المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الثاني من الأربعة في غوائل الحسد] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[المبحث الثاني من الأربعة في غوائل الحسد]

وَالتَّرَحُّمِ عَلَى صَغِيرِهِمْ، وَالتَّوْقِيرِ عَلَى كَبِيرِهِمْ، وَتَذْكِيرِ الْآخِرَةِ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، وَيُعِينُهُمْ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْقَوْلِ وَيَدْفَعُ الْمُؤْذِيَاتِ مَا قَدَرَ ثُمَّ بَدَأَ أَوَّلًا بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَثَنَّى بِكِتَابِهِ الصَّادِرِ بِبَيَانِ أَحْكَامِهِ الْمُعْجِزِ بِبَدِيعِ نِظَامِهِ وَثَلَّثَ بِمَا يَتْلُو كَلَامَهُ فِي الرُّتْبَةِ وَهُوَ رَسُولُهُ الْهَادِي لِدِينِهِ الْمُوقِفُ عَلَى أَحْكَامِهِ الْمُفَصِّلُ لِمُجْمَلِ شَرِيعَتِهِ وَرَبَّعَ بِأُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ هُمْ خُلَفَاءُ الْأَنْبِيَاءِ الْقَائِمُونَ بِسُنَّتِهِمْ ثُمَّ خَمَّسَ بِالتَّعْمِيمِ.

قِيلَ النَّاصِحُ فِي دِينِ اللَّهِ يَحْتَاجُ إلَى عِلْمٍ وَعَقْلٍ وَفِكْرٍ صَحِيحٍ وَرَوِيَّةٍ حَسَنَةٍ وَاعْتِدَالِ مِزَاجٍ وَتُؤْدَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ فَالْخَطَأُ أَسْرَعُ إلَيْهِ مِنْ الْإِصَابَةِ وَمَا فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَدَقُّ وَلَا أَخْفَى وَلَا أَعْظَمُ مِنْ النَّصِيحَةِ. ثُمَّ قَالُوا هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ أُوجِزَ لَفْظًا أُطْنِبَ مَعْنًى؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْكَلَامِ دَاخِلٌ تَحْتَ كَلِمَةٍ أَصْلًا وَفَرْعًا وَعَمَلًا وَاعْتِقَادًا فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَعَمِلَ بِمَضْمُونِهِ جَمَعَ الشَّرِيعَةَ بِأَسْرِهَا، أَكْثَرُ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ عُصَارَةُ فَيْضِ الْقَدِيرِ وَأَكْمَلُ الْمَشَارِقِ (طب) الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ لَا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ» بِصَرْفِ هِمَّتَهُ وَبَذْلِ طَوْقِهِ فِي إرْشَادِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ وَحِمَايَتِهِمْ وَفَصْلِ خُصُومَتِهِمْ وَتَأْدِيبِ سُفَهَائِهِمْ وَجَمْعِ تَفْرِقَتِهِمْ وَرَفْعِ بُغْضِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ وَإِصْلَاحِ مَفْسَدَتِهِمْ «فَلَيْسَ مِنْهُمْ» أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا غَاشٌّ لَهُمْ أَوْ سَاعٍ فِي حُظُوظِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِ مُبَالٍ بِحُدُودِهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِ رَسُولِهِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ صِفَاتِ الْمُسْلِمِينَ لَعَلَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْكَمَالِ «وَمَنْ لَمْ يُصْبِحْ وَيُمْسِ» أَيْ يَدْخُلُ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ يَعْنِي يَدُومُ لَيْلًا وَنَهَارًا «نَاصِحًا» بِالْقَلْبِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ « (لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِإِمَامِهِ» أَيْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إذْ بَعْضُ الْحَدِيثِ يُفَسِّرُ بَعْضَهُ «وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ» أَيْ جَمِيعِهِمْ فِي إعَادَةِ الْجَارِّ فِي الْمَوَاضِعِ تَنْبِيهٌ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ فِي النُّصْحِ وَعَدَمِ كِفَايَةِ الْإِتْيَانِ بِبَعْضِ وَعَلَى لُزُوم الِاهْتِمَامِ فِي كُلٍّ وَعَكْسُ التَّرْتِيبِ هُنَا بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي التَّبْلِيغِ وَإِنَّ ظُهُورَ الْكِتَابِ إلَى الْأُمَّةِ بِتَوَسُّطِ الرَّسُولِ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ رُوعِيَ إلَى تَرْتِيبِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ أَوْ أَنَّهُ صِفَتُهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَابِعَ مَوْصُوفَهُ تَعَالَى أَوْ أَنَّ ظُهُورَ الرِّسَالَةِ بِإِعْجَازِهِ فَكَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى ظُهُورِهِ «فَلَيْسَ مِنْهُمْ» مِنْ كَامِلِيهِمْ لَا يَخْفَى أَنَّ أَوَّلَ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمَلِ وَآخِرَهُ كَالْمُفَسَّرِ إيَّاهُ فَكَأَنَّهُ فَسَّرَ الِاهْتِمَامَ بِأَمْرِهِمْ بِمُدَاوَمَةِ نُصْحِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ إلَى آخِرِهِ. وَأَمَّا مَعَانِي هَذِهِ النَّصَائِحِ مُفَصَّلَةٌ فَمَشْرُوحَةٌ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ أَدُلُّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ النُّصْحِ حَيْثُ نَفَى الْإِسْلَامَ مَرَّتَيْنِ فِيمَنْ تَرَكَ النُّصْحَ فَدَلَالَتُهُ بِالْمُطَابَقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى دَلَالَةِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَالْأَوْلَى عَكْسُ التَّرْتِيبِ لَعَلَّهُ نَظَرَ إلَى قُوَّةِ مَخْرَجِهِ إذْ قَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ ثَبَتَ الْوُجُوبُ بِالْخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ فِي قُوَّةِ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَيَنْدَفِعُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْوُجُوبُ وَالدَّلِيلُ هُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ فَمِنْ قَبِيلٍ عَامٍّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ

[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

(الْمَبْحَثُ الثَّانِي)

مِنْ الْأَرْبَعَةِ (فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ) مِنْ غَالَهُ غَوْلًا أَهْلَكَهُ وَاغْتَالَهُ قَتَلَهُ عَلَى غِرَّةٍ وَالِاسْمُ الْغِيلَةُ وَالْغَائِلَةُ الْفَسَادُ وَالشَّرُّ وَغَائِلَةُ الْعَبْدِ فُجُورُهُ وَإِبَاقُهُ وَالْجَمْعُ الْغَوَائِلُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ الْغَوَائِلُ الدَّوَاهِي كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَبْحَثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَمِنْهُ بِالْفَاءِ إذْ التَّفْرِيعُ خَفِيٌّ وَالتَّفْسِيرُ بَعِيدٌ كَالتَّفْصِيلِ (يُعْرَفُ الْعِلَاجُ الْإِجْمَالِيُّ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ إفْسَادُ الطَّاعَاتِ) قَدْ سَمِعْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ حَبْطَ الْأَعْمَالِ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ فَانْظُرْ أَوْ ارْجِعْ إلَى مَا سَبَقَ (د) أَبُو دَاوُد (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

ص: 251

تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ» احْذَرُوا قَلَقَ النَّفْسِ مِنْ رُؤْيَةِ النِّعْمَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْحَقِّ وَمُعَانَدَةٌ لَهُ وَإِزَالَةُ فَضْلِهِ عَمَّنْ أَهْلُهُ لَهُ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ «فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ» أَيْ يُذْهِبُهَا وَيُحْرِقُهَا وَيَمْحُو أَثَرَهَا كَمَا فِي الْفَيْضِ «كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» أَيْ الْيَابِسَ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إلَى اغْتِيَابِ الْمَحْسُودِ وَشَتْمِهِ وَقَدْ يُتْلِفُ مَالَهُ وَيَسْفِكُ دَمَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَظَالِمُ يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ وَيَذْهَبُ فِي عِوَضِ ذَلِكَ حَسَنَاتُهُ فَكَأَنَّهُ يُفْسِدُ عَمَلَهُ فَلَا حُجَّةَ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي حَبْطِ الطَّاعَاتِ بِالْمَعَاصِي.

(تَنْبِيهٌ)

قَالَ الْغَزَالِيُّ الْحَاسِدُ جَمَعَ لِنَفْسِهِ بَيْنَ عَذَابَيْنِ؛ لِأَنَّ حَسَدَهُ عَلَى نِعْمَةِ الدُّنْيَا وَكَانَ مُعَذَّبًا بِالْحَسَدِ وَمَا قَنَعَ بِذَلِكَ حَتَّى أَضَافَ إلَيْهِ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ فَقَصَدَ مَحْسُودَهُ وَأَصَابَ نَفْسَهُ وَأَهْدَى إلَيْهِ حَسَنَاتِهِ فَهُوَ صَدِيقُهُ وَعَدُوُّ نَفْسِهِ وَرُبَّمَا كَانَ حَسَدُهُ سَبَبَ انْتِشَارِ فَضْلِ مَحْسُودِهِ كَذَا فِي الْفَيْضِ «أَوْ قَالَ الْعُشْبَ» أَيْ الْكَلَأَ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي (وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ الْإِضْعَافُ) فَإِنَّ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَيُزِيلُ الْحَسَدُ التِّسْعَةَ فَيَبْقَى الْوَاحِدُ (إذْ لَا حَبْطَ) لِعَمَلِ الْخَيْرِ (بِالْمَعَاصِي) غَيْرِ الْكُفْرِ (عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ) كَمَا مَرَّ (أَوْ تَأْدِيَتِهِ إلَى الْكُفْرِ) بِاعْتِقَادِ الْحِلِّ أَوْ بِارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ أَوْ أَفْعَالِ الِارْتِدَادِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ دَفْعُ مُنَافَاةِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ آنِفًا مِنْ اقْتِصَاصِ الْآخِرَةِ أَقْرَبُ مِنْهُمَا وَأَمَّا مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ النُّصُوصَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَاهِرِهَا بِلَا صَارِفٍ قَطْعِيٍّ فَلَعَلَّ أَنَّ مَا ذَكَرُوا فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ قَطْعِيٌّ صَارِفٌ (ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ الزُّبَيْرِ) أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «دَبَّ» أَيْ سَرَى «إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ» أَيْ عَادَةُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ «الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ» سُمِّيَا دَاءً؛ لِأَنَّهُمَا دَاءُ الْقَلْبِ «وَهِيَ الْحَالِقَةُ» مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ «أَمَا» بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ «إنِّي لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ» بِنَحْوِ الْمُوسَى «وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ تُزِيلُهُ أَيْ الْخَصْلَةِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تَحْلِقَ أَيْ تُهْلِكَ وَتَسْتَأْصِلَ الدِّينَ كَمَا يَسْتَأْصِلُ الْمُوسَى الشَّعْرَ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَحُضُورِ الصَّلَوَاتِ وَالْمَحَبَّةِ الْكَامِلَةِ فِي اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَلِئَ صَدْرُهُ حَسَدًا وَبُغْضًا لَا تَكْمُلُ مَحَبَّتُهُ وَلَا يَجِدُ حَلَاوَةَ الطَّاعَاتِ فِي قَلْبِهِ وَلَا يَرْضَى بِقَضَائِهِ تَعَالَى. قِيلَ هُنَا عَنْ الْإِحْيَاءِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةُ جَوَاهِرَ فِي جِسْمِ بَنِي آدَمَ يُزِيلُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ أَمَّا الْجَوَاهِرُ فَالْعَقْلُ وَالدِّينُ وَالْحَيَاءُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الْغَضَبُ يُزِيلُ الْعَقْلَ وَالْحَسَدُ يُزِيلُ الدِّينَ وَالْغِيبَةُ تُزِيلُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالطَّمَعُ يُزِيلُ الْحَيَاءَ «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُونَ حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ) قَالُوا بَلَى

ص: 252

يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ (أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» قِيلَ هُنَا عَنْ التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ وَالرَّوْضَةِ. رُوِيَ أَنَّ إبْلِيسَ جَاءَ إلَى بَابِ فِرْعَوْنَ فَقَرَعَ الْبَابَ فَاسْتَأْذَنَ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ مَنْ هَذَا قَالَ إبْلِيسُ أَنَا أَمَا لَوْ كُنْت إلَهًا لَعَرَفْت مَنْ بِالْبَابِ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ اُدْخُلْ يَا مَلْعُونُ. ثُمَّ قَالَ أَتَعْرِفُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَرًّا مِنِّي وَمِنْك قَالَ إبْلِيسُ نَعَمْ الْحَاسِدُ إنَّ لِي صَدِيقًا أَجَابَنِي إلَى كُلِّ مَا دَعَوْته مِنْ الشَّرِّ فَقُلْت لَهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ حَقُّك فَسَلْ مِنِّي الْحَاجَةَ، فَقَالَ لِجَارِي بَقَرَةٌ فَأَمِتْهَا فَقُلْت لَا قُوَّةَ لِي عَلَى ذَلِكَ أَتُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَك عَشْرَ بَقَرَاتٍ مَكَانَهَا، فَقَالَ لَا أُرِيدُ إلَّا هَلَاكَهَا فَعَلِمْت أَنَّ الْحَاسِدَ شَرٌّ مِنِّي وَمِنْك.

(وَالثَّانِي) مِنْ الْغَوَائِلِ الثَّمَانِيَةِ لِلْحَسَدِ (الْإِفْضَاءُ) التَّأْدِيَةُ (إلَى فِعْلِ الْمَعَاصِي إذْ لَا يَخْلُو الْحَاسِدُ عَنْ الْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ وَالسَّبِّ وَالشَّمَاتَةِ عَادَةً)(طب) الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ ضَمْرَةَ بِفَتْحِ الضَّادِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا» فَإِذَا تَحَاسَدُوا يَرْتَكِبُونَ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ مِنْ الْمَعَاصِي فَظَهَرَ إفْضَاءُ الْحَسَدِ إلَى الْمَعَاصِي لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهُ حُجَّةً لِلْمَطْلُوبِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ ابْتِدَاءً وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّهُ رُبَّمَا تُوجَدُ الْمَعَاصِي فِي غَيْرِ التَّحَاسُدِ فَلَعَلَّ الْحَدِيثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَكْثَرِ.

(وَالثَّالِثُ حِرْمَانُ الشَّفَاعَةِ) أَيْ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَأْيِيدِهِ لَا كَوْنُهُ مِنْ الشَّافِعِينَ كَمَا تُوُهِّمَ (طب) الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ (عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ مِنِّي» أَيْ مِنْ الْمُهْتَدِينَ بِهِدَايَتِي والمتشرعين بِشَرِيعَتِي وَالْجَارِينَ عَلَى مِنْهَاجِ سُنَّتِي «ذُو حَسَدٍ وَلَا نَمِيمَةٍ» أَيْ السَّعْيِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَدِيثِ لِإِيقَاعِ فِتْنَةٍ أَوْ وَحْشَةٍ «وَلَا كَهَانَةٍ» أَيْ الْقَضَاءِ بِالْغَيْبِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ «وَلَا أَنَا مِنْهُ ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] الْآيَةُ» لَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَةَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ لِلْحَاسِدِ إنَّمَا هِيَ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ لَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُ فَافْهَمْ. فَإِنْ قِيلَ إنَّ شَفَاعَتَهُ لِأَهْلِ

ص: 253

الْكَبَائِرِ وَالْحَسَدُ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً. قُلْنَا الْمُرَادُ بِالِاسْتِحْقَاقِ (وَالرَّابِعُ دُخُولُ النَّارِ) (دَيْلَمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سِتَّةٌ يَدْخُلُونَ النَّارَ قَبْلَ الْحِسَابِ» لِفَرْطِ شَقَاوَتِهِمْ وَقُوَّةِ عُتُوِّهِمْ «بِسِتَّةِ» خِصَالٍ مِنْ الْمَعَاصِي قَرِيبٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ انْقِسَامِ أَجْزَاءِ الْعِوَضِ بِأَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ فَمِنْ قَبِيلِ انْقِسَامِ الْآحَادِ إلَى الْآحَادِ فَلَوْ وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ كَفَى فِي ذَلِكَ الدُّخُولُ فَقِسْ عَلَيْهِ اجْتِمَاعَ تِلْكَ الْخِصَالِ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْأُمَرَاءُ بِالْجَوْرِ» أَيْ بِالظُّلْمِ لِخِيَانَتِهِمْ لِأَمَانَتِهِ تَعَالَى وَكُفْرَانِهِمْ أَعْظَمَ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ فِي مَقَامِ خِلَافَةِ رَسُولِ اللَّهِ عَظُمَتْ جِنَايَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ « (وَالْعَرَبُ بِالْعَصَبِيَّةِ» بِالتَّعَصُّبِ وَالتَّنَاصُرِ وَالتَّعَاوُنِ وَالْغَيْرَةِ فِيمَا لَمْ يُشْرَعْ إلَى أَنْ يَخْرِقُوا أَسْتَارَ الشَّرْعِ «وَالدَّهَاقِينَ» رَئِيسُ الْقَرْيَةِ مَثَلًا «بِالْكِبْرِ وَالتُّجَّارُ بِالْخِيَانَةِ» بِنَحْوِ الْكَذِبِ وَالرِّيَاءِ وَالْحِيلَةِ فِي أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ وَنَحْوِ سَتْرِ الْعَيْبِ «وَأَهْلُ الرُّسْتَاقِ» السَّوَادُ وَالْقُرَى «بِالْجَهْلِ» عَلَى مَا لَزِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ «وَالْعُلَمَاءُ بِالْحَسَدِ» خَصَّهُ بِالْعُلَمَاءِ، إمَّا لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِمْ أَشَدُّ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ عَلَى مُوجِبِ عِلْمِهِمْ، أَوْ لِأَنَّ الْحَسَدَ فِيهِمْ أَكْثَرُ سِيَّمَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْعُلَمَاءِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْسَدُ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ أَشِدَّاءُ عَلَى الْحَسَدِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا قِيلَ. عَدُوُّ الْمَرْءِ مَنْ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ.

وَعَنْ التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ قَسَّمَ الْحَسَدَ عَشَرَةً فَجَعَلَ فِي الْعُلَمَاءِ تِسْعَةً وَفِي الدُّنْيَا وَاحِدًا وَقَسَّمَ الْمَصَائِبَ عَشَرَةً فَجَعَلَ فِي الصَّالِحِينَ تِسْعَةً وَفِي الدُّنْيَا وَاحِدًا وَالذُّلَّ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الْيَهُودِ وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالتَّوَاضُعَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي النَّصَارَى وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالشَّهْوَةَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي النِّسَاءِ وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالْعِلْمَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الْعِرَاقِ وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالْإِيمَانَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الْيَمَنِ وَوَاحِدًا فِي الدُّنْيَا وَالْعَقْلَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الرِّجَالِ وَوَاحِدًا فِي النِّسَاءِ وَالْبَرْكَةَ عَشَرَةً تِسْعَةً فِي الشَّامِ وَوَاحِدًا فِي الْأَرْضِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَتْ الْيَهُودُ قَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَاتَلُوا قَالُوا نَسْأَلُك بِالنَّبِيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُرْسِلَهُ إلَّا مَا نَصَرْتَنَا فَكَانُوا يُنْصَرُونَ فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ وَعَرَفُوهُ كَفَرُوا بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ لَهُ حَسَدًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] الْآيَةَ.

ثُمَّ نَقُولُ الْمَطْلُوبُ مُطْلَقُ دُخُولِ النَّارِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْحَدِيثِ دُخُولُ الْحَاسِدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَقَطْ وَدَعْوَى دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَالْمُقَايَسَةِ مَمْنُوعَةٌ لِجَوَازِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْعُلَمَاءِ لِقُوَّةِ إصْرَارِهِمْ أَوْ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ عَلَى مُوجِبِ عِلْمِهِمْ وَيْلٌ لِلْجَاهِلِ مَرَّةً وَلِلْعَالَمِ مَرَّتَيْنِ فَتَأَمَّلْ.

(وَالْخَامِسُ الْإِفْضَاءُ إلَى إضْرَارِ الْغَيْرِ) أَيْ الْمَحْسُودِ (فَلِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى) نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ص: 254

(بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ الْحَاسِدِ) بِقَوْلِهِ - {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5]- أَيْ أَظْهَرَ حَسَدَهُ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ (كَمَا أُمِرْنَا بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ) بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى - {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200]- (وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ الْحَوَائِجِ» دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً جَلْبَ نَفْعٍ أَوْ دَفْعَ ضُرٍّ «بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ» دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ «مَحْسُودٌ» يَعْنِي إنْ أَظْهَرْتُمْ حَوَائِجَكُمْ حَسَدُوكُمْ فَعَارَضُوا فِي مَرَامِكُمْ، وَمَوْضِعُ التَّحَدُّثِ مَا بَعْدَ وُقُوعِهَا.

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَمَنْ أَفْشَاهُ كَانَ الْخِيَارُ عَلَيْهِ وَكَمْ مَنْ أَظْهَرَ سِرًّا أَرَاقَ دَمَ صَاحِبِهِ وَمَنَعَ مِنْ بُلُوغِ مَآرِبِهِ وَلَوْ كَتَمَهُ كَانَ مِنْ سَطْوَتِهِ آمِنًا وَمِنْ عَوَاقِبِهِ سَالِمًا وَبِنَجَاحِ حَوَائِجِهِ عَالِمًا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ سِرُّك مِنْ دَمِك فَإِذَا تَكَلَّمَتْ أَرَقْته. وَقَالَ أَنُو شُرْوَانَ مَنْ حَصَّنَ سِرَّهُ فَلَهُ بِتَحْصِينِهِ خَصْلَتَانِ الظُّفْرُ بِحَاجَتِهِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ السَّطَوَاتِ وَفِي مَنْشُورِ الْحِكَمِ انْفَرِدْ بِسِرِّك وَلَا تُودِعْهُ خَازِنًا فَيَزُولَ وَلَا جَاهِلًا فَيَحُولَ لَكِنْ مِنْ الْأَسْرَارِ مَا لَا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ مُطَالَعَةِ صَدِيقٍ وَمَشُورَةِ نَاصِحٍ فَيَتَحَرَّى لَهُ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْدِعُهُ إيَّاهُ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ أَمِينًا عَلَى الْأَمْوَالِ أَمِينًا عَلَى الْأَسْرَارِ وَالْعِفَّةِ عَنْ الْأَمْوَالِ أَيْسَرُ مِنْ الْعِفَّةِ عَنْ إذَاعَةِ الْأَسْرَارِ.

قَالَ الرَّاغِبُ إذَاعَةُ السِّرِّ مِنْ قِلَّةِ الصَّبْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَيُوصَفُ بِهِ ضَعَفَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَالسَّبَبُ فِي صُعُوبَةِ كِتْمَانِ السِّرِّ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ قُوَّتَيْنِ آخِذَةً وَمُعْطِيَةً وَكِلْتَاهُمَا تَتَشَوَّقُ إلَى الْفِعْلِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَكَّلَ الْمُعْطِيَةَ بِإِظْهَارِ مَا عِنْدَهَا لَمَا أَتَاكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْهُ فَصَارَتْ هَذِهِ الْقُوَّةُ تَتَشَوَّقُ إلَى فِعْلِهَا الْخَاصِّ بِهَا فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا يُطْلِقَهَا إلَّا حَيْثُ يَجِبُ إطْلَاقُهَا كَذَا فِي الْفَيْضِ. وَقِيلَ اُكْتُمْ ذَهَبَك وَذَهَابَك وَمَذْهَبَك. وَقِيلَ صُدُورُ الْأَحْرَارِ قُبُورُ الْأَسْرَارِ (خَرَّجَهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (طط) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (دُنْيَا) ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا) قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَفِي سَنَدِهِ سَعِيدٌ وَهُوَ كَذَّابٌ.

(وَالسَّادِسُ التَّعَبُ وَالْهَمُّ) لِلْحَاسِدِ (مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ) إذْ لَا يُغَيِّرُ حَسَدَهُ تَقْدِيرَ اللَّهِ تَعَالَى (بَلْ مَعَ وِزْرٍ وَمَعْصِيَةٍ) إنْ ظَهَرَ أَثَرُهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا.

(قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ رحمه الله) مِنْ التَّابِعِينَ (لَمْ أَرَ ظَالِمًا أَشْبَهَ بِالْمَظْلُومِ) فِي كَثْرَةِ تَعَبِهِ وَهَمِّهِ وَحُزْنِهِ (مِنْ الْحَاسِدِ نَفْسٌ ذَائِمٌ) أَيْ ذَامٌّ وَمُحَقَّرٌ أَوْ مَعِيبٌ أَيْ لَهُ نَفْسٌ ذَائِمٌ اسْتِئْنَافُ عِلَّةِ الشَّبَهِ كَذَا قِيلَ (وَعَقْلٌ هَائِمٌ) أَيْ حَيْرَانُ وَمُتَحَيِّرٌ (وَغَمٌّ لَازِمٌ) لَا يُفَارِقُهُ يَعْنِي نَفْسَهُ نَفْسٌ ذَائِمٌ وَعَقْلُهُ عَقْلٌ هَائِمٌ وَغَمُّهُ غَمٌّ لَازِمٌ.

وَفِي الْإِحْيَاءِ الْحَاسِدُ لَا يَخْلُو أَبَدًا مِنْ الْغَمِّ وَالْهَمِّ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَسَدَ. فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ فِيك قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي عَدُوِّك قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِّ أَضَرَّ مِنْ الْحَسَدِ يَصِلُ إلَى الْحَاسِدِ بِهِ خَمْسُ عُقُوبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَحْسُودِ مَكْرُوهٌ: الْأُولَى غَمٌّ لَا يَنْقَطِعُ.

الثَّانِيَةُ مُصِيبَةٌ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهَا.

الثَّالِثَةُ مَذَمَّةٌ لَا يُحْمَدُ بِهَا.

الرَّابِعَةُ يَسْخَطُ عَلَيْهِ الرَّبُّ.

الْخَامِسَةُ يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُ التَّوْفِيقِ.

وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِنِعَمِ اللَّهِ أَعْدَاءً قِيلَ وَمَنْ أُولَئِكَ قَالَ الَّذِينَ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» وَعَنْ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاسِدُ عَدُوٌّ لِنِعْمَتِي سَاخِطٌ لِقَضَائِي غَيْرُ رَاضٍ بِقِسْمَتِي بَيْنَ عِبَادِي.

قَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ أَثَرُ الْحَسَدِ يَتَبَيَّنُ فِيك قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي عَدُوِّك. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْحَاسِدُ عَدُوُّ نِعْمَتِي

ص: 255