الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْأَرْضِ فِي الْمَشْيِ وَحُكْمُهُ كَسَائِرِ الرِّيَاءِ يُسْمَعُ مِنْ الْمُصَنِّفِ.
(وَالْخَامِسُ الْأَصْحَابُ وَالزَّائِرُونَ كَمَنْ يَفْرَحُ بِكَثْرَتِهِمْ) أَيْ بِكَثْرَةِ الْمُصَاحِبِينَ سِيَّمَا مِنْ الْأَشْرَافِ وَكَثْرَةِ الْأَحِبَّاءِ الزَّائِرِينَ سِيَّمَا مِنْ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ (وَ) يَفْرَحُ (بِمَشْيِهِمْ خَلْفَهُ) أَوْ إزَاءَهُ وَقُدَّامَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرُّسُومِ وَالْعَادَاتِ (عِنْدَ ذَهَابِهِ إلَى الْجُمُعَةِ أَوْ الدَّعْوَةِ) هَذَا عَلَى مَخْرَجِ الْعَادَةِ وَإِلَّا فَكَذَا فِي كُلِّ خُرُوجٍ نَحْوِ الدَّرْسِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ، وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى عُلُوِّ مَقَامِهِ وَرَفْعِ قَدْرِهِ وَشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ وَرُتْبَتِهِ وَرَغْبَةُ الْخَلْقِ إلَيْهِ مَوْجُودَةٌ فِي الْجَمِيعِ لَعَلَّ أَحَدَ الْمِثَالَيْنِ لَمَّا خَرَجَ لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ وَالْآخِرَةِ لِأَمْرِ نَفْسِهِ وَالدُّنْيَا (وَيُبَاهِي) يَفْتَخِرُ (بِهِمْ) تَرَفُّعًا عَلَى الْغَيْرِ (وَلَا يَذْهَبُ وَحْدَهُ لِيُقَالَ إنَّهُ مُرْشِدٌ كَامِلٌ لَهُ أَتْبَاعٌ كَثِيرَةٌ) لِيَنَالَ بِهِ مِنْ نَحْوِهِ الْجَاهَ وَإِقْبَالَ الْخَلْقِ وَحُصُولَ مُرَادِهِ مِنْهُمْ هَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ فِي هَذَا الْبَابِ (وَرِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ كَثْرَةِ الْأَصْحَابِ وَالزُّوَّارِ (لِيُقَالَ إنَّهُ ذُو قُدْرَةٍ وَقُوَّةٍ) عَظِيمَةٍ عَلَى تَحْصِيلِ كُلِّ مَا أَرَادَهُ مِنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ (وَثَرْوَةٍ) كَثْرَةُ الْعَدَدِ مِنْ النَّاسِ وَالْمَالِ نُقِلَ عَنْ الْقَامُوسِ (وَعَبِيدٍ) جَمْعُ عَبْدٍ (وَخَدَمٍ) جَمْعُ خَادِمٍ (كَثِيرَةٍ) قِيلَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْإِحْيَاءِ لَكِنْ كَوْنُ كُلِّ ذَلِكَ رِيَاءً إنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فَتَأَمَّلْ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَامَةً وَلِلْمُؤْمِنِ فِرَاسَةً أَقُولُ هَذَا الْبَابُ مِنْ الْوِجْدَانِيَّاتِ فَالتَّفْصِيلُ لِمَا بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْفِرَاسَاتِ الدَّالَّةِ وَإِلَّا فَالِاطِّلَاعُ مِنْ الْخَارِجِ عَلَى مَا فِي الْبَاطِنِ مُتَعَسِّرٌ وَلَا يَخْلُو عَنْ سُوءِ ظَنٍّ فَتَأَمَّلْ أَنْتَ أَيْضًا.
[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]
(الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ) مِنْ السَّبْعَةِ (فِيمَا لَهُ) لِأَجْلِهِ (الرِّيَاءُ) أَيْ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ (وَهُوَ الْجَاهُ) أَيْ الْقَدْرُ وَالْمَنْزِلَةُ عِنْدَ النَّاسِ (وَاسْتِمَالَةُ الْقُلُوبِ) طَلَبُ مَيْلِ قُلُوبِ النَّاسِ إلَيْهِ وَجَذْبِهِمْ إلَى مَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَمَدْحِهِ لِقَضَائِهِمْ حَاجَتَهُ وَيُؤَدُّوا مَصَالِحَهُ، ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنْ لَا يَنْحَصِرَ مَا لَهُ الرِّيَاءُ بِالْجَاهِ بَلْ يَضُمُّ إلَيْهِ الْمَالَ وَقَضَاءَ الشَّهْوَةِ وَدَفْعَ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ رُجُوعَ الْكُلِّ إلَى الِاسْتِمَالَةِ، وَإِنْ بَعِيدًا، وَهُوَ (إمَّا) مَقْصُودٌ (لِذَاتِهِ) بِلَا تَوَسُّلٍ إلَى شَيْءٍ يَعْنِي يَجْعَلُ نَفْسَ الْجَاهِ وَالِاسْتِمَالَةِ مَقْصُودًا مِنْ رِيَائِهِ كَمَنْ يَقْصِدُ بِرِيَائِهِ الِاشْتِهَارَ بِالزُّهْدِ وَكَثْرَةِ الْمُرِيدِينَ كَمَا يُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَصْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ التَّوَسُّلَاتِ الَّتِي يَذْكُرُهَا فَالتَّقَابُلُ لَيْسَ بِحَسَنٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَرَّقَ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ وَقَصَدَهُ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ مَا لَا يَقْصِدُهُ لَكِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَا يَعْلَمُهُ (وَإِمَّا لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى مَعْصِيَةٍ) مِنْ نَحْوِ الْوَصْلَةِ إلَى أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْفُجُورِ إلَى النِّسْوَانِ وَالْغِلْمَانِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ تَفْصِيلًا فَالتَّمْثِيلُ بِنَحْوِ شُرْبِ الْخَمْرِ لَا حَاصِلَ لَهُ (أَوْ مُبَاحٍ) كَمَنْ يُرَائِي لِيُرَغِّبَ النِّسْوَانَ فِي نِكَاحِهِ (أَوْ طَاعَةٍ) كَمُتَعَلِّمٍ يُرَائِي بِطَاعَتِهِ لِيَنَالَ عِنْدَ الْمُعَلِّمِ رُتْبَةً فَيَتَعَلَّمَ مِنْهُ عِلْمًا نَافِعًا (فِي اعْتِقَادِهِ) إمَّا قَيْدٌ لِلتَّوَسُّلِ أَوْ لِلثَّلَاثَةِ أَوْ لِلْأَخِيرَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَبَرِ قَصْدُ التَّوَسُّلِ إلَى ذَلِكَ لَا الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ كَمَا قِيلَ وَعَلَى الثَّانِي يَعْنِي يَصِلُ إلَيْهَا بِإِمَالَةِ الْقُلُوبِ إلَيْهِ وَلَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمُرَائِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا قِيلَ وَعَلَى الثَّالِثِ كَوْنُهُمَا طَاعَةً وَمُبَاحًا فِي اعْتِقَادِ الْمُرَائِي لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا قِيلَ أَيْضًا لَا يَخْفَى مَا فِي الْكُلِّ مِنْ عَدَمِ الْمَحْصُولِ الْمُعْتَدِّ بِهِ لَعَلَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَذْكُرَهُ (وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ) الْمَعْصِيَةُ وَالطَّاعَةُ وَالْمُبَاحُ (أَغْرَاضًا) ابْتِدَاءً (مِنْ الرِّيَاءِ بِغَيْرِ تَوَسُّطِ)
قَصْدِ (جَاهٍ) فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَقْصُودًا بِلَا تَوَسُّطِ جَاهٍ (فَتِلْكَ) جُمْلَةُ مَا لِأَجْلِهِ الرِّيَاءُ (أَرْبَعَةٌ) ذَاتُ الْجَاهِ مَعَ اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ الْمَعْصِيَةُ الطَّاعَةُ الْمُبَاحُ لَكِنْ إذَا لُوحِظَ الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ تَكُونُ الْأَقْسَامُ سَبْعَةً لَعَلَّ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ لِاتِّحَادِ كُلِّ قِسْمٍ مَعَ قَرِينِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا سَيُفَصِّلُهُ الْمُصَنِّفُ (وَلِكُلٍّ) لِأَجْلِ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (يَقَعُ الرِّيَاءَانِ) رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا (أَمَّا الْأَوَّلُ) لِذَاتِ الْجَاهِ وَالِاسْتِمَالَةِ نَفْسِهِمَا أَمَّا فِي الدِّينِ (فَكَمَنْ يَقْصِدُ بِعِبَادَتِهِ أَنْ يَشْتَهِرَ بِالزُّهْدِ) الْإِعْرَاضُ عَنْ الدُّنْيَا (وَالْإِرْشَادِ وَكَثْرَةِ الْمُرِيدِينَ) وَالْمُتَعَلِّمِينَ (وَالْأَحِبَّاءِ) لِمُجَرَّدِ التَّلَذُّذِ بِالِاشْتِهَارِ وَمِلْكِ قُلُوبِ النَّاسِ بِلَا قَصْدِ تَوَسُّلٍ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ (وَكَمَنْ يَمْشِي) مُنْفَرِدًا (عَجِلًا فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ فَيَتْرُكُ الْعَجَلَةَ) وَيَمْشِي هَوْنًا عَلَى مَشْيِ الزُّهَّادِ وَالْوُرَّاعِ (كَيْ لَا يُقَالَ إنَّهُ مِنْ أَهْلِ اللَّهْوِ) أَيْ الْغَفْلَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِزَخَارِفِ الدُّنْيَا (وَالسَّهْوِ) ذُهُولِ الْقَلْبِ عَنْ مُلَاحَظَةِ اللَّهِ وَمُرَاقَبَتِهِ (لَا مِنْ أَهْلِ الْوَقَارِ) مِنْ الْعِبَادِ وَالْعُلَمَاءِ فَتَسْقُطُ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا تَمِيلُ قُلُوبُهُمْ إلَيْهِ هَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ أَيْضًا لَكِنْ لَا بِالْعِبَادَةِ؛ وَلِهَذَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْكَافَ لِإِيذَانِهِ نَوْعًا آخَرَ (وَمِنْهُمْ) مِنْ أَهْلِ مُرِيدِ نَفْسِ الْجَاهِ فِي الدِّينِ (مَنْ إذَا سَمِعَ) مِنْ النَّاسِ (هَذَا) أَيْ قَوْلَ النَّاسِ إنَّهُ مِنْ أَهْلِ اللَّهْوِ وَالسَّهْوِ (اسْتَحَى) مِنْ النَّاسِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اسْتَحْيَا (أَنْ يُخَالِفَ مِشْيَتَهُ فِي الْخَلْوَةِ مِشْيَتَهُ بِمَرْأًى مِنْ النَّاسِ) فَيَنْسُبُونَهُ لِلرِّيَاءِ (فَيُكَلِّفُ نَفْسَهُ) أَيْ يَتَعَوَّدُ (الْمِشْيَةَ الْحَسَنَةَ) بِالْوَقَارِ (فِي الْخَلْوَةِ أَيْضًا) كَمَا بَيْنَ النَّاسِ (حَتَّى إذَا رَآهُ النَّاسُ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى التَّغْيِيرِ) فِي مِشْيَتِهِ (وَيَظُنُّ أَنَّهُ تَخَلَّصَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ التَّعَوُّدِ (مِنْ الرِّيَاءِ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ تَضَاعَفَ) أَيْ تَكَثَّرَ (بِهِ رِيَاؤُهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُحْسِنُ مِشْيَتَهُ فِي خَلْوَتِهِ لِيَكُونَ كَذَلِكَ) حَسَنَ الْمِشْيَةِ (فِي الْمَلَأِ) بَيْنَ النَّاسِ (لَا لِحَيَاءٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) حَتَّى يَخْلُصَ بِهِ مِنْ الرِّيَاءِ أَوْ؛ لِأَنَّ رِيَاءَهُ فِي الْخَلْوَةِ وَالْجَلْوَةِ مَعًا وَالْأَوَّلُ فِي الْخَلْوَةِ فَقَطْ، فَإِنَّ الْمَدَارَ هُوَ النِّيَّةُ وَالْعَزِيمَةُ (وَكَذَلِكَ مَنْ يَسْبِقُ مِنْهُ الضَّحِكُ) لِلِانْفِعَالِ مِنْ أَمْرٍ غَرِيبٍ (أَوْ يَبْدُو مِنْهُ الْمِزَاحُ) أَيْ اللَّعِبُ فَإِنَّهُ مَا لَا جَدَّ فِيهِ كَاللَّعِبِ كَذَا قِيلَ لَكِنْ الْمِزَاحُ قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا بَلْ قَدْ يُسْتَحَبُّ (فَيَخَافُ أَنْ يُنْظَرَ إلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ) فَيَسْقُطُ جَاهُهُ (فَيُتْبِعُ) فَوْرًا (ذَلِكَ) الضَّحِكَ (بِالِاسْتِغْفَارِ) إظْهَارًا لِكَرَاهَةِ ذَلِكَ (وَيَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ) بِالصَّادِ الْمَضْمُومَةِ مَدُّ النَّفَسِ لِأَمْرٍ شَاقٍّ عَادَةً وَحَاصِلُهُ التَّنَفُّسُ بِتَوْجِيعٍ وَتَنْدِيمٍ (وَيَقُولُ مَا أَعْظَمَ غَفْلَةَ الْآدَمِيِّ عَنْ نَفْسِهِ) إظْهَارًا لِإِنْكَارِ ذَلِكَ وَتَدَارُكًا لِمَا سَهَا عَنْهُ (وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي خَلْوَةٍ) بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ (لَمَا كَانَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ) بَلْ إنَّمَا ثَقُلَ لِمَحْضَرِ النَّاسِ
(وَإِنَّمَا يَخَافُ أَنْ يُنْظَرَ إلَيْهِ لَا بِعَيْنِ التَّوْقِيرِ) فَيَسْقُطُ جَاهُهُ لَعَلَّ هَذَا وَنَحْوَهُ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَكَمْ مِنْ شَخْصٍ يَرَى بَعْضَ النَّاسِ كَالْأَبَاعِدِ وَالْأَشْرَافِ دُونَ بَعْضٍ كَخَدَمِ نَفْسِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَالْأَرَاذِلِ فَهُمْ يَسْتَحْيُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ اللَّهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ، وَهُوَ مَعَهُمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ مِنْ سِرِّهِمْ وَنَجْوَاهُمْ قِيلَ إنَّ هَذَا أَيْضًا يُضَاعِفُ رِيَاءَهُ؛ لِأَنَّ خَوْفَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً رِيَاءٌ وَاسْتِغْفَارَهُ ذَلِكَ رِيَاءٌ آخَرُ لَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْخَوْفِ بِلَا عَمَلٍ لَا يَكُونُ رِيَاءً (وَكَاَلَّذِي يَرَى جَمَاعَةً يَتَهَجَّدُونَ) فِي اللَّيْلِ (أَوْ يَصُومُونَ) النَّوَافِلَ (أَوْ يَتَصَدَّقُونَ) نَافِلَةً (فَيُوَافِقُهُمْ) فِي التَّهَجُّدِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ (خِيفَةَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْكَسَلِ وَيَلْحَقَ بِالْعَوَامِّ) فَيَذْهَبُ جَاهُهُ وَلَوْ وَافَقَهُمْ اقْتِدَاءً بِهِمْ فِي طَلَبِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى تَذَكُّرًا مِنْ سُنَّتِهِمْ فَلَيْسَ بِرِيَاءٍ بَلْ مَمْدُوحٌ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ لَهُ تَعَالَى لَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى (وَلَوْ خَلَا) عَنْ الْخَلْقِ (بِنَفْسِهِ لَكَانَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْهُ) لِانْتِفَاءِ بَاعِثِ عَمَلِهِ مِنْ اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَكَذَا فِي مُوَافَقَةِ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ وَأَيَّامِ الْبِيضِ (وَكَاَلَّذِي يَعْطَشُ) أَيْ يُظْهِرُ الْعَطَشَ (يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ) عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ مَعَ تَاسِعِهِ أَوْ حَادِي عَشَرَ مِنْهُ فَإِنَّ صَوْمَ الْعَاشِرِ فَقَطْ مَكْرُوهٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَعَشَرَةِ ذِي الْحَجَّةِ بَلْ عَشَرَةُ الْمُحَرَّمِ (فَلَا يَشْرَبُ) الْمَاءَ فِي الْمَلَأِ وَيَبْقَى ظَمْآنَ (خَوْفًا مِنْ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ) فَيَزُولُ مِلْكُ قُلُوبِهِمْ وَيَسْقُطُ مِنْ نَظَرِهِمْ (وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ) إلَى الشَّرَابِ لِاشْتِدَادِ عَطَشِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَكَانًا خَالِيًا فَيَشْرَبْ (ذَكَرَ لِنَفْسِهِ عُذْرًا) مِنْ عَدَمِ صَوْمِهِ (تَصْرِيحًا) بِكَوْنِهِ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا (أَوْ تَعْرِيضًا) عَلَى طَرِيقِ الْإِيمَاءِ وَالْكِنَايَةِ (بِأَنْ يَتَعَلَّلَ بِمَرَضٍ اقْتَضَى فَرْطَ الْعَطَشِ) الَّذِي يُوجِبُ وَيَضْطَرُّ إلَى الْمَاءِ أَوْ يَقُولُ إذَا صُمْت يَزِيدُ عَطَشِي (أَوْ يَقُولُ أَفْطَرْت تَطْيِيبًا لِقَلْبِ فُلَانٍ) لِكَوْنِهِ ضَيْفًا أَوْ مُضِيفًا هَذَانِ مِنْ الْعُذْرِ الصَّرِيحِ لَعَلَّ التَّعْرِيضَ قَوْلُهُ (وَقَدْ لَا يَذْكُرُ ذَلِكَ) الْعُذْرَ (مُتَّصِلًا بِشُرْبِهِ كَيْ لَا يَظُنَّ أَنَّهُ يَعْتَذِرُ) مِنْ الشُّرْبِ (رِيَاءً، وَلَكِنَّهُ يَصْبِرُ) عَنْ الِاعْتِذَارِ (ثُمَّ) بَعْدَ زَمَانٍ (يَذْكُرُ عُذْرَهُ فِي مَعْرِضِ) مُنَاسَبَةِ (حِكَايَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا) مِنْ نَحْوِ الْعُظَمَاءِ مَثَلًا (مُحِبٌّ لِلْإِخْوَانِ شَدِيدُ الرَّغْبَةِ فِي أَنْ يَأْكُلَ الْإِنْسَانُ مِنْ طَعَامِهِ) وَلَا يَرْضَى بِوَجْهٍ إلَّا بِالْأَكْلِ مِنْ طَعَامِهِ (وَقَدْ أَلَحَّ الْيَوْمَ عَلَيَّ) مِنْ الْإِلْحَاحِ وَالْإِقْدَامِ (وَلَمْ أَجِدْ بُدًّا) خَلَاصًا (مِنْ تَطْيِيبِ قَلْبِهِ) فَأَفْطَرْت (وَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ) فِي اعْتِذَارِ إفْطَارِهِ (إنَّ أُمِّي ضَعِيفَةُ) رَقِيقَةُ (الْقَلْبِ مُشْفِقَةٌ عَلَيَّ تَظُنُّ أَنِّي لَوْ صُمْت يَوْمًا مَرِضْت فَلَا تَدَعُنِي) فَلَا تَتْرُكُنِي أَنْ (أَصُومَ) لِهَذَا أَفْطَرْت هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ حَالُ الْمُرَائِي (وَأَمَّا الْمُخْلِصُ) فِي ذَلِكَ (فَلَا يُبَالِي كَيْفَ نَظَرَ الْخَلْقُ إلَيْهِ)
لِكَوْنِ نَظَرِهِ إلَى الْخَالِقِ لَكِنْ لَوْ فَعَلَ مِثْلَ الْمَذْكُورَاتِ قَائِلًا لِئَلَّا يُقْتَدَى بِي فَأَكُونَ سَبَبًا إلَى فِعْلِهِمْ الْقَبِيحِ فَإِنَّ مَنْ خَافَ الْوِزْرَ وَالْوَبَالَ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ فَلَيْسَ بِرِيَاءٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الصَّوْمِ وَ) الْحَالُ (قَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ) عَدَمَ الرَّغْبَةِ (مِنْهُ) مِنْ الْمُخْلِصِ (فَلَا يُرِيدُ) هُوَ (أَنْ يَعْتَقِدَ غَيْرُهُ) تَعَالَى مِنْ خَلْقِهِ (مَا يُخَالِفُ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونَ) بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ (مُلْتَبِسًا) خَالِطًا عَمَلَهُ بِالرِّيَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُلْبِسًا أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ) لِلْإِنْسَانِ (رَغْبَةٌ فِي الصَّوْمِ) طَمَعًا فِي ثَوَابِهِ تَعَالَى (قَنِعَ) بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ اكْتَفَى (بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى) عَنْهُ (وَلَمْ يُشْرِكْ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ (غَيْرَهُ) وَلَمْ يَرْضَ بِعِلْمِ الْغَيْرِ فَضْلًا عَنْ الْإِظْهَارِ (إلَّا أَنْ يَخْطِرَ لَهُ) بِبَالِهِ (أَنَّ فِي إظْهَارِهِ) أَيْ فِي نَحْوِ الصَّوْمِ وَبِاطِّلَاعِ غَيْرِهِ تَعَالَى (اقْتِدَاءَ غَيْرِهِ بِهِ) عَلَى طَرِيقِ حَدِيثِ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً» (فَيَظْهَرُ) حِينَئِذٍ بِنِيَّةِ اقْتِدَاءِ الْغَيْرِ بِهِ لِيَكُونَ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى ثَوَابِهِ، ثُمَّ أَقُولُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ الْإِظْهَارِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ مَحْبُوبًا فِي نَظَرِ الْمُؤْمِنِينَ سِيَّمَا الصَّالِحِينَ عَلَى مُلَاحَظَةِ مَضْمُونِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» وَلِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّ الْمَرْءَ يَكُونُ مَغْفُورًا بِشَهَادَةِ الصُّلَحَاءِ بِحُسْنِ حَالِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْحَمِيدَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَى النَّاسِ، ثُمَّ إلَى هُنَا كُلِّهِ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الرِّيَاءِ لِأَهْلِ الدِّينِ لِأَجْلِ الْجَاهِ نَفْسِهِ مُشِيرًا إلَى أَقْسَامِهِ وَمَرَاتِبِهِ (وَ) أَمَّا لِوُقُوعِ أَهْلِ الدُّنْيَا لِأَجْلِهِ (كَمَنْ يُرِيدُ بِإِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ) كَالْإِقْدَامِ فِي الْحُرُوبِ وَالْمَخَاوِفِ (وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ) فِي السِّيَاسَةِ الْمَدَنِيَّةِ وَتَدْبِيرِ أُمُورِ الْعَوَامّ وَالْخَوَاصِّ وَنِظَامِ مَهَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَبِالْجُمْلَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِنِظَامِ الدَّوْلَةِ وَاسْتِقْرَارِ الْمُلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ فِي أَحْوَالِ (الْإِمَارَةِ) بِالْكَسْرِ الْوِلَايَةُ (وَالْوِزَارَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ الثِّقَلِ لِأَنَّهُ تَحَمَّلَ عَنْ الْمَلِكِ ثِقَلَ التَّدْبِيرِ (وَنَحْوِهِمَا) مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ.
(وَأَمَّا الثَّانِي) مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ وُقُوعُ الرِّيَاءِ لِأَجْلِ الْجَاهِ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِلتَّوَسُّلِ إلَى مَعْصِيَةٍ (فَكَمَنْ يُرَائِي بِعِبَادَتِهِ) مِنْ نَحْوِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ (وَيُظْهِرُ التَّقْوَى) الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَعَاصِي حَتَّى الشُّبُهَاتِ (وَالْوَرَعَ) أَيْ التَّدْقِيقَ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ (وَالِامْتِنَاعَ مِنْ أَكْلِ الشُّبُهَاتِ) وَتَخْصِيصُ الْأَكْلِ لِكَوْنِهِ أَغْلَبَ (لِيُعْرَفَ بِالْأَمَانَةِ) وَالِاسْتِقَامَةِ بِمُرَاعَاةِ الْحُقُوقِ بِلَا إضَاعَةٍ (فَيُوَلَّى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الْقَضَاءَ) أَيْ يُقَلِّدُ لَهُ الْإِمَامُ الْقَضَاءَ (أَوْ الْأَوْقَافَ) أَيْ يَجْعَلُهُ الْإِمَامُ مُتَوَلِّيًا لِلْأَوْقَافِ لَمَّا رَأَى مِنْهُ الْأَمَانَةَ وَأَمَارَةَ عَدَمِ الْإِضَاعَةِ وَالِاحْتِيَاطِ (أَوْ مَالَ الْأَيْتَامِ) أَيْ يَجْعَلُهُ وَصِيًّا لِلْأَيْتَامِ (أَوْ يُودَعُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الْوَدَائِعَ) مِنْ طَرَفِ النَّاسِ (فَيَأْخُذُهَا وَيَجْحَدُهَا) أَوْ يُسَلِّمُ إلَيْهِ مَالَ الزَّكَاةِ لِيَقْسِمَ عَلَى الْمَحَاوِيجِ أَوْ صَدَقَةَ إسْقَاطِ الصَّلَاةِ فَيَأْكُلُهَا كُلًّا أَوْ بَعْضًا (وَكَمَنْ يُظْهِرُ زِيَّ التَّصَوُّفِ) أَيْ هَيْئَةَ الصُّوفِيَّةِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالسِّيرَةِ أَوْ الْأَخْلَاقِ (وَهَيْئَةِ الْخُشُوعِ) كَإِخْفَاءِ الصَّوْتِ وَغَضِّ الْبَصَرِ.
(وَكَلَامَ
الْحِكْمَةِ) كَالتَّكَلُّمِ بِاصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ وَالتَّرْغِيبَاتِ وَالتَّرْهِيبَاتِ (عَلَى سَبِيلِ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ لِيُحَبَّبَ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ غُلَامٍ) أَمْرَدَ (لِأَجْلِ الْفُجُورِ) بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ أَوْ الْغُلَامِ بِالزِّنَى وَاللُّوَاطَةِ (وَكَمَنْ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْعِلْمِ أَوْ حَلْقَ الذِّكْرِ) مِنْ نَحْوِ ذِكْرِ اللَّهِ كَمَا لِلصُّوفِيَّةِ (لِمُلَاحَظَةِ النِّسْوَانِ أَوْ الصِّبْيَانِ) الَّذِينَ يَحْضُرُونَ هُنَالِكَ فَيَنْظُرُ بِشَهْوَةٍ أَوْ يَمَسُّ أَوْ يُقَبِّلُ قِيلَ هُنَا، وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الصِّبْيَانِ الْحِسَانِ الْمُجَرَّدُ عَنْ نَظَرِ الشَّهْوَةِ فَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ الْمَحَبَّةُ قَدْ تَكُونُ لِذَاتِ الشَّيْءِ لَا لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ لَذَّةٌ أُخْرَى وَالطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ قَاضِيَةٌ بِاسْتِلْذَاذِ النَّظَرِ إلَى الْأَنْوَارِ وَالْأَزْهَارِ وَالْأَطْيَارِ الْمَلِيحَةِ وَالْأَلْوَانِ الْحَسَنَةِ حَتَّى إنَّ الْإِنْسَانَ لَيُفَرِّجُ عَنْهُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا لَا لِطَلَبِ حَظٍّ وَرَاءَ النَّظَرِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّءُوفِ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى لَا يَخْفَى أَنَّهُ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ وَلَا الْإِشْعَارُ فِيمَا نَقَلَهُ عَلَى مَا أَرَادَهُ فَضْلًا عَنْ الدَّلَالَةِ، ثُمَّ هَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ بِالْجَاهِ لِلتَّوَسُّلِ إلَى الْمَعْصِيَةِ
وَأَمَّا مِثَالُ رِيَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا لِأَجْلِ الْجَاهِ لِلتَّوَسُّلِ إلَى الْمَعْصِيَةِ فَقَوْلُهُ (وَكَمَنْ يُظْهِرُ الشَّجَاعَةَ وَحُسْنَ السِّيَاسَةِ) بِإِصَابَةِ الرَّأْيِ فِي نِظَامِ الْأُمُورِ (وَالضَّبْطَ) بِحِفْظِ أَحْوَالِ الْأَنَامِ وَعَدَمِ نِسْيَانِهَا (لِيَصِلَ إلَى وِلَايَةٍ) لِنَحْوِ مَنْصِبٍ أَوْ رِيَاسَةٍ (أَوْ وِصَايَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا) كَالْأَوْقَافِ (فَيَتَمَكَّنُ مِنْ) إتْيَانِ (الْمُحَرَّمَاتِ الْمُشْتَهَيَاتِ لَهُ) كَالزِّنَا وَاللُّوَاطَةِ.
(وَأَمَّا) الْقِسْمُ (الثَّالِثُ) ، وَهُوَ الرِّيَاءُ لِأَجْلِ الْجَاهِ الَّذِي يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الْمُبَاحِ (فَكَمَنْ يُرَائِي بِعِبَادَتِهِ لِيُبْذَلَ لَهُ الْأَمْوَالُ وَتَرْغَبُ فِي نِكَاحِهِ النِّسَاءُ) قِيلَ هُنَا عَنْ قُوتِ الْقُلُوبِ لِأَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي وَاقِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَخِي سُلَيْمَانَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يَخْدُمُ مُوسَى عليه السلام فَجَعَلَ يَقُولُ حَدَّثَنِي مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ حَتَّى كَثُرَ مَالُهُ وَفَقَدَهُ مُوسَى دَهْرًا فَجَعَلَ مُوسَى عليه السلام يَسْأَلُ عَنْهُ فَلَا يُحِسُّ مِنْهُ أَثَرًا حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ ذَاتَ يَوْمٍ وَفِي يَدِهِ خِنْزِيرٌ وَفِي عُنُقِهِ حَبْلٌ أَسْوَدُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَتَعْرِفُ فُلَانًا قَالَ نَعَمْ هُوَ هَذَا الْخِنْزِيرُ فَقَالَ مُوسَى يَا رَبِّ أَسْأَلُك أَنْ تَرُدَّهُ إلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ حَتَّى أَسْأَلَهُ مِمَّ أَصَابَهُ هَذَا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ لَوْ دَعَوْتنِي بِاَلَّذِي دَعَانِي آدَم فَمَنْ دُونَهُ مَا أَجَبْتُك فِيهِ، وَلَكِنِّي أُخْبِرُك إنَّمَا صَنَعْت بِهِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ كَذَا ذَكَرَهُ النَّجْمُ الْغَزِّيِّ فِي حُسْنِ التَّنْبِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمَسْخُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا فِي الْمَاضِيَةِ لَرَأَيْت مِمَّنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ خَنَازِيرَ كَثِيرَةً، وَلَكِنْ الْمَسْخُ الْآنَ وَقَعَ فِي الْقُلُوبِ لَا فِي الصُّوَرِ الظَّاهِرَةِ.
(وَيُسَارِعُ فِي خِدْمَتِهِ أَوْ حَاجَتِهِ النَّاسُ) بِلَا طَلَبِهِ فَإِنَّ فِي الطَّلَبِ قَدْ لَا يُوجَدُ الْمُبَاحُ لِعَدَمِ الرِّضَا (وَكَمَنْ يُخَفِّفُ الصَّلَاةَ وَيَتْرُكُ التَّعْدِيلَ) بِاطْمِئْنَانِ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ (وَ) بِتَرْكِ (الْآدَابِ) الْمَطْلُوبَةِ فِي الصَّلَاةِ مِثْلُ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ (فِي الْخَلْوَةِ) عِنْدَ عَدَمِ رُؤْيَةِ النَّاسِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ يُرَائِي لِأَجْلِهِ (وَيُطِيلُهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (وَيُرَاعِي التَّعْدِيلَ وَالْآدَابَ) فِيهَا (فِي الْمَلَأِ) عِنْدَ النَّاسِ (فِرَارًا عَنْ إيذَاءِ النَّاسِ بِمَذَمَّتِهِ) لَا لِطَلَبِ رِضَاهُ تَعَالَى (وَغِيبَتِهِ) بِالْكَسْرِ أَيْ ذِكْرِهِ بِسُوءِ فِعَالِهِ فِي غِيَابِهِ (لَا طَلَبًا لِلْمَدْحِ مِنْهُمْ) مِنْ النَّاسِ (وَلَا ثَوَابًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَكُونُ رِيَاءً بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ حُبَّ الْمَدْحِ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مَحْظُورٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]- وَالثَّانِي يَكُونُ رِيَاءً بِطَاعَةٍ (وَكَمَنْ يُصَلِّي أَوْ يَقْرَأُ أَوْ يُهَلِّلُ لِأَخْذِ الْمَالِ) عَلَى ذَلِكَ (وَالتَّلَذُّذِ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ هَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ
لِلْمُبَاحِ لَكِنْ هَذَا لَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِهِ سُوءَ أَدَبٍ وَلَوْ تَعْرِيضًا وَإِشَارَةً وَالسُّؤَالُ حَرَامٌ وَالْقَوْلُ إنَّ الْإِبَاحَةَ إنَّمَا هِيَ فِي اعْتِقَادِهِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُلَائِمُ السِّيَاقَ وَيَشْكُلُ بِمَا فِي الْفَتَاوَى مِنْ تَجْوِيزِ خُرُوجِ طَلَبَةِ الْعُلُومِ فِي الْمَوَاسِمِ لِنَحْوِ الْوَعْظِ وَالنَّصِيحَةِ لِيَجْمَعُوا لَهُ شَيْئًا يَدَّخِرُونَهُ فِي أَوَانِ التَّحْصِيلِ نَعَمْ الضَّرُورَةُ قَاضِيَةٌ هُنَا وَإِلَّا يَتَعَطَّلَ الْعِلْمُ وَلَا يَتَحَصَّلُ، وَأَمَّا نَحْوُ الْإِمَامَةِ وَالتَّأْذِينِ وَتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ بِالْأُجْرَةِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَكَالْمِثَالِ الْأَخِيرِ لِلثَّانِي) ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَ الشَّجَاعَةَ وَحُسْنَ السِّيَاسَةِ وَالضَّبْطَ لِيَصِلَ إلَى وِلَايَةٍ وَوِصَايَةٍ (لِيَصِلَ) بِالْمَذْكُورَاتِ (إلَى الْمُشْتَهَيَاتِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ) وَهَذَا مِثَالُ الرِّيَاءِ لِأَجْلِ الْمُبَاحِ نَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَهَذَا الْمِثَالُ مُبَاحٌ فِي اعْتِقَادِهِ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ حَرَامٌ قَطْعًا.
(وَأَمَّا الرَّابِعُ) ، وَهُوَ الرِّيَاءُ لِأَجْلِ الْجَاهِ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى طَاعَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ أَوْ لِنَفْسِهَا (فَكَالْمِثَالِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ) ، وَهُوَ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ وَتَرْكُ التَّعْدِيلِ أَوْ الْأَدَبِ فِي الْخَلْوَةِ وَإِطَالَتُهَا وَرِعَايَةُ التَّعْدِيلِ وَالْآدَابِ فِي الْمَلَأِ (إذَا كَانَ غَرَضُهُ صِيَانَةَ النَّاسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِالْغِيبَةِ وَالذَّمِّ) فَيُحْسِنُهَا بَيْنَهُمْ لِيُسَلِّمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا مَحْظُورٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاعِثُهُ الدِّينَ لَكَانَ شَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَكْثَرَ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ وَيُخْلِصَ، وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى تَحْسِينِ عِبَادَتِهِ فِي الْخَلْوَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الذَّمَّ بِالْمُرَاءَةِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءٌ.
(وَكَالْمُتَعَلِّمِ) الرِّيَاءُ فِي هَذَا الْمِثَالِ لِأَجْلِ مِلْكِ قَلْبِ الْمُعَلِّمِ لِيَتَوَسَّلَ بِهِ إلَى تَعْلِيمِ عِلْمٍ نَافِعٍ، وَهُوَ طَاعَةٌ (يُرَائِي) مُعَلِّمَهُ (بِطَاعَتِهِ) لِعِلْمِهِ وَغَيْرِهِ (لِيَنَالَ عِنْدَ الْمُعَلِّمِ رُتْبَةً) مَزِيَّةً عَظِيمَةً بِاعْتِقَادِ صَلَاحِهِ وَتَقْوَاهُ (فَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ عِلْمًا نَافِعًا) يَعْنِي يُرَائِي الْمُتَعَلِّمُ لِأَجْلِ مِلْكِ قَلْبِ الْمُعَلِّمِ لِيَتَوَسَّلَ بِهِ إلَى تَعَلُّمِ عِلْمٍ نَافِعٍ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ لَكِنْ رُبَّمَا كَانَ مُضِرًّا لَهُ فِي اعْتِقَادِ مُعَلِّمِهِ لِعَدَمِ اسْتِعْدَادِهِ لَهُ بِالتَّقْوَى كَمَا قِيلَ (وَكَالْوَلَدِ يُرَائِي بِعَمَلِهِ) مِنْ الطَّاعَاتِ (لِيُمِيلَ إلَيْهِ قَلْبَ أَبَوَيْهِ) بِالْمَحَبَّةِ وَالْكَرْمِ قِيلَ فِيهِ تَغْلِيبٌ تَأَمَّلْ لَعَلَّ الظَّاهِرَ قَلْبُ أَبَوَيْهِ وَلَوْ أُرِيدَ مِنْ الْإِضَافَةِ الْعَهْدُ وَالْمَعْهُودُ قَلْبَاهُمَا وَالِاسْتِغْرَاقُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّغْلِيبِ (فَيَكُونُ بَارًّا لَهُمَا وَكَمَنْ يُرَائِي) بِعِبَادَتِهِ (عِنْدَ الْأَغْنِيَاءِ لِيَنَالَ مِنْهُمْ مَالًا يَتَّخِذُ عُدَّةً) أَيْ وَسِيلَةً بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ مَا أَعْدَدْته مِنْ مَالٍ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَمَعَهُ عَدَدٌ كَغُرْفَةٍ وَغُرَفٍ (لِلْعِبَادَةِ) يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهَا (أَوْ يُرَائِي) بِعِبَادَتِهِ (عِنْدَ الْأُمَرَاءِ) الظَّاهِرُ السَّلَاطِينُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (وَالْوُزَرَاءِ وَالْقُضَاةِ) وَكَذَا مُطْلَقُ مَنْ لَهُ رِيَاسَةٌ فِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ (لِيَنَالَ مِنْهُمْ جَاهًا أَوْ مَنْصِبًا) عَالِيًا (لِيَتَفَرَّغَ بِهِ لِلْعِبَادَةِ) لِحُصُولِ الدُّنْيَا مِنْ ذَلِكَ الْجَاهِ (وَدَفْعِ الشَّوَاغِلِ) الدُّنْيَوِيَّةِ (وَ) دَفْعِ (الظُّلْمِ) عَنْ نَفْسِهِ وَكِلَاهُمَا مَانِعَا الْعِبَادَةِ أَوْ عَنْ الْعِبَادَةِ بِالشَّفَاعَةِ وَالنُّصْحِ أَوْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ بِجَاهِهِ (أَوْ لِيَنْفُذَ بِهِ) بِجَاهِهِ، وَمَنْصِبِهِ مِنْ التَّنْفِيذِ أَوْ الْإِنْفَاذِ (قَوْلُهُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ) ؛ لِأَنَّ لِلْجَاهِ تَأْثِيرًا بَلِيغًا فِي تَأْثِيرِ الْأَقْوَالِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مَا يَزِعُ السُّلْطَانُ أَكْثَرُ مِمَّا يَزِعُ الْقُرْآنُ»
هَذَا مِثَالُ وُقُوعِ الرِّيَاءِ لِأَجْلِ نَفْسِ الطَّاعَةِ فِي اعْتِقَادِ الْمُرَائِي (وَكَمَنْ يُعْطَى لَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً) مُعِينَةً لِعِبَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ (عَيَّنَهَا وَاقِفٌ أَوْ غَيْرُهُ) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ التَّعْيِينُ عَلَى طَرِيقِ الْوَقْفِ أَوْ لَا مِثْلُ مُطْلَقِ الْإِعْطَاءِ (لِيَقْرَأَ جُزْءًا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ) فِي جَامِعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ قَبْرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقٍ (أَوْ يُصَلِّيَ رَكْعَةَ كَذَا أَوْ يُسَبِّحَ أَوْ يُهَلِّلَ) نَحْوَ سَبْعِينَ أَلْفًا كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بِنَاءً عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَاَلَّذِي أُوصِيك بِهِ عَلَى أَنْ تُحَافِظَهُ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ نَفْسَك مِنْ اللَّهِ بِعِتْقِ رَقَبَتِك مِنْ النَّارِ بِأَنْ تَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْتِقُ بِهَا رَقَبَتَك مِنْ النَّارِ أَوْ رَقَبَةَ مَنْ يَقُولُهَا مِنْ النَّاسِ.
وَرَدَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ نَبَوِيٌّ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَسْطَلَّانِيُّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الرَّبِيعِ الْمَالِقِيَّ كَانَ عَلَى مَائِدَةِ طَعَامٍ، وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ هَذَا الذِّكْرَ، وَكَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ شَابٌّ صَغِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ فَعِنْدَمَا مَدَّ يَدَهُ إلَى الطَّعَامِ بَكَى وَقَالَ لِأَنِّي رَأَيْت أُمِّي فِي جَهَنَّمَ قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ فَوَهَبْت فِي نَفْسِي هَذَا التَّوْحِيدَ لِإِعْتَاقِ أُمِّهِ فَقَالَ الصَّبِيُّ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ النَّارِ مَسْرُورَةً فَأَكَلَ فَقَالَ أَبُو الرَّبِيعِ فَصَحَّ عِنْدِي هَذَا الْخَبَرُ النَّبَوِيُّ وَكَشْفُ هَذَا الصَّبِيِّ فَمِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ وَإِنْ ضَعِيفًا لَكِنْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ سِيَّمَا فِي تَأْيِيدِ نَصٍّ وَلَمْ يُخَالِفْ الْقِيَاسَ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي عَمَلِ بَعْضٍ وَوَصَايَاهُ كَمُلَّا خُسْرو وَابْنِ الْكَمَالِ وَوَقَعَ فِي مِشْكَاةِ الْأَنْوَارِ وَفِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبِسْطَامِيِّ وَأَيْضًا بَعْضُ الثِّقَةِ عَنْ بَعْضِ كُتُبِ عَلِيٍّ الْقَارِي فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ لَكِنْ بِلَا أُجْرَةٍ وَلَوْ أُعْطِيَ عَلَى طَرِيقِ الصِّلَةِ بِلَا عَقْدٍ لَجَازَ لَكِنْ الْأَوْلَى عَدَمُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُتَعَارَفًا وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا (أَوْ يُكَبِّرُ أَوْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعْطَى ثَوَابَهُ) أَيْ ثَوَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ (لِلْمُعْطِي) مِنْ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِهِ (أَوْ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَبَوَيْ الْوَاقِفِ أَوْ أَبَوَيْ مُطْلَقِ الْمُعْطِي وَكَذَا ثَوَابُ تَدْرِيسِ عِلْمِ الشَّرْعِ أَوْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنْسِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ أَوْ الْأَحْيَاءِ حَجًّا أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ غَيْرَهَا كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ فَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ جَازَ بِلَا شُبْهَةٍ وَيَصِلُ إلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَكِنْ الِاسْتِئْجَارُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فِي بَابِ الْحَجِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَفِي الْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا حَالَ حَيَاتِهِمَا فَكَيْفَ أَبَرُّهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَقَالَ لَهُ عليه الصلاة والسلام إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك، وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهَا لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتَصَدَّقُ عَنْ مَوْتَانَا وَنَحُجُّ عَنْهُمْ وَنَدْعُو لَهُمْ فَهَلْ يَصِلُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ قَالَ نَعَمْ وَيَفْرَحُونَ بِهِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالطَّبَقِ إذَا أُهْدِيَ إلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَكْرِيُّ وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِأُمَّتِهِ وَهَذَا تَعْلِيمٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْفَعُهُ عَمَلُ غَيْرِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ هُوَ الِاسْتِمْسَاكُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَفِيهِ مَعَانٍ كَثْرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلُّ بَسْطِهَا كُلُّهُ مِنْ الْمَسْلَكِ الْمُقْسِطِ لِعَلِيٍّ الْقَارِيّ وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ جِنْسَ مَا ذُكِرَ مَمْدُوحٌ فِي أَصْلِهِ وَإِنَّمَا الْإِنْكَارُ فِي الْأُجْرَةِ وَلِذَا قَالَ (فَيَفْعَلُ ذَلِكَ الْمِسْكِينُ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ) الْمُعِينُ لَهُ الْمَالُ بِالْوَقْفِ الْفَاسِدِ أَوْ الصَّدَقَةِ الْفَاسِدَةِ (طَمَعًا لِلْمَالِ لِيَجْعَلَهُ عُدَّةً) لَهُ (وَقُوَّةً لِلْعِبَادَةِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ) كَسْبٌ (حَلَالٌ) وَلَيْسَ بِحَلَالٍ بَلْ حَرَامٌ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْأَنْسَبَ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْبَحْثِ الْخَامِسِ فَتَدَبَّرْ.
(وَأَنَّ ثَوَابَهُ يَصِلُ إلَى الْآمِرِ، وَأَنَّهُ فِي طَاعَةٍ) مَعَ أَنَّهُ فِي رِيَاءٍ وَمَا عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى بِتِلْكَ الْعِبَادَاتِ إلَّا لِأَجْلِ الْمَالِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مَعْصِيَةٌ ظَاهِرَةٌ وَإِثْمٌ قَبِيحٌ
وَأَمَّا الْأَوْقَافُ وَالصَّدَقَاتُ عَلَى قِرَاءَةِ الْأَجْزَاءِ الْقُرْآنِيَّةِ
وَمَعْلُومَاتِ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُدَرِّسِينَ وَكَذَا الْأَئِمَّةُ وَالْخُطَبَاءُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَدَارِسِ مَثَلًا فَقِيلَ لَيْسَ فِيهَا شَرْطُ هِبَةِ ثَوَابِ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ لِرُوحِ الْوَاقِفِ بَلْ لَهُمَا ثَوَابُ صَدَقَتِهِمَا وَإِعَانَتِهِمَا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَبِالْجُمْلَةِ الْمَنْفِيُّ إهْدَاءُ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْأُجْرَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيمَا ذُكِرَ وَمَا وُجِدَ فِيهِ إلَّا إعَانَةٌ عَلَى مَنْ قَامَ بِتِلْكَ الْعِبَادَاتِ نَعَمْ لَوْ شُرِطَ إهْدَاءُ الثَّوَابِ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ لَكَانَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَقُولُ قَدْ أَشَارَ إلَى نَفْيِ ذَلِكَ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَيْضًا صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي إنْقَاذِ الْهَالِكِينَ وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي نَحْوِ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُدَرِّسِينَ فَوَجْهُ تَجْوِيزِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْقِيَاسِ مَشْهُورٌ فِي الْفِقْهِيَّةِ قِيلَ هُنَا عَنْ الشَّارِحِ الْكُرْدِيِّ اعْتِرَاضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ طَاعَةٌ مَقْبُولَةٌ وَحَسَنَةٌ صَحِيحَةٌ عِنْدَ اللَّهِ وَيَصِلُ ثَوَابُهُ إلَى الْآمِرِ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ عَمَلُ الْأُمَّةِ.
وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «لَمَّا رَقَى بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ عَلَى لَدِيغٍ بِالْحَمْدِ فَبَرِئَ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا كَرِهَهُ أَصْحَابُهُ لِكَوْنِهِ أَجْرًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» وَفِي الْحَاوِي وَالْقُنْيَةِ يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ لِخَتْمِ الْقُرْآنِ إلَّا أَنْ يَخْتِمَ جَمِيعَهُ وَلَوْ قَالَ اقْرَأْ مِنْهُ فَلَا يُكْرَهُ بِقِرَاءَةِ الْبَعْضِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ أَجْرَ الْخَتْمِ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ انْتَهَى فَالْمَنْعُ جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَتَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَاحْفَظْهُ حَتَّى تَخْلُصَ مِنْ غَلَطَاتِ الْمُصَنِّفِ وَخُرَافَاتِهِ انْتَهَى.
وَرَدَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ الْأُجْرَةِ فِي التَّعْلِيمِ مُطْلَقًا وَجُوِّزَ فِي الرُّقِيِّ خَاصَّةً لِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَحَمَلُوا الْأُجْرَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْأُجْرَةِ لِلرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَ مُضَافًا أَيْ رُقْيَةَ كِتَابِ اللَّهِ بِقَرِينَةِ سَبَبِ الْوُرُودِ وَقِيلَ بِنَسْخِهِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْوَعِيدِ عَلَى أَخْذِ الْأُجْرَةِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يُعَارِضُ نَحْوَ نَصِّ قَوْله تَعَالَى - {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا} [البقرة: 41]- مَعَ أَنَّ إمَامَنَا لَمْ يَعْمَلْ بِالْحَدِيثِ وَكَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِنْ عَمِلَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَدَعْوَى دَلَالَةِ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى الْجَوَازِ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الْأَرْبَعَةَ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90]- {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [يوسف: 104] ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا الْقُرْآنُ إلَّا دَلَالَةُ ذِكْرٍ لِلْعَالَمِينَ لَا يَتَجَاوَزُ إلَى كَوْنِهِ مِمَّا يُسْأَلُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مِنْ الْخَلْقِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَهِيَ الْحَالَةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعَمَلِ الْمُعَبِّرِ عَنْهَا بِالْعَزْمِ وَالْقَصْدِ وَلَا تُوجَدُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا ثَوَابَ وَلَا إجَارَةَ وَلَا بَيْعَ؛ لِأَنَّهُمَا وَارِدَانِ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالثَّوَابُ هُنَا مَعْدُومٌ وَالتَّفْصِيلُ فِي إنْقَاذِ الْهَالِكِ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ مِثْلُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي كَوْنِهَا عِبَادَةً بَدَنِيَّةً مَحْضَةً فَكَمَا لَا تَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا لَا تَجُوزُ عَلَيْهَا وَأَمَّا كَوْنُ الْمُعْطِي صِلَةً بِلَا عَقْدٍ وَشَرْطٍ وَقِرَاءَةُ الْقَارِئِ حِسْبَةٌ وَمُعْطَاةٌ ثَوَابُهُ لِلْمُعْطِي فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ عَلَى مُرَادِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ لَمْ يُعْطَ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَقْرَأْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَ فِي الْحَاوِي وَالْقُنْيَةِ فَالْحَاوِي لِعَدَمِ كَوْنِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ الْفِقْهِيَّةِ لَا يُعْمَلُ بِمَا يُخَالِفُ فِيهِ الْأُصُولَ السَّابِقَةَ وَكَذَا الْقُنْيَةُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مُعْتَزِلِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِيمَا يُخَالِفُ الْكُتُبَ الْمُعْتَبَرَةَ انْتَهَى مُلَخَّصًا أَقُولُ لَا حَاجَةَ إلَى كَثْرَةِ هَذَا التَّطْوِيلِ فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ بِالْجَمِيلِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ الْجَوَازِ عَلَى مَا فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْأُجْرَةِ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا الثَّوَابُ لَا لِلْمَيِّتِ وَلَا لِلْقَارِئِ وَعَنْ الْمُحِيطِينَ وَالْخُلَاصَةِ وَالِاخْتِيَارِ أَوْصَى لِقَارِئِ الْقُرْآنِ عِنْدَ قَبْرِهِ بِشَيْءٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.
وَعَنْ الْحَافِظِ الْعَيْنِيِّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَيُمْنَعُ الْقَارِئُ لِلدُّنْيَا وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي آثِمَانِ وَكَأَنَّ احْتِجَاجَ الْمُعْتَرِضِ بِالْحَدِيثِ وَالْكُتُبِ الضَّعِيفَةِ كَانَ رَأْيًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَتَرْجِيحِ الْمَرْجُوحِ عَلَى الرَّاجِحِ وَقَدْ كَانَ دَلِيلُ الْمُقَلِّدِ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَلَّدَهُ لَا غَيْرُ فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالنَّصِّ هُوَ مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مُعَارِضٌ بِخَبَرِ إنْ كُنْت تُحِبُّ أَنْ تُطَوِّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا أَيْ الْهَدِيَّةَ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَبِخَبَرِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ عَلَّمْت