المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الخامس والعشرون ومن الآفات القلبية التطير] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[الخامس والعشرون ومن الآفات القلبية التطير]

فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِهِ تَعَالَى.

(وَأَمَّا الثَّانِي) هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِينَ (فَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِيمَا يُشَكُّ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِمْ) مِنْ الْفَسَادِ وَالصَّلَاحِ أَيْ اسْتِوَائِهَا فَعِنْدَ رُجْحَانِ جَانِبِ الصَّلَاحِ فَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ عِنْدَ رُجْحَانِ جَانِبِ الْفَسَادِ فَحُسْنُ الظَّنِّ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ بَلْ اللَّازِمُ حِينَئِذٍ الْبُغْضُ فِي اللَّهِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا فَافْهَمْ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ مَدَارَ الظَّنِّ هُوَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ ظَنًّا عَلَى الْحُكْمِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ الظَّنُّ عِنْدَ كَوْنِ مَدَارِهِ شَكًّا وَقَدْ قِيلَ إنَّ الشَّكَّ مِنْ بَابِ التَّصَوُّرَاتِ وَالظَّنَّ مِنْ التَّصْدِيقَاتِ وَتَحْصِيلُ التَّصْدِيقِ مِنْ التَّصَوُّرِ لَيْسَ بِجَائِزٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الشَّكَّ وَالظَّنَّ مَاهِيَّتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فَكَيْفَ تَتَحَصَّلُ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى فَكَيْفَ يَتَحَصَّلُ حُسْنُ الظَّنِّ عِنْدَ كَوْنِ مُوجِبِهِ شَكًّا (وَيَحْتَمِلُ الصَّلَاحَ وَالْفَسَادَ) احْتِمَالًا مُسَاوِيًا (خُصُوصًا فِي الْمُسْلِمِ الظَّاهِرِ عَدَالَتُهُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِانْضِمَامِ الْعَدَالَةِ إلَى التَّسَاوِي الصُّورِيِّ يَخْرُجُ مِنْ الشَّكِّ إلَى الظَّنِّ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْبَابِ (فَحَمْلُهُ عَلَى الْفَسَادِ حَرَامٌ) اللَّازِمُ إثْبَاتُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ كَمَا فِي حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى دَلَالَةِ أَدِلَّةِ سُوءِ الظَّنِّ فَافْهَمْ (وَ) حَمْلُهُ (عَلَى الصَّلَاحِ) بِحُسْنِ الظَّنِّ (مُسْتَحَبٌّ) لِأَدِلَّةِ حُسْنِ الظَّنِّ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَمْلُ عَلَى الْفَسَادِ حَرَامًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا وَقُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ فَاللَّازِمُ هُوَ الْوُجُوبُ لَا الِاسْتِحْبَابُ وَقَدْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا إنَّ ضِدَّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَاجِبٌ إنْ قَوِيَ الْمَقْصُودُ بِالنَّهْيِ وَإِلَّا فَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ. وَأَمَّا عَدَمُ الْحَمْلِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ بَلْ التَّوَقُّفُ فَجَائِزٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَنْدُوبٍ.

[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

(الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ) وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ (التَّطَيُّرُ) مَصْدَرُ تَطَيَّرَ مِنْ الشَّيْءِ وَأُطِيرَ مِنْهُ (وَالطِّيَرَةُ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ التَّفَاؤُلُ بِالطَّيْرِ فَإِنَّهُمْ يَتَفَاءَلُونَ بِأَسْمَائِهَا وَأَصْوَاتِهَا وَمُرُورِهَا ثُمَّ خُصَّ بِالتَّشَاؤُمِ وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ عَلَامَةً لِلشَّرِّ وَالشُّؤْمِ ضِدُّ الْيُمْنِ فَلِذَا قَالَ (وَهُوَ التَّشَاؤُمُ) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا لِحَاجَةٍ فَإِنْ رَأَوْا الطَّيْرَ يَمُرُّ يَمْنَةً يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَإِنْ يَسْرَةً يَتَشَاءَمُونَ وَيَرْجِعُونَ إلَى بُيُوتِهِمْ وَرُبَّمَا يُنَفِّرُونَ الطُّيُورَ فَإِنْ أَخَذَتْ جَانِبَ الْيَمِينِ يَتَبَرَّكُونَ أَوْ جَانِبَ الْيَسَارِ فَيَتْرُكُونَ (وَهُوَ حَرَامٌ) بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْكُفْرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِظَاهِرِ

ص: 300

مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ (د) أَبُو دَاوُد (عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ كَزَيْدٌ أَسَدٌ أَوْ مِنْ حَيْثُ اعْتِقَادُ التَّأْثِيرِ مِنْهُ قَالَ الْمُحَشِّي هَذَا إذَا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَحَقَّقَهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُحَقِّقْ فَلَا بِالِاتِّفَاقِ بَلْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنَّمَا كَانَ شِرْكًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ سَبَبٌ مُؤَثِّرٌ فِي حُصُولِ الْمَكْرُوهِ وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ يَنْفَعُ أَوْ يَضُرُّ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّطَيُّرِ وَالطِّيَرَةِ أَنَّ التَّطَيُّرَ الظَّنُّ السَّيْء بِالْقَلْبِ وَالطِّيَرَةُ الْفِعْلُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الطِّيَرَةِ فِي الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ (ثَلَاثًا) أَيْ كَرَّرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ ثَلَاثًا تَأْكِيدًا اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ وَدَفْعًا لِتَوَهُّمِ إرَادَةِ غَيْرِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ لِخَفَاءِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الشِّرْكِ وَالتَّطَيُّرِ (وَمَا مِنَّا) أَيْ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ جَمَاعَتِنَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ يَتَطَيَّرُ (إلَّا) وَيَجِدُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ (وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ) أَيْ التَّطَيُّرَ (بِالتَّوَكُّلِ) فَالتَّوَكُّلُ عِلَاجٌ لِلتَّطَيُّرِ أَوْ يُذْهِبُ إثْمَ التَّطَيُّرِ عَنْ الْخَطَّابِيِّ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا مِنَّا إلَّا مَنْ يَعْتَرِضُهُ التَّطَيُّرُ وَتَسْتَوْلِي عَلَى قَلْبِهِ الْكَرَاهِيَةُ فِيهِ فَحَذَفَهُ اخْتِصَارًا لِلْكَلَامِ وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ قَالَ الْبُخَارِيُّ كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يُنْكِرُ هَذَا وَيَقُولُ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَكِنْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ تَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَقَالَ إنَّ كُلَّ كَلَامٍ مَسُوقٍ فِي السِّيَاقِ لَا يَقْبَلُ دَعْوَى الدَّرَجِ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَدَلِيلٍ وَقِيلَ فَلَعَلَّهُ كَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُوَافَقَتِهِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ الظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ وَالْحَسَدُ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ إذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقُ وَإِذَا تَطَيَّرْت فَامْضِ وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ» . وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ التَّمَائِمَ وَالرُّقَى وَالتَّوَلَةَ مِنْ الشِّرْكِ التَّمَائِمُ خَرَزَاتٌ تُعَلِّقُهَا الْعَرَبُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ لِاتِّقَاءِ الْعَيْنِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ» وَإِنَّمَا كَانَ شِرْكًا عِنْدَ إرَادَةِ دَفْعِ الْمُقَدَّرَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إنْ اعْتَقَدَ رَدَّ الْقَدَرِ وَعَنْ ابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ هَذَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَحْوُ قُرْآنٍ وَإِلَّا فَمَا فِيهِ ذِكْرُهُ تَعَالَى فَلَا نَهْيَ عَنْهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ لِلتَّبَرُّكِ وَالتَّعَوُّذِ بِأَسْمَائِهِ، وَكَذَا لَا نَهْيَ فِيمَا يُعَلَّقُ لِأَجْلِ الزِّينَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْخُيَلَاءَ وَالسَّرَفَ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَفِي النِّصَابِ لَكِنْ يَنْزِعُهُ عِنْدَ الْخَلَاءِ وَالْقُرْبَانِ وَعَنْ الْخَانِيَّةِ مَا صَنَعَتْ الْمَرْأَةُ لِحُبِّ زَوْجِهَا حَرَامٌ وَمَا يُتَّخَذُ لُعْبَةً لِتَفْرِيقِ الْمَرْأَةِ عَنْ زَوْجِهَا ارْتِدَادٌ فَيُقْتَلُ إنْ اعْتَقَدَ التَّفْرِيقَ مِنْ اللُّعْبَةِ، وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (خ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا عَدْوَى»

ص: 301

مُجَاوَزَةُ الْعِلَّةِ مِنْ صَاحِبِهَا إلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَبَارِقِ أَيْ لَا سِرَايَةَ لِعِلَّةٍ مِنْ صَاحِبِهَا لِغَيْرِهِ كَمَا يَعْتَقِدُ الطَّبَائِعِيُّونَ مِنْ سِرَايَتِهَا بِالطَّبْعِ بَلْ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشِيئَةِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالنَّهْيُ عَنْ مُدَانَاةِ الْمَجْذُومِ مِنْ قَبِيلِ اتِّقَاءِ الْجِدَارِ الْمَائِلِ وَالسَّفِينَةِ الْمَعِيبَةِ «وَلَا طِيَرَةَ» أَيْ تَشَاؤُمَ كَمَا مَرَّ وَفِي النِّصَابِ إذَا خَرَجَ إلَى السَّفَرِ فَصَاحَ الْعَقْعَقُ وَرَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ يَكْفُرُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعَنْ الْمُحِيطِ إذَا صَاحَتْ الْهَامَةُ، فَقَالَ رَجُلٌ يَمُوتُ الْمَرِيضُ يَكْفُرُ عِنْدَ الْبَعْضِ ( «وَلَا هَامَةَ» بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ تَشْدِيدَهَا دَابَّةٌ تَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْقَتِيلِ أَوْ تَتَوَلَّدُ مِنْ دَمِهِ فَلَا تَزَالُ تَصِيحُ حَتَّى يُؤْخَذَ بِثَأْرِهِ كَذَا تَزْعُمُ الْعَرَبُ فَأَكْذَبَهُمْ الشَّارِعُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا يُنَافِيهِ خَبَرٌ لَا يُورَدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ لِبِنَائِهِ عَلَى الِاعْتِقَادِ أَوْ تَشْوِيشِ النَّفْسِ وَتَأْثِيرِ الْوَهْمِ فِيهِ دَفْعُ التَّعَارُضِ بِلَا مَدْخَلٍ فِيهِ لِلنَّسْخِ وَعَنْ ابْنِ رَجَبٍ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ وُجُودِ الْأَسْبَابِ الْمَكْرُوهَةِ الِاشْتِغَالُ بِمَا يُرْجَى بِهِ دَفْعُ الْعَذَابِ مِنْ إجْمَالِ الطَّاعَاتِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ قِيلَ عَنْ شَرْحِ السُّنَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ تَطَيُّرُ الْعَامَّةِ بِصَوْتِ الْهَامَةِ ( «وَلَا صَفَرَ» بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُحَرَّمِ إلَى صَفَرٍ فِي النَّسِيءِ أَوْ دَابَّةٌ فِي بَطْنِ الْإِنْسَانِ تَلْدَغُهُ إذَا جَاعَتْ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ شَهْرَ صَفَرٍ تَكْثُرُ فِيهِ الدَّوَاهِي وَعَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى سَأَلْته عَنْ جَمَاعَةٍ لَا يُسَافِرُونَ فِي صَفَرٍ وَلَا يَبْتَدِئُونَ بِالْأَعْمَالِ فِيهِ مِنْ النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ فِيهِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام «مَنْ بَشَّرَنِي بِخُرُوجِ صَفَرٍ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ» هَلْ يَصِحُّ هَذَا الْخَبَرُ وَهَلْ فِيهِ نُحُوسَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْعَمَلِ فِيهِ، وَكَذَا لَا يُسَافِرُونَ إذَا كَانَ الْقَمَرُ فِي بُرْجِ الْعَقْرَبِ، وَكَذَا لَا يَخِيطُونَ الثِّيَابَ وَلَا يَقْطَعُونَهَا إذَا كَانَ الْقَمَرُ فِي بُرْجِ الْأَسَدِ هَلْ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا قَالَ أَمَّا مَا يَقُولُونَ فِي صَفَرٍ فَذَاكَ شَيْءٌ كَانَتْ الْعَرَبُ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا يَقُولُونَ الْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ أَوْ فِي الْأَسَدِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ يَذْكُرُهُ أَهْلُ النُّجُومِ وَلِتَنْفِيذِ مَقَالَتِهِمْ يَنْسُبُونَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَذِبٌ مَحْضٌ انْتَهَى قَوْلُهُ كَانَتْ الْعَرَبُ إلَخْ يُشْعِرُ بِإِرَادَةِ تَجْوِيزِهِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ فِعْلَ الْعَرَبِ لَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الْجَوَازِ بَلْ أَكْثَرُ أَفْعَالِهِمْ أَفْعَالُ زَمَانِ الْجَهَالَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قِيلَ وَمِنْ زَعَمَاتِ الْعَرَبِ أَنَّ فِي بَطْنِ الْإِنْسَانِ حَيَّةً تَعَضُّهُ إذَا جَاعَ وَيُسَمُّونَهَا صَفَرًا (وَزَادَ) الْبُخَارِيُّ (فِي رِوَايَةٍ «وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الْأَسَدِ»

ص: 302

لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمُعْتَدِيَةِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْجَرَبِ وَالْحَصْبَاءِ وَالْوَبَاءِ بِإِذْنِهِ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا عَدْوَى يَعْنِي بِطَبْعِهِ لَا بِفِعْلِهِ تَعَالَى كَمَا تَزْعُمُ الْعَرَبُ وَعَنْ عِيَاضٍ فِي صَحِيحِ شَرْحِ مُسْلِمٍ «كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا قَدْ بَايَعْنَاك فَارْجِعْ» .

وَفِي الْبُخَارِيِّ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ وَقَالَ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَكَانَ لَنَا مَوْلًى مَجْذُومٌ وَكَانَ يَأْكُلُ فِي صِحَافِي وَيَشْرَبُ فِي أَقْدَاحِي وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِي وَذَهَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ إلَى الْأَكْلِ مَعَهُ وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ نَسْخِهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِحَمْلِ الْفِرَارِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ وَأَمَّا الْأَكْلُ فَلِتَعْلِيمِ الْجَوَازِ وَاخْتُلِفَ هَلْ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ عِنْدَ وِجْدَانِهَا زَوْجَهَا مَجْذُومًا وَأَيْضًا هَلْ لِلْأَمَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا عَنْ قُرْبَانِ مَوْلَاهَا وَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّهُمْ عِنْدَ تَكَثُّرِهِمْ هَلْ يُؤْمَرُونَ بِاتِّخَاذِ مَوْضِعٍ لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً وَهَلْ نَمْنَعُهُمْ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ النَّافِعَةِ (د عَنْ قَطَنٍ) بِفَتْحَتَيْنِ (ابْنِ قَبِيصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْعِيَافَةُ» بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ قِيلَ هُوَ التَّكَهُّنُ لَكِنْ فِي الْحَاشِيَةِ زَجْرُ الطُّيُورِ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَالِاعْتِبَارُ بِأَسْمَائِهَا وَأَصْوَاتِهَا وَمَسَاقِطِهَا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْعِيَافَةِ (وَالطِّيَرَةُ) أَيْ التَّشَاؤُمُ بِأَسْمَاءِ الطُّيُورِ وَأَصْوَاتِهَا وَأَلْوَانِهَا وَجِهَةِ مَسِيرِهَا عِنْدَ تَنْفِيرِهَا كَمَا يُتَفَاءَلُ بِالْعِقَابِ عَلَى الْعُقُوبَةِ وَبِالْغُرَابِ عَلَى الْغُرْبَةِ وَبِالْهُدْهُدِ عَلَى الْهُدَى وَكَمَا يُنْظَرُ إنْ طَارَ إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ تَيَمَّنَ أَوْ الْيَسَارِ تَشَاءَمَ ( «وَالطَّرْقُ» بِفَتْحٍ وَسُكُونٍ الضَّرْبُ بِالْحَصَى أَوْ الْخَطُّ بِالرَّمْلِ وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِالْبَاقِلَاءِ وَالشَّعِيرِ فِي زَمَانِنَا وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْكِهَانَةِ ( «مِنْ الْجِبْتِ» مِنْ أَعْمَالِ السِّحْرِ فَكَالسِّحْرِ فِي الْحُرْمَةِ وَعَنْ الْفِرْدَوْسِ الْجِبْتُ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ الْكَهَنَةُ وَالشَّيَاطِينُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْكَهَنَةِ وَالشَّيَاطِينِ قِيلَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يَتَيَمَّنُونَ بِكُلِّ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُمْ وَإِنْ كَانَ جَانِبَ شَرٍّ وَيَتَشَاءَمُونَ بِمَا يُخَالِفُ وَإِنْ جَانِبَ خَيْرٍ وَيَتَشَاءَمُونَ وَإِنْ كَانَ الْهَامَةُ أَنْصَحَ الطُّيُورِ لِابْنِ آدَمَ وَأَشْفَقَ بِهِ وَنُقِلَ عَنْ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ كُنْت عِنْدَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

ص: 303

فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَغْرَبِ شَيْءٍ قَرَأْته فِي كِتَابِ اللَّهِ إنَّ هَامَةً جَاءَتْ سُلَيْمَانَ عليه الصلاة والسلام، فَقَالَتْ السَّلَامُ عَلَيْك يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَامُ يَا هَامَةُ لِمَ لَا تَأْكُلِينَ مِنْ الزَّرْعِ قَالَتْ خَرَجَ آدَم بِسَبَبِهِ قَالَ لِمَ لَا تَشْرَبِينَ مِنْ الْمَاءِ قَالَتْ غَرِقَ فِيهِ قَوْمُ نُوحٍ قَالَ لِمَ تَرَكْت الْعُمْرَانَ وَاخْتَرْت الْخَرَابَ قَالَتْ؛ لِأَنَّ الْخَرَابَ مِيرَاثُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَمَا صِيَاحُك فِي الدُّورِ قَالَتْ أَقُولُ وَيْلٌ لِبَنِي آدَمَ كَيْفَ يَنَامُونَ وَأَمَامَهُمْ الشَّدَائِدُ قَالَ لِمَ لَا تَخْرُجِينَ فِي النَّهَارِ قَالَتْ مِنْ كَثْرَةِ ظُلْمِ بَنِي آدَمَ لِأَنْفُسِهِمْ قَالَ مَا تَقُولِينَ فِي صِيَاحِك قَالَتْ أَقُولُ تَزَوَّدُوا يَا غَافِلُونَ وَتَهَيَّئُوا لِسَفَرِكُمْ سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ عليه الصلاة والسلام لَيْسَ فِي الطُّيُورِ أَنْصَحُ لِابْنِ آدَمَ وَأَشْفَقُ مِنْ الْهَامَةِ وَلَا فِي قُلُوبِ الْجُهَّالِ أَبْغَضُ مِنْهَا (خ م عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عَدْوَى» بِطَبْعِهَا كَالطَّبائِعِيِّينَ وَالْأَطِبَّاءِ فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ كَمَا سَبَقَ «وَلَا طِيَرَةَ وَإِنَّمَا الشُّؤْمُ» ضِدُّ الْيُمْنِ «فِي ثَلَاثٍ فِي الْفَرَسِ» بِأَنْ تَكُونَ شَمُوسًا أَوْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُحَرَّمِ «وَالْمَرْأَةِ» بِأَنْ تَكُونَ بَذِيَّةَ اللِّسَانِ أَوْ عَاقِرًا أَوْ مُعَرَّضَةَ الْعَيْبِ «وَالدَّارِ» بِضِيقِ مَسَاكِنِهَا وَسُوءِ جِيرَانِهَا (وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ «ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ إنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» قِيلَ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ لِلشُّؤْمِ وُجُودٌ لَكَانَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَيْسَ فَلَيْسَ (د عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا فِيهَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَتَحَوَّلْنَا» نَقَلْنَا وَهَاجَرْنَا «إلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا» بِالْمَوْتِ «وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا» بِالتَّلَفِ وَعَدَمِ النَّمَاءِ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» اخْتَلَفُوا فِي تَطْبِيقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ» بِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «وَلَا طِيَرَةَ» وَجْهُ التَّعَارُضِ أَنَّ قَوْلَهُ «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» فِي قُوَّةٍ سَالِبَةٍ كُلِّيَّةٍ أَعْنِي لَا شَيْءَ مِنْ الطِّيَرَةِ بِمَوْجُودٍ لِقَوْلِهِ وَلَا طِيَرَةَ وَقَوْلُهُ إنَّمَا الشُّؤْمُ فِي قُوَّةٍ مُوجِبَةٍ جُزْئِيَّةٍ أَعْنِي بَعْضَ الطِّيَرَةِ مَوْجُودٌ إذْ الطِّيَرَةُ هِيَ التَّشَاؤُمُ فَإِنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بَعْضٌ مِنْ مُطْلَقِ الطِّيَرَةِ فَهُمَا قَضِيَّتَانِ مُتَنَاقِضَتَانِ فَإِمَّا يُوَفِّقُ أَوْ يُرَجِّحُ إحْدَاهُمَا أَوْ يَحْكُمُ إنْ كَانَ مَوْضِعًا يَجْرِي فِيهِ النَّسْخُ بِنَسْخِ إحْدَاهُمَا إنْ عُلِمَ تَارِيخُهُمَا وَإِلَّا تَسَاقَطَا وَلَا يَحْكُمُ بِشَيْءٍ مِنْ مُوجِبِهِمَا فَيَحْكُمُ بِمَا تَقْتَضِي الْقَوَاعِدُ وَالْأُصُولُ إذَا لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ (قَالَ بَعْضُهُمْ شُؤْمُ الثَّلَاثِ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ) وَالتَّقْدِيرِ (بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى) وَهِيَ إنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ إنْ لِلشَّكِّ وَأَصْلُ الشَّكِّ الْعَدَمُ أَوْ بِمَعْنَى لَوْ كَمَا أُشِيرَ آنِفًا وَأَنَّ بَعْضَ الرِّوَايَةِ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا كَبَعْضِ الْحَدِيثِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ وَالْآيَةِ كَذَلِكَ فَحَاصِلُهُ مُنِعَ لِقَوْلِهِ بَعْضُ الطِّيَرَةِ مَوْجُودٌ لَكِنْ يُرَدُّ أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَهُ وَلَا طِيَرَةَ لَا يُلَائِمُ لِمَا ذَكَرَهُ لَا سِيَّمَا التَّعْبِيرُ بِكَلِمَةِ إنَّمَا الْمَوْضُوعَةُ لِلْحَصْرِ وَالتَّأْكِيدِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا الشُّؤْمُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ لِمَا قَبْلَهُ إذْ يَجُوزُ كَوْنُهُ بَيَانَ تَغْيِيرٍ بِالْعَطْفِ وَعَدَمُ ذِكْرِ أَهْلِ الْأُصُولِ لَيْسَ لِعَدَمِ جَوَازِهِ بَلْ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ وَانْضِبَاطِهِ كَمَا فِي الْمِرْآةِ وَأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ تَخْصِيصِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِالْفَرْضِ وَجْهٌ بَلْ الْجَمِيعُ فِي الْإِمْكَانِ وَالِامْتِنَاعِ مُتَسَاوٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ ذَرُوهَا ذَمِيمَةً آبٍ عَنْ ذَلِكَ وَتَأْوِيلُهُ أَيْضًا بَعِيدٌ (وَ) قَالَ (بَعْضُهُمْ) مَنْعًا لِتِلْكَ الْجُزْئِيَّةِ بِمَعْنَى عَدَمِ اتِّحَادِ

ص: 304

مَوْضُوعِهَا مَعَ مَوْضُوعِ الْكُلِّيَّةِ وَالِاتِّحَادُ شَرْطٌ فِي الْوَحَدَاتِ الثَّمَانِيَةِ (شُؤْمُ الْمَرْأَةِ سُوءُ خُلُقِهَا) مَثَلًا أَوْ فِي الْأَكْثَرِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ بِغَيْرِهَا (وَشُؤْمُ الْفَرَسِ شُمُوسُهَا) نُفْرَتُهَا مِنْ رَاكِبِهَا وَاشْتِدَادُهَا كَمَا وَفَّقَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ» وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنَّ الشُّؤْمَ قَدْ يَكُونُ فِي الْفَرَسِ بِأَنَّ الشُّؤْمَ فِي الْفَرَسِ بِعَدَمِ كَوْنِهَا مُعَدَّةً لِلْغَزْوِ وَنَحْوِهِ وَأَنَّ الشُّؤْمَ وَالْخَيْرَ يَجْتَمِعَانِ فِيهَا لِتَفْسِيرِهِ الْخَيْرُ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَا يَمْنَعُ مَعَ هَذَا أَنْ يُتَشَاءَمَ بِهِ انْتَهَى. (وَشُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا) مَثَلًا فَإِنَّ نَحْوَ بُعْدِهَا عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ بُعْدِهَا عَنْ الْمَاءِ وَبَعْضِ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِثْلُ ذَلِكَ فَحَاصِلُ ذَلِكَ مَنْعُ كَوْنِ الشُّؤْمِ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الطِّيَرَةِ بَلْ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَتَفْصِيلُهُ إنْ أُرِيدَ مِنْ الطِّيَرَةِ فِي الْجُزْئِيَّةِ وَهُوَ الشُّؤْمُ بِمَعْنَى جَعْلِ الشَّيْءِ عَلَامَةً لِلشَّرِّ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ إذْ الشُّؤْمُ فِي الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَأَنَّ اللُّغَوِيَّ فَالْجُزْئِيَّةُ مُسَلَّمَةٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ اتِّحَادَ مَوْضُوعَيْ الْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ إذْ مَوْضُوعُ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةِ هُوَ الشُّؤْمُ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ شُرِطَ فِي التَّنَاقُضِ اتِّحَادُ الْمَوْضُوعِ كَمَا مَرَّ آنِفًا لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ ذَرُوهَا ذَمِيمَةً لَيْسَ بِمُلَائِمٍ لِذَلِكَ بَلْ آبٍ أَيْضًا وَأَنَّ الشُّؤْمَ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثُرَ أَفْرَادُهُ فَلَا يَحْسُنُ تَخْصِيصُهُ بِالثَّلَاثَةِ سِيَّمَا بِأَدَاةِ الْحَصْرِ (وَقِيلَ شُؤْمُ الْمَرْأَةِ غَلَاءُ مَهْرِهَا) تَجَاوُزُهُ عَنْ الْحَدِّ (وَقِيلَ أَنْ لَا تَلِدَ) لِكَوْنِهَا عَاقِرًا (وَشُؤْمُ الْفَرَسِ أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهَا) بَلْ تُعَدُّ لِلْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ مِثْلُ التَّفَاخُرِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَيْنِ رَاجِعَانِ إلَى مَا قَبْلَهُ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُجْمَعَ كُلُّهُ بِفَصْلٍ وَاحِدٍ (وَبَعْضُهُمْ) قَالَ (إنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مَخْصُوصَةٌ مِنْ الطِّيَرَةِ) بِالْجَوَازِ لِشِدَّةِ الِابْتِلَاءِ بِهَا عَادَةً كَذَا قِيلَ لَا يَخْفَى أَنَّ امْتِنَاعَ الطِّيَرَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَاتِيًّا فَاشْتِدَادُ الِابْتِلَاءِ لَا يُؤَثِّرُ فِي جَوَازِهِ وَأَمَّا حُجِّيَّةُ عُمُومِ الْبَلْوَى وَالْعُسْرِ وَالْحَرَجِ فَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا هُوَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الِامْتِنَاعَاتِ الْعَقْلِيَّةِ فِيهِ يَضْعُفُ قَوْلُهُ (وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» ؛ لِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْأَحَادِيثِ بَلْ بِمُطْلَقِ النَّصِّ إنَّمَا يُمْكِنُ إذَا كَانَ مَضْمُونُهَا مِنْ الْأُمُورِ الْمُمْكِنَةِ وَإِلَّا فَتُؤَوَّلُ النُّصُوصُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَتُرَدُّ إنْ أَمْكَنَ كَأَخْبَارِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا كَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فَيَكُونُ مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ فَيَتَوَقَّفُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشِّرْكِ فِي الْحَدِيثِ ظَاهِرَهُ إذْ التَّشَاؤُمُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَأْثِيرُ غَيْرِهِ تَعَالَى حَقِيقَةً بَلْ مِثْلُهُ يَجْرِي فِي غَيْرِ التَّشَاؤُمِ بَلْ فِي مُطْلَقِ الْعَادِيَّاتِ بَلْ فِي الِاتِّفَاقِيَّاتِ الْغَالِبَةِ فَلَا يَحْسُنُ تَخْصِيصُهُ بِالتَّشَاؤُمِ فَلَعَلَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَجُوزُ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الشُّؤْمَ دُونَ بَعْضٍ فَنَفَى ذَلِكَ الْبَعْضَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَأَثْبَتَ فِي بَعْضِهَا الْآخَرِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ (وَيَكُونُ شُؤْمُهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِخَاصِّيَّةِ وَضَعَهَا فِيهَا) فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا ثَبَتَ الشُّؤْمُ فِي الْبَعْضِ بِالنَّصِّ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ بِالْقِيَاسِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ إنْ نَفَى ذَلِكَ بِتِلْكَ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةِ النَّبَوِيَّةِ فَيَكُونُ رَأْيًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَأَنَّ ثُبُوتَ حُكْمِ الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِنَصٍّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَمِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ خَارِجًا عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ فَإِنْ قِيلَ إنَّهُمْ قَدْ يَدَّعُونَ الشُّؤْمِيَّةَ فِي غَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ كَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَيُسْنِدُونَ ذَلِكَ إلَى التَّجْرِبَةِ وَقَدْ عُلِمَ فِي فَنِّ الْمِيزَانِ بَلْ الْأُصُولُ أَنَّ التَّجْرِيبِيَّاتِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْبُرْهَانِ. قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ التَّجْرِبَةَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُتَصَوَّرُ عِنْدَ عَدَمِ التَّخَلُّفِ كُلَّمَا تَكَرَّرَ فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمَنْعِ وَلَوْ سَلِمَ فَلَيْسَ كُلُّ تَجْرِبَةٍ مِنْ الْيَقِينِيَّةِ بَلْ مِنْهَا ظَنِّيَّةٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا وَهْمِيَّةٌ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْوِجْدَانُ وَلَوْ سَلِمَ فَيَجُوزُ حَصْرُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَدِيثِ بِنَاءً عَلَى الْأَعَمِّ وَالْأَغْلَبِ فَتَأَمَّلْ. فِيهِ (كَالْأَدْوِيَةِ الْمُضِرَّةِ) وَالْعَيْنِ الْمُصِيبَةِ (لَا بِطَبْعِهَا) فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّشَاؤُمَ جَائِزٌ فِي الثَّلَاثَةِ لَا بِطَبْعِهَا بَلْ بِإِذْنِهِ تَعَالَى

ص: 305

وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَجُوزُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى كَمَا لَا بِطَبْعِهَا لِعَدَمِ النَّصِّ وَلِعَدَمِ الْقِيَاسِ كَمَا عَرَفْت فَاعْتِقَادُ التَّشَاؤُمِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ كَمَا يَكُونُ كَذِبًا بِالْعَدَمِ خَارِجٌ لِنِسْبَتِهِ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكْفُرُ إنْ عَلَى قَصْدِ التَّكْذِيبِ عِيَاذًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَيَكْفُرُ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ لُزُومُ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَلَا يَكْفُرُ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ بَلْ يُشْتَرَطُ الِالْتِزَامُ فِي كَوْنِهِ كَافِرًا فَافْهَمْ لَعَلَّ هَذَا الْجَوَابَ الثَّالِثَ هُوَ الْحَقُّ لِمَا عَرَفْت فَيَكُونُ إيجَادُ الشُّؤْمِ فِيهَا كَإِيجَادِ الْحَرَارَةِ وَالطَّبْخِ وَالْإِحْرَاقِ لِلنَّارِ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لَهُ تَعَالَى لَا بِإِيدَاعِ قُوَّةٍ مُوجِبَةٍ لِمَا ذُكِرَ، وَنَحْوُهُ الْأَلَمُ عِنْدَ الْجُرْحِ وَالشِّبَعُ عِنْدَ الطَّعَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ لِلتَّفْتَازَانِيِ وَنُقِلَ عَنْ السَّنُوسِيِّ الِاتِّفَاقُ فِي إكْفَارِ مَنْ اعْتَقَدَ تَأْثِيرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِطَبْعِهَا. (وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي تَطْبِيقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ» بِكَسْرِ الرَّاءِ مَنْ كَانَتْ إبِلُهُ مَرِيضَةً «عَلَى مُصَحِّحٍ» مَنْ كَانَتْ إبِلُهُ صَحِيحَةً (خَرَّجَهُ خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا عَدْوَى» أَكْثَرُهُمْ حَمَلُوا الْأَوَّلَيْنِ عَلَى صِيَانَةِ الِاعْتِقَادِ) مِمَّا يُكَفِّرُ صَاحِبَهُ أَوْ يُبَدِّعُهُ عِنْدَ حُصُولِ تِلْكَ الْأَمْرَاضِ بِالْمُخَالَطَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّفَاقِ بِاعْتِقَادِ التَّأْثِيرِ مِنْ غَيْرِهِ تَعَالَى (كَمَا) فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ (فِي) حَقِّ (الطَّاعُونِ) حَيْثُ كَرِهُوا الْقُدُومَ عَلَيْهِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَلَسْتُمْ بِهَا فَلَا تَهْبِطُوا عَلَيْهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ وَإِنْ وَقَعَ بِأَرْضٍ وَهُوَ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ فِرَارًا مِنْهُ» نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ هَذَا أَيْ صِيَانَةُ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - الْفِرَارُ مِنْهُ كَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ (وَبَعْضُهُمْ) حَمَلَ (عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ) بِقَوْلِهِ لَا عَدْوَى. (التَّعْدِيَةُ بِالطَّبْعِ) فَيَجُوزُ السِّرَايَةُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا سِرَايَةَ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَكْثَرُ كَمَا أُشِيرَ آنِفًا (كَمَا يَعْتَقِدُهُ أَصْحَابُ الطَّبِيعَةِ) مِنْ الْفَلَاسِفَةِ (وَأَمَّا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ فَجَائِزٌ) وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نُقِلَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ تَوَجَّهَ إلَى الشَّامِ وَسَمِعَ أَنَّ الطَّاعُونَ فِيهَا رَجَعَ فَقِيلَ أَتَفِرُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فِرَارِي مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ فِرُّوا مِنْ الطَّاعُونِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِرُّوا مِنْ هَذَا الرِّجْزِ فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَرُءُوسِ الْجِبَالِ وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا تَزَلْزَلَتْ الْأَرْضُ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِرَارُ إلَى الصَّحْرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَفِيهِ قِيلَ الْفِرَارُ مِمَّا لَا يُطَاقُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ إذَا نَزَلَ بِبَلَدِهِ وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِخِلَافِهِ انْتَهَى قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ أَقُولُ فِي الْإِفَادَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ انْتَهَى قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «إذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ» إلَخْ عَنْ الْخَطَّابِيِّ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ وَالْآخَرُ تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ وَعَنْ التُّورْبَشْتِيِّ أَنَّهُ شُرِعَ لَنَا التَّوَقِّي مِنْ الْمَحْذُورِ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا بَلَغَ الْحِجْرَ مَنَعَ أَصْحَابَهُ مِنْ دُخُولِهِ» انْتَهَى وَعَنْ فَتَاوَى أَبِي مَسْعُودٍ الْفِرَارُ مِنْ الطَّاعُونِ بِنِيَّةِ الِالْتِجَاءِ مِنْ قَهْرِهِ إلَى لُطْفِهِ جَائِزٌ وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْجُذَامَ كَالْجَرَبِ وَالْحَصْبَاءِ وَالْوَبَاءِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمُتَعَدِّيَةِ بِإِذْنِهِ تَعَالَى لَا بِطَبْعِهَا كَمَا اُعْتُقِدَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَالَ بَعْضٌ مِنْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ مَنْ هُوَ فِي بَلَدٍ فِيهَا الطَّاعُونُ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْمَرِيضِ وَمَنْ فِي الْمَعْرَكَةِ

ص: 306

انْتَهَى. وَفِي الْأَشْبَاهِ فَلَوْ أَغْضَبَ صَبِيًّا وَمَاتَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ إلَّا إذَا نَقَلَهُ إلَى مَسْبَعَةٍ أَوْ مَكَانِ الْوَبَاءِ أَوْ الْحُمَّى (وَارْتَضَاهُ الْإِمَامُ التُّورْبَشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) مِنْ فُضَلَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ) نَفْسِهَا بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ كَمَا سَبَقَ (وَبَيْنَهَا) الظَّاهِرُ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ (وَبَيْنَ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ) إذْ ظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَنْعُ السِّرَايَةِ مُطْلَقًا وَقَوْلُ الْأَطِبَّاءِ إثْبَاتُ السِّرَايَةِ فِي الْبَعْضِ وَحُمِلَ مَنْعُ السِّرَايَةِ عَلَى مَا هِيَ بِالطَّبْعِ وَحُمِلَ إثْبَاتُ السِّرَايَةِ عَلَى مَا هِيَ بِإِذْنِهِ تَعَالَى تَوْفِيقٌ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ (حَيْثُ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعِلَلَ السَّبْعَ تَتَعَدَّى) لَا يَخْفَى إنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا التَّوْفِيقُ إذَا لَمْ يُصَرِّحُوا السِّرَايَةَ بِالطَّبْعِ وَأَنَّ عِلْمَ الطِّبِّ نَوْعٌ مِنْ عِلْمِ الْحِكْمَةِ وَالْحُكَمَاءُ يَنْفُونَ صُدُورَ الْأَشْيَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً غَيْرَ الْعَقْلِ الْأَوَّلِ بَلْ يَنْسُبُونَ صُدُورَ مِثْلِ مَا ذَكَرْنَا إلَى الْعَقْلِ الْفَيَّاضِ أَيْ الْعَاشِرِ (الْجُذَامُ) يُقَالُ جَذَمَ الْإِنْسَانُ إذَا أَصَابَهُ الْجُذَامُ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ اللَّحْمَ وَيُسْقِطُهُ (وَالْجَرَبُ) خَلْطٌ غَلِيظٌ يَحْدُثُ فِي الْجِلْدِ مِنْ مُخَالَطَةِ الْبَلْغَمِ الْمِلْحِ لِلدَّمِ (وَالْجُدَرِيُّ) قُرُوحٌ تَتَنَفَّطُ عَنْ الْجِلْدِ مُمْتَلِئَةٌ مَاءً ثُمَّ تَتَقَيَّحُ وَأَوَّلُ مَنْ عُذِّبَ بِهِ فِرْعَوْنُ ثُمَّ بَقِيَ بَعْدَهُ (وَالْحَصِبَةُ) وِزَانُ كَلِمَةٍ بَثْرٌ تَخْرُجُ بِالْجَسَدِ وَيُقَالُ هِيَ الْجُدَرِيُّ (وَالْبَخَرُ) نَتِنُ رِيحِ الْفَمِ (وَالرَّمَدُ) وَجَعُ الْعَيْنِ.

(وَ) السَّابِعُ (الْأَمْرَاضُ الْوَبَائِيَّةُ) قَدْ تُفَسَّرُ بِالطَّاعُونِ وَالْحُمَّى الْمُحْرِقَةِ وَالتَّعَدِّيَةُ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلَى هَذِهِ السَّبْعِ بَلْ مَذَاهِبُهُمْ أَنَّ كُلَّ عِلَّةٍ يَكُونُ لَهَا نَتِنٌ وَرِيحٌ كَرِيهٌ لَهَا تَعْدِيَةٌ أَوْ رُدَّ عَلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ لَيْتَ شِعْرِي مَا سَبَبُ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ بِالسِّرَايَةِ مَعَ أَنَّ سَبَبَ الْأَمْرَاضِ اخْتِلَاطُ الْأَخْلَاطِ وَالِاسْتِقْصَاءَات وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ أَسْبَابَ الْأَمْرَاضِ اخْتِلَاطُ الْأَخْلَاطِ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ مَنْ يَقْرَبُ مِنْ صَاحِبِ هَذِهِ الْأَوْرَامِ يَحْصُلُ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ تَكُونُ سَبَبًا لِاخْتِلَاطِ الْأَخْلَاطِ السَّبَبِ لِحُصُولِ الْأَمْرَاضِ فَيَمْرَضُ مِثْلَ مَرَضِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَمْرُهُمْ بِالتَّبَاعُدِ عَنْهُ وَبِعَدَمِ الْجُلُوسِ تَحْتَ الرِّيحِ مِنْهُ انْتَهَى أَقُولُ لَعَلَّ الْحَقَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِجَرَيَانِ عَادَةٍ مِنْهُ تَعَالَى فَيَحْصُلُ الْمَرَضُ بِمُجَرَّدِ الْقُرْبِيَّةِ فَيُحْدِثُ اللَّهُ تَعَالَى اخْتِلَاطَ الْأَخْلَاطِ حِينَئِذٍ فَيَمْرَضُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْرَضَ بِلَا اخْتِلَاطٍ أَصْلًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ الْجَامِعُ هَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا مَا لَمْ يَقَعْ الضَّرَرُ بِهِ وَلَا اطَّرَدَتْ بِهِ عَادَةٌ لَا خَاصَّةٌ وَلَا عَامَّةٌ فَهَذَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ الشَّرْعُ الِالْتِفَاتَ إلَيْهِ وَهُوَ الطِّيَرَةُ وَالثَّانِي مَا يَقَعُ عِنْدَهُ الضَّرَرُ عُمُومًا لَا خُصُوصًا وَنَادِرًا لَا مُتَكَرِّرًا كَالْوَبَاءِ فَلَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَالثَّالِثُ مَا يَخُصُّ وَلَا يَعُمُّ كَالدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ فَهَذَا يُبَاحُ الْفِرَارُ مِنْهُ

(وَضِدُّ الطِّيَرَةِ الْفَأْلُ) بِالْهَمْزَةِ وَرُبَّمَا يُخَفِّفُهَا النَّاسُ (وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ) قِيلَ الْفَأْلُ فِيمَا يَسُرُّ وَيَسُوءُ وَالسُّرُورُ غَالِبٌ وَالطِّيَرَةُ فِيمَا يَسُوءُ فَقَطْ وَقَدْ يَتَجَوَّزُ فِي السُّرُورِ وَقِيلَ الطِّيَرَةُ فِيمَا يَسُوءُ وَالْفَأْلُ فِيمَا يَسُرُّ (خ م عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ» ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ لِمَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَيَنَالُ بِذَلِكَ فَائِدَةً قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْفَأْلُ الْحَسَنُ شَرْطُهُ أَنْ لَا يَقْصِدَ الشَّرَّ وَإِلَّا فَطِيَرَةٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ ( «قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ» أَيْ يَحْصُلُ التَّبَرُّكُ وَالتَّيَمُّنُ بِهَا لِحُسْنِ مَدْلُولِهَا مِثْلُ يَا وَاجِدُ وَيَا سَالِمُ فَإِذَا سَمِعَ مَنْ لَهُ حُجَّةٌ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ رَجَاءَ الْوِجْدَانِ وَالسَّلَامَةِ وَبِالْجُمْلَةِ اسْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِ الْمَرَامِ وَالنَّجَاحِ وَخَيْرِ الْعَاقِبَةِ

ص: 307

(ت عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَنْ يَسْمَعَ يَا رَاشِدُ يَا نَجِيحُ» وَهُوَ مِنْ قَضَيْت حَاجَتَهُ يَعْنِي يَتَبَرَّكُ بِهِمَا

وَعَنْ شَرْحِ الْمَصَابِيحِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ بِشَيْءٍ وَكَانَ إذَا بَعَثَ عَامِلًا سَأَلَ عَنْ اسْمِهِ فَإِنْ أَعْجَبَهُ فَرِحَ بِهِ وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنْ اسْمِهَا فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا فَرِحَ بِهَا وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ» (د عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «ذُكِرَتْ الطِّيَرَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ أَحْسَنُهَا» الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَالْأَحْسَنُ بِمَعْنَى الْحَسَنِ أَيْ حَسَنُ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْعَلَامَةِ لِلشَّيْءِ فَبِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ إذْ لَا حَسَنَ لِلطِّيَرَةِ إلَّا أَنْ يَتَجَوَّزَ كَمَا أُشِيرَ آنِفًا «الْفَأْلُ» لِمَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرَجَاءَ الْخَيْرِ وَالطِّيَرَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ «وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا» عَنْ حَاجَتِهِ الَّتِي خَرَجَ إلَيْهَا وَهُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ لَا تَرُدَّ الطِّيَرَةُ مُسْلِمًا عَنْ مَطْلُوبِهِ حَاصِلُهُ نَهْيٌ عَنْ رَدِّ الطِّيَرَةِ وَمَنْعِهَا مُسْلِمًا عَنْ مَقْصُودِهِ مِثْلِ السَّفَرِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ إذَا رَأَى شَيْئًا يَظُنُّهُ شَرًّا

وَفِي النِّصَابِ إذَا خَرَجَ إلَى السَّفَرِ فَصَاحَ الْعَقْعَقُ وَرَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ يَكْفُرُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْهَامَةَ إذَا صَاحَتْ، فَقَالَ رَجُلٌ يَمُوتُ الْمَرِيضُ يَكْفُرُ عِنْدَ الْبَعْضِ لَعَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْيَقِينِ لَا عَلَى الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ «وَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ» عَلَى الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ «فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا أَنْتَ» دِينِيَّةً أَوْ دُنْيَوِيَّةً «وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِك» قَالَ الْمُنَاوِيُّ الْقُوَّةُ وَسَطُ مَا بَيْنَ الْحَوْلِ وَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا يُوجَدُ فِي الْبَاطِنِ مِنْ هِمَّةِ الْعَمَلِ يُسَمَّى حَوْلًا وَمَا تُحِسُّ بِهِ الْأَعْضَاءُ مَثَلًا قُوَّةً وَظُهُورُ الْعَمَلِ بِصُورَةِ الْبَطْشِ وَالتَّنَازُلِ قُدْرَةٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ كَلِمَةُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مَرْجِعُ الْأُمُورِ وَالْأَعْمَالِ

وَعَنْ الدَّمِيرِيِّ فِي حَيَاةُ الْحَيَوَانِ اعْلَمْ أَنَّ التَّطَيُّرَ إنَّمَا يَضُرُّ مَنْ أَشْفَقَ مِنْهُ وَخَافَ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُبَالِ بِهِ وَلَمْ يَعْتَنِ بِهِ فَلَا يَضُرُّهُ أَلْبَتَّةَ لَا سِيَّمَا إنْ قَالَ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يَتَطَيَّرُ بِهِ أَوْ سَمَاعِهِ «اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إلَّا طَيْرُك وَلَا خَيْرَ إلَّا خَيْرُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا يُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِك» وَأَمَّا مَنْ يَعْتَنِي بِهِ فَهُوَ إلَيْهِ أَسْرَعُ مِنْ السَّيْلِ إلَى مُنْحَدَرٍ قَدْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْوَسَاوِسِ فِيمَا يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ وَيَفْتَحُ لَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمُنَاسَبَاتِ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ وَيُكَدِّرُ عَلَيْهِ عَيْشَهُ انْتَهَى فَإِذَا سَمِعْت هَذِهِ الْأَخْبَارَ (فَظَهَرَ) لَك (أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَأْلِ الْمَحْمُودِ لَيْسَ الْفَأْلُ الَّذِي يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِمَّا يُسَمُّونَهُ فَأْلَ الْقُرْآنِ أَوْ فَأْلَ دَانْيَالَ أَوْ نَحْوَهُمَا) كالنِّيرَجِيَّاتِ وَلَعَلَّ مِنْهُ الْجَفْرِيَّاتِ، وَالْكِهَانَةُ (بَلْ هِيَ) أَيْ الْأَشْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ

ص: 308

(مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ) أَيْ طَلَبُ الْقَسْمِ وَهُوَ الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ وَالْأَزْلَامُ جَمْعُ زَلَمٍ مِثْلُ قَلَمٍ لَفْظًا وَمَعْنًى كَانَ ذَلِكَ عَادَةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَحَرَّمَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: 3] أَيْ الْأَقْلَامِ الثَّلَاثَةِ مَكْتُوبٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا أَمَرَنِي رَبِّي وَعَلَى آخَرَ نَهَانِي رَبِّي، وَلَيْسَ عَلَى الثَّالِثِ شَيْءٌ.

فَإِذَا خَرَجَ مَا أَمَرَنِي يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَمَا نَهَانِي لَمْ يَفْعَلُوا وَإِذَا خَرَجَ الْخَالِي يَسْتَقْسِمُونَ ثَانِيًا وَثَالِثًا (فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِقْسَامِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْغَيْبِ (وَلَا) يَجُوزُ (اعْتِقَادُهَا حَقًّا) لِعَدَمِ خَارِجٍ يُطَابِقُهُ (كَيْفَ وَأَنَّ فِيهَا الْخَبَرَ عَنْ الْغَيْبِ) وَعِلْمُ الْغَيْبِ مُنْفَرِدٌ بِهِ تَعَالَى لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ عِلْمُ الْغَيْبِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَإِنْ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَائِمِ وَإِلَّا اسْتِدْلَالٌ بِالتَّجَارِبِ فَكَوْنُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَيْبِ مَمْنُوعٌ بَلْ مِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِيمَا يَجُوزُ شَرْعًا وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ صَاحِبُهَا

قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ وَبِالْجُمْلَةِ الْعِلْمُ بِالْغَيْبِ أَمْرٌ تَفَرَّدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلْعِبَادِ إلَّا بِإِعْلَامٍ مِنْهُ أَوْ إلْهَامٍ بِطَرِيقِ الْمُعْجِزَةِ وَالْكَرَامَةِ ثُمَّ قَالَ أَوْ إرْشَادٍ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ فِيمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عِنْدَ رُؤْيَةِ هَالَةِ الْقَمَرِ يَكُونُ مَطَرٌ مُدَّعِيًا عِلْمَ الْغَيْبِ لَا بِعَلَامَةِ كُفْرٍ (وَالتَّطَيُّرُ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَخْذُ الْفَأْلِ مِنْ الْقُرْآنِ مَكْرُوهٌ أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عِنْدَنَا وَعَنْ ابْنِ عَرَبِيٍّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ تَحْرِيمُهُ وَمُبَاحٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّهَا الْمَحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عِنْدَهُمْ وَفِي كِتَابِ أَدَبِ الدُّنْيَا لِلْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ تَفَاءَلَ يَوْمًا فِي الْمُصْحَفِ فَخَرَجَ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15] فَمَزَّقَ الْمُصْحَفَ وَأَنْشَأَ شِعْرًا

أَتَوَعَّدُ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ

فَهَا أَنَا ذَاكَ جَبَّارٌ عَنِيدُ

إذَا مَا جِئْت رَبَّك يَوْمَ حَشْرٍ

فَقُلْ يَا رَبِّ مَزَّقَنِي الْوَلِيدُ

فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا أَيَّامًا يَسِيرَةً حَتَّى قُتِلَ وَصُلِبَ رَأْسُهُ عَلَى قَصْرِهِ ثُمَّ عَلَى سُورِ بَلَدِهِ وَقِيلَ بِجَوَازِ التَّفَاؤُلِ دُونَ التَّشَاؤُمِ حَتَّى يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَعَلَّك سَمِعْت ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ «مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَطِّ الرَّمْلِ، فَقَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ إدْرِيسُ وَقِيلَ هُوَ دَانْيَالُ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ الَّذِي تَجِدُونَ إصَابَتَهُ» كَذَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي

وَعَنْ الْخَطَّابِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الزَّجْرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُعْجِزَةً لَهُ وَمُوَافَقَةُ خَطِّ غَيْرِهِ لَهُ مُمْتَنِعٌ فَلَا يُبَاحُ لَنَا خَطُّ الرَّمْلِ قَالَ فِي الْمَبَارِقِ عَنْ النَّوَوِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ (وَإِنَّمَا الْفَأْلُ التَّيَمُّنُ وَالتَّبَرُّكُ بِالْكَلِمَةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْمُرَادِ لِمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالرَّاشِدِ وَالنَّجِيحِ) كَمَا سَبَقَ (وَيُلْحَقُ بِهَا) الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ (رُؤْيَةُ الصَّالِحِينَ) يُتَيَّمَن بِهِمْ فِي قَضَاءِ الْمَطَالِبِ (وَ) مُصَادَفَةُ (الْأَيَّامِ الشَّرِيفَةِ) الْمُعَدَّةِ لِحُصُولِ الْفَيْضِ عَادَةً كَأَيَّامِ الْأَعْيَادِ وَكَيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِبَدْءِ السَّبْقِ وَالْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ لِلسَّفَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ التَّفَاؤُلَ مَا لَا يَكُونُ بِالْقَصْدِ وَالْأَيَّامِ

ص: 309

إنَّمَا تَكُونُ بِالْقَصْدِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَخْرِيجِ الطَّبَرَانِيِّ عَلَى رِوَايَةِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ يَوْمُ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» وَأَيْضًا قَالَ الْقَاضِي فِي قَوْله تَعَالَى {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر: 19] شُؤْمُهُ لَوْ كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ آخِرَ الشَّهْرِ

أَقُولُ قَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ نُسِخَ يَوْمُ النَّحْسِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ شَرَفًا لِنَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَأَمَّا الْحَدِيثُ وَأَنَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا، فَقَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ عَنْ السَّخَاوِيِّ لَا أَصْلَ لَهُ وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ إنَّهُ لِلْأَعْدَاءِ وَأَمَّا عَلَى الْأَحِبَّاءِ فَمُبَارَكٌ وَسَعِيدٌ وَقِيلَ دَائِرٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ نَحْسًا أَوْ لَا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ مَا بُدِئَ بِشَيْءٍ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ إلَّا وَقَدْ تَمَّ وَإِنْ طُعِنَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَقَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي مَوْضُوعَاتِهِ أَنَّ الْأَرْبِعَاءَ سَعْدٌ مُسْتَقِرٌّ عَلَى الْأَبْرَارِ وَقَدْ اعْتَمَدَ مِنْ أَئِمَّتِنَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَ يَعْمَلُ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ دَرْسِهِ وَقَدْ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ اشْتَكَتْ الْأَرْبِعَاءُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى تَشَاؤُمَ النَّاسِ بِهَا فَمَنَحَهَا أَنَّهُ مَا يُبْتَدَأُ بِشَيْءٍ فِيهَا إلَّا تَمَّ وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ (وَنَحْوُهُمَا فَلَيْسَ فِيهِ) أَيْ الْفَأْلُ (الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ) كَمَا فِي الْكَاهِنِ (بَلْ مُجَرَّدُ طَلَبِ الْخَيْرِ وَرَجَاءِ حُصُولِ الْمُرَادِ وَالْبِشَارَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) بِحُصُولِ مَقْصُودِهِ قِيلَ عَلَى تَخْرِيجِ مَالِكٍ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلِقْحَةٍ تَحْلُبُ، فَقَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام مَا اسْمُك قَالَ مُرَّةُ قَالَ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ. عليه الصلاة والسلام مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُك قَالَ حَرْبٌ قَالَ عليه الصلاة والسلام اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ مَا اسْمُك قَالَ يَعِيشُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُحْلُبْ» وَمِثْلُهُ عَنْ الْبَزَّازِ عَنْ بُرَيْدَةَ

وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُك قَالَ جَمْرَةُ، فَقَالَ ابْنُ مَنْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ مِمَّنْ قَالَ مِنْ الْحُرْقَةِ قَالَ أَيْنَ مَسْكَنُك قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ قَالَ بِأَيِّهَا قَالَ بِذَاتِ لَظًى، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَدْرِكْ أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا فَكَانَ كَمَا قَالَ. وَفِي السِّيرَةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ إلَى بَدْرٍ مَرَّ بِرَجُلَيْنِ فَسَأَلَ عَنْ اسْمِهِمَا فَقِيلَ أَحَدُهُمَا مَسِيخٌ وَالْآخَرُ مَخْزِيٌّ فَعَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمَا» لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ كُلُّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشَاؤُمِ وَقِيلَ إنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ التَّطَيُّرِ بَلْ مِنْ كَرَاهَةِ الِاسْمِ الْقَبِيحِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَامَ، فَقَالَ لَا أَدْرِي أَأَقُولُ أَمْ أَسْكُتُ، فَقَالَ لَهُ قُلْ، فَقَالَ كَيْفَ نَهَيْتنَا عَنْ الطِّيَرَةِ وَتَطَيَّرْت، فَقَالَ مَا تَطَيَّرْت

ص: 310