المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الرابع في الرياء الخفي] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[المبحث الرابع في الرياء الخفي]

رَجُلًا الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إلَيَّ قَوْسًا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ إنْ أَخَذْتهَا أَخَذْت قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَرَدَدْتهَا (وَكَمَنْ يُصَلِّي أَوْ يُهَلِّلُ فِي الْمَلَأِ) عِنْدَ النَّاسِ (لِمُجَرَّدِ إرَاءَةِ النَّاسِ) بِدُونِ طَلَبِ رِضَاهُ تَعَالَى وَثَوَابِهِ وَإِلَّا فَيَشْكُلُ كَوْنُهُ رِيَاءً وَلَيْسَ لَهُ قَصْدٌ فِي إرَاءَةِ النَّاسِ إلَّا (لِيَقْتَدُوهُ) يَقْتَدُوا بِهِ وَيَتْبَعُوهُ (وَيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ كَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ) إنْ كَانَ غَرَضُهُ مِنْ تَعَلُّمِهِمْ إرْشَادَهُ إيَّاهُمْ الْحَقَّ أَوْ طَرِيقَ أَمْرِ الْمَعْرُوفِ أَوْ التَّخَلُّصِ مِنْ وِزْرِ عَدَمِ التَّعْلِيمِ إيَّاهُمْ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الرِّيَاءِ وَقَدْ قُرِّرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ الْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي غَرَضِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ رِيَاءً لَكِنْ قَوْلُهُ (وَيَصِيرُ سَبَبًا لِطَاعَتِهِمْ) لَا يُلَائِمُهُ (وَلَوْ لَمْ يَرَهُ النَّاسُ) يَعْنِي لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَلَأِ (لَمْ يَفْعَلْ) لِكَوْنِ غَرَضِهِ مُجَرَّدَ الْإِرَاءَةِ وَقَدْ فَاتَ (وَهَذَا أَيْضًا رِيَاءُ) أَهْلِ الدِّينِ قِيلَ إلَّا أَنَّهُ وَسِيلَةُ الْخَيْرِ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ.

(بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ قَصَدَ الِاقْتِدَاءَ بَاعِثًا عَلَى مُجَرَّدِ الْإِظْهَارِ) يَعْنِي يَأْتِي فِي خَلْوَتِهِ لَكِنْ مَقْصُودُهُ مِنْ الْإِظْهَارِ هُوَ الِاقْتِدَاءُ (لَا الْإِحْدَاثُ) بِحَيْثُ لَا يَأْتِي فِي السِّرِّ أَيْ فِي خَلْوَتِهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِظْهَارِ وَالْإِحْدَاثِ بِالْإِتْيَانِ فِي الْخَلْوَةِ وَالْإِيجَادِ ابْتِدَاءً عِنْدَ النَّاسِ بِدُونِ إتْيَانِهِ فِي الْخَلْوَةِ (فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرِيَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مَوْجُودٌ لَوْلَا قَصْدُ الِاقْتِدَاءِ (بَلْ هُوَ) حِينَئِذٍ (مُسْتَحَبٌّ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَمَلًا لِنَفْسِهِ وَتَعْلِيمًا لِغَيْرِهِ بَلْ قَدْ يَجِبُ (وَرِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) فِي هَذَا النَّوْعِ (بِإِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْجُودِ وَالْكَرَمِ (لِيَصِلَ إلَى وِلَايَةٍ) وَإِمَارَةٍ وَتَوْلِيَةٍ وَقَضَاءٍ وَنَحْوِهَا (لِيُنَفِّذَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَافِذُ الْكَلِمِ وَمُطَاعُ الْأَمْرِ (وَيُصْلِحُ النَّاسَ) بِالْمُصَالَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ (وَيَرْفَعُ الظُّلْمَ وَالْمُنْكَرَاتِ) .

[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

(الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ) مِنْ السَّبْعَةِ (فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ) فَلَا يُنْتَبَهُ لَهُ إلَّا بِنَظَرٍ دَقِيقٍ وَتَأَمُّلٍ حَقِيقِيٍّ إذْ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا الْخَاصَّةُ (وَعَلَامَاتُهُ) الدَّالَّةُ عَلَى وُجُودِهِ (اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ قَدْ يَكُونُ خَفِيًّا) كَمَا قَدْ يَكُونُ جَلِيًّا كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ مُنْتَهِيًا (إلَى أَنْ يَكُونَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ) أَيْ صَوْتِ حَرَكَةِ مَشْيِهَا عَلَى حَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْهُلُ حِسُّهُ لِكَمَالِ لُطْفِهِ فَإِذَا كَانَ خَفِيًّا لَا يُدْرِكُ بِالْحِسِّ فَيَكُونُ إدْرَاكُهُ بِالِاسْتِدْلَالِ (فَتَحْتَاجُ) قِيلَ بِالْفَوْقِيَّةِ وَقِيلَ بِالتَّحْتِيَّةِ (فِي مَعْرِفَتِهِ إلَى عَلَامَاتٍ) وَأَمَارَاتٍ لِتَسْتَدِلَّ بِهَا (مِنْهَا أَنَّ يُسْرَ) الْعَابِدِ (بِاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَى طَاعَتِهِ وَمَدْحِهِمْ) لَهُ قُرْبُ عَبْدٍ يُخْلِصُ فِي عَمَلِهِ وَلَا يَعْتَقِدُ الرِّيَاءَ بَلْ يَكْرَهُهُ وَيَرُدُّهُ وَيُتَمِّمُ الْعَمَلَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ إذَا اطَّلَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ سَرَّهُ ذَلِكَ وَهَذَا السُّرُورُ يَدُلُّ عَلَى رِيَاءٍ خَفِيٍّ مِنْهُ إذْ لَوْلَا الْتِفَاتُ الْقَلْبِ إلَى النَّاسِ لَمَا ظَهَرَ سُرُورُهُ عِنْدَ اطِّلَاعِ النَّاسِ فَلَقَدْ كَانَ الرِّيَاءُ مُسْتَكِنًّا فِي الْقَلْبِ اسْتِكْنَانَ النَّارِ فِي الْحَجَرِ.

كَذَا قِيلَ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الِاطِّلَاعُ وَالسُّرُورُ لَكِنْ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ اطَّلَعَ لِسِرٍّ فَيَكُونُ رِيَاءً (مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَاحِظَ اقْتِدَاءَ غَيْرِهِ بِهِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ مَسَرَّتِهِ اقْتِدَاءَ غَيْرِهِ بِهِ فِي تِلْكَ الطَّاعَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَضَاعَفُ الْأَجْرُ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً مُتَعَدِّيَةً فَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ وَأَجْرُ عَمَلِ مَنْ اقْتَدَى بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ (أَوْ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَاحَظَ (إطَاعَتُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَدْحِهِمْ) لَهُ (وَمَحَبَّتِهِمْ لِلْمُطِيعِ) إذْ مَدْحُ الْمُطِيعِ وَمَحَبَّتُهُ طَاعَةٌ فَسَبَبُ مَسَرَّتِهِ حِينَئِذٍ كَوْنُهُمْ فِي طَاعَتِهِ تَعَالَى بِمَدْحِهِمْ وَالْحَالُ أَنَّ الْحَسَدَ وَالْحَمْلَ عَلَى الرِّيَاءِ وَالذَّمِّ مِنْ الْأَقْرَانِ فِي أَمْثَالِهِ شَائِعٌ وَيُتَوَقَّعُ (أَوْ) مِنْ غَيْرِ أَنْ (يُسْتَدَلَّ بِهِ) بِاطِّلَاعِ النَّاسِ وَمَدْحِهِمْ لَهُ (عَلَى حُسْنِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى وَ) حُسْنِ

ص: 102

(نَظَرِهِ لَهُ حَيْثُ سَتَرَ) عَنْهُ (الْقَبِيحَ) إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَخْلُو عَنْ قَبِيحٍ مَا (وَأَظْهَرَ الْجَمِيلَ) مِنْهَا وَلَا لُطْفَ أَعْظَمَ مِنْ إظْهَارِ الْجَمِيلِ وَسَتْرِ الْقَبِيحِ (فَيَكُونُ فَرَحُهُ بِجَمِيلِ نَظَرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ لَا بِحَمْدِ النَّاسِ وَقِيَامِ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِهِمْ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ) أَيْ إكْرَامِهِ وَإِحْسَانِهِ بِالْعِنَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ (وَبِرَحْمَتِهِ) لَا بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ زَخَارِفِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) ؛ لِأَنَّ الْفَرَحَ بِذَلِكَ طَاعَةٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أَيْ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ وَفِي أَيْدِيهِمْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَبِالْجُمْلَةِ كَأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ مَقْبُولٌ فَفَرِحَ بِهِ (أَوْ) مِنْ غَيْرِ أَنْ (يَسْتَدِلَّ بِإِظْهَارِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَمِيلَ وَسَتْرِ الْقَبِيحِ فِي الدُّنْيَا) مِنْ أَوْصَافِهِ وَأَعْمَالِهِ عَلَى (أَنَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ يَفْعَلُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ) فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا فَيُعَيِّرُهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَفِي رِوَايَةٍ «مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ فِي الدُّنْيَا ذَنْبًا إلَّا سَتَرَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ» وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا فِي الْمَشَارِقِ «أَنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ أَيْ سَتْرَهُ فَيَحْفَظُهُ وَيَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ» أَهْلُ الْمَوْقِفِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْخِزْيِ وَالتَّفْضِيحِ مُسْتَعَارٌ مِنْ كَنَفِ الطَّائِرِ، وَهُوَ جَنَاحُهُ يَصُونَ بِهِ نَفْسَهُ وَيَسْتُرُ بِهِ بَيْضَهُ وَيُقَرِّرُ بِذُنُوبِهِ يَجْعَلُهُ مُقِرًّا بِهَا «فَيَقُولُ تَعَالَى أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْعَذَابَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتهَا عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَك الْيَوْمَ» الْحَدِيثَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يُرْجَى لِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ سَتَرَ عَلَى النَّاسِ عُيُوبَهُمْ وَاحْتَمَلَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ تَقْصِيرَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي غَيْبَتِهِمْ بِمَا يَكْرَهُونَ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُجَازِيَ بِذَلِكَ وَأَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» (فَإِنَّ السُّرُورَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ) مُلَاحَظَةُ اقْتِدَاءِ الْغَيْرِ وَمُلَاحَظَةُ طَاعَتِهِمْ فِي مَدْحِهِمْ وَالِاسْتِدْلَالِ بِإِظْهَارِ الْجَمِيلِ وَسَتْرِ الْقَبِيحِ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَنْ يُفْعَلَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمَدْحِ مِنْ النَّاسِ عَلَى حُسْنِ صُنْعِ اللَّهِ لَهُ حَيْثُ سَتَرَ الْقَبِيحَ وَأَظْهَرَ الْجَمِيلَ (حَقٌّ) ثَابِتٌ فِي الشَّرْعِ (لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّيَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا نَظَرُ الدُّنْيَا (وَلَكِنْ كَثِيرًا مَا يَدْخُلُهُ تَلْبِيسُ) إبْلِيسَ (فَلْيَكُنْ) السَّالِكُ (عَلَى بَصِيرَةٍ) وَتَيَقُّظٍ تَامٍّ لِئَلَّا يَقَعَ فِي حِيَلِ إبْلِيسَ هَذَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ كَوْنَ هَذَا السُّرُورِ رِيَاءٌ إنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِهِ الِاضْطِرَارِيُّ نَعَمْ إنْ خَطَرَ السُّرُورُ ابْتِدَاءً بِلَا اخْتِيَارٍ وَلَمْ يَدْفَعْهُ بَلْ اسْتَمَرَّ بِاخْتِيَارِهِ يَكُونُ رِيَاءً وَأَيْضًا إنَّ تَعْرِيفَ الرِّيَاءِ الَّذِي سَبَقَ لَا يَشْمَلُ هَذَا السُّرُورَ وَتَخْصِيصُهُ بِالرِّيَاءِ الْجَلِيِّ تَكَلُّفٌ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي التَّعْرِيفِ وَيُدْرَجُ فِيهِ فَافْهَمْ.

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ عَلَامَاتِ الرِّيَاءِ (أَنْ يُحِبَّ أَنْ يُوَقِّرَهُ)

ص: 103

يُعَظِّمَهُ (النَّاسُ وَ) أَنْ (يُثْنُوا عَلَيْهِ وَأَنْ يَنْشَطُوا) مِنْ النَّشَاطِ، وَهُوَ السُّرُورُ (فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ، وَأَنْ يُسَامِحُوهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) بِأَنْ يُبَاعَ لَهُ بِثَمَنٍ رَخِيصٍ وَيُشْتَرَى مِنْهُ بِثَمَنٍ غَالٍ (وَأَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ فِي الْمَكَانِ) عِنْدَ قُدُومِهِ (فَإِنْ قَصَّرَ فِيهِ مُقَصِّرٌ ثَقُلَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (عَلَى قَلْبِهِ) ، وَإِنْ كَانَ الثَّقْلَةُ لِاسْتِلْزَامِ ازْدِرَاءِ الصَّلَاحِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ احْتِرَامُهُ شَرْعًا فَالظَّاهِرُ لَيْسَ بِرِيَاءٍ كَازْدِرَاءِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ كُفْرٌ (وَوَجَدَ لِذَلِكَ اسْتِبْعَادًا) لِمَا يَرَى مِنْ نَفْسِهِ عَظَمَةً وَفَضِيلَةً (كَأَنَّ نَفْسَهُ تَتَقَاضَى) أَيْ تَقْبِضُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَتَطْلُبُ (الِاحْتِرَامَ) وَالتَّعْظِيمَ مِنْ النَّاسِ (عَلَى) الصَّالِحَاتِ (الَّتِي أَخْفَاهَا) عَنْ النَّاسِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِخْفَاءَ عَنْ النَّاسِ يَقْتَضِي عَدَمَ اطِّلَاعِ أَحَدٍ وَطَلَبُ الِاحْتِرَامِ مِنْ النَّاسِ يَقْتَضِي الِاطِّلَاعَ فَتَأَمَّلْ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَتْ مِنْهُ تِلْكَ الطَّاعَةُ) الَّتِي فَعَلَهَا خُفْيَةً (لَمَا كَانَ يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ) التَّقْصِيرُ فِي حَقِّهِ (وَمَهْمَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْعِبَادَةِ) عِنْدَهُ (كَعَدَمِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ خَالِيًا عَنْ شَوْبِ) اخْتِلَاطٍ (خَفِيٍّ) لَا يَكَادُ يَتَنَبَّهُ لَهُ صَاحِبُهُ (مِنْ الرِّيَاءِ وَمَهْمَا أَدْرَكَتْ نَفْسُهُ تَفْرِقَةً) فَرْقًا قَوِيًّا (بَيْنَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عِبَادَتِهِ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ فَفِيهِ) أَيْ فَفِي سُرُورِهِ لِلِاطِّلَاعِ عَلَى عِبَادَتِهِ (شُعْبَةٌ) قِطْعَةٌ (مِنْ الرِّيَاءِ) فَإِنَّ سُرُورَهُ بِاطِّلَاعِ الْإِنْسَانِ دُونَ الْحَيَوَانِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ قِيلَ هُنَا.

وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُهُ بَيْنَ النَّاسِ كَصَلَاتِهِ بَيْنَ أَعْنُزِهِ» (إلَّا أَنْ يُقَارِنَهُ) أَيْ يُقَارِنَ عَدَمُ كَوْنِ وُجُودِ الْعِبَادَةِ كَعَدَمِهَا (الْمُلَاحَظَةُ) لِاقْتِدَاءِ غَيْرِهِ بِهِ أَوْ طَاعَةِ غَيْرِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَدْحِهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ (أَوْ الِاسْتِدْلَال) بِذَلِكَ عَلَى حُسْنِ صُنْعِ اللَّهِ بِهِ وَإِظْهَارِ الْجَمِيلِ وَسَتْرِ الْقَبِيحِ (السَّابِقَانِ) آنِفًا فَحِينَئِذٍ لَا يَضُرُّ التَّفْرِقَةُ (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) أَيْ أَهْلُ الْمُلَاحَظَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَلَا يَسْلَمُ إلَّا الصِّدِّيقُونَ قِيلَ هُنَا وَجَمِيعُ ذَلِكَ إثْمٌ وَيُخَافُ مِنْهُ إحْبَاطُ الْعَمَلِ أَقُولُ لَكِنْ دُونَ سَائِرِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ شُعْبَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ صُدُورُ الْعَمَلِ ابْتِدَاءً عَلَى وَجْهِ الْخُلُوصِ وَلَمْ يَخْطِرْ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْخَوَاطِرِ عِنْدَ الْعَمَلِ بَلْ لَمْ تُوجَدْ شَائِبَتُهَا وَلَوْ مَغْلُوبَةً فَمَا يَقْتَضِيهِ أَكْثَرُ الْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ عَدَمُ الرِّيَاءِ إذْ الْأَصْلُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِالْعَوَارِضِ الْجُزْئِيَّةِ وَأَنَّ الْأَصْلَ إبْقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ، وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَقَاصِدِ لَا بِالْعَوَارِضِ وَأَنَّ الْمَرْجُوحَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ عِنْدَ الرَّاجِحِ وَلَا يَسْقُطُ الْأَصْلُ بِالْفَرْعِ، وَأَنَّهُ قَدْ قُرِّرَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الرِّيَاءَ إرَادَةُ نَفْعِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ جَعْلُ عَمَلِ الْآخِرَةِ سَبَبًا دَاعِيًا لِنَفْعِ الدُّنْيَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي جِنْسِ مَا سَبَقَ هُنَا لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ بَلْ كَانَ عَارِضًا بَعْدَ بُرْهَةٍ مِنْ زَمَانِ الْعَمَلِ بَلْ بِلَا قَصْدٍ بِاضْطِرَارٍ بِلَا شُعُورٍ وَبِالْجُمْلَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْثَالِ الْمُصَنِّفِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فَلِلنَّظَرِ اتِّسَاعٌ، وَإِنْ بِالنَّصِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِ نَعَمْ قَالُوا الْمُحَرَّمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ قَالُوا تَغْلِبُ الْحُرْمَةُ، وَأَنَّ الْمَطْلَبَ لَيْسَ بِمَحْضِ الرِّيَاءِ بَلْ شَائِبَتِهِ وَلَا يَبْعُدُ ثُبُوتُ هَذِهِ الشَّائِبَةِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْغَالِبِ الشَّائِعِ وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ هَذِهِ مُقَدِّمَاتٌ خَطَابِيَّةٌ مَقْبُولَةٌ بِالنَّظَرِ إلَيْنَا لَا بُرْهَانِيَّةٌ فَيَكْفِي اعْتِقَادُنَا

ص: 104

بِحُسْنِ الظَّنِّ عَلَى مِثْلِ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْ قَلَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فَافْهَمْ.

(فَلْيَكُنْ) الْعَابِدُ (عَلَى بَصِيرَةٍ) حَتَّى لَا يَقَعَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَزَالِقِ (وَحَذَّرَ مِنْ التَّلْبِيسِ) مِنْ حِيَلِ إبْلِيسَ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ فِي أَوَّلِ عَمَلِ الْعَابِدِ فَيَرْضَى بِمِثْلِهِ فِي آخِرِهِ (فَإِنَّ النَّاقِدَ) أَيْ الْمُمَيِّزَ الْفَارِقَ بَيْنَ الْخَالِصِ وَالزُّيُوفِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى (بَصِيرٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ قَلِيلٌ وَلَا صَغِيرٌ) فَيُؤَاخِذُ عَلَيْهِ وَلَا يَغْفُلُ وَلَا يُسَامِحُ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ عَلَامَاتِ الرِّيَاءِ (أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ صَاحِبَانِ غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ وَوَجَدَ عِنْدَ إقْبَالِ الْغَنِيِّ زِيَادَةَ هِزَّةٍ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ أَيْ زِيَادَةَ فَرَحٍ وَنَشَاطٍ (فِي نَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْعَابِدِ (لِإِكْرَامِهِ) أَيْ إقْبَالِهِ فَتَأَمَّلْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لِإِكْرَامِ الْفَقِيرِ فَهَذَا أَيْضًا شَوْبٌ خَفِيٌّ مِنْ الرِّيَاءِ (إلَّا إذَا كَانَ فِي الْغَنِيِّ زِيَادَةُ عِلْمٍ) عَلَى الْفَقِيرِ (أَوْ) زِيَادَةُ (وَرَعٍ) عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ لَهُ (صَدَاقَةٌ سَابِقَةٌ) مَعَهُ (أَوْ نَحْوُهَا) نَحْوُ جُودِهِ وَسَخَائِهِ نُقِلَ عَنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَلَامَةِ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي إنَّ إكْرَامَ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ وَلِيَّ النِّعْمَةِ وَالدُّعَاءِ لَهُ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ جَائِزٌ بَلْ مَأْمُورٌ بِهِ إذَا كَانَ الْبَاعِثُ قَصْدَ الْمُكَافَأَةِ لِإِنْعَامِهِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ شَوْبِ غَرَضِ الْإِنْعَامِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّهُ رِيَاءٌ انْتَهَى.

وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ عِلْمَ الْغَنِيِّ وَوَرَعَهُ يُوجِبُ الْمَزِيَّةَ كَذَلِكَ فَقْرُ الْفَقِيرِ لَا سِيَّمَا الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَيْضًا يُوجِبُ ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ النِّسْبَةُ وَالْمُعَادَلَةُ بَيْنَ صَبْرِ الْفَقِيرِ وَشُكْرِ الْغَنِيِّ لَا بَيْنَ وَرَعِ الْغَنِيِّ وَصَبْرِ الْفَقِيرِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِيهِ أَيْضًا (فَمَنْ كَانَ اسْتِرْوَاحُهُ) وُجُودُ رَاحَتِهِ (إلَى مُشَاهَدَةِ الْأَغْنِيَاءِ أَكْثَرَ) مِنْ الْفُقَرَاءِ (بِدُونِ مَا ذُكِرَ) مِنْ مُوجِبَاتِهِ كَالْعِلْمِ وَالْوَرَعِ وَالصَّدَاقَةِ السَّوَابِقِ (فَهُوَ مُرَاءٍ) وَالِاسْتِرْوَاحُ عَلَامَتُهُ يَشْكُلُ أَنَّ الرِّيَاءَ كَمَا عَرَفْت إرَادَةُ نَفْعِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ الِاسْتِرْوَاحُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّ إكْرَامَ الْغَنِيِّ لِأَجْلِ عِبَادَتِهِ تَعَالَى (وَمِنْ الْعَلَامَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعَالِمِ وَالْوَاعِظِ وَالشَّيْخِ) الصُّوفِيِّ السَّالِكِ الْمُرَبَّى بِالتُّقَى وَالرِّعَةِ وَتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ (أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ مَنْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ وَعْظًا) بِطَلَاقَةِ اللِّسَانِ وَعُذُوبَةِ الْكَلَامِ وَانْفِعَالِ النَّاسِ بِنُصْحِهِ وَصَلَاحِهِمْ بِوَعْظِهِ (وَأَغْزَرُ) مِنْ الْغَزَارَةِ أَيْ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ (عِلْمًا) بِالتَّدْرِيسِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّصْنِيفِ وَبِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ وَوُفُورِ الرَّاغِبِينَ وَبِجَمْعِ الطَّالِبِينَ وَمَدْحِ عِلْمِهِ وَثَنَاءِ دَرْسِهِ وَبِالْغَلَبَةِ عَلَى الْمُنَاظِرِينَ أَوْ بِالْعَمَلِ عَلَى مُوجِبِ عِلْمِهِ فَالثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَالْأَوَّلُ لِلثَّانِي فَالْأَوْلَى الْعَكْسُ عَلَى طَرِيقِ تَرْتِيبِ النَّشْرِ عَلَى اللَّفِّ نَعَمْ النَّشْرُ الْغَيْرُ الْمُرَتَّبِ طَرِيقٌ أَيْضًا (وَالنَّاسُ أَشَدُّ لَهُ قَبُولًا) .

وَلَوْ قَالَ وَأَشَدُّ لَهُ قَبُولًا لَكَانَ أَوْفَقَ لِمَا قَبْلَهُ فَهَذَا لِلثَّالِثِ أَيْ لِلشَّيْخِ عَلِيٍّ طَرِيقُ بَيَانِ الضَّرُورَةِ فَأَشَدِّيَّةُ الْقَبُولِ بِنَحْوِ رَغْبَةِ النَّاسِ إلَى الدُّخُولِ تَحْتَ تَرْبِيَتِهِ وَبِقُوَّةِ ظُهُورِ آثَارِ صَلَاحِهِ مِنْ نَحْوِ ظُهُورِ الْحَالَاتِ وَالْمَقَامَاتِ وَالْكَرَامَاتِ (سَاءَهُ) أَيْ أَحْزَنَهُ فِعْلُهُمْ (وَحَسَدُهُ) عَلَى الْكَمَالِ الَّذِي رَأَى مِنْهُ لِكَوْنِ نَظَرِهِ إلَى مَذَمَّةِ الْخَلْقِ وَمَدْحِهِمْ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُقِلُّ رَغْبَةَ النَّاسِ إلَيْهِ وَالْحَالُ أَنَّ نَظَرَهُ

ص: 105