِضٍ لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ الْغَيْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمُطْلَقِ الْمَادَّةِ أَيُّ عِلْمٍ كَانَ إذْ الْمَنْطِقُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ (حَتَّى) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُمَارَسَةِ (يَطَّلِعُ) ذَلِكَ الْجَاهِلُ الْمُتَحَيِّرُ (عَلَى شَرْطٍ أَهْمَلَهُ) مِنْ شَرَائِطِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ مَادَّةً أَوْ صُورَةً (أَوْ اعْتَبَرَهُ) فِي الدَّلِيلِ (وَ) هُوَ فِي نَفْسِهِ (لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَطَّلِعُ أَيْ الْمُتَعَارِضَيْنِ (فَيَزُولُ التَّعَارُضُ) بِالْإِطْلَاعِ عَلَى ذَلِكَ (فَالْحَيْرَةُ وَتَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا.
وَأَمَّا تَعَارُضُ الْقِيَاسَيْنِ فَيَعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ مِمَّا شَهِدَ بِهِ الْقَلْبُ فَلَا يُتَصَوَّرُ النَّسْخُ وَلَا سُقُوطُهُمَا خِلَافًا لِمَنْ غَلِطَ (قَدْ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ لَا يَعْلَمَ التَّارِيخَ) أَيْ تَارِيخَ نُزُولِ الْآيَتَيْنِ أَوْ وُرُودَ الْحَدِيثَيْنِ أَوْ تَارِيخَ آيَةٍ وَحَدِيثٍ إذْ لَوْ عَلِمَ لَحَمَلَ عَلَى نَسْخِ الْمُتَأَخِّرِ مُقَدَّمَهُ إذْ حَقِيقَةُ التَّعَارُضِ لَا تُمْكِنُ مِنْ الشَّارِعِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْعَبَثَ (وَامْتَنَعَ التَّرْجِيحُ بِالْأَسْبَابِ الْمُرَجِّحَةِ فَيُوجِبُ الشَّكَّ وَالتَّوَقُّفَ) هَذَا صَرِيحٌ فِي لُزُومِ التَّوَقُّفِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ التَّارِيخِ وَالتَّرْجِيحِ وَقَدْ قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ عِنْدَ عَدَمِ التَّارِيخِ يُطْلَبُ الْمُخَلِّصُ بِالْجَمْعِ وَالتَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ مِنْ الْحُكْمِ أَوْ الزَّمَانِ أَوْ الْمَحَلِّ لَعَلَّ حَاصِلَهُ رَاجِعٌ إلَى إثْبَاتِ الْمَعَانِي مُغَايِرَةً وَحِدَاتِهَا الْمَذْكُورَةَ فِي عِلْمِ الْمِيزَانِ فِي شَرْطِ التَّنَاقُضِ
وَقُرِّرَ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْجَمْعَ فَيُتْرَكُ الدَّلِيلَانِ وَيُصَارُ مِنْ الْكِتَابِ إلَى السُّنَّةِ فَمِنْهَا إلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَمِنْهَا إلَى الْقِيَاسِ أَوْ إلَى مَا شَهِدَ بِهِ الْقَلْبُ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فَيُقَرَّرُ الْأَصْلُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعُدَّ تَعَارُضَ مَا أَمْكَنَ فِيهِ الْجَمْعُ وَالْمَصِيرُ فَتَأَمَّلْ وَأَيْضًا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ انْحِصَارُ مَعْرِفَةِ النَّسْخِ عَلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَقَدْ قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّارِيخِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُحَرِّمٌ وَالْآخَرَ مُبِيحٌ فَالْمُحَرِّمُ نَاسِخُ دَلَالَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ أَوْ أَحَدُهُمَا مُثْبِتٌ لِأَمْرٍ عَارِضٍ وَالْآخَرُ نَافِيًا فَالنَّافِي نَاسِخٌ عِنْدَ بَعْضٍ وَمُتَعَارِضَانِ عِنْدَ آخَرَ فَالْجَوَابُ الْجَوَابُ وَأَيْضًا يُمْكِنُ إدْرَاجُهَا فِي الْأَسْبَابِ الْمُرَجَّحَةِ وَلَوْ مَجَازًا عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ بَعْضَ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ الَّتِي خَلَتْ عَنْهَا مَشَاهِيرُ الْكُتُبِ مَعَ كَثْرَةِ الدَّوَاعِي إلَيْهَا، وَهُوَ رُجْحَانُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَعَلَى النَّدْبِ وَعَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْوُجُوبِ عَلَى النَّدْبِ وَالدَّارِئِ لِلْحَدِّ عَلَى الْمُوجِبِ لَهُ وَالْمُوجِبِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَلَى عَدَمِهِمَا وَالْأَخَفِّ عَلَى الْأَثْقَلِ لِلْيُسْرِ وَنَفْيِ الْحَرَجِ وَتُرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ عَلَى الْمَجَازِ وَالْأَشْهَرُ، وَلَوْ.
مَجَازًا عَلَى غَيْرِ الْأَشْهَرِ وَلَوْ حَقِيقَةً خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالصَّرِيحِ عَلَى الْكِنَايَةِ وَالنَّهْيِ عَلَى الْأَمْرِ وَعَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْأَمْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْأَقَلِّ احْتِمَالًا عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِمَالًا وَالْمَجَازِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ وَاللُّغَوِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ شَرْعًا عَلَى الشَّرْعِيِّ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ الشَّرْعِيِّ وَمَا فِي دَلَالَتِهِ تَأْكِيدٌ عَلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَتَخْصِيصِ الْعَامِّ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَاصِّ وَالْخَاصِّ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْعَامِ مُطْلَقًا وَالْعَامِ الَّذِي لَمْ يُخَصَّ عَلَى مَا خُصَّ وَالْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقٍ لَمْ يُخْرَجْ مِنْهُ مُقَيَّدٌ عَلَى مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمُقَيَّدِ وَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ وَاسْمِ الْمَوْصُولِ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى النَّصِّ وَلَوْ كِتَابًا وَالْأَقْدَمِ مِنْ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ لِقَرِيبَةِ الْعَهْدِ وَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ عَلَى الْآحَادِ وَالْمُتَوَاتِرِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَخَبَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْفِقْهِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْمَعْرُوفِ بِالرِّوَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْمُسْنَدِ عَلَى الْمُرْسَلِ وَمُرْسَلِ التَّابِعِيِّ عَلَى مُرْسَلِ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَالْأَعْلَى إسْنَادًا عَلَى الْأَسْفَلِ وَالْمُسْنَدِ الْمُعَنْعَنِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا يُحَالُ إلَى الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ وَالْمُسْنَدِ إلَى كِتَابٍ مَشْهُورٍ عُرِفَ بِالصِّحَّةِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْمُسْنَدِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ وَالرِّوَايَةِ بِقِرَاءَتِهِ عَلَى الشَّيْخِ عَلَى الرِّوَايَةِ بِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ الْمُخْتَلَفِ فِي رَفْعِهِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ وَالرَّاوِي سَمَاعِهِ مِنْ الرَّسُولِ عَلَى الْآخَرِ الْمُحْتَمَلِ سَمَاعِهِ وَعَدَمِهِ وَسُكُوتِهِ عَمَّا جَرَى بِحُضُورِهِ عَلَى سُكُوتِهِ عَمَّا جَرَى بِغَيْبَتِهِ وَسَمْعِهِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عَلَى خَبَرِهِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَبِثِقَةِ الرَّاوِي وَفِطْنَتِهِ وَوَرَعِهِ وَضَبْطِهِ
وَالْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ رِوَايَةَ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ عَلَى غَيْرِهِ وَحَدِيثِ الْمُقَدَّمِ إسْلَامًا عَلَى مُؤَخَّرِهِ وَحَدِيثِ مَشْهُورِ النَّسَبِ عَلَى غَيْرِهِ وَحَدِيثِ الْبَالِغِ حِينَ التَّحَمُّلِ عَلَى حَدِيثِ الصَّبِيِّ وَتَرْجِيحِ الْمُوَافِقِ لِدَلِيلٍ آخَرَ عَلَى مَا لَا يُؤَيِّدُهُ دَلِيلٌ آخَرُ وَالْمُوَافِقِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْ عَمَلِهِمْ عَلَى مَا لَمْ يَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ وَكَذَا الْمُوَافِقُ لِعَمَلِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَالْمُوَافِقُ لِعَمَلِ الْأَعْلَمِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْحُكْمِ الَّذِي ذُكِرَتْ عِلَّتُهُ عَلَى مَا لَمْ تُذْكَرْ وَالْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ هَذَا السَّبَبِ وَالْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ فِي حَقِّ غَيْرِ ذَلِكَ السَّبَبِ عَلَى الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَالْعَامِّ الْأَمَسِّ بِالْمَقْصُودِ عَلَى الْعَامِ الَّذِي لَمْ يُمَسَّ بِهِ وَمَا فَسَّرَهُ رِوَايَةً بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَلَى غَيْرِهِ وَاَلَّذِي ذُكِرَ سَبَبُ وُرُودِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا تَعَارُضُ الْقِيَاسَيْنِ فَأَسْبَابُ تَرْجِيحَاتِهِ كَبَاقِي أَسْبَابِ الْأَدِلَّةِ فَمِنْ الْأُصُولِيَّةِ، وَعِنْدَ تَعَارُضِ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ فَمَا بِالْوَصْفِ الذَّاتِيِّ أَوْلَى مِمَّا كَانَ بِالْوَصْفِ الْعَارِضِيِّ ثُمَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّوْفِيقُ وَالتَّرْجِيحُ فَيُوجِبُ التَّعَارُضَ وَحِينَئِذٍ الشَّكُّ وَالتَّوَقُّفُ فِي الْحُكْمِ.
(فَلِذَا تَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَأَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ) أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ تَوَقَّفُوا (فِي سُؤْرِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) فَإِنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَقِيلَ فِي طَهَارَتِهِ لِتَعَارُضِ الْأَخْبَارِ وَامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ إذْ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» وَفِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا «كُلُّ مَنْ سُمِّينَ مَالِكٌ حِينَ قَالَ لَهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مَالِي إلَّا هَذِهِ الْحَمِيرَاتُ» وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى «حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» .
وَفِي رِوَايَةِ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ أَنَّهُ أَبَاحَهَا فَإِذَا شَكَّ فِي لَحْمِهِ اُشْتُبِهَ فِي سُؤْرِهِ وَلِتَعَارُضِ الْآثَارِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ نَجِسٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - طَاهِرٌ، وَأَمَّا امْتِنَاعُ الْقِيَاسِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالْهِرَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهَا فِي الطَّوَافِ وَلَا بِالْكَلْبِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا إلْحَاقَ لُعَابِهِ بِلَحْمِهِ أَوْ لَبَنِهِ فِي أَوْضَحِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةَ الِاخْتِلَاطِ وَلَا بِعِرْقِهِ الطَّاهِرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ أَكْثَرُ كَذَا فِي الْمِرْآةِ (وَأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ) أَفِي الْجَنَّةِ أَمْ فِي النَّارِ (وَ) فِي (وَقْتِ الْخِتَانِ) أَقَبْلَ الْبُلُوغِ أَمْ بَعْدَهُ أَوْ فِي أَيِّ سَنَةٍ فِي زَمَانِ صِغَرِهِ وَنَقَلَ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ كَرَاهَةَ التَّرْكِ إلَى الْبُلُوغِ وَعَنْ الْيَنَابِيعِ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى عَنْ أَبِي اللَّيْثِ اسْتِحْبَابَهُ عِنْدَ بُلُوغِهِ إلَى سَبْعٍ إلَى عَشْرٍ وَعَنْ الذَّخِيرَةِ قِيلَ
سَبْعُ سِنِينَ وَقِيلَ تِسْعٌ وَقِيلَ عَشْرٌ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ بَلْ مُطْلَقُ إطَاقَةِ أَلَمِ الْخِتَانِ وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ وَأَقَلُّهُ قَالَ الْإِمَامِ لَمْ أَعْلَمْ وَلَمْ يَرِدْ عَنْ صَاحِبَيْهِ شَيْءٌ.
(وَ) فِي (دَهْرِ مُنْكِرٍ) كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا يُكَلِّمُهُ دَهْرًا، وَأَمَّا الْمُعَرَّفُ فَيُرَادُ الْأَبَدُ نَقَلَ عَنْ الْحَدَّادِيِّ أَنَّ جُمْلَةَ مَا تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِيهِ أَرْبَعَةَ عَشْرَ وَقِيلَ وَعَنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى تَوَقُّفُهُ رحمه الله مِنْ جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَعُلُوِّ أَمْرِهِ وَغَايَةِ وَرَعِهِ وَالتَّوَقُّفُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ مِنْ الْعِلْمِ وَعَنْ الْيَنَابِيعِ أَيْضًا هُوَ مِنْ غَايَةِ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَحْكَامِ وَكَمَالِ وَرَعِهِ فِي الدِّينِ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ سِيَرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ بِالْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جَبْرَائِيلَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ عز وجل خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ وَخَيْرُ أَهْلِهَا أَوَّلُهُمْ دُخُولًا وَآخِرُهُمْ خُرُوجًا وَشَرُّ أَهْلِهَا آخِرُهُمْ دُخُولًا وَأَوَّلُهُمْ خُرُوجًا» وَفِي الْحَقَائِقِ أَنَّهُ تَنْبِيهٌ لِكُلِّ مُفْتٍ أَنْ لَا يَسْتَنْكِفَ عَنْ التَّوَقُّفِ فِيمَا لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَيْهِ إذْ الْمُجَازَفَةُ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقِيلَ لَهُ أَمَا تَسْتَحْيِي وَأَنْتَ مُفْتِي الْعِرَاقِيِّينَ فَقَالَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا فَكَيْفَ أَنَا وَحِينَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَدْرِي قِيلَ لَهُ تَأْكُلُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَيْفَ تَقُولُ لَا أَدْرِي فَقَالَ أَنَا آكُلُ بِقَدْرِ عِلْمِي وَلَوْ أَكَلْت بِقَدْرِ جَهْلِي مَا كَفَانِي مَالُ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الْعِيَاضِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقِيلَ لَهُ لَيْسَ الْمِنْبَرُ مَوْضِعَ الْجُهَّالِ فَقَالَ إنَّمَا عَلَوْت بِقَدْرِ عِلْمِي وَلَوْ عَلَوْت بِقَدْرِ جَهْلِي لَعَلَوْت السَّمَاءَ وَسُئِلَ عَالِمٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقَالَ السَّائِلُ لَيْسَ هَذَا مَكَانُ الْجُهَّالِ فَقَالَ الْمَكَانُ لِلَّذِي يَعْلَمُ شَيْئًا وَيَجْهَلُ شَيْئًا أَمَّا الَّذِي يَعْلَمُ وَلَا يَجْهَلُ فَلَا مَكَانَ لَهُ جل جلاله.
(وَ) النَّوْعُ الثَّانِي جَهْلٌ (مُرَكَّبٌ)(هُوَ اعْتِقَادٌ غَيْرِ مُطَابِقٍ) لِلْوَاقِعِ كَاعْتِقَادَاتِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْفِرَقِ الْمُخَالَفَةِ قَالَ الْمُحَشِّي هُنَا النَّاسُ أَرْبَعَةٌ رَجُلٌ يَدْرِي وَيَدْرِي أَنَّهُ يَدْرِي فَهَذَا عَالِمٌ فَاتَّبِعُوهُ وَرَجُلٌ يَدْرِي وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ يَدْرِي فَهَذَا نَائِمٌ فَأَيْقِظُوهُ وَرَجُلٌ لَا يَدْرِي وَيَدْرِي أَنَّهُ لَا يَدْرِي فَهَذَا جَاهِلٌ فَعَلِّمُوهُ وَرَجُلٌ لَا يَدْرِي وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ لَا يَدْرِي فَهَذَا أَحْمَقُ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّ هَذَا قَوْلُهُ (وَهُوَ شَرٌّ مِنْ الْأَوَّلِ) لِكَوْنِهِ جَهْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ جَهْلٌ وَاحِدٌ (مَرَضٌ مُزْمِنٌ) الَّذِي أَعْيَا الْأَطِبَّاءَ مِنْ دَوَائِهِ (قَلَّمَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ) كَمَا قَالَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام دَاوَيْت الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأَحْيَيْت الْمَوْتَى، وَأَمَّا الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ فَقَدْ أَعْيَانِي دَوَاؤُهُ (لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ) أَيْ جَهْلَهُ (عِلْمٌ وَكَمَالٌ لَا جَهْلٌ وَمَرَضٌ