المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الرابع والعشرون من آفات القلب سوء الظن بالله تعالى] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[الرابع والعشرون من آفات القلب سوء الظن بالله تعالى]

(بَذِيِّ اللِّسَانِ) بِالْمُوَحَّدَةِ فَالْمُعْجَمَةِ فَاحِشٍ (مُدَّةً مَدِيدَةً وَكُنْت أَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ) بِالتَّهَوُّرِ وَفُحْشِ اللِّسَانِ (وَأَكْظِمُ غَيْظِي) أَمْنَعُ نَفْسِي مِنْ الِانْتِقَامِ بِالتَّكْلِيفِ (حَتَّى صَارَ مَلَكَةً لِي) رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ إنِّي تَعَلَّمْت الْحِكْمَةَ مِنْ الْحَمْقَاءِ وَالْأَدَبَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ أَدَبٌ فَإِنِّي كُلَّمَا رَأَيْت مِنْهُمْ فِعْلًا مُخَالِفًا لِطَبْعِي وَقَبِيحًا فِي مَنْظَرِي تَعَوَّدْت الْمُخَالَفَةَ إيَّاهُمْ فَإِنْ قِيلَ أَصْلُ كُلِّ خُلُقٍ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ وَهُوَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لَا فِعْلٌ كَسْبِيٌّ فَكَيْفَ يَنْقَلِبُ الضَّرُورِيُّ كَسْبِيًّا بِتَكَلُّفِ الْعَبْدِ قُلْنَا لَعَلَّ أَصْلَهُ بَاقٍ عَلَى خِلْقَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَالتَّغَيُّرُ وَالتَّبَدُّلُ بِالتَّكَلُّفِ إنَّمَا هُوَ لِأَثَرِهِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ بَعْضٍ أَنَّ الْخُلُقَ مِنْ قَبِيلِ الْفِعْلِ فَلَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ تَبَدُّلِهِ حِينَئِذٍ وَالسَّابِقُ إلَى الْخَاطِرِ مِنْ عِبَارَاتِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَمِنْ الْفِعْلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ (وَهَكَذَا) كَتَحْصِيلِ الْحِلْمِ بِالتَّحَلُّمِ (طَرِيقُ تَحْصِيلِ كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ كَالتَّوَاضُعِ وَالسَّخَاءِ وَالشَّجَاعَةِ أَعْنِي) بِالتَّشْبِيهِ فِي تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ بِتَحْصِيلِ الْحِلْمِ (الْمُمَارَسَةُ الْكَثِيرَةُ بِالتَّكَلُّفِ إلَى أَنْ تَكُونَ كَيْفِيَّةً رَاسِخَةً وَكَذَا) كَحُصُولِ الْأَخْلَاقِ بِالتَّكَلُّفِ (طَرِيقُ إزَالَةِ كُلِّ خُلُقٍ سَيِّئٍ كَالْكِبْرِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ) الْأَوَّلُ ضِدٌّ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي وَالثَّالِثُ لِلثَّالِثِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (أَعْنِي) بِجَامِعِ الشَّبَهِ (الْمُمَارَسَةَ الْكَثِيرَةَ عَلَى تَرْكِ مُقْتَضَاهُ) أَيْ الْخُلُقِ الْمَطْلُوبِ إزَالَتُهُ (وَالْعَمَلِ بِضِدِّهِ) كَمَا يُقَالُ الْأَشْيَاءُ تَنْكَشِفُ بِضِدِّهَا (إلَى أَنْ تَزُولَ تِلْكَ الْمَلَكَةُ الرَّدِيئَةُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى) وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ خُلُقٍ يَقْوَى بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ وَيَضْعُفُ بَلْ يُعْدَمُ بِالْعَمَلِ بِضِدِّهِ فَظَهَرَ أَنَّ طَرِيقَ التَّحْصِيلِ الْمُمَارَسَةُ الْكَثِيرَةُ عَلَى الْحَسَنِ مِنْهُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَلَكَةً صَادِرَةً مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَأَنَّ طَرِيقَ الْإِزَالَةِ الْعَمَلُ بِالضِّدِّ وَتَرْكُهُ بِمُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ ضَعْفٌ وَفُتُورٌ حَتَّى يَزُولَ بِإِذْنِهِ تَعَالَى رَأْسًا كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ أَنَّ الْخُلُقَ طَبِيعَةٌ غَرِيزِيَّةٌ غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ عِنْدَ بَعْضٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ أَرْزَاقَكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ الْقُرْطُبِيِّ الْخُلُقُ جِبِلَّةٌ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا كَانَ مَحْمُودًا وَإِلَّا أُمِرَ بِالْمُجَاهَدَةِ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ مَحْمُودًا، وَكَذَا إنْ كَانَ ضَعِيفًا فَيَرْتَاضُ صَاحِبُهُ حَتَّى يَقْوَى كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ أَقُولُ هَذَا مُسْتَنِدٌ إلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْحُكَمَاءِ وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ كَسَبِيَّةٍ.

[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

(الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ) مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ (سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى) بِأَنَّهُ لَا يُغْفَرُ ذَنْبُهُ وَلَا يُعْطَى أَرَبَهُ (وَبِالْمُؤْمِنِينَ بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ أَوْ الشَّكِّ) بِفَسَادِهِمْ وَفِسْقِهِمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ وَأَمَّا بِهِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ بُغْضٌ فِي اللَّهِ مَأْمُورٌ بِهِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ لَكِنْ قَالُوا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ إنْ رَأَى عَيْبًا فِي أَخِيهِ

ص: 294

أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ مَا قَدَرَ بِتَأْوِيلَاتٍ فَعِنْدَ مُطْلَقِ الظَّنِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَجَاسَرَ عَلَى الْمُمَاشَاةِ عَلَى مُوجِبِ ظَنِّهِ وَيَحْمِلُ عَلَى الصَّلَاحِ بِأَدْنَى إمْكَانٍ إلَّا إذَا اقْتَضَى دَوَاعِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ الشَّرْعِيِّ (فَإِنَّهُ حَرَامٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ حَرَامٌ كَسُوءِ الْقَوْلِ لَكِنْ لَسْت أَعْنِي بِهِ إلَّا عَقْدَ الْقَلْبِ حُكْمَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِالسُّوءِ أَمَّا الْخَوَاطِرُ وَحَدِيثُ النَّفْسِ فَعَفْوٌ بَلْ الشَّكُّ عَفْوٌ أَيْضًا فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الظَّنُّ وَالظَّنُّ مَا تَرْكَنُ إلَيْهِ النَّفْسُ وَيَمِيلُ إلَيْهِ الْقَلْبُ وَسَبَبُ حُرْمَتِهِ أَنَّ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ فَيَلْزَمُ الْمُنَازَعَةُ مَعَهُ تَعَالَى فِي الْحَصْرِ بِدَعْوَى الْمُشَارَكَةِ فَلَيْسَ لَك الظَّنُّ إلَّا بِعِيَانٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَمَا قِيلَ

إذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ

وَصَدَّقَ مَا يَعْتَادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ

وَعَادَى مُحِبِّيهِ بِقَوْلِ عَدُوِّهِ

وَأَصْبَحَ فِي لَيْلٍ مِنْ الشَّكِّ مُظْلِمِ

(قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] كُونُوا مِنْهُ عَلَى جَانِبٍ وَإِبْهَامِ الْكَثِيرِ لِيَحْتَاطَ فِي كُلِّ ظَنٍّ وَيَتَأَمَّلُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ الْقَبِيلِ فَإِنَّ مِنْ الظَّنِّ مَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ كَالظَّنِّ حَيْثُ لَا قَاطِعَ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَحْرُمُ كَالظَّنِّ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ حَيْثُ يُخَالِفُهُ قَاطِعٌ وَظَنُّ السُّوءِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَمَا يُبَاحُ كَالظَّنِّ فِي الْأُمُورِ الْمُعَايَشَةِ {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] تَعْلِيلٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلْأَمْرِ وَالْإِثْمُ الذَّنْبُ الَّذِي تُسْتَحَقُّ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إثْمِيَّةِ بَعْضِ الظَّنِّ الِاجْتِنَابُ عَنْ أَكْثَرِ الظَّنِّ غَايَتُهُ إثْمِيَّةُ بَعْضِ الظَّنِّ وَأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ لَيْسَ بِإِثْمٍ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَعْضَ يَتَحَقَّقُ فِي ضِمْنِ الْأَكْثَرِ وَأَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي النُّصُوصِ عِنْدَنَا فَيَكُونُ صُورَةُ الدَّلِيلِ إذَا كَانَ أَكْثَرُ الظَّنِّ إثْمًا فَالِاجْتِنَابُ عَنْ أَكْثَرِهِ لَازِمٌ لَكِنَّ الْمُقَدَّمَ صِدْقٌ وَهُوَ قَوْلُهُ - {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]- لَكِنْ لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَكْثَرُ الْمَطْلُوبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ جَانِبُ الْأَقَلِّ حُسْنُ الظَّنِّ وَإِنَّمَا كَانَ سُوءُ الظَّنِّ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى الْهَوَى وَدَوَاعِي الْهَوَى كَالطَّبِيعِيِّ وَخِلَافُهَا كَالْقَسْرِيِّ وَمَا هُوَ طَبِيعِيٌّ أَكْثَرُ أَوْ جَانِبُ الْأَقَلِّ سُوءُ الظَّنِّ الَّذِي طَرِيقُهُ مَا لَيْسَ بِوَهْمٍ وَشَكٍّ بَلْ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ أَيْضًا كَمَا نَبَّهَ فَافْهَمْهُ (م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ» أَيْ ظَنَّ السُّوءِ الَّذِي لَا دَلِيلَ لَهُ وَلَوْ ظَنًّا وَإِلَّا فَ يَشْكُلُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْفَيْضِ أَيْ احْذَرُوا سُوءَ الظَّنِّ بِمَنْ لَا يُسَاءُ الظَّنُّ بِهِ مِنْ الْعُدُولِ وَالظَّنُّ تُهْمَةٌ تَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِلَا دَلِيلٍ «فَإِنَّ الظَّنَّ» أَقَامَ الظَّاهِرَ مَقَامَ الضَّمِيرِ لِزِيَادَةِ تَمَكُّنٍ فِي ذِكْرِ السَّامِعِ «أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» ؛ لِأَنَّهُ بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَاسْتَشْكَلَ تَسْمِيَةُ الظَّنِّ حَدِيثًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ مُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ قَوْلًا وَغَيْرَهُ أَوْ مَا يَنْشَأُ عَنْ الظَّنِّ فَوُصِفَ الظَّنُّ بِهِ مَجَازًا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ حَكَمَ بِشَيْءٍ عَلَى غَيْرِهِ بِالظَّنِّ بَعَثَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَنْ يَطُولَ فِيهِ اللِّسَانُ بِالْغِيبَةِ فَيَهْلِكُ أَوْ يُقَصِّرُ فِي الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ أَوْ يَنْظُرُ إلَيْهِ بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ وَيَرَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ، وَلِذَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلتُّهَمِ ( «وَلَا تَجَسَّسُوا» قَالَ الْمُنَاوِيُّ بِجِيمٍ أَيْ لَا تَتَعَرَّفُوا خَبَرَ النَّاسِ بِلُطْفٍ كَالْجَاسُوسِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ التَّجَسُّسُ أَنْ لَا تَتْرُكَ عِبَادَ اللَّهِ تَحْتَ سَتْرِهَا فَتَتَوَصَّلُ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِمْ وَالتَّجَسُّسِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَهَتْكِ السِّتْرِ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَك مَا كَانَ مَسْتُورًا عَنْك وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يَكُونُ طَرِيقًا لِإِنْقَاذِ مُحْتَرَمٍ مِنْ هَلَاكٍ وَنَحْوِهِ كَأَنْ يُخْبِرَ ثِقَةٌ بِأَنَّ فُلَانًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ أَوْ امْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا فَجَازَ التَّجَسُّسُ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَاسْتَجَادَهُ ( «وَلَا تَحَسَّسُوا» بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ لَا تَطْلُبُوا الشَّيْءَ بِالْحَاسَّةِ كَاسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَإِبْصَارِ الشَّيْءِ خُفْيَةً وَقِيلَ الْأَوَّلُ الْفَحْصُ عَنْ عَوْرَاتِ النَّاسِ وَبَوَاطِنِ

ص: 295

أُمُورِهِمْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ يَخْتَصُّ بِالشَّرِّ وَالثَّانِي أَعَمُّ كَمَا فِي الْفَيْضِ قِيلَ عَنْ شَرْحِ الْمَصَابِيحِ لِابْنِ مَالِكٍ يَعْنِي لَا تَطْلُبُوا التَّطَلُّعَ عَلَى خَيْرِ أَحَدٍ وَلَا عَلَى شَرِّهِ؛ لِأَنَّ اطِّلَاعَ الْخَيْرِ رُبَّمَا يُفْضِي إلَى الْحَسَدِ وَاطِّلَاعَ الشَّرِّ يُفْضِي إلَى التَّعْيِيبِ وَالتَّفْضِيحِ وَفِي الْحَاشِيَةِ وَالتَّجَسُّسُ مَنْهِيٌّ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِظُلْمٍ فِي مَالِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ فَيَجُوزُ التَّجَسُّسُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَالْخَلَاصِ مِنْ شَرِّهِ وَفِيهِ أَيْضًا وَالْمُنْكَرُ الْخَفِيُّ إذَا حَصَلَ إلَى الْمُحْتَسِبِ ظَنٌّ بِهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرَائِنِ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى تَغْيِيرِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ هَذَا النَّهْيِ «وَلَا تَنَافَسُوا» مِنْ الْمُنَافَسَةِ وَهِيَ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَالِانْفِرَادُ بِهِ وَمِنْهُ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ أَيْ لَا تَرْغَبُوا فِيمَا رَغِبَ فِيهِ الْغَيْرُ مِنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا بَعْدَ دَلِيلِ الرِّضَا وَقِيلَ التَّنَافُسُ وَالتَّحَاسُدُ وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَصْلِ «وَلَا تَحَاسَدُوا» بِزَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا» «وَلَا تَبَاغَضُوا» لَا يَبْغُضُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَوْ لَا تَسْتَعْمِلُوا مَا هُوَ سَبَبُ الْبُغْضِ بَيْنَكُمْ ( «وَلَا تَدَابَرُوا» أَيْ لَا تَعْمَلُوا بِمُقْتَضَى التَّبَاغُضِ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّبُرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَبَاغِضَيْنِ يُوَلِّي دُبُرَهُ صَاحِبَهُ وَقِيلَ لَا تَغْتَابُوا قَالَ فِي الْعَارِضَةِ التَّدَابُرُ أَنْ يُوَلِّيَ كُلٌّ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ دُبُرَهُ مَحْسُوسًا بِالْأَبْدَانِ وَمَعْقُولًا بِالْعَقَائِدِ وَالْآرَاءِ وَالْأَقْوَالِ «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ» بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ أَوْ خَبَرِ كَانَ «إخْوَانًا» حَصِّلُوا مَا تَكُونُ الْأُخُوَّةُ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْأَخِ فِي اللَّهِ أَوْ إنْ تَرَكْتُمْ مَا ذُكِرَ فَكُنْتُمْ إخْوَانًا وَإِلَّا فَأَعْدَاءً «كَمَا أَمَرَكُمْ» الْكَافُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَمَرَكُمُوهُ أَوْ بِهِ «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» أَيْ يَجْمَعُهُمَا دِينٌ وَاحِدٌ وَالْأُخُوَّةُ الدِّينِيَّةُ أَعْظَمُ مِنْ الْخَارِجِيَّةِ «لَا يَظْلِمْهُ» كَأَنَّهُ بَيَانٌ أَوْ تَعْلِيلٌ لِلْأُخُوَّةِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْأَخِ عَدَمُ ظُلْمِ أَخِيهِ كَمَا يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ آمَنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ» قَالَ الْقَاضِي فَمَنْ لَمْ يُرَاعِ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَفِّ عَنْهُمْ لَمْ يَكْمُلْ إسْلَامُهُ قَالَ الْقَيْصَرِيُّ الْإِسْلَامُ مَقَامٌ عَظِيمٌ وَحَالٌ شَرِيفٌ مَنْ تَحَقَّقَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَحَالُهُ حَالُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى وَمَعْنَاهُ الِانْقِيَادُ لِلْأَوَامِرِ وَتَرْكُ الِاسْتِعْصَاءِ لَهَا وَالْإِمْسَاكُ عَنْ إيذَاءِ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ وَنَفْعِ أَهْلِهِ وَكَفِّ الْأَذَى عَنْهُمْ كَذَا فِي الْفَيْضِ «وَلَا يَخْذُلْهُ» أَيْ لَا يَتْرُكُ النُّصْرَةَ وَالْإِعَانَةَ لَا سِيَّمَا عِنْدَ مُؤَاخَذَةِ الظَّالِمِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ نُصْرَتِهِ «وَلَا يُحَقِّرْ» أَيْ لَا يَرَاهُ حَقِيرًا فَلَا يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ «التَّقْوَى هَاهُنَا» مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ «ثَلَاثًا» الظَّاهِرُ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «وَيُشِيرُ» - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ هَاهُنَا «إلَى صَدْرِهِ» أَيْ قَلْبِهِ فَإِذَا كَانَتْ التَّقْوَى فِي الصَّدْرِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُحَقِّرَ مُسْلِمًا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فِي قَلْبِهِ إلَّا بِعَلَامَةٍ ظَاهِرَةٍ كَتَرْكِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَتَغَنِّي مَشَايِخِ زَمَانِنَا وَرَقْصِهِمْ أَيْضًا فَإِنَّهَا حَرَامٌ لَا يَقْبَلُ الصَّلَاحَ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ «بِحَسْبِ امْرِئٍ» أَيْ كَافِيهِ الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالسِّينُ سَاكِنَةٌ وَأَنْ يُحَقِّرَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ بِحَسْبِ «مِنْ الشَّرِّ أَنْ يُحَقِّرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَكُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ» أَيْ إهْرَاقُ دَمِهِ كَمَا فِي حَدِيثٍ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» «وَ» هَتْكُ «عِرْضِهِ وَ» أَخْذُ «مَالِهِ» بِغَيْرِ حَقٍّ كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ وَالرِّبَا وَالْحِيلَةِ فِي التِّجَارَاتِ

ص: 296

«إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْظُرُ إلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إلَى صُوَرِكُمْ» كَالْحُسْنِ وَالْعِظَمِ وَالْقُوَّةِ «وَلَا إلَى أَعْمَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ» إلَى طَهَارَتِهَا عَمَّا سِوَاهُ أَوْ هَلْ بِالْخُلُوصِ أَوْ لَا قِيلَ الْقُلُوبُ مَحَلُّ التَّقْوَى وَأَوْعِيَةُ الْجَوَاهِرِ وَكُنُوزُ الْمَعَارِفِ وَقَالَ الْمُحَشِّي يَعْنِي أَنَّ مَنْظَرَ اللَّهِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ هُوَ الْقَلْبُ ثُمَّ الْأَعْمَالُ فَإِنْ سَالِمًا عَنْ الْعَزَائِمِ الْفَاسِدَةِ وَمُحَلًّى بِالنِّيَّاتِ الْمَحْمُودَةِ يَنْظُرُ إلَى الْأَعْمَالِ فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَجْمِعَةً لِلشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ يَقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَلْبُ سَالِمًا لَا يَقْبَلُ الْأَعْمَالَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مَنْظَرَ اللَّهِ أَصْلًا كَمَا زَعَمَتْ الْمَلَاحِدَةُ وَلَا كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّ الْمَنْظَرَ هُوَ الْقَلْبُ فَبَعْدَمَا كَانَ سَالِمًا عَنْ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ قُبِلَتْ الْأَعْمَالُ مُسْتَجْمِعَةً لِلشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ خَارِقَانِ لِلْإِجْمَاعِ مُخَالِفَانِ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً» الْحَدِيثَ (وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ «وَلَا تَنَاجَشُوا» التَّنَاجُشُ أَنْ يَزِيدَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ عَلَى هَذَا فِي الْبَيْعِ وَالنَّجْشُ رَفْعُ الثَّمَنِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الرِّضَا وَأَمَّا قَبْلَهُ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَقِيلَ النَّهْيُ عَنْ إغْرَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى الشَّرِّ وَالْخُصُومَةِ وَقِيلَ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ شِرَاءٍ لِيَغْتَرَّ الرَّاغِبُ فَيَشْتَرِيَ بِمَا ذَكَرَهُ وَأَصْلُهُ الْإِغْرَاءُ وَالتَّحْرِيضُ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ إغْرَاءُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى الشَّرِّ وَالْخُصُومَةِ وَقِيلَ عَنْ الْقَاضِي ذَمُّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا (وَزَادَ خ «وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ» بِكَسْرِ الْخَاءِ طَلَبُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ لِلتَّزَوُّجِ «أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» هَذَا النَّهْيُ بَعْدَ الرِّضَا وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا، وَحُرْمَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ الظَّنِّ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُجَاهِرِينَ أَوْ عَدَمِ دَلَالَةِ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ (وَأَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ وَالْفِسْقِ الْمُجَاهِرِينَ) صِفَةٌ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْفِسْقِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُجَاهِرُونَ صِفَةٌ لِلْأَهْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ (أَوْ) لَمْ يُجَاهِرْ لَكِنْ (دَلَّ عَلَيْهِ) عَلَى الْفِسْقِ (قَرَائِنُ تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ) بِحُصُولِ ذَلِكَ مِنْهُمْ (فَعَلَيْنَا أَنْ نُبْغِضَهُمْ فِي اللَّهِ تَعَالَى) لَا لِغَرَضٍ نَفْسَانِيٍّ، وَلِذَا يَنْقَطِعُ الْبُغْضُ بِخُرُوجِهِمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ) بُغْضُهُمْ (مِنْ سُوءِ الظَّنِّ فِي شَيْءٍ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا) أَيْ كَوْنِ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ كَافِيَةً عَلَى سُوءِ الظَّنِّ (قَوْله تَعَالَى) إنْكَارًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {فَمَا لَكُمْ} [النساء: 88] أَيْ مَا أَمْرُكُمْ وَشَأْنُكُمْ تَفَرَّقْتُمْ {فِي} [البقرة: 10] أَمْرِ {الْمُنَافِقِينَ} [النساء: 88] وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى كُفْرِهِمْ {فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] الْآيَةَ)

ص: 297

فِرْقَتَيْنِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ (وَعَلَى الْأَوَّلِ) عَلَى مُجَرَّدِ الشَّكِّ وَالْوَهْمِ.

(إنَّمَا يَحْرُمُ) الظَّنُّ (إذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ) أَثَرُ الظَّنِّ (عَلَى الْجَوَارِحِ) بِاغْتِيَابٍ وَنَحْوِهِ (قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) قِيلَ ثَوْرٌ بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ (الظَّنُّ ظَنَّانِ أَحَدُهُمَا إثْمٌ وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ وَتَتَكَلَّمَ بِهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِإِثْمٍ وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ) بِقَلْبِك فَقَطْ (وَلَا تَتَكَلَّمَ بِهِ، وَهَذَا) عَدَمُ الْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَى الْجَوَارِحِ (هُوَ الْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ (وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَسَدِ وَضِدُّ سُوءِ الظَّنِّ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ أَمَّا الْأَوَّلُ) حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ (فَوَاجِبٌ) ، وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ غَالِبًا فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِالنَّظَرِ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ الْوَاسِعَةِ كُلُّ شَيْءٍ وَفَضْلُهُ الْعَظِيمُ وَالْخَوْفُ بِالنَّظَرِ إلَى الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْعَبْدُ أَشَدَّ الِاسْتِحْقَاقِ الْعَذَابَ بِالنَّارِ وَاللَّائِقُ ذِكْرُ ذَلِكَ غَالِبًا فِيهَا لِلزَّجْرِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْإِنَابَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي (م عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ» تَعَالَى بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ أَجَلُهُ وَأَتَتْ رِحْلَتُهُ لَمْ يَبْقَ لِخَوْفِهِ مَعْنًى بَلْ يُؤَدِّي إلَى الْقُنُوطِ

قَالَ الطِّيبِيُّ نُهِيَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ حُسْنِ الظَّنِّ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَقْدُورٍ بَلْ الْمُرَادُ الْأَمْرُ بِحُسْنِ الظَّنِّ لِيُوَافِقَ الْمَوْتَ وَهُوَ عَلَيْهِ نَحْوُ وقَوْله تَعَالَى - {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، وَهَذَا قَالَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ وَالنَّهْيُ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ الْمَوْتِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ بَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بَلْ عَنْ تَرْكِ الْخُشُوعِ وَأَفَادَ الْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الْمُفْضِي إلَى حُسْنِ الظَّنِّ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى تَأْمِيلِ الْعَفْوِ وَتَحْقِيقِ الرَّجَاءِ فِي رُوحِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ قَالَ تَعَالَى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] (خ م ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» كَظَنِّ الْغُفْرَانِ إذَا اسْتَغْفَرَ وَالْقَبُولِ إذَا تَابَ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَا وَالْكِفَايَةِ إذَا طَلَبَ الْكِفَايَةَ كَذَا نُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَظَنِّ قَبُولِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَكَذَا ظَنُّ الْعُقُوبَةِ عَلَى عِصْيَانِهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك مَا دَعَوْتَنِي» أَيْ مُدَّةَ دُعَائِك لِي «وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَك ذُنُوبَك عَلَى مَا كَانَ مِنْك» مِنْ عَظَائِمَ وَجَرَائِمَ أَوْ مَا دُمْت تَدْعُونِي وَتَرْجُو مَغْفِرَتِي وَلَا تَقْنَطُ مِنْ رَحْمَتِي فَأَغْفِرُ لَك وَلَا تَعْظُمُ عَلَيَّ مَغْفِرَتُك وَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبُك كَثِيرَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُخُّ الْعِبَادَةِ وَالرَّجَاءَ مُتَضَمِّنٌ لِحُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَهُوَ قَالَ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَعِنْدَ ذَلِكَ تَتَوَجَّهُ

ص: 298

الرَّحْمَةُ لَهُ فَإِذَا تَوَجَّهَتْ لَا يَتَعَاظَمُهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ كَذَا فِي الْفَيْضِ

وَفِيهِ أَيْضًا «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدِي» أَيْ يَا عَبْدِي «أَنَا عِنْدَ ظَنِّك بِي وَأَنَا مَعَك» بِالتَّوْفِيقِ وَالْمَعُونَةِ «إذَا ذَكَرْتَنِي» وَدَعَوْتَنِي فَأَسْمَعُ مَا تَقُولُ فَأُجِيبُك قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ أَنَا مَعَك بِحَسَبِ مَا قَصَدْت مِنْ ذِكْرِك لِي بِاللِّسَانِ فَقَطْ أَوْ بِالْقَلْبِ فَقَطْ أَوْ بِهِمَا ثُمَّ دَلَالَةُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَعْنِي وُجُوبَ حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ خُفْيَةً مَتْنًا وَسَنَدًا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ تَعَالَى عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ وُجُوبُ حُسْنِ ظَنِّ الْعَبْدِ بِهِ تَعَالَى قُلْنَا لَعَلَّك قَدْ سَمِعْت عَنْ الْأُصُولِ أَنَّ الْخَبَرَ الْمَرْعِيَّ شَرَائِطُهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ سِيَّمَا حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ فِي رُتْبَةِ الْمَشْهُورِ وَأَنَّ مَتْنَ الْحَدِيثِ لَيْسَ نَفْسَ الْمَطْلُوبِ بَلْ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ وَدَالٌّ عَلَيْهِ بِنَحْوِ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ اللَّهُ عِنْدَ ظَنِّ الْعَبْدِ بِهِ حُسْنًا وَسُوءًا فَحُسْنُ الظَّنِّ وَاجِبٌ لَكِنَّ الْمُقَدَّمَ حَقٌّ فَالتَّالِي كَذَلِكَ أَمَّا الْمُقَدَّمُ فَلِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلَعَلَّهَا ظَاهِرَةٌ

(د عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى تَخْرِيجِ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ أَيْضًا بِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمُجَرَّدِ حُسْنِ الظَّنِّ بِلَا تَقْيِيدٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ شَرْحُهُ لِلُزُومِ هَذَا الْقَيْدِ فَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِأَيِّ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِالرَّأْيِ لَيْسَ بِجَائِزٍ فَافْهَمْ (مِنْ) جُمْلَةِ (حُسْنِ الْعِبَادَةِ)(حب) ابْنُ حِبَّانَ (حَدّ) أَحْمَدُ (هق) الْبَيْهَقِيُّ (عَنْ وَاثِلَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إنْ ظَنَّ خَيْرًا» كَالْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ وَالْإِجَابَةِ «فَلَهُ» ذَلِكَ فَضْلًا وَمِنَّةً مِنْهُ تَعَالَى «وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا» بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُهُ «فَلَهُ» قِيلَ الْأَصْلُ فَعَلَيْهِ وَعَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ مُشَاكَلَةً (طب) طَبَرَانِيٌّ (عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ لَا يُحْسِنُ عَبْدٌ بِاَللَّهِ الظَّنَّ إلَّا أَعْطَاهُ ظَنَّهُ) أَيْ مُقْتَضَى ظَنِّهِ وَأَوْصَلَهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَذَلِكَ) الْإِعْطَاءُ (بِأَنَّ الْخَيْرَ بِيَدِهِ) ذِكْرُ الْخَيْرِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْنِيُّ بِالذَّاتِ وَالشَّرِّ بِالْعَرْضِ إذْ لَا يُوجَدُ شَرٌّ جُزْئِيٌّ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ خَيْرًا كُلِّيًّا أَوْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَقَعَ فِيهِ

ثُمَّ قَالَ الْمُحَشِّي: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ وَلَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى السَّمَاعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَسَمُ (هق) بَيْهَقِيٌّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى» يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبَّرَ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ ( «بِعَبْدٍ إلَى النَّارِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى شَفَتِهَا» أَيْ طَرَفِهَا يُقَالُ شَفَا كُلِّ شَيْءٍ أَيْ حَرْفُهُ وَطَرَفُهُ «الْتَفَتَ» خَلْفَهُ مَثَلًا «فَقَالَ أَمَا وَاَللَّهِ يَا رَبِّ إنْ» مُخَفَّفَةٌ وَضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ «كَانَ ظَنِّي بِك لَحَسَنٌ» فِي الدُّنْيَا وَقَدْ خَرَجْت بِهِ «فَقَالَ اللَّهُ عز وجل رُدُّوهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي»

ص: 299