المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الأول في تفسير الكبر] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[المبحث الأول في تفسير الكبر]

أَيْ لِلْمُبْتَدِئِ وَلِمَنْ فِيهِ تِلْكَ الْأُمُورُ لَكِنْ الْغَالِبُ أَنَّ سَبَبَ مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ الْمُبْتَدِئِيَّةُ فَجَعْلُهَا مُغَايِرًا لَهُ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَإِنَّ مَنْ بَقِيَ فِيهِ تِلْكَ الْأُمُورُ لَا يَخْرُجُ عَنْ رُتْبَةِ الْمُبْتَدِئِيَّةِ وَلَوْ طَالَ زَمَانُهُ وَكَثُرَ أَوَانُهُ فِي السُّلُوكِ وَالطَّاعَاتِ (غَلَبَةُ الْخَوْفِ وَلِغَيْرِهِمَا) مِمَّنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ السُّلُوكِ وَرَقِيَ إلَى جَانِبِ سَيِّدِ الْمُلُوكِ بِقَطْعِ عَقَبَاتِ النَّفْسِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالرِّيَاضَةِ (غَلَبَةُ الرَّجَاءِ أَوْ الْمُسَاوَاةُ) بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ التَّقْرِيبِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ نَحْوُ قَوْلِهِ وَأَنَّ شَخْصًا وَاحِدًا قَدْ يَعْرِضُ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَالَاتٌ تُرَجِّحُ جَانِبَ الْخَوْفِ وَفِي بَعْضٍ آخَرَ حَالَاتٌ أُخْرَى تُرَجِّحُ جَانِبَ الرَّجَاءِ وَفِي بَعْضِهَا الْمُسَاوَاةُ، لَعَلَّهُ اكْتَفَى بِمَا ذَكَرَ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُقَايَسَةِ وَاسْتِظْهَارًا مِمَّا ذَكَرَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُلَائِمُ لِمَنْ نَظَرَ مِنْ الْخَارِجِ

وَالْكَلَامُ فِي نَفْسِ الْعَابِدِ فَكُلُّ عَابِدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصُرَ عَمَلَهُ بَلْ كُلَّمَا ازْدَادَ الْقُرْبُ ازْدَادَ الْخَوْفُ وَلِهَذَا تَرَى أَخْوَفَ النَّاسِ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ الْأَوْلِيَاءَ ثُمَّ وَثُمَّ وَأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا بِأَنَّهُ يَنْبَغِي غَلَبَةُ جَانِبِ الْخَوْفِ فِي الصِّحَّةِ وَالرَّجَاءِ فِي الْمَرَضِ وَلَعَلَّ لِتَعَارُضِ مِثْلِ ذَلِكَ قَالَ (وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى) .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85] نَعَمْ قِيلَ هُنَا الْمَشْهُورُ يَنْبَغِي اسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ لِلصِّحَّةِ وَغَلَبَةِ الرَّجَاءِ فِي الْمَرَضِ لِلْحَدِيثِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ.

وَعَنْ مَنَاهِجِ الْأَخْلَاقِ الْأَفْضَلُ عِنْدَ طَائِفَةٍ التَّسْوِيَةُ فِي الصِّحَّةِ وَعِنْدَ أُخْرَى غَلَبَةُ الْخَوْفِ وَفِي الْمَرَضِ غَلَبَةُ الرَّجَاءِ مُطْلَقًا.

وَعَنْ الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْخَوْفِ إذْ غَلَبَةُ الرَّجَاءِ تُفْسِدُ الْقُلُوبَ وَعَنْ الْوَاسِطِيِّ هُمَا زِمَامَا نُفُوسٍ لِئَلَّا تَخْرُجَ إلَى رَعُونَاتِهَا

وَعَنْ حَدَائِقِ الْحَقَائِقِ لَا يَتَحَقَّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الرَّجَاءَ بِلَا خَوْفِ أَمْنٍ وَالْخَوْفُ بِدُونِ الرَّجَاءِ قُنُوطٌ وَالْأَكْثَرُ هُمَا كَجَنَاحَيْ الطَّيْرِ فَإِنْ اعْتَدَلَا طَارَ وَإِلَّا فَإِمَّا يَخْتَلُّ طَيَرَانُهُ أَوْ لَا يَطِيرُ أَصْلًا فَصَارَ كَالْمَذْبُوحِ ثُمَّ قِيلَ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي بِلُطْفِ رَبِّي تَرْجِيحُ جَانِبِ الرَّجَاءِ لِحَدِيثِ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» .

وَقَدْ كَانَ أَرْجَى آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى - {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] وَأَنَا أَقُولُ وَأَيْضًا «غَلَبَتْ رَحْمَتُهُ تَعَالَى عَلَى غَضَبِهِ وَسَبَقَتْهَا عَلَيْهِ» كَمَا فِي أَحَادِيثَ مُفَصَّلَةٍ لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ صَرْفِ حِجَجِ جَانِبِ الْمُخَالِفِينَ عَنْ ظَوَاهِرِهَا بِقَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ أَوْ تَرْجِيحِ أَدِلَّةِ جَانِبِ الْوَاقِفِينَ بِتَرْجِيحَاتٍ أُصُولِيَّةٍ عَلَى نَهْجٍ مَقْبُولٍ كَيْفَ وَظَاهِرُ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى - {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16]- وَنَحْوِ حَدِيثِ «لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَلِجَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ» وَحَدِيثِ «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» .

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40] وَمَدَحَ الْخَائِفِينَ بِقَوْلِهِ {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} [النحل: 50] يُرَجَّحُ جَانِبُ الْخَوْفِ فَافْهَمْ.

[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

(الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ وَفِيهِ خَمْسَةُ مَبَاحِثَ) فِي تَفْسِيرِهِ وَحُكْمِهِ وَفِي أَقْسَامِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ وَفِي أَسْبَابِهَا وَفِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَفِي ضِدِّهِ أَيْ التَّوَاضُعِ (الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ وَضِدِّهِ وَمُنَاسِبِهِمَا)

ص: 184

أَيْ الْكِبْرِ وَضِدِّهِ، مُنَاسِبُ الْكِبْرِ اثْنَانِ التَّكَبُّرُ وَالِاسْتِكْبَارُ وَمُنَاسِبُ ضِدِّهِ وَهُوَ الضِّعَةُ ثَلَاثَةٌ التَّوَاضُعُ وَالتَّمَلُّقُ وَالتَّذَلُّلُ (وَ) بَيَانُ (حُكْمِهَا) أَيْ حُكْمِ الثَّلَاثَةِ فِي الشَّرْعِ (الْكِبْرُ هُوَ الِاسْتِرْوَاحُ) طَلَبُ الرَّاحَةِ (وَالرُّكُونُ) الْمَيْلُ (إلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ) فِي صِفَاتِهَا الْكَمَالِيَّةِ فَيَحْصُلُ مِنْ رُؤْيَتِهَا فَوْقَهُ فِي قَلْبِهِ اعْتِدَادٌ وَفَرَحٌ وَهُوَ الْكِبْرُ (فَلَا بُدَّ لَهُ) أَيْ الْكِبْرِ (مِنْهُ) مِنْ مُتَكَبَّرٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُوجَدَ (بِخِلَافِ الْعُجْبِ) فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي الْمُعْجَبَ عَلَيْهِ بَلْ لَوْ لَمْ يُخْلَقْ الْإِنْسَانُ إلَّا وَحْدَهُ يُمْكِنُ عُجْبُهُ دُونَ كِبْرِهِ.

وَقَدْ يَسْبِقُ إلَى الْخَاطِرِ أَنَّ الْعُجْبَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ وِجْدَانِ الْمَرْءِ الْعِبَادَةَ فِي نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى الْغَيْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ وَإِنْ أَكْثَرِيًّا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكِبْرِ بِمُجَامَعَتِهِمَا عِنْدَ وُجُودِ الْغَيْرِ وَوُجُودِ الْعُجْبِ فَقَطْ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْعُجْبَ فَرَحُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ وَعَمَلِهِ سَوَاءٌ وَجَدَ الْغَيْرَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْظَامُ النَّفْسِ بِمَا تَعُدُّهُ نِعْمَةً وَشَرَفًا هَذَا تَفْسِيرُ الْكِبْرِ وَحُكْمُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْكِبْرُ حَرَامٌ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَلَى مَا اتَّصَفَ بِهِ أَوْ لَا (وَرَذِيلَةٌ) خَصْلَةٌ دَنِيئَةٌ (عَظِيمَةٌ مِنْ الْعِبَادِ) دُونَ الْمَعْبُودِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ نِسْيَانِ الْعَبْدِ خَالِقَهُ وَعَجْزِهِ وَتَغَافُلِهِ عَنْ خِلْقَتِهِ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ قِيلَ وَفِيهِ يَهْلَكُ الْخَوَاصُّ مِنْ الْخَلْقِ وَقَلَّمَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْعِبَادُ وَالزُّهَّادُ وَالْعُلَمَاءُ فَضْلًا عَنْ عَوَامِّ النَّاسِ وَكَيْفَ لَا تَعْظُمُ آفَتُهُ.

وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» (وَضِدُّهُ) أَيْ الْكِبْرِ (الضِّعَةُ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِهَا وَ (هِيَ) أَيْ الضِّعَةُ (الرُّكُونُ إلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ) رُؤْيَةِ نَفْسِهِ (دُونَ غَيْرِهِ) أَدْنَى مِنْهُ، الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى النَّفْسِ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ وَبَيْنَهُمَا مَرْتَبَةٌ وَهِيَ أَنْ لَا يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَ أَحَدٍ وَلَا دُونَهُ بَلْ يَرَى الْمُسَاوَاةَ (وَهِيَ) أَيْ الضِّعَةُ (فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الْمَخْلُوقِ) دُونَ الْخَالِقِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ مَعْرِفَةِ النَّفْسِ وَعَجْزِهَا وَنُقْصَانِهَا.

وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَنْقَصَةٍ وَذَلَّ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ وَأَنْفَقَ مِنْ مَالٍ جَمَعَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ نَفْسَهُ وَطَابَ كَسْبُهُ وَحَسُنَتْ سَرِيرَتُهُ وَكَرُمَتْ عَلَانِيَتُهُ وَعَزَلَ عَنْ النَّاسِ شَرَّهُ» الْحَدِيثَ.

وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا تَوَاضَعَ الْعَبْدُ رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ» .

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى» .

(وَإِظْهَارُ الْكِبْرِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ تَكَبُّرٌ قِيلَ الْكِبْرُ إنْ فِي الظَّاهِرِ فَيُسَمَّى تَكَبُّرًا وَإِنْ فِي الْبَاطِنِ فَيُسَمَّى كِبْرًا وَهُوَ أَصْلُ التَّكَبُّرِ (مَوْجُودًا) بِأَنْ وُجِدَ فِي قَلْبِهِ عِنْدَ الْإِظْهَارِ يَعْنِي يُوجَدُ فِي الْقَلْبِ فَيُظْهِرُهُ مِنْهُ (أَوْ مَعْدُومًا) بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي النَّفْسِ وَلَكِنَّهُ أَظْهَرَهُ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْكِبْرُ (حَقًّا) كَالتَّكَبُّرِ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ بَاطِلًا) بِأَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهِ سَوَاءٌ كَانَ (بِقَوْلٍ) وَلَوْ إشَارَةً أَوْ دَلَالَةً (أَوْ فِعْلٍ) كَأَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْغَيْرِ فِي الْمَشْيِ وَالْمَجْلِسِ (تَكَبَّرَ) تَفَعَّلَ وَمَعْنَاهُ تَكَلَّفَ الْكِبْرَ، وَفِي اللَّهِ تَعَالَى الِاتِّصَافُ بِهِ مِنْ الْأَزَلِ فَيُوجَدُ فِي الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ (وَالِاسْتِكْبَارُ يَخْتَصُّ بِالْبَاطِلِ) وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِكْبَارِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَأَمَّا بَيْنَ التَّكَبُّرِ وَالِاسْتِكْبَارِ فَمُطْلَقٌ، كَذَا قِيلَ (فَلِذَا) لِاخْتِصَاصِهِ بِالْبَاطِلِ (لَا يُوصَفُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِخِلَافِ التَّكَبُّرِ)

ص: 185

كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ ذَاتِهِ الْمُتَكَبِّرُ فَإِنَّ الْمُتَكَبِّرَ مَنْ يَرَى الْكُلَّ حَقِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَاتِهِ وَلَا يَرَى الْكِبْرِيَاءَ إلَّا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ صَادِقَةً كَمَا فِي اللَّهِ كَانَ حَقًّا وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَاذِبَةً فَبَاطِلًا فَهُوَ الْمَذْمُومُ (وَالتَّكَبُّرُ حَرَامٌ) عَلَى كُلِّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ عَظِيمُ الْآفَاتِ وَمَنْبَعُ أَكْثَرِ الْبَلِيَّاتِ وَمُوجِبُ سُرْعَةِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِقُّ إلَّا لَهُ تَعَالَى فَإِذَا فَعَلَ الْعَبْدُ مَا يَخْتَصُّ بِالْمَوْلَى اشْتَدَّ غَضَبُ الْمَوْلَى (إلَّا عَلَى الْمُتَكَبِّرِ) مِنْ النَّاسِ فَالتَّوَاضُعُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ لَيْسَ بِجَائِزٍ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ: عَنْ الْغَيْرِ إذَا أَغْضَبَك أَحَدٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَا تَبْتَدِئْهُ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّك تُذِلُّ نَفْسَك فِي غَيْرِ مَحَلٍّ وَتُكْبِرُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ الْإِفْرَاطُ فِي التَّوَاضُعِ يُورِثُ الْمَذَلَّةَ، وَالْإِفْرَاطُ فِي الْمُؤَانَسَةِ يُورِثُ الْمَهَانَةَ وَإِذَا اُتُّفِقَ أَنْ يُقَامَ الْعَبْدُ فِي مَوْطِنٍ فَالْأَوْلَى فِيهِ ظُهُورُ عِزَّةِ الْإِيمَانِ وَجَبَرُوتِهِ وَعَظَمَتِهِ لِعِزِّ الْمُؤْمِنِ وَعَظَمَتِهِ وَأَنْ يَظْهَرَ فِي الْمُؤْمِنِ مِنْ الْأَنَفَةِ وَالْجَبَرُوتِ مَا يُنَاقِضُ الْخُضُوعَ وَالذِّلَّةَ فَالْأَوْلَى إظْهَارُ مَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الْمَوْطِنُ فَهَذَا مِنْ بَابِ إظْهَارِ عِزَّةِ الْإِيمَانِ بِعِزَّةِ الْمُؤْمِنِ (فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِيهِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ) عَلَى مَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِ كَمَا وَرَدَ: التَّكَبُّرُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَاضَعْت لَهُ تَمَادَى فِي ضَلَالِهِ وَإِذَا تَكَبَّرْت عَلَيْهِ تَنَبَّهَ.

وَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ تَكَبَّرْ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ التَّجَبُّرُ عَلَى أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَظْلَمُ الظَّالِمِينَ مَنْ تَوَاضَعَ لِمَنْ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ وَقِيلَ قَدْ يَكُونُ التَّكَبُّرُ لِتَنْبِيهِ الْمُتَكَبِّرِ لَا لِرِفْعَةِ النَّفْسِ فَيَكُونُ مَحْمُودًا كَالتَّكَبُّرِ عَلَى الْجُهَلَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ.

قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: التَّكَبُّرُ عَلَى مَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْك بِمَالِهِ تَوَاضُعٌ (وَ) إلَّا (عِنْدَ الْقِتَالِ) مَعَ الْكُفَّارِ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَإِيقَاعًا لِلْخَوْفِ وَالرُّعْبِ وَالْمَهَابَةِ عَلَيْهِمْ (وَ) إلَّا (عِنْدَ الصَّدَقَةِ) إظْهَارُ الْعَدَمِ قَدْرَ مَا بَذَلَهُ لِأَخِيهِ وَإِبْرَازًا لِلسُّرُورِ وَالْكَرَمِ وَالسَّخَاءِ وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَبَشَاشَتِهِ وَانْبِسَاطِهِ مَعَ الْفُقَرَاءِ لِيَتَوَجَّهُوا إلَيْهِ لَدَى الِاحْتِيَاجِ فَلَا يُنَافِي مَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَظَّمَ عَلَى مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَيَرْفُقُ وَيَتَحَاشَى عَمَّا يُوهِمُ الْأَذَى لَهُ (دَ) أَبُو دَاوُد (عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فَأَمَّا الْخُيَلَاءُ» بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ بِمَعْنَى التَّكَبُّرِ وَمِنْهُ الْمُخْتَالُ لِلْمُتَكَبِّرِ «الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ» تَكَبُّرُهُ «نَفْسَهُ عِنْدَ الْقِتَالِ» مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ «وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ» فَثَبَتَ جَوَازُ التَّكَبُّرِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ

فَإِنْ قِيلَ مَا وَجْهُ الْفَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ فَأَمَّا الْخُيَلَاءُ قُلْنَا لِلْحَدِيثِ ابْتِدَاءٌ وَتَتِمَّةٌ كَمَا رُوِيَ عَنْ الْمُخَرِّجِينَ إذْ هُوَ «إنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ تَعَالَى فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ وَأَمَّا الَّتِي يَبْغُضُهَا اللَّهُ تَعَالَى فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ الرِّيبَةِ، وَإِنَّ مِنْ الْخُيَلَاءِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى» وَتَتِمَّتُهُ «وَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ تَعَالَى فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ فِي الْبَغْيِ وَالْفَخْرِ» فَالْمُصَنِّفُ قَصَرَ الْحَدِيثَ عَلَى الْمَحَلِّ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ، وَمِثْلُ هَذَا الِاقْتِصَارِ فِي الْحَدِيثِ مُخْتَلِفٌ، فَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ جَانِبَ الْجَوَازِ وَلَعَلَّ الْعَزِيمَةَ هُوَ الْإِتْمَامُ سِيَّمَا مِنْ أَوَّلِهِ خُصُوصًا عِنْدَ ظُهُورِ الِارْتِبَاطِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَلَفْظِ الْفَاءِ ثُمَّ لَمَّا تُوُهِّمَ مِنْ ظَاهِرِ الِاخْتِيَالِ عِنْدَ الصَّدَقَةِ جَوَازُ تَكَبُّرِ الْغَنِيِّ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنٌّ وَأَذًى وَاسْتِكْثَارٌ مَمْنُوعٌ بِالنَّصِّ وَقَدْ قَالُوا النَّدْبُ لِلْمُتَصَدِّقِ الْإِجْلَالُ وَالتَّوْقِيرُ لِلْفَقِيرِ حَيْثُ صَارَ سَبَبًا لِكَوْنِ الْمَالِ الْمُسْتَعَارِ الْمُجَازَى مِلْكًا حَقِيقِيًّا لَهُ وَمُدَارًا عَلَى كَوْنِهِ مُثَابًا عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ وَعَلَى كَوْنِ مَالِهِ مَأْمُونًا مِنْ الضَّيَاعِ وَالتَّلَفِ حَيْثُ كَأَنَّهُ وَضَعَهُ فِي خِزَانَةِ الْمَلِكِ الْغَفَّارِ وَكَذَا دَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِيَالِ عِنْدَ الصَّدَقَةِ إظْهَارُ الْغِنَى) عَنْ الْمَالِ الْمُعْطَى (وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمَالِ) الَّذِي أَعْطَاهُ كَأَنَّهُ فِي نَظَرِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِئَلَّا يَتَوَهَّمُ الْفَقِيرُ الِامْتِنَانَ وَالْأَذَى (وَاسْتِصْغَارُهُ)

ص: 186