المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[القسم الأول في تفسير الخلق] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[القسم الأول في تفسير الخلق]

كَالْقُبْلَةِ لَكِنَّا أَدْرَجْنَاهَا فِيمَا لَا يَخْتَصُّ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ (قَلْبٌ) هُوَ اللَّطِيفَةُ الرُّوحَانِيَّةُ الْمَنْفُوخَةُ فِي الْجِسْمِ الصَّنَوْبَرِيِّ الْمُودَعِ فِي جَانِبِ الْيَسَارِ مِنْ تَجْوِيفِ الصَّدْرِ الْجُسْمَانِيِّ مِنْ الْإِنْسَانِ (وَأُذُنٌ) الْمُرَادُ هُنَا قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي مُقَعَّرِ الصِّمَاخِ يُدْرِكُ بِهَا الْأَصْوَاتَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيَّفِ بِكَيْفِيَّةِ الصَّوْتِ إلَى الصِّمَاخِ (وَعَيْنٌ) وَالْمُرَادُ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعَصْبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَتَلَاقَيَانِ فِي الدِّمَاغِ، ثُمَّ تَفْتَرِقَانِ فَتَتَأَدَّيَانِ إلَى الْعَيْنَيْنِ يُدْرِكُ بِهَا الْأَضْوَاءَ وَالْأَلْوَانَ وَالْأَشْكَالَ وَالْمَقَادِيرَ وَالْحَرَكَاتِ وَالْحُسْنَ وَالْقُبْحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ (وَلِسَانٌ) الْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي الْجُرْمِ الْمُتَّصِلِ بِالْفَمِ الَّذِي يَقْرَعُ الْهَوَاءَ الْخَارِجَ مِنْ الْجَوْفِ فَتَظْهَرُ مِنْهُ صُوَرُ الْحُرُوفِ (وَيَدٌ) الْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي الْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ لِلتَّصَرُّفِ فِيمَا كَانَ بِهَا (وَبَطْنٌ) هُوَ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي الْبَاطِنِ لِطَبْخِ الْغِذَاءِ وَتَقْسِيمِهِ فِي الْبَدَنِ (وَفَرْجٌ) ، وَهُوَ آلَةُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي ذَلِكَ لِحُصُولِ الْجِمَاعِ (وَرِجْلٌ) الْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْمُودَعَةُ فِي الْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ لِلْمَشْيِ وَنَحْوِهِ وَلَا دَخْلَ لِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ فِي اقْتِرَافِ الذُّنُوبِ مِنْ دُونِ الْقُوَى الْمُنْبَثَّةِ فِيهَا فَالْعُمْدَةُ فِيهَا قُوَى الْأَعْضَاءِ لَا أَنْفُسُ الْأَعْضَاءِ.

(فَعَلَى السَّالِكِ) مِنْ هَذِهِ الْفَانِيَاتِ إلَى تِلْكَ الْبَاقِيَاتِ (أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ) يُتَصَوَّرُ صُدُورُهَا مِنْ عُضْوِهَا وَيَدُومُ عَلَى ذَلِكَ الْحِفْظِ (حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَلَكَةٌ) كَيْفِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي الْقَلْبِ إلَى أَنْ يَكُونَ طَبِيعَةً مَجْبُولَةً فَيَرْتَفِعُ التَّكَلُّفُ مِنْ الْبَيْنِ (فَيَنْخَرِطُ) يَنْتَظِمُ (فِي سِلْكِ الْمُتَّقِينَ) وَيَتَرَقَّى إلَى دَرَجَةِ الصَّالِحِينَ إلَى أَنْ يُشَارَ إلَيْهِ بِإِشَارَةِ أُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ مِنْ زُمْرَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ لِتَزَيِّيهِ بِزِيِّهِمْ وَشَبَهِهِ بِهِمْ، وَمَنْ أَشْبَهَ قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ فَإِنْ قُلْت السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ قَالُوا لَا بُدَّ هُنَا مِنْ الْعِلْمِ أَوَّلًا وَإِحْكَامُ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ ثَانِيًا وَإِحْكَامُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِقَامَةِ ثَالِثًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ وَتَعَاضَدَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ تَوَلَّدَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَدٌ صَالِحٌ هُوَ نَتِيجَتُهَا وَثَمَرَةُ قُلُوبِهَا وَيُسَمَّى هَذَا الْوَلَدُ بِالتَّقْوَى فَلَا وُجُودَ لِلتَّقْوَى إلَّا بِاعْتِمَادِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كِفَايَةُ مُطْلَقِ مُجَانَبَةِ الْأَعْضَاءِ عَنْ مَعَاصِيهَا

قُلْت إذْ تَفَطَّنْت مَا تَقَدَّمَ حَقَّ التَّفَطُّنِ تَعْرِفُ حُصُولَ بَعْضِ ذَلِكَ مُطَابَقَةً وَبَعْضُهُ تَضَمُّنًا وَبَعْضُهُ الْتِزَامًا، ثُمَّ إنَّ التَّقْوَى لِكَوْنِهَا نَتِيجَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالِاسْتِقَامَةِ تَرَى الْكِتَابَ الْإِلَهِيَّ تَارَةً يُرَغِّبُ إلَى الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ {وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]{وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وَتَارَةً يُرَغِّبُ إلَى الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [يونس: 9] وَتَارَةً إلَى الِاسْتِقَامَةِ بِقَوْلِهِ {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112]{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] وَكُلُّ ذَلِكَ تَرْغِيبٌ إلَى التَّقْوَى إذْ لَا عِبْرَةَ لِلْعَمَلِ بِلَا عِلْمٍ وَلَا عِبْرَةَ لَهُمَا بِلَا اسْتِقَامَةٍ فَتَقْوَى الْجَاهِلِ مَعْدُومَةٌ وَتَقْوَى الْفَاسِقِ مَرْدُودَةٌ فَالْفَضِيلَةُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالِاسْتِقَامَةِ، وَهَذِهِ أُمُورٌ مُشْكِلَةٌ وَأَشْكَلُهَا الِاسْتِقَامَةُ وَقَدْ نَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شِدَّتِهَا وَصُعُوبَتِهَا حَيْثُ «قَالَ شَيَّبَتْنِي سُورَةُ هُودٍ» الْمُرَادُ قَوْلُهُ {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112] وَالِاسْتِقَامَةُ دَوَامُ قِيَامِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِلَا تَرْكٍ فَلَوْ وُجِدَ وَلَوْ آنِيًّا بِلَا عُذْرٍ انْتَفَتْ الِاسْتِقَامَةُ كَذَا فِي حَلِّ الرُّمُوزِ (فَلَا بُدَّ مِنْ تِسْعَةِ أَصْنَافٍ) لِبَيَانِ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ.

[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

(الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ)

الْمُنْكَرَاتُ الصَّادِرَةُ مِنْ الْقَلْبِ (وَآفَاتُهُ) أَيْ الْبَلِيَّةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ (اعْلَمْ أَنَّ صَلَاحَهُ) أَيْ الْقَلْبِ (أَهَمُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إذْ هُوَ) أَيْ الْقَلْبُ (مَلِكٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ (مُطَاعٌ) يُطِيعُ وَيَنْقَادُ إلَى أَمْرِهِ كُلُّ الْأَعْضَاءِ فِي أَقَالِيمِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّهُ (نَافِذُ الْحُكْمِ) وَالتَّصَرُّفِ (وَالْأَعْضَاءُ رَعِيَّةٌ) تَابِعَةٌ لَهُ (وَخُدَّمٌ) بِالتَّشْدِيدِ

ص: 30

جَمْعُ خَادِمٍ (لَهُ فَلِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً» الْحَدِيثُ) كَمِّلْ الْحَدِيثَ وَقِيلَ أَيْ هُوَ الْحَدِيثُ أَوْ الْحَدِيثُ مَا سَلَفَ «إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا، وَهِيَ الْقَلْبُ» .

قِيلَ عَنْ الْمِشْكَاةِ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي جَوْفِ الْمُؤْمِنِ الْمُخْلِصِ بَيْتًا وَسَمَّاهُ قَلْبًا، ثُمَّ أَغْلَقَ الْبَابَ وَأَمْسَكَ الْمِفْتَاحَ وَلَمْ يُوَكِّلْ بِهِ جَبْرَائِيلَ وَلَا مِيكَائِيلَ وَلَا غَيْرَهُمَا.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا خَزِينَتِي وَمَوْضِعُ نَظَرِي وَمَسْكَنُ مَعْرِفَتِي فَنِعْمَ الْمَسْكَنُ وَنِعْمَ السَّاكِنُ كُلَّمَا أَفْسَدَهُ الْعَبْدُ مِنْ ظَاهِرِهِ بِالْعِصْيَانِ أَصْلَحَهُ الْمَوْلَى مِنْ بَاطِنِهِ بِالْغُفْرَانِ وَكُلَّمَا لَوَّثَ الشَّيْطَانُ بَدَنَهُ بِالْمَعْصِيَةِ زَيَّنَهُ الرَّحْمَنُ بِالْمَعْرِفَةِ (وَإِصْلَاحُهُ تَخْلِيَتُهُ عَنْ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ) وَيُقَالُ تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ (وَتَحْلِيَتُهُ) مِنْ حُلِيِّ السَّيْفِ أَيْ تَزْيِينِهِ (بِالْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِسْمَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ)

إنَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِعَدَمِ كِفَايَةِ الْمَعْرِفَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ فِي ذِكْرِ أَحْكَامِ الْخُلُقِ لِزِيَادَةِ الْعِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّ تَفْصِيلَ مَعْنَاهُ يُعِينُ عَلَى قَبُولِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ كَالْأَوَّلِيَّاتِ يُفِيدُ الْحُكْمَ الضَّرُورِيَّ بِمُجَرَّدِ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَكُونُ ضَرُورِيًّا بِبَعْضِ الْعِنْوَانِ وَنَظَرِيًّا بِبَعْضِ عِنْوَانٍ آخَرَ، ثُمَّ لَفْظُ الْخُلُقِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا نُقِلَ عَنْ الرَّاغِبِ الْخَلْقِ وَالْخُلْقِ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالشَّرْبِ وَالشُّرْبِ لَكِنْ خُصَّ الْفَتْحُ بِالْهَيْئَاتِ وَالصُّوَرِ الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصَرِ وَالضَّمُّ بِالْقَوِيِّ وَالسَّجَايَا الْمُدْرَكَةِ بِالْبَصِيرَةِ (وَبَيَانُ مَنْشَئِهِ) مَبْدَئِهِ وَأَصْلِهِ (وَتَقْسِيمُهُ إلَى الْمَذْمُومِ وَالْمَمْدُوحِ) أَيْ الْأَخْلَاقَ الْحَمِيدَةَ وَالذَّمِيمَةَ (وَطَرِيقُ إزَالَةِ الْأَوَّلِ) بِأَيِّ طَرِيقٍ يُزَالُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْمُعَالَجَاتِ (وَعِلَاجُهُ) أَيْ أَدْوِيَتُهُ وَمُعَالَجَتُهُ إذْ هُوَ مَرَضٌ رَاسِخٌ صَعْبٌ إزَالَتُهُ فَمُحْتَاجٌ إلَى زِيَادَةِ تَكَلُّفٍ مِنْ الْمُعَالَجَاتِ وَالْأَدْوِيَةِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ حَتَّى ذَهَبَ بَعْضٌ إلَى كَوْنِ الْخُلُقِ ضَرُورِيًّا فَيَمْتَنِعُ خُرُوجُهُ فَالتَّكَلُّفُ لِإِخْرَاجِهِ بِالْأَدْوِيَةِ لَيْسَ بِمُفِيدٍ وَقَدْ نُسِبَ ذَلِكَ إلَى الْمُتَصَوِّفَةِ كَمَا وَقَعَ فِي صَرِيحِ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنْ يُحْمَلَ مُرَادُهُمْ عَلَى كَوْنِ الْإِزَالَةِ صَعْبَةً وَشَقَّةً أَوْ مُرَادُهُمْ ضَرُورِيَّةُ أَصْلِهِ وَامْتِنَاعُ إزَالَةِ أَصْلِهِ لَا أَثَرِهِ وَإِلَّا فَمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ قَرِيبٌ أَنْ لَا يُحْصَى (إجْمَالًا) ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْكِتَابُ، وَأَنَّ الْإِجْمَالَ دَلِيلٌ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَأَنَّ الْعَارِفَ يَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ وَإِلَّا فَلَا يُفِيدُ كَثِيرًا مِنْ السِّفَارَةِ.

(وَتَحْصِيلُ الثَّانِي) الْمَحْمُودُ بَعْدَمَا عُدِمَ (وَإِبْقَائِهِ) بَعْدَمَا وُجِدَ وَعَدَمُ زَوَالِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ (وَحِفْظُ صِحَّتِهِ وَتَقْوِيَتُهُ إجْمَالًا أَيْضًا فَنَقُولُ الْخُلُقُ مَلَكَةٌ) كَيْفِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (تُصْدَرُ عَنْهَا الْأَفْعَالُ النَّفْسَانِيَّةُ) مِنْ الِاعْتِقَادِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ أَيْ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ هَهُنَا أَنَّ الْكَيْفِيَّاتِ أُمُورٌ جِبِلِّيَّةٌ غَيْرُ أَفْعَالٍ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ فَيَنْتَظِمُ الْخُلُقُ كَيْفِيَّةً وَالتَّكْلِيفُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَيْفِيَّةِ فَيَلْزَمُ عَدَمُ تَعَلُّقِ التَّكْلِيفِ بِتَحْصِيلِ الْمَحْمُودَةِ وَبِإِزَالَةِ الْمَذْمُومَةِ وَجْهُ الِانْدِفَاعِ أَنَّ التَّكْلِيفَ لَيْسَ عَلَى نَفْسِ الْخُلُقِ بَلْ عَلَى أَثَرِهِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ وَلَا يَمْتَنِعُ صُدُورُ الِاخْتِيَارِيِّ عَنْ الِاضْطِرَارِيِّ كَأَفْعَالِ الْعِبَادِ، فَإِنَّهَا تَصْدُرُ بِأَصْلِ الْقُدْرَةِ الَّذِي كَانَ تَحْصِيلُهُ لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لِلْمَخْلُوقِ بَلْ أَمْرٌ اضْطِرَارِيٌّ لِلْعَبْدِ وَيُشِيرُ إلَى اخْتِيَارِيَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ.

(بِسُهُولَةٍ

ص: 31

مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ) بِالتَّشْدِيدِ النَّظَرُ وَالتَّأَمُّلُ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَعْنًى مِنْ غَيْرِ عُسْرٍ وَصُعُوبَةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَدًّا لِبَعْضٍ ذَهَبَ إلَيْهِ وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ مُلَاحَظَةُ عَدَمِ الْحَرَجِ وَقَاعِدَةُ التَّكْلِيفِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَيُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ) أَيْ تَبْدِيلُهُ وَإِزَالَتُهُ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ كَمَا النَّسَبُ إلَى الْمَلَاحِدَةِ (لَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ) بِتَكْلِيفِ إزَالَةِ أَحَدِهِمَا وَبِتَكْلِيفِ تَحْصِيلِ الْآخَرِ لِنَحْوِ حَدِيثِ «حَسِّنُوا أَخْلَاقَكُمْ» وَكُلُّ مَا كَلَّفَهُ الشَّرْعُ فَقَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ كَالنَّهْيِ عَنْ الْبُخْلِ وَالْكِبْرِ وَكَالْأَمْرِ بِالْبَذْلِ وَالتَّوَاضُعِ (وَاتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ) عَلَى إمْكَانِ ذَلِكَ التَّبْدِيلِ (وَالتَّجْرِبَةُ) شَاهِدَةٌ عَلَى وُقُوعِهِ وَالتَّجْرِبَةُ إحْدَى الْمُقَدِّمَاتِ الْبُرْهَانِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ يَعْنِي إنْ احْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِالْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَلْزَمُهُ بِالشَّرْعِيَّةِ وَتَرَجُّحُهُ بِالْعَقْلِيَّةِ التَّجْرِيبِيَّةِ، وَأَنَّ بِالْعَقْلِيَّةِ فَكَذَا بِالْعَقْلِيَّةِ الْمُؤَيَّدَةِ بِالشَّرْعِيَّةِ نُقِلَ عَنْ الْعَوَارِفِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ تَبْدِيلَ الْأَخْلَاقِ مُمْكِنٌ وَمَقْدُورٌ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ «حَسِّنُوا أَخْلَاقَكُمْ» .

وَنُقِلَ بِالْجَزْمِ بِهِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَقَدْ سَمِعْت مِنْهُ الْمَنْعَ أَيْضًا وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10] وَبَعْضٌ بِحَدِيثِ «إنَّك امْرُؤٌ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ خَلْقَك فَأَحْسِنْ خُلُقَك» وَفِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ إنَّهُ غَرِيزِيَّةٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «إنَّ اللَّهَ قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَّمَ أَرْزَاقَكُمْ» .

وَعَنْ الْقُرْطُبِيِّ الْخُلُقُ جِبِلَّةٌ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَهُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ نَقَلَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَكُونُ طَبِيعِيًّا لِبَعْضٍ كَسَخَاوَةِ الصَّبِيِّ وَيَكُونُ بِالِانْقِيَادِ وَبِالتَّعَلُّمِ فَمَنْ جَمَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فَفِي غَايَةِ النَّفَاسَةِ وَاحْتُجَّ عَلَى ذَلِكَ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَشَجِّ إنَّ فِيك لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِيمًا كَانَ فِي أَوْ حَادِثًا قَالَ قَدِيمًا» حَيْثُ كَانَ فِي تَرْدِيدِ السُّؤَالِ وَتَقْرِيرِهِ عَلَيْهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ فِي الْخُلُقِ جِبِلِّيًّا وَمُكْتَسَبًا وَمِنْ هُنَا أَمْكَنَ حَمْلُ نِزَاعِ الْفَرِيقَيْنِ هُنَا عَلَى اللَّفْظِيِّ وَقَدْ سَمِعْت أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ يَدَّعِي الْجِبِلِّيَّ يُرِيدُ أَصْلَهُ، وَمَنْ يَدَّعِي الْكَسْبِيَّ يُرِيدُ أَثَرَهُ أَوْ الْجِبِلِّيُّ مَا صَعُبَ وَالْكَسْبِيُّ مَا سَهُلَ وَبِمَا ذُكِرَ سَهُلَ عَلَيْك دَفْعُ مَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ اتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ مَعَ مُخَالَفَةِ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَحَادِيثِ (وَتَخْتَلِفُ الِاسْتِعْدَادَاتُ فِيهِ) أَيْ فِي تَغْيِيرِ الْخُلُقِ قُوَّةً وَضَعْفًا (بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ) قُوَّةً وَضَعْفًا فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ.

ص: 32

الْأَخْلَاقُ يَظْهَرُ حَمِيدُهَا بِالِاخْتِيَارِ وَيَظْهَرُ ذَمِيمُهَا بِالِاضْطِرَارِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهَا خُلُقٌ مَطْبُوعٌ وَبَعْضُهَا تَخَلُّقٌ مَصْنُوعٌ.

وَعَنْ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْخُلُقِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَانَ مَحْمُودًا وَإِلَّا فَمَأْمُورٌ بِالْمُجَاهَدَةِ حَتَّى يَكُونَ مَحْمُودًا، وَإِنْ ضَعِيفًا فَيَرْتَاضُ حَتَّى يَقْوَى، وَيَكُونَ مَحْمُودًا لَعَلَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي أَوَّلِ فِطْرَتِهِ يُخْلَقُ مُسْتَعِدًّا لِلطَّرَفَيْنِ فَبِالِاخْتِلَاطِ وَالْأُلْفَةِ وَالْأُنْسِيَّةِ يَتَجَاذَبُ وَيَزْدَادُ كُلٌّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (وَمُنْشَؤُهُ) أَيْ مَوْضِعُ ابْتِدَائِهِ وَنَشْأَتِهِ حَمِيدًا أَوْ ذَمِيمًا (قُوَى) جَمْعُ قُوَّةٍ (النَّفْسُ) النَّاطِقَةُ الَّتِي يُعَبِّرُ عَنْهَا كُلُّ أَحَدٍ بِقَوْلِهِ أَنَا وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ هِيَ الْجَوْهَرُ الْمُدْرَكُ الْعَارِفُ بِإِلْهَامِهِ تَعَالَى (وَهِيَ) أَيْ تِلْكَ الْقُوَى الْمَنْشَئِيَّةُ (ثَلَاثٌ) الْأُولَى (النُّطْقُ، وَهُوَ قُوَّةُ الْإِدْرَاكِ) وَيُقَالُ أَيْضًا الْقُوَى الْعَقْلِيَّةُ وَالْمُدْرِكَةُ وَالنُّطْقِيَّةُ لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ النُّطْقِ هُوَ الْبَاطِنِيُّ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ الْإِدْرَاكِ لَا الظَّاهِرِيُّ الَّذِي بِمَعْنَى التَّكَلُّمِ وَإِلَّا فَالْحَمْلُ وَالتَّفْسِيرُ بِالْمُبَايِنِ وَهَذَا النُّطْقُ مُمَيِّزٌ ذَاتِيٌّ لِلْإِنْسَانِ وَشَرَفُهُ عَلَى السَّائِرِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِهِ وَلَهُ طَرَفَانِ يُوجِبَانِ الذَّمَّ إفْرَاطٌ وَتَفْرِيطٌ وَوَسَطٌ يُوجِبُ الْمَدْحَ فَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (فَاعْتِدَالُهُ) أَيْ النُّطْقِ هُوَ.

(الْحِكْمَةُ، وَهِيَ مَلَكَةٌ لِلنَّفْسِ تُدْرِك) أَيْ النَّفْسُ (بِهَا الصَّوَابَ مِنْ الْخَطَأِ) وَيُقَالُ أَيْضًا هِيَ مَلَكَةٌ تَصْدُرُ عَنْهَا الْأَفْعَالُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَأَيْضًا يُقَالُ هِيَ هَيْئَةٌ حَاصِلَةٌ لِلْقُوَّةِ النُّطْقِيَّةِ مُتَوَسِّطَةٌ بِهَا تُدْرِك أُمُورًا يَنْبَغِي أَنْ تُدْرَكَ

اعْلَمْ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ أَكْثَرُهَا مُتَقَارِبَةٌ إذْ هِيَ فِي الْمَوَاقِفِ لُغَةً الْمُبَالَغَةُ فِي الْعِلْمِ.

وَعَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ هُوَ التَّنَاهِي فِي الْعِلْمِ وَاصْطِلَاحًا اسْتِكْمَالُ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِالْفِعْلِ النَّظَرَ وَالْعَمَلَ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَيُقَرِّبُهُ مَا يُقَالُ هِيَ عِلْمٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ مَا هُوَ الْحَقُّ وَنَفْسُ الْأَمْرِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَقِيلَ مُوَافَقَةُ الْأَشْيَاءِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ.

وَعَنْ الْمَصَابِيحِ الزَّبُورُ وَعِلْمُ الشَّرَائِعِ وَقِيلَ كُلُّ كَلَامٍ وَافَقَ الْحَقَّ وَقِيلَ عَنْ شَرْحِ الْحَقَائِقِ هِيَ الْعِلْمُ اللَّدُنْيُّ وَقِيلَ هِيَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ وَقِيلَ هِيَ الْكَلِمَةُ الْمُنْجِيَةُ صَاحِبَهَا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُهْلِكَاتِ وَقِيلَ كَمَالُ النَّفْسِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَقِيلَ خُرُوجُ النَّفْسِ مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ مِنْ جَانِبِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَقِيلَ الشَّغْلُ بِالْعَمَلِ فِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ هِيَ جَعْلُ الْأَفْعَالِ عَلَى مَا يَنْبَغِي، ثُمَّ قَالَ فِي حَلِّ الرُّمُوزِ لِلْحِكْمَةِ عِدَّةُ مَعَانٍ الْأَوَّلُ عِلْمُ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ الْمَعْنَى مِنْ قَوْله تَعَالَى {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] وَيُؤَيِّدُهُ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] أَيْ بِالْفِقْهِ وَالثَّانِي الْإِطْلَاعُ عَلَى حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ أَرِنَا الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ» وَلِعُلُوِّ رُتْبَتِهِ هَذَا الْمَعْنَى «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عُلُوِّ رُتْبَتِهِ يَدْعُو كَثِيرًا بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ أَرِنَا الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ» ، وَهِيَ الْعِلْمُ اللَّدُنِّي الَّذِي هُوَ نَتِيجَةُ الْخِدْمَةِ وَثَمَرَةُ الرِّيَاضَةِ.

قَالَ زَيْنُ الْإِسْلَامِ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ دَخَلَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَأَرَادَ الْوُصُولَ إلَى اللَّهِ وَقَدْ حَصَلَ اسْتِخْرَاجُ مَعَانِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام، ثُمَّ لَا يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ لِتَنْصَبَّ عَلَى قَلْبِهِ مِيَاهُ الْعُلُومِ اللَّدُنِّيَّةِ الَّتِي لَوْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي تَدْرِيسِ الِاصْطِلَاحَاتِ وَتَصْنِيفِهَا لَا يَشُمَّ مِنْهَا رَائِحَةً وَلَا يُشَاهِدُ مِنْ آثَارِهَا وَأَنْوَارِهَا لُمْعَةً وَالسِّرُّ فِي عُلُوِّ رُتْبَتِهِ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ الْجَفَاءِ وَالِالْتِبَاسِ وَالْآخِرَةُ دَارُ الْجَلَاءِ وَالِانْكِشَافِ، وَأَنَّ الِاعْتِقَادَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ تَابِعَةٌ لِلْمَعَارِفِ الِاكْتِسَابِيَّةِ وَالِانْكِشَافِيَّة فَصَاحِبُ هَذِهِ إذَا ارْتَحَلَ مِنْ الدُّنْيَا فَازَ بِالسَّعَادَةِ الْكُبْرَى إذْ هِيَ دَارُ الِانْكِشَافِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ عَوَائِقِ عَالَمِ الْمَوَادِّ وَالْبُرْهَانِ قَوْله تَعَالَى - {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64]- فَإِنَّهَا أَبَدِيَّةٌ سَرْمَدِيَّةٌ وَحَيَاةُ الدُّنْيَا سَرِيعَةُ الزَّوَالِ مُعْقَبَةٌ بِالْفِنَاءِ فَرُؤْيَةُ الدُّنْيَا مَوْجُودَةٌ وَالْآخِرَةِ مَعْدُومَةٌ بِنَظَرِ هَذِهِ الْعُيُونِ الْعَوْرَاءِ الْعَمْيَاءِ وَإِلَّا فَعِنْدَ قَبْضِ الْأَرْوَاحِ وَانْطِبَاقِ هَذِهِ الْعُيُونِ وَانْفِتَاحِ الْعُيُونِ الْحَقِيقِيَّةِ تَنْكَشِفُ الْقَضِيَّةُ وَتَنْقَلِبُ الْوَقِيعَةُ فَنَقُولُ يَا رَبُّ مَا هَذِهِ الْحَالَةُ وَالْأُمُورُ بِأَسْرِهَا مَعْكُوسَةٌ.

ص: 33

وَالْقَضَايَا مُنْقَلِبَةٌ فَنُودِيَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ

- فَقِيلَ {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22]- فَنَقُولُ - {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12]- فَنُجَابُ - {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37]- فَنَقُولُ رَبَّنَا مَا عَلِمْت حَقِيقَةَ الْحَالِ مِنْ أَنَّ مَا يُرَى مَوْجُودٌ ظَاهِرًا وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْحَقِيقَةِ فَيُقَالُ فِي جَوَابِهِ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ تَعَالَى {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النور: 39] وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ تَرْكِ التَّدَبُّرِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ الشَّقَاوَةِ كَمَا أَنَّ التَّدَبُّرَ وَالتَّفَكُّرَ رَأْسُ كُلِّ السَّعَادَةِ كَمَا قِيلَ إذَا كَانَ لِلْمَرْءِ فِكْرَةٌ فَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ عِبْرَةٌ فَصَاحِبُ الْفِكْرَةِ كُلُّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الْأَكْوَانِ لَهُ شَيْخٌ مُرْشِدٌ

وَالثَّالِثُ مِنْ مَعَانِي الْحِكْمَةِ مَا سَمَّاهُ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ حِكْمَةٌ مِنْ عِلْمِ الْفَلَاسِفَةِ وَهَذَا كَتَسْمِيَةِ الْأَعْمَى بِالْبَصِيرِ وَالْبَرِّيَّةِ الْمُهْلِكَةِ بِالْمَفَازَةِ كَيْفَ وَمِنْ أُصُولِ مَسَائِلِهِمْ قِدَمُ الْعَالَمِ وَكَوْنُهُ تَعَالَى مُوجِبًا بِالذَّاتِ بِلَا اخْتِيَارٍ لَهُ أَصْلًا وَامْتِنَاعُ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ لِلسَّمَاءِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْفُحْشِيَّاتِ كَمَا سَبَقَ وَالْعَجَبُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَقْتَفُونَ أَثَرَهُمْ وَيُرَوِّجُونَ أَقْوَالَهُمْ وَيُشْهِرُونَ مَذَاهِبَهُمْ وَيَفْتَخِرُونَ بِعُلُومِهِمْ وَيَتْرُكُونَ عُلُومَ رَبِّهِمْ وَيُرَجِّحُونَهَا عَلَى عُلُومِ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا (وَإِفْرَاطُهُ الْجَرْبَزَةَ) بِالْجِيمِ فَالرَّاءِ فَالْبَاءِ فَالزَّايِ فِي الصِّحَاحِ رَجُلٌ جُرْبُزٌ بِالضَّمِّ بَيِّنُ الْجَرْبَزَةِ بِالْفَتْحِ أَيْ خَبٌّ، وَهُوَ الْقُرْبُزُ أَيْضًا.

وَعَنْ مُخْتَصَرِ الْقَامُوسِ جَرْبَزَ الرَّجُلُ ذَهَبَ أَوْ انْقَبَضَ أَوْ سَقَطَ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ (وَهِيَ مَلَكَةُ إدْرَاكٍ تَدْعُو) صَاحِبَهَا (إلَى اطِّلَاعِ مَا لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ) لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ تَعَالَى أَوْ لِمَنْ شَاءَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِحِكْمَةٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ تَعَالَى يَعْنِي إلَى إرَادَةِ الِاطِّلَاعِ فَإِنَّ نَفْسَهُ مُمْتَنِعٌ (كَالْمُتَشَابِهَاتِ) فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فَإِنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمُتَشَابِهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إدْرَاكُهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ (وَبَحْثُ الْقَدَرِ) أَيْ تَقْدِيرُهُ تَعَالَى وَقَضَاؤُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إذْ هَذَا الْبَحْثُ أَيْضًا مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ فَإِنَّهَا مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ.

وَإِنْ قِيلَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُهَا لَعَلَّهُ إنْ صَحَّ فَعَلَى طَرِيقِ الْخَوَارِقِ وَالْكَلَامُ فِي الْإِمْكَانِ الْعَادِيِّ وَإِلَّا فَقَالُوا بِإِمْكَانِ عِلْمِهَا فِي النَّشْأَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَلِهَذَا نَرَى بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَشَابِهِ يَقُولُ مَا يَنْقَطِعُ رَجَاءَ مَعْرِفَتِهِ فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ (أَوْ) مَلَكَةٌ (تَصْدُرُ بِهَا أَفْعَالٌ يَتَضَرَّرُ الْغَيْرُ بِهَا) كَالْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ وَقِيلَ أَوْ لَا يَتَضَرَّرُ الْغَيْرُ بِهَا، وَلَكِنْ تَخْلُو عَنْ نَفْعٍ أُخْرَوِيٍّ فَيَدْخُلُ الْخَبُّ، وَهُوَ كَيْفِيَّةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى اسْتِعْمَالِ الدَّهَاءِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَبُلُوغِ غَايَاتِهَا (وَتَفْرِيطُهُ) أَيْ اعْتِدَالُ الْحِكْمَةِ أَوْ النُّطْقِ (الْبَلَادَةُ) ضِدُّ الذَّكَاءِ كَالْحَمَاقَةِ وَالِانْخِدَاعِ (وَهِيَ مَلَكَةٌ بِهَا يَقْصُرُ صَاحِبُهَا عَنْ إدْرَاكِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ) وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ دِينِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا.

(وَ) الثَّانِيَةُ (الْغَضَبُ، وَهُوَ حَرَكَةُ النَّفْسِ) الْحَيَوَانِيَّةِ (دَفْعًا لِلْمُنَافِرِ) حَالًا أَوْ مَآلًا وَذَلِكَ بِغَلَيَانِ دَمِ الْقَلْبِ عِنْدَ إدْرَاكِ مَا لَا يُلَائِمُهُ مِنْ الْأَذَى وَالْأَلَمَ، ثُمَّ قِيلَ هَذِهِ الْحَرَكَةُ جَزَعٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الِانْتِقَامُ لِكَوْنِهِ أَعْلَى مِنْهُ فَيَنْقَبِضُ ذَلِكَ الدَّمُ وَحِقْدٌ إنْ وَقَعَ تَرَدُّدٌ فِي الِانْتِقَامِ لِكَوْنِهِ مُسَاوِيًا لَهُ وَغَضَبٌ إنْ أَمْكَنَ الِانْتِقَامُ (فَاعْتِدَالُهُ الشَّجَاعَةُ، وَهِيَ مَلَكَةٌ بِهَا يُقْدِمُ عَلَى أُمُورٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهَا) كَالْمُحَارَبَةِ مَعَ الْكُفَّارِ مَا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ وَتَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ، وَإِنْ حَصَلَ الْإِقْدَامُ مِنْ غَيْرِ تَرَوٍّ فَجُرْأَةٌ (وَإِفْرَاطُهُ التَّهَوُّرُ) ، وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الشَّيْءِ بِقِلَّةِ مُبَالَاةٍ

ص: 34

(وَهُوَ مَلَكَةٌ بِهَا يُقْدِمُ عَلَى أُمُورٍ) مَهُولَةٍ يَصْعُبُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا (لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهَا) لِضَعْفِهِ كَالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ إذَا كَانُوا زَائِدِينَ عَلَى ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ وَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ وَالصَّلَفُ وَالِاسْتِشَاطَةُ (وَتَفْرِيطُهُ الْجُبْنُ، وَهُوَ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ بِهَا يُحَجِّمُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَالْجِيمِ لَا بِالْهَاءِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ يَتَأَخَّرُ وَيَكُفُّ (عَنْ مُبَاشَرَةِ مَا يَنْبَغِي) أَنْ يَلِيقَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ.

(وَ) الثَّالِثَةُ (الشَّهْوَةُ، وَهِيَ حَرَكَةُ النَّفْسِ) الْحَيَوَانِيَّةِ (طَلَبًا لِلْمُلَائِمِ) بِهَا صَيْدُ الْإِنْسَانِ وَسُخِّرَ فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ لَهَا مِمَّا يَجِدُ لَهَا حَظًّا عَاجِلًا (فَاعْتِدَالُهَا الْعِفَّةُ) قِيلَ هِيَ أَكْثَرُ مَا تَتَعَلَّقُ بِاللَّذَّاتِ الْبَهِيمِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَتَمَامُهَا يَتَعَلَّقُ بِحِفْظِ الْجَوَارِحِ وَلِذَا قَالَ (وَهِيَ مَلَكَةٌ بِهَا يُبَاشِرُ) الْإِنْسَانُ (الْمُشْتَهَيَاتِ) بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ (عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ وَالْمُرُوءَةِ) قِيلَ عَنْ الْمُجْمَلِ مَهْمُوزَةٌ وَقِيلَ عَنْ الصِّحَاحِ الْمُرُوءَةُ الْإِنْسَانِيَّةُ وَلَك أَنْ تُشَدِّدَ بِمَعْنَى كَمَالِ الرُّجُولِيَّةِ قِيلَ هُوَ أُسُّ الْفَضَائِلِ مِنْ الْقَنَاعَةِ وَالزُّهْدِ وَغِنَى النَّفْسِ وَالسَّخَاءِ وَغَيْرِهَا (وَإِفْرَاطُهَا الشَّرَهُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرُ شَرِه كَفَرِحَ غَلَبَهُ حِرْصُهُ (وَالْفُجُورُ) ، وَهُوَ الْكَذِبُ وَالِانْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي كَمَا عَنْ الْمُجْمَلِ.

وَعَنْ الصِّحَاحِ وَالْفِسْقُ وَالْكَذِبُ وَأَصْلُهُ الْمَيْلُ (وَهُوَ مَلَكَةٌ بِهَا يَتَنَاوَلُ) الْإِنْسَانُ (الْمُشْتَهَيَاتِ مُطْلَقًا) حَلَالًا أَوْ حَرَامًا مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ أَوْ لَا (وَتَفْرِيطُهَا) أَيْ الشَّهْوَةِ (الْخُمُودُ) فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ بِالْجِيمِ (وَهُوَ مَلَكَةٌ بِهَا يُقَصِّرُ) الْإِنْسَانُ لِضَعْفِ الْبِنْيَةِ أَوْ كِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ (عَنْ اسْتِيفَاءِ مَا يَنْبَغِي مِنْ الْمُشَهَّيَاتْ)

قِيلَ فَبِقَوْلِهِ مَا يَنْبَغِي خَرَجَ مِنْ الْوَرَعِ مَا يَكُونُ لِتَحْصِيلِ التَّقْوَى وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَكَذَا الْوُقُوفُ عَنْ الشُّبُهَاتِ عَلَى مَا يَرَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَا هُوَ مِنْهُ فَضِيلَةٌ، وَهُوَ الْوُقُوفُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ الضَّرُورَاتِ (وَالْأَوْسَاطُ) الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالْعِفَّةِ وَالشَّجَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْفَضَائِلُ فِي أَنْفُسِهَا (تَحْصُلُ بِاسْتِخْدَامِ الْأَوَّلِ) النُّطْقَ (الْأَخِيرِينَ) الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ بِقَهْرِهِمَا وَإِذْلَالِهِمَا بِمَعْنَى أَنَّ النُّطْقَ يَعْنِيَ الْعَقْلَ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمَا وَجَعَلَهُمَا خَادِمَيْنِ لَهُ تَحْصُلُ الْأَوْسَاطُ.

(وَالْأَطْرَافُ) السِّتَّةُ مِنْ الْجَرْبَزَةِ وَالْبَلَادَةِ وَالتَّهَوُّرِ وَالْجُبْنِ وَالشَّرَهِ وَالْخُمُودِ (تَحْصُلُ بِاسْتِخْدَامِهِمَا) الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ (إيَّاهُ) أَيْ النُّطْقَ

ص: 35

بِأَنْ يَخْرُجَ عَنْ الِاعْتِدَالِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ النُّطْقُ فِي دَرَجَةِ الِاعْتِدَالِ يَكُونُ مَقْهُورًا تَحْتَ الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ فَمَا دَامَ الْحُكْمُ وَالتَّصَرُّفُ فِي أَيْدِيهِمَا تَفُوتُ الْأَوْسَاطُ الشَّرِيفَةُ وَتَحْصُلُ الْأَطْرَافُ الرَّذِيلَةُ وَيَتْبَعُهَا سَائِرُ الْمَذْمُومَةِ (وَالْأَطْرَافُ) السِّتَّةُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ مَعَ شَوْبِ غَرَضٍ فَاسِدٍ أَوْ لَا (وَالْأَوْسَاطُ الْمَشُوبُ بِهَا غَرَضٌ فَاسِدٌ رَذَائِلُ) كَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْحَسَدِ أَمَّا الْمَشُوبُ بِالْحِكْمَةِ فَكَمَنْ يَتَعَلَّمُهَا لِمُجَارَاةِ الْعُلَمَاءِ وَمُمَارَاةِ السُّفَهَاءِ، وَأَمَّا فِي الشَّجَاعَةِ فَكَمَنْ يُرِيهَا لِلْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا فِي الْعِفَّةِ فَكَمَنْ يَتْرُكُ اللَّذَّةَ وَيَقْصِدُ اعْتِيَاضًا عَنْهَا جَاهًا فِي الدُّنْيَا فَهَذِهِ رَذَائِلُ لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ الْغَرَضِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ فَضِيلَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ آثَارًا كَثِيرَةً.

(فَلِلْحِكْمَةِ سَبْعُ شُعَبٍ) الْأَوَّلُ صَفَاءُ الذِّهْنِ هُوَ اسْتِعْدَادُ النَّفْسِ لِاسْتِخْرَاجِ الْمَطْلُوبِ بِلَا وِجْدَانِ اضْطِرَابٍ يَمْنَعُ الْوُصُولَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ إلَيْهِ الثَّانِي جَوْدَةُ الْفَهْمِ هِيَ صِحَّةُ انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنْ تَصَوُّرِ الْمَلْزُومِ إلَى تَصَوُّرِ اللَّازِمِ الثَّالِثُ الذَّكَاءُ هُوَ سُرْعَةُ انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ إلَى النَّتِيجَةِ هَذَا أَخَصُّ مِنْ الثَّانِي، وَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ: يَعْنِي الِاسْتِعْدَادَ مَرْتَبَةُ الْعَقْلِ الْهَيُولَانِيِّ.

وَالثَّانِي: يَعْنِي الِانْتِقَالَ مَرْتَبَةُ الْعَقْلِ بِالْمَلَكَةِ

وَالثَّالِثُ: يَعْنِي سُرْعَةَ الِانْتِقَالِ قَرِيبٌ لِمَرْتَبَةِ الْعَقْلِ بِالْفِعْلِ.

الرَّابِعُ: حُسْنُ التَّصَوُّرِ هُوَ الْبَحْثُ عَنْ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ بِقَدْرِ مَا هِيَ عَلَيْهِ بِلَا إدْخَالٍ زَائِدٍ بِلَا إهْمَالٍ دَاخِلٍ.

الْخَامِسُ: سُهُولَةُ التَّعَلُّمِ هِيَ قُوَّةٌ لِلنَّفْسِ عَلَى دَرْكِ الْمَطْلُوبِ بِلَا زِيَادَةِ سَعْيٍ وَمَئُونَةِ كُلْفَةٍ.

السَّادِسُ: الْحِفْظُ هُوَ ضَبْطُ الصُّوَرِ الْمُدْرَكَةِ الْحَاصِلِ بِالِاكْتِسَابِ.

السَّابِعُ: الذِّكْرُ بِالضَّمِّ اسْتِحْضَارُ الْأُمُورِ الْمَضْبُوطَةِ وَالنِّسَبُ غَيْرُ خَافِيَةٍ (وَلِلشُّجَاعَةِ إحْدَى عَشَرَةَ)

الْأَوَّلُ: كِبْرُ النَّفْسِ هُوَ اسْتِحْقَارُ الْيَسَارِ وَالْفَقْرُ وَالْكِبْرُ وَالصِّغَرُ.

الثَّانِي: عِظَمُ التُّهْمَةِ هُوَ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَشَقَاوَتِهَا.

الثَّالِثُ: الصَّبْرُ هُوَ قُوَّةُ مُقَاوَمَةٍ لِلْآلَامِ وَالْأَهْوَالِ.

الرَّابِعُ: النَّجْدَةُ عَدَمُ الْجَزَعِ مِنْ الْمَخَاوِفِ مَعَ مَلَكَةِ الثَّبَاتِ لِلنَّفْسِ.

الْخَامِسُ: الْحِلْمُ هُوَ الطُّمَأْنِينَةُ عِنْدَ ثَوْرَةِ الْغَضَبِ.

السَّادِسُ: السُّكُونُ هُوَ التَّأَنِّي فِي الْخُصُومَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.

السَّابِعُ: التَّوَاضُعُ هُوَ اسْتِعْظَامُ ذَوِي الْفَضَائِلِ، وَمَنْ دُونَهُ فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ بَعْدَ نَفْسِهِ دُونَ مَرَاتِبِهِمْ.

الثَّامِنُ: الشَّهَامَةُ هِيَ الْحِرْصُ عَلَى مُبَاشَرَةِ أُمُورٍ عَظِيمَةٍ.

التَّاسِعُ: الِاحْتِمَالُ هُوَ إتْعَابُ النَّفْسِ فِي الْحَسَنَاتِ.

الْعَاشِرُ: الْحَمِيَّةُ هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْحَرَامِ وَالدِّينِ.

الْحَادِيَ عَشَرَ: الرِّقَّةُ هِيَ التَّأَذِّي مِنْ أَذًى يَلْحَقُ الْغَيْرَ.

(وَلِلْعِفَّةِ إحْدَى عَشَرَةَ أَيْضًا الْأَوَّلُ) الْحَيَاءُ انْحِصَارُ النَّفْسِ عَنْ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ شَرْعِيَّةً أَوْ عَقْلِيَّةً أَوْ عُرْفِيَّةً.

الثَّانِي: الصَّبْرُ هُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ مُتَابَعَةِ الْهَوَى.

الثَّالِثُ: الدَّعَةُ هِيَ السُّكُونُ عِنْدَ هَيَجَانِ الشَّهْوَةِ.

الرَّابِعُ: النَّزَاهَةُ هِيَ اكْتِسَابُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَهَانَةٍ وَلَا ظُلْمٍ، وَإِنْفَاقُهُ فِي الْمَصَارِفِ الْحَمِيدَةِ فَمَعَ الْمَهَانَةِ تَفْرِيطٌ، وَمَعَ الظُّلْمِ إفْرَاطٌ.

الْخَامِسُ: الْقَنَاعَةُ هِيَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْكَفَافِ بِمَعْنَى تَسْوِيَةِ الْمَدْخَلِ وَالْمَصْرِفِ.

السَّادِسُ: الْوَقَارُ هُوَ التَّأَنِّي فِي التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْمَطَالِبِ.

السَّابِعُ: الرِّفْقُ هُوَ حُسْنُ الِانْقِيَادِ.

الثَّامِنُ: حُسْنُ السَّمْتِ هُوَ مَحَبَّةُ مَا يُكَمِّلُ النَّفْسَ.

التَّاسِعُ: الْوَرَعُ هُوَ مُلَازَمَةُ الْأَعْمَالِ الْحَمِيدَةِ بِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ وَالْمُرُوءَةِ.

الْعَاشِرُ: الِانْتِظَامُ هُوَ تَقْرِيرُ الْأُمُورِ وَتَرْتِيبُهَا بِحَسَبِ الْمَصَالِحِ.

الْحَادِيَ عَشَرَ: السَّخَاءُ إعْطَاءُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي.

(وَتَحْتَ هَذَا السَّخَاءِ سِتُّ فَضَائِلَ الْأَوَّلُ) الْكَرْمُ الْإِعْطَاءُ بِالسُّهُولَةِ وَطِيبِ النَّفْسِ.

الثَّانِي: الْإِيثَارُ تَرْجِيحُ الْغَيْرِ عَلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ.

الثَّالِثُ: النَّيْلُ الْإِعْطَاءُ مَعَ السُّرُورِ.

الرَّابِعُ: الْمُوَاسَاةُ مُشَارَكَةُ الْأَصْدِقَاءِ فِي الِانْتِفَاعِ فِي الْبَذْلِ.

الْخَامِسُ: السَّمَاحَةُ الْبَذْلُ تَفَضُّلًا بِلَا وُجُوبٍ عَلَيْهِ وَلَا تَوَقُّعِ مُجَازَاةٍ

السَّادِسُ: الْمُسَامَحَةُ تَرْكُ مَا لَا يَجِبُ تَرْكُهُ تَنَزُّهًا وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْمُرُوءَةَ هِيَ رَغْبَةٌ صَادِقَةٌ لِلنَّفْسِ فِي الْإِفَادَةِ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ وَالْعَفْوُ هُوَ تَرْكُ الْمُجَازَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، ثُمَّ الْعَدَالَةُ كَيْفِيَّةٌ مُتَوَسِّطَةٌ حَادِثَةٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْحِكْمَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْعِفَّةِ وَقِيلَ بِمُغَايَرَتِهَا وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ شُعَبَ الْعَدَالَةِ مُغَايِرَةٌ لِشُعَبِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ شُعَبَهَا

ص: 36

حَقِيقِيَّةٌ وَشُعَبُ الْعَدَالَةِ إضَافِيَّةٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ حَقِيقِيَّةُ الْكُلِّ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ الْبَعْضَ فَلَا يُفِيدُ وَلَوْ سُلِّمَ فَيَجُوزُ كَوْنُ شُعَبِ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعُ مُخَالَفَةٍ لِشُعَبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَلَهَا أَيْ الْعَدَالَةِ أَرْبَعَ عَشَرَةَ شُعْبَةً

الْأُولَى الصَّدَاقَةُ مَحَبَّةٌ صَادِقَةٌ بِحَيْثُ لَا يَشُوبُهَا غَرَضٌ مَعَ إيثَارٍ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْخَيْرَاتِ.

الثَّانِيَةُ: الْأُلْفَةُ اتِّفَاقُ الْآرَاءِ فِي تَعَاوُنِ الْمَعَاشِ.

الثَّالِثَةُ: الْوَفَاءُ مُلَازَمَةُ طَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ وَمَحَافِظُ عُهُودِ الْخُلْطَةِ.

الرَّابِعَةُ: التَّوَدُّدُ طَلَبُ مَوَدَّةِ الْأَكْفَاءِ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ.

الْخَامِسَةُ: الْمُكَافَأَةُ مُقَابَلَةُ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مَثَلًا أَوْ بِزِيَادَةٍ.

السَّادِسَةُ: حُسْنُ الشَّرِكَةِ رِعَايَةُ الْعَدَالَةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ.

السَّابِعَةُ: حُسْنُ الْقَضَاءِ تَرْكُ اللُّوَّمِ وَالْمَنِّ فِي الْمُجَازَاةِ.

الثَّامِنَةُ: صِلَةُ الرَّحِمِ مُشَارَكَةُ ذَوِي الْقَرَابَةِ فِي الْخَيْرَاتِ.

التَّاسِعُ: الشَّفَقَةُ صَرْفُ الْهِمَّةِ إلَى إزَالَةِ الْمَكْرُوهِ عَنْ النَّاسِ.

الْعَاشِرَةُ: الْإِصْلَاحُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْخُصُومَاتِ بِمَا يَدْفَعُهَا.

الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ: التَّوَكُّلُ تَرْكُ الْمُسَمَّى فِيمَا لَا يَسَعُهُ قُدْرَةُ الْبَشَرِ.

الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ: التَّسْلِيمُ انْقِيَادُ أَمْرِ اللَّهِ وَتَرْكِ الِاعْتِرَاضِ فِيمَا لَا يُلَائِمُ الطَّبِيعَةَ.

الثَّالِثَةَ عَشَرَةَ: الرِّضَا طِيبُ النَّفْسِ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَصَائِبِ، وَفِيمَا يَفُوتُهُ مِنْ الْفَرَائِدِ.

الرَّابِعَةَ عَشَرَةَ: الْعِبَادَةُ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَالتَّفْصِيلُ سَيُعْرَفُ مِنْ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ إذَا عَرَفْت ذَلِكَ.

(فَكُلُّ خُلُقٍ مَذْمُومٍ) أَيْ جَمِيعُ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ (نَاشِئٌ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَوْسَاطِ الْمَشُوبَةِ وَالْأَطْرَافِ مُطْلَقًا (مُنْفَرِدَةً أَوْ مُجْتَمِعَةً بَعْضُهَا أَوْ كُلُّهَا) وَلَمَّا فَسَّرَ الْخُلُقَ وَبَيَّنَ مَنْشَأَهُ أَخَذَ فِي الْكَلَامِ عَلَى عِلَاجِهِ حَسْبَمَا وَعَدَ قَبْلُ فَقَالَ: (وَعِلَاجُهُ الْكُلِّيُّ) الشَّامِلُ لِجَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ (الْإِجْمَالِيُّ) بِلَا تَفْصِيلٍ (مَعْرِفَةُ حَقَائِقِ الْأَمْرَاضِ كَالْكِبْرِ وَالْبُخْلِ) لِيَمْتَازَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ (وَغَوَائِلُهَا) جَمْعُ غَائِلَةٍ بِمَعْنَى الْمَضَرَّةِ.

(وَأَسْبَابُهَا وَأَضْدَادُهَا وَفَوَائِدُهَا) أَيْ الْأَضْدَادُ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْكِمَالَاتِ (وَأَسْبَابُهَا) أَيْ الْأَضْدَادِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَحْصِيلِهَا (ثُمَّ مَعْرِفَةُ وُجُودِ الْأَمْرَاضِ فِي نَفْسِهِ بِالتَّفْتِيشِ وَالتَّأَمُّلِ وَاخْتِيَارِ مَنْ يُنَبِّهُهُ) مِنْ عَالِمٍ أَوْ شَيْخٍ مُرْشِدٍ (عَلَى عَيْبِهِ) وَالْمُؤْمِنُ مِرْآةُ أَخِيهِ وَالرَّجُلُ لَا يَعْرِفُ كُلَّ عَيْبِهِ (مِنْ أَصْدِقَاءِ الصِّدْقِ) إذْ مَنْ لَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَى صَدَاقَتِهِ لَا يَخْلُو عَنْ مُدَاهَنَةٍ أَوْ تَكُونُ صَدَاقَتُهُ صُورِيَّةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ أُخْرَوِيَّةٌ إذْ الْمُحِبُّ الصَّادِقُ يَحْفَظُ حَبِيبَهُ مِنْ الْمَهَالِكِ وَالْمَخَاوِفِ لَكِنَّ مِثْلَهُ فِي غَايَةِ عِزَّةٍ وَنِهَايَةِ نُدْرَةٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

صَادُ الصَّدِيقِ وَكَافُ الْكِيمْيَاءِ مَعًا

لَا يُوجَدَانِ فَدَعْ عَنْ نَفْسِك الطَّمَعَا

رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَهْدَى إلَيَّ عَيْبِي وَلِهَذَا سُنَّ عَقْدُ الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (وَالتَّفَحُّصُ لِقَوْلُ أَعْدَائِهِ) فِي حَقِّهِ (فَإِنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إلَى عُيُوبِهِ) لِإِجْرَاءِ عَدَاوَتِهِمْ لَهُ (وَيَذْكُرُونَهُ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْعُيُوبِ طَلَبًا لِحَقَارَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرُوا فِيهِ مَوْجُودًا فَلْيَسْعَ إلَى إزَالَتِهِ، وَأَنَّ الْأَحِبَّاءَ قَلَّمَا يَرَوْنَ نَقَائِصَ أَحِبَّائِهِمْ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الصَّدَاقَةُ الصَّادِقَةُ تُرِي نَقَائِصَ الصِّدِّيقِ مَحَاسِنَ.

وَقِيلَ عَنْ الْإِحْيَاءِ إنَّ رَجُلًا قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ نَبِّهْنِي عَلَى عَيْبِي فَقَالَ لَاحَظْتُك بِعَيْنِ

ص: 37

الْوِدَادِ فَاسْتَحْسَنْت مِنْك مَا رَأَيْت فَسَلْ غَيْرِي عَنْ عَيْبِك (وَالنَّظَرُ إلَى النَّاسِ) أَيْ مَعَايِبِهِمْ فَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُهُ فَيَجْتَنِبُ عَنْهُ فَإِنَّ مَا كَرِهَهُ مِنْ النَّاسِ يَكْرَهُهُ النَّاسُ مِنْهُ أَوْ الْمَعْنَى فِيمَا يَقُولُونَ فِي حَقِّهِ كَمَا قِيلَ لَكِنْ يَكُونُ كَالْمُسْتَغْنِي عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ (فَإِنَّهُمْ مِرْآةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ فَيَرَى فِي عُيُوبِ غَيْرِهِ عُيُوبَ نَفْسِهِ» قِيلَ لِعِيسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَدَّبَك فَقَالَ مَا أَدَّبَنِي أَحَدٌ فَإِذَا رَأَيْت جَهْلَ الْجَاهِلِ تَجَانَبْتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ مَا اسْتَحْسَنْت مِنْ فِعْلِ النَّاسِ دَاخَلْت وَمَا اسْتَهْجَنْت جَانَبْت وَقِيلَ لِلُقْمَانَ مِمَّنْ تَعَلَّمْت الْأَدَبَ قَالَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْأَدَبَ (وَتَذْكِرَةٌ لِكُلِّ طَالِبٍ مُسْتَبْصِرٍ) ذِي بَصِيرَةٍ فِي الْحَقِّ وَأَمْرِ الْآخِرَةِ (ثُمَّ تَمْيِيزُ أَسْبَابِهَا) إذْ مَا لَمْ يُمَيِّزْ الْأَسْبَابَ لَمْ يَعْلَمْ طَرِيقَ إزَالَتِهَا (ثُمَّ إزَالَةُ الْأَسْبَابِ) إذْ الْمُسَبِّبَاتُ إنَّمَا تَزُولُ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا (وَارْتِكَابٌ) بِتَحَمُّلِ الْأَتْعَابِ وَالْمَشَاقِّ (الْفَضِيلَةُ الْمُقَابِلَةُ) لِذَلِكَ الْمَذْمُومِ (وَالتَّكَلُّفُ فِي تَحْصِيلِهَا) أَيْ الْفَضِيلَةِ فَإِنَّ مَنْعَ النَّفْسِ عَمَّا ائْتَلَفَتْهُ وَجُبِلَتْ عَلَيْهِ مُحْتَاجٌ إلَى تَكَلُّفٍ وَزِيَادَةِ مَشَقَّةٍ، فَإِنَّ الْمَنَاهِيَ مَحْبُوبَةٌ وَالنُّفُوسُ إلَيْهَا مَجْذُوبَةٌ (إذْ الْأَمْرَاضُ) الْعَقْلِيَّةُ كَالْحِسِّيَّةِ (تُعَالَجُ بِالْأَضْدَادِ كَمَا أَنَّ الصِّحَّةَ) الْبَدَنِيَّةَ (تُحْفَظُ بِالْأَنْدَادِ) بِالْأَمْثَالِ يَعْنِي الِاعْتِدَالَ فِي الْمِزَاجِ فَالْمَيْلُ عَنْ الِاعْتِدَالِ مَرَضٌ مُهْلِكٌ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (التَّعْنِيفُ) أَيْ الزَّجْرُ وَعَدَمُ الرِّفْقِ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّغْلِيظِ (بِالتَّعْيِيرِ) بِنِسْبَةِ الْعَارِ، وَهُوَ الشَّيْنُ (وَالتَّوْبِيخُ) أَيْ اللُّوَّمُ وَالتَّقْرِيعُ (فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ) لِتَأَلُّمِ النُّفُوسِ بِهِمَا خُصُوصًا أَرْبَابُ الْهِمَمِ الْعَالِيَةِ (ثُمَّ) ارْتِكَابُ (الرَّذِيلَةِ الْمُقَابِلَةِ) لِلْخُلُقِ الْحَسَنِ كَارْتِكَابِ الْإِسْرَافِ لِإِزَالَةِ الْبُخْلِ وَإِلْقَاءِ النَّفْسِ فِي الْمَخَاوِفِ لِإِزَالَةِ الْجُبْنِ وَهَذَا لِلتَّدَاوِي بِالنَّجَسِ لِلضَّرُورَةِ (فَلْيُحْفَظْ) عِنْدَهُ (حَتَّى لَا يُتَجَاوَزَ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ) يَعْنِي فَلْيَكْتَفِ بِقَدْرِ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ الْمَرَضَ وَلَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يَتَجَاوَزَ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ كَالْإِسْرَافِ مَثَلًا فَيَكُونُ كَمَنْ هَرَبَ مِنْ الْمَطَرِ وَوَقَفَ تَحْتَ الْمِيزَابِ أَوْ الْمَعْنَى فَلْيَحْفَظْ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الرَّذِيلَةِ لِتَرْكِ ذَلِكَ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَإِنَّ مَا أُبِيحَ لِضَرُورَةٍ يَزُولُ بِزَوَالِ تِلْكَ الضَّرُورَةِ لَكِنْ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عِنْدَ كَوْنِ مَا ارْتَكَبَهُ أَخَفَّ مِمَّا يُرِيدُ إزَالَتَهُ فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الضَّرَرَيْنِ ارْتِكَابُ أَخَفِّهِمَا وَقِيلَ فِي بَيَانِ هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُ، ثُمَّ الرَّذِيلَةُ أَيْ، ثُمَّ أَنَّهُ لَا يَنْسَى الرَّذِيلَةَ الْمُقَابِلَةَ لِلْفَضِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلْتُحْفَظْ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَتَجَاوَزَ عَنْ الْفَضِيلَةِ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ أَيْ الرَّذِيلَةِ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ يَسْهُلُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَتَأَمَّلْ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَزُلْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْمُعَالَجَاتِ لِقُوَّةِ تَمَكُّنِهِ فِي النَّفْسِ أَوْ لِضَعْفِ اسْتِعْمَالِهِ تِلْكَ الْمُعَالَجَاتِ (الرِّيَاضَاتُ) جَمْعُ رِيَاضَةٍ، وَهِيَ تَمْرِينُ النَّفْسِ وَتَعْلِيمُهَا الْأَمْرَ الشَّاقَّ عَلَيْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا (الشَّاقَّةُ) الْمُتْعِبَةُ الصَّعْبَةُ فَكَالصِّفَّةِ التَّوْضِيحِيَّةِ (كَالنُّذُورِ) الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ (وَالْأَيْمَانُ) جَمْعُ يَمِينٍ (وَالْعُهُودُ) الْمَوَاثِيقُ الشَّدِيدَةُ فَكَالْمُسْتَغْنِي عَنْهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَيْمَانِ (عَلَى الْتِزَامِ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ) كَقِيَامِ أَكْثَرِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ أَكْثَرِ الشَّهْرِ (حَتَّى تُذْعِنَ) أَيْ تَقْبَلَ النَّفْسُ (مَا هُوَ أَسْهَلَ مِنْهَا) مِنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ (بِالطِّيبِ وَالسُّهُولَةِ) فَإِنَّهُ يَخِفُّ ذَلِكَ عِنْدَمَا هُوَ أَعْظَمُ ضَرَرًا وَأَشَقُّ.

وَفِي رِسَالَةِ

ص: 38

الْقُشَيْرِيِّ عَنْ الْبِسْطَامِيِّ قِيلَ لَهُ مَا لَقِيت فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ مَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ فَقِيلَ لَهُ مَا أَهْوَنُ مَا لَقِيَتْ نَفْسُك مِنْك فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ دَعَوْتهَا إلَى شَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ فَلَمْ تُجِبْنِي فَمَنَعْتهَا الْمَاءَ سَنَةً وَهَذَا كَمَنْ يَطِيبُ لَهُ الْكَيُّ وَالْمُعَالَجَاتُ الصَّعْبَةُ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْأَمْرَاضِ لِرَجَاءِ الْخَلَاصِ بِهَا (وَاسْتِمَاعُ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ سُوءِ الْخُلُقِ) مِنْ الْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَعْرِفَةُ حَقَائِقِ الْأَمْرَاضِ؛ وَلِهَذَا تَرَكَ لَفْظَ ثُمَّ الدَّالَّةَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي، فَلَيْسَ هَذَا سَابِعُ الْعِلَاجِ الْمُتَرَتِّبِ الْمُتَقَدِّمِ فَالْعِلَاجُ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا السِّتَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَثَانِيهِمَا هُوَ هَذَا خِلَافًا لِجُمْهُورِ الشُّرَّاحِ هُنَا (إجْمَالًا) عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ لَيْسَ بِمُصَرَّحٍ بِأَعْيَانِ شَيْءٍ مِنْ الذَّمِيمَةِ بَلْ شَامِلٌ لِجُزْئِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ (وَتَفْصِيلًا) أَيْ كُلُّ ذَمِيمَةٍ ذَمِيمَةٌ بِأَثَرِ أَثَرٍ (وَ) هَذَا (الثَّانِي) أَيْ التَّفْصِيلِيُّ (سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ الْإِجْمَالِيُّ (فَمِنْهُ مَا خَرَجَ صف) أَيْ الْأَصْفَهَانِيُّ.

(عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَعْظَمُ» جِنَايَةً وَمُؤَاخَذَةً «عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى» ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْظَمَ عِنْدَ النَّاسِ «مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ» مُطْلَقًا (وَ) سَبَبُ (ذَلِكَ) أَيْ الْأَعْظَمِيَّةِ (أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَنْبٍ) بِالتَّوْبَةِ (إلَّا وَقَعَ فِي ذَنْبٍ) آخَرَ لِرُسُوخِ ذَلِكَ الْخُلُقِ الَّذِي هُوَ الْمَبْدَأُ لَعَلَّ أَنَّ أَصْلَهُ رَاسِخٌ ضَرُورِيٌّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَرَتُهُ اخْتِيَارِيَّةٌ فَمَا دَامَ الْأَصْلُ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْأَثَرِ فَتَأَمَّلْ جِدًّا.

وَالْحَدِيثُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى رِوَايَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا هَكَذَا كَمَا يَقْرُبُ مَا سَيَذْكُرُ هُنَا «مَا مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَوْبَةٌ إلَّا سُوءُ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ لَا يَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ إلَّا رَجَعَ إلَى مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ» .

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَلَا يَثْبُتُ عَلَى التَّوْبَةِ أَبَدًا فَهُوَ كَالْمُصِرِّ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَابَ مِنْ وَاحِدٍ يَفْعَلُ آخَرَ فَالتَّوَهُّمُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْغَضَبُ بِشَهَادَةِ الْعُرْفِ وَبِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «حُسْنُ الْخُلُقِ أَنْ لَا تَغْضَبَ» إلَى آخِرِ مَا قَالَ تَأْوِيلٌ مُخَرِّجٌ لِلْحَدِيثِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى التَّفْصِيلِيِّ وَالْكَلَامُ فِي الْإِجْمَالِيِّ.

(خَرَّجَ طط) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّؤْمُ» ضِدُّ الْيُمْنِ وَالتَّبَرُّكِ، وَهُوَ مَا يَكْرَهُهُ الْإِنْسَانُ وَيَخَافُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِ «سُوءُ الْخُلُقِ» ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ بَلْ شَأْنُهُ الشَّرُّ وَالْهَوَانُ وَفِي تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إشَارَةٌ إلَى الْحَصْرِ فَالْمَعْنَى الشُّؤْمُ هَذَا لَا مَا يَتَشَاءَمُ النَّاسُ مِنْهُ (طط صف) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْأَصْفَهَانِيُّ.

(عَنْ عَائِشَةَ) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ شَيْءٍ» مِنْ الْمَعَاصِي وَالْمُذْنِبِينَ «إلَّا لَهُ تَوْبَةٌ» عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى «إلَّا صَاحِبُ سُوءِ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ» لِسُوءِ طَبِيعَتِهِ وَفَسَادِ مِزَاجِهِ «لَا يَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ إلَّا عَادَ فِي» ذَنْبٍ «شَرٍّ مِنْهُ» إمَّا عَلَى الْإِمْكَانِ أَوْ الْأَكْثَرِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ الشَّرُّ مِنْهُ

ص: 39

(طكط هَقّ) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيِّ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخُلُقُ الْحَسَنُ» لِغَايَةِ شَرَفِهِ «يُذِيبُ الْخَطَايَا كَمَا يُذِيبُ الْمَاءُ الْجَلِيدَ» أَيْ الْجَمَدَ، وَهُوَ مَا يَجْمُدُ مِنْ الْمَاءِ لِفَرْطِ الْيُبْسِ وَالْبَرْدِ لَعَلَّ ذَلِكَ إمَّا لِتَوْفِيقِ تَوْبَةٍ أَوْ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِشْهَادِ مَا ذُكِرَ فِيمَا بَعْدُ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ قَبْلُ فَلِئَلَّا يَقْطَعَ الْحَدِيثَ «وَالْخُلُقُ السُّوءُ» مَلَكَةٌ يَصْدُرُ عَنْهَا سَيِّئُ الْأَفْعَالِ بِسُهُولَةٍ «يُفْسِدُ الْأَعْمَالَ» الصَّالِحَةَ «كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ» بِإِذْهَابِ حَلَاوَتِهِ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الذَّمِيمَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ شَرَعَ فِي الْمَحْمُودَةِ فَقَالَ (وَالْأَوْسَاطُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَالْأَطْرَافُ مُطْلَقًا وَالْأَوْسَاطُ الْمَشُوبَةُ إلَخْ قَدَّمَ التَّخْلِيَةَ عَلَى التَّحْلِيَةِ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالْعِفَّةِ وَالشَّجَاعَةِ (الْخَالِيَةِ عَنْ الْغَرَضِ الْفَاسِدِ) كَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (فَضَائِلُ) وَكِمَالَاتُ (فَكُلُّ خُلُقٍ مَحْمُودٍ نَاشِئٌ مِنْهَا) مِنْ الْأَوْسَاطِ الْمَوْصُوفَةِ (مُنْفَرِدَةً أَوْ مُجْتَمَعًا بَعْضُهَا) مَعَ آخَرَ (أَوْ) نَاشِئٌ (مِنْ مَجْمُوعِهَا الْمُسَمَّى بِالْعَدَالَةِ) وَكَمَالُ هَذِهِ الْأَوْسَاطِ خُصَّ بِأَشْرَفِ الْخُلُقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] (فَمَنْ حَصَلَ لَهُ) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَحْمُودِ (بِكَسْبٍ أَوْ طَبْعٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا عَدَمُ الطَّبْعِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْإِشَارَةِ لِلْمَذْهَبَيْنِ بَعِيدٌ لَعَلَّك قَدْ عَرَفْته قَبْلُ (فَلْيَحْفَظْهُ) وَلِبَعْضٍ لِئَلَّا يَتَحَوَّلَ (بِمُلَازَمَةِ أَهْلِهِ) مِنْ الصُّلَحَاءِ، فَإِنَّ الصَّاحِبَ يَقْتَدِي بِصَاحِبِهِ وَالْمُجَاوَرَةُ تُوجِبُ الْإِشْرَاكَ فِي الْمُجَاوِرِ، وَأَنَّ الصُّحْبَةَ سَارِيَةٌ وَالطَّبِيعَةُ سَارِقَةٌ (وَعَدَمُ صُحْبَةِ الْأَشْرَارِ) لِسُرْعَةِ انْسِلَاخِ التَّخَلُّقِ وَعَوْدِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْخُلُقِ، فَإِنَّ لِلْمُجَاوِرَاتِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا سَرِيعًا كَمَا قِيلَ، وَمَنْ يَصْحَبُ الْأَشْرَارَ يُعَدُّ شِرِّيرًا وَقِيلَ:

عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ

فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي

إذَا كَانَ ذَا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً

وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَدِي

، وَكَمَا قِيلَ:

لَا تَصْحَبْ الْكَسْلَانَ فِي حَالَاتِهِ

كَمْ صَالِحٍ بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ

عَدْوَى الْبَلِيدِ إلَى الْجَلِيدِ سَرِيعَةٌ

كَالْجَمْرِ يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَيَخْمُدُ

كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» (وَإِيَّاهُ) لِيَحْذَرْ مَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْخُلُقُ الْمَحْمُودُ (وَالِاسْتِرْسَالُ) مِنْ إرْسَالِ نَفْسِهِ حَيْثُ تَشْتَهِي وَتَهْوَى (فِي الْمَلَاهِي) مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ (وَالْمِزَاحِ) الْمَذْمُومِ مِنْهُ مَا كَثُرَ أَوْ مَا يُؤْذِي أَوْ يُبْطِلُ، وَأَمَّا الْمِزَاحُ الْحَقُّ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ مِمَّا لَا يُؤْذِي بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ فَيَجُوزُ وَسَيَجِيءُ (وَالْمِرَاءُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مَمْدُودًا الْمُجَادَلَةُ (وَلْيَرُضْ) مِنْ الرِّيَاضَةِ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الرَّاءِ (نَفْسَهُ بِوَظَائِفَ عِلْمِيَّةٍ وَعَمَلِيَّةٍ) كَالتَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَالْمُطَالَعَةِ وَكَالِاشْتِغَالِ بِالْفَضَائِلِ وَالنَّوَافِلِ وَزِيَارَةِ الصَّالِحِينَ (فَلْيَذْكُرْ جَلَالَتَهُ) أَيْ الْخُلُقَ الْمَحْمُودَ فَإِنَّهُ فَضْلٌ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى (وَدَوَامَهُ وَصَفَاءَهُ) لَهُ مِنْ كَدُورَاتِ أَضْدَادِهِ (وَ) لِيَذْكُرَ (حَقَارَةَ الدُّنْيَا) عِنْدَ اللَّهِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَعْدِلُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.

قَالَ

ص: 40

لُقْمَانُ لِابْنِهِ: " إنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ غَرِقَ فِيهَا نَاسٌ كَثِيرٌ فَلْتَكُنْ سَفِينَتُك فِيهَا تَقْوَى اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَحَشْوُهَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ".

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَك مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ» .

(وَزَوَالَهَا وَنَكِدَهَا) أَيْ عُسْرَهَا وَشِدَّتَهَا (وَبِاسْتِمَاعِ مَا وَرَدَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ) عَطْفٌ عَلَى مُلَازَمَةٍ (إجْمَالًا) عَلَى وَجْهٍ يَشْتَمِلُ عَلَى جُزْئِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ (وَتَفْصِيلًا وَالثَّانِي) أَيْ التَّفْصِيلِيُّ (سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ (وَمِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ الْإِجْمَالِيِّ (قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى) لِحَبِيبِهِ عليه الصلاة والسلام {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] عَنْ الْحَلِيمِيِّ إنَّمَا وَصَفَ الْخُلُقَ بِالْعَظَمَةِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي مُطْلَقِ الْخُلُقِ الْكَرْمُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُهُ بِمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْكَرَمِ مِنْ نَحْوِ السَّمَاحَةِ بَلْ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَفِيقًا بِهِمْ شَدِيدًا عَلَى الْكُفَّارِ غَلِيظًا عَلَيْهِمْ مَهِيبًا فِي صُدُورِ الْأَعْدَاءِ مَنْصُورًا بِالرُّعْبِ مِنْهُمْ عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ.

وَعَنْ الْجُنَيْدِ إنَّمَا كَانَ خُلُقُهُ عَظِيمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ مَعَ الْخَلْقِ وَبَاطِنَهُ مَعَ الْحَقِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.

(وَ) مِنْهُ (قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا خَرَّجَهُ طك) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ» لِكَوْنِهِ مَجَامِعَ الْخَيْرِ «عَظِيمَ دَرَجَاتِ الْآخِرَةِ» مَرَاتِبَهَا الْعَالِيَةِ «وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ و» الْحَالُ «أَنَّهُ» أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدُ «لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَيْسَرِ الْعِبَادَةِ وَأَهْوَنِهَا عَلَى الْبَدَنِ الصَّمْتُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ» .

وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ: هَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ لِآدَابِ الْعَدْلِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا «وَأَنَّهُ» أَيْ الْعَبْدَ «لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَكَةٍ فِي جَهَنَّمَ» ، وَإِنْ كَثُرَتْ عِبَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَهْدِمُهَا كَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْعُجْبِ بَلْ رُبَّمَا يُفْضِي إلَى الْكُفْرِ.

قَالَ الْفُضَيْلُ «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ فُلَانَةَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَهِيَ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ حُسْنِ خُلُقٍ مُفْضٍ مِنْ حَسَنَةٍ إلَى حَسَنَةٍ إلَى أَنْ تُضَاعَفَ الْحَسَنَاتُ، وَكَذَا سَيِّئُهُ.

(حَدّ هق حك) الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «بُعِثْت» مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى «لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» .

ص: 41

أَيْ لِأُتَمِّمَ الْأَخْلَاقَ الْكَرِيمَةَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَصْلَ الْخُلُقِ الْكَرِيمِ حَاصِلٌ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِتْمَامُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ عَلَيْهِمْ التَّحِيَّةُ وَالتَّسْلِيمُ وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى مُجَدِّدٍ وَمُؤَسِّسٍ فَصَارَتْ شَرِيعَتُهُ خَاتَمَ الشَّرَائِعِ وَأَيْضًا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَجْمَعُ جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْحِسَانِ الثَّابِتَةِ فِي جَمِيعِ الْأَنَامِ كَكَرَمِ الْعَرَبِ وَشَجَاعَةِ قُرَيْشٍ وَرِقَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهَا لِكَوْنِ خُلُقِهِ هُوَ الْقُرْآنُ الْجَامِعُ لِكُلِّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ فَهَذَا سِرُّ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا نَبِيَّ بَعْدِي» .

(طب د) الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو دَاوُد (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ذَهَبَ» صَاحِبُ «حُسْنِ الْخُلُقِ» أَيْ ظَفِرَ وَفَازَ «بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» إذْ بِهِ يَأْمَنُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا زَوْجَانِ فِي الدُّنْيَا تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا.

(طط) الطَّبَرَانِيُّ فِي أَوْسَطِهِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَا حَسَّنَ اللَّهُ خَلْقَ رَجُلٍ وَخُلُقَهُ» بِضَمَّةٍ أَوْ ضَمَّتَيْنِ بِمَعْنَى الطَّبِيعَةِ وَالْعَادَةِ وَقِيلَ أَيْ الصُّورَةُ الظَّاهِرِيَّةُ وَالْبَاطِنِيَّةُ «فَيُطْعِمُهُ النَّارَ» مِنْ قَبِيلِ مَا تَأْتِينَا فَتُحَدِّثَنَا إذْ حُسْنُ خِلْقَتِهِ يُحَبِّبُهُ إلَى النَّاسِ وَحُسْنُ طَبِيعَتِهِ يُحَبِّبُهُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى النَّاسِ فَيَكْمُلُ لَهُ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَالنَّاسِ فَيَفُوزُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ.

(هق) الْبَيْهَقِيُّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَيْك بِحُسْنِ الْخُلُقِ» أَيْ الْزَمْهُ، وَهُوَ اعْتِدَالُ قُوَى النَّفْسِ.

وَعَنْ الْإِحْيَاءِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ دَائِمًا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُزَيِّنَهُ بِمَحَاسِنِ الْآدَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ» «قَالَ وَمَا حُسْنُ الْخُلُقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ» - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَصِلُ» مِنْ الْوَصْلِ وَالْمُوَاصَلَةِ بِالزِّيَارَةِ وَالْأُلْفَةِ وَالْإِحْسَانِ «مَنْ قَطَعَكَ» وَفَارَقَك وَبَاعَدَك وَلَوْ عَلِمْت عَدَمَ رَغْبَتِهِ إلَيْك فَإِنَّك مَأْجُورٌ فِي صَنِيعِك «وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ» مَالًا أَوْ بَدَنًا أَوْ عِرْضًا سِيَّمَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إنْفَاذِهِ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا» «وَتُعْطِي» مَالًا أَوْ عِلْمًا أَوْ خِدْمَةً أَوْ قَضَاءَ حَاجَةٍ «مَنْ حَرَمَكَ» مِنْ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَالتَّخْصِيصُ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهَا أَعْظَمُ الْأَخْلَاقِ الْحِسَانِ أَوْ لِوُجُودِ غَيْرِهَا فِي أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ لِحَادِثَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَوْ لِاسْتِلْزَامِهَا سَائِرَهَا كُلِّيًّا أَوْ أَكْثَرِيًّا وَإِلَّا فَالْأَخْلَاقُ الْحِسَانُ لَيْسَتْ بِمَحْصُورَةٍ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ فِي كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدًا لِلْإِجْمَالِيِّ خَفَاءً بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ التَّفْصِيلِيِّ إلَّا

ص: 42

أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجْمَالِيَّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ

وَفِي التَّنْبِيهِ " عَنْ الْمَأْمُونِ أَنَّ جَارِيَتَهُ جَاءَتْ بِمَرَقَةٍ فَعَثَرَتْ فَصَبَّتْ عَلَيْهِ فَأَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهَا فَقَالَتْ اسْتَعْمِلْ قَوْله تَعَالَى {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134] قَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَقَالَتْ: اسْتَعْمِلْ مَا بَعْدَهُ {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] قَالَ: عَفَوْت، فَقَالَتْ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] قَالَ أَحْسَنْت إلَيْك فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ".

وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك، وَتَصْفَحَ عَمَّنْ ظَلَمَك " قَالَ شَارِحُهُ النِّحْرِيرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ الشَّاقَّةِ.

قَالَ الرَّاغِبُ: فَالْعَفْوُ نِهَايَةُ الْحِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَك غَايَةُ الْجُودِ وَوَصْلُ مَنْ قَطَعَك نِهَايَةُ الْإِحْسَانِ.

وَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَابَلَ الْإِسَاءَةَ بِالْإِحْسَانِ فَهُوَ أَكْمَلُ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِإِطْلَاقِ وَصْفِ الْإِنْسَانِيَّةِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ ادِّعَاءً وَمُبَالَغَةً وَمِنْ ثَمَرَاتِ هَذَا الْخُلُقِ صَيْرُورَةُ الْعَدُوِّ خَلِيلًا أَوْ صَيْرُورَتُهُ قَتِيلًا وَتُنَكِّلُ بِهِ سِهَامُ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ تَنْكِيلًا.

قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ رَأَيْت فِي الْإِنْجِيلِ قَالَ عِيسَى: لَقَدْ قِيلَ لَكُمْ مِنْ قَبْلُ أَنَّ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالْآنَ أَقُولُ لَكُمْ لَا تُقَابِلُوا الشَّرَّ بِالشَّرِّ مَنْ ضَرَبَ خَدَّك الْأَيْمَنَ فَحَوِّلْ إلَيْهِ الْأَيْسَرَ، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَك فَأَعْطِهِ إزَارَك انْتَهَى.

(فَعَلَيْك أَيُّهَا السَّالِكُ بِتَخْلِيَةِ قَلْبِك عَنْ الرَّذَائِلِ وَتَحْلِيَتِهِ بِالْفَضَائِلِ) الظَّاهِرُ أَنَّ كِلَا اللَّامَيْنِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنَّ تَرْكَ خُلُقٍ وَاحِدٍ بِمَا يَدْعُو إلَى الْبَاقِي؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا مُرْتَبِطٌ بِبَعْضٍ، وَأَنَّ السَّلَامَةَ لَا تَصْفُو بِعَدَمِ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ بَلْ بِجَمِيعِهَا (فَإِنَّ التَّصَوُّفَ عِبَارَةٌ عَنْهُمَا) أَيْ التَّخْلِيَةِ وَالتَّحْلِيَةِ وَلِذَا عَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ عِلْمِ التَّصَوُّفِ بِعِلْمِ الْأَخْلَاقِ (إذْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ) مِنْ الدَّنَاءَةِ أَيْ رَذِيلٍ (وَالدُّخُولُ فِي كُلِّ خُلُقٍ سُنِّيٍّ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَرِيرِيِّ.

وَعَنْ الْجُنَيْدِ هُوَ أَنْ يُمِيتَك الْحَقُّ عَنْك وَيُحْيِيك بِهِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا هُوَ أَوْلَى فِي الْوَقْتِ وَقِيلَ هُوَ أَخْلَاقٌ كَرِيمَةٌ ظَهَرَتْ فِي زَمَانٍ كَرِيمٍ مِنْ رَجُلٍ كَرِيمٍ مَعَ قَوْمٍ كِرَامٍ.

وَعَنْ الْكَرْخِيِّ هُوَ الْأَخْذُ بِالْحَقَائِقِ وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي الْخَلَائِقِ كَمَا فِي الْقُشَيْرِيِّ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ الدَّعَاوَى وَكِتْمَانُ الْمَعَانِي وَقِيلَ هُوَ اخْتِيَارُ الْعُزْلَةِ وَاتِّبَاعُ الشَّرِيعَةِ وَالنُّطْقُ بِالْحِكْمَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ.

قَالَ عَبْدُ الرَّءُوفِ الْمُنَاوِيُّ فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: حَاوَلَ بَعْضُهُمْ جَمْعَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ فَقَالَ الْإِحْسَانُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْإِيثَارُ وَاتِّبَاعُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ وَالِاسْتِقَامَةُ وَالِاقْتِصَادُ فِي الْعِبَادَةِ وَالْمَعِيشَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِعَيْبِ النَّفْسِ عَنْ عَيْبِ النَّاسِ وَالْإِنْصَافُ وَفِعْلُ الرُّخَصِ أَحْيَانًا وَالِاعْتِقَادُ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالِافْتِقَارُ الِاخْتِيَارِيُّ وَالْإِنْفَاقُ بِغَيْرِ تَقْتِيرٍ، وَإِنْفَاقُ الْمَالِ لِصِيَانَةِ الْعِرْضِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَجَنُّبُ الشُّبْهَةِ وَاتِّقَاءُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا بِهِ بَأْسٌ وَإِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالِاسْتِشَارَةُ وَالِاسْتِخَارَةُ وَالْأَدَبُ وَالِاحْتِرَامُ وَالْإِجْلَالُ لِأَفَاضِلِ الْبَشَرِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَإِدْخَالُ

ص: 43