المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الثاني آلة الرياء] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[المبحث الثاني آلة الرياء]

وَقِيلَ يَنْظُرُ بِقَصْدِ الْأَغْلَبِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاقَطَا حُكِيَ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ صَلِّ الظُّهْرَ وَلَك دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ تُجْزِئُ صَلَاتُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ وَقَوَاعِدُنَا أَيْضًا تَقْتَضِي ذَلِكَ

وَفِي الْقُنْيَةِ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ وَشَغَلَهُ الْفِكْرُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى أَتَمَّ الصَّلَاةَ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهُ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَا يُعِيدُ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يَنْقُصْ أَجْرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ، فَإِذَا تَيَقَّنْت ذَلِكَ عَرَفْت مَا فِي مُطْلَقَاتِ الْمُصَنِّفِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى التَّفْصِيلِ وَالتَّقْيِيدِ

[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

(الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ السَّبْعَةِ)

(فِيمَا بِهِ الرِّيَاءُ) أَيْ آلَةُ الرِّيَاءِ فَالْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْآلَةِ (وَهُوَ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الْبَدَنُ وَذَلِكَ) أَيْ مَا بِالْبَدَنِ (بِإِظْهَارِ النُّحُولِ) أَيْ الضَّعْفِ وَالسَّقَمِ (لِيَدُلَّ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ وَ) عَلَى (شِدَّةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَ) عَلَى (غَلَبَةِ خَوْفِ) الْقَلْبِ مِنْ (الْآخِرَةِ وَإِظْهَارِ الِاصْفِرَارِ) فِي لَوْنِهِ (لِيَدُلَّ عَلَى سَهَرِ اللَّيْلِ) عَدَمِ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا يَشْكُلُ أَنَّ مِثْلَ الِاصْفِرَارِ لَيْسَ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ إظْهَارُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ بِإِتْيَانِ سَبَبِ الِاصْفِرَارِ لِأَجْلِ مِثْلِ ذَلِكَ الْإِظْهَارِ (وَ) عَلَى (كَثْرَةِ الْحُزْنِ فِي الدِّينِ) ؛ لِأَنَّ الْحُزْنَ الْكَثِيرَ مِنْ أَسْبَابِ الِاصْفِرَارِ (وَذُبُولِ الشَّفَتَيْنِ) أَيْ يُبُوسَتِهِمَا (وَ) إظْهَارِ (خَفْضِ الصَّوْتِ لِيَدُلَّ) كُلُّهُ أَوْ مَجْمُوعُهُ (عَلَى الصَّوْمِ وَ) عَلَى (ضَعْفِ الْجُوعِ) فَإِنَّ جُوعَ الصَّوْمِ يُضْعِفُ الْبَدَنَ فَيُوجِبُ نَحْوَ خَفْضِ الصَّوْتِ.

(وَوَقَارِ الشَّرْعِ) أَيْ تَوْقِيرِهِ لَهُ بِنَهْيِهِ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ لُقْمَانَ لِابْنِهِ - {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19]- (وَحَلْقِ الشَّارِبِ) لِإِظْهَارِ مُوَاظَبَةِ السُّنَّةِ (وَإِطْرَاقِ الرَّأْسِ) طَأْطَأَتِهِ وَإِرْخَائِهِ مَشْيًا وَجُلُوسًا لِإِظْهَارِ الْإِعْرَاضِ عَنْ النَّاسِ وَعَنْ رُؤْيَةِ عُيُوبِهِمْ وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِهِمْ أَوْ لِإِظْهَارِ اشْتِغَالِ الْقَلْبِ عَلَى فِكْرِهِ تَعَالَى أَوْ ذِكْرِهِ أَوْ مُلَاحَظَةِ مَسْأَلَةٍ عِلْمِيَّةٍ (وَالْهُدُوِّ) بِضَمِّ أَوَّلَيْهِ وَسُكُونِ الْوَاوِ السُّكُونِ فِي أَعْضَائِهِ وَالتَّأَنِّي (فِي الْحَرَكَةِ) مَشْيًا وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الصَّالِحِينَ.

قَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِرَجُلٍ طَأْطَأَ رَقَبَتَهُ يَا صَاحِبَ الرَّقَبَةِ ارْفَعْ رَقَبَتَك لَيْسَ الْخُشُوعُ فِي الرِّقَابِ وَإِنَّمَا الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَغَضِّ بَصَرِهِ لِيَظُنَّ أَنَّهُ فِي الْمُرَاقَبَةِ وَسَدِّ أُذُنِهِ بِنَحْوِ شَمْعٍ أَوْ قُطْنٍ لِئَلَّا يَسْمَعَ اغْتِيَابَ النَّاسِ وَفُحْشَيَاتِهِمْ وَإِبْقَاءِ أَثَرِ السُّجُودِ فِي جَبْهَتِهِ وَهَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ (وَ) أَمَّا (رِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) بِالْبَدَنِ (بِإِظْهَارِ السِّمَنِ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ لِدَلَالَتِهِ عَلَى قُوَّتِهِ وَشَجَاعَتِهِ أَوْ عَلَى غِنَاهُ وَعَدَمِ خِسَّتِهِ بِكَثْرَةِ أَكْلِهِ (وَصَفَاءِ اللَّوْنِ وَاعْتِدَالِ الْقَامَةِ وَحُسْنِ الْوَجْهِ) أَيْ نَضَارَتِهِ وَبَشَرَتِهِ وَإِلَّا فَأَمْرٌ اضْطِرَارِيٌّ لَا مَجَالَ لِلْقَصْدِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى فَرَحِ قَلْبِهِ وَعَدَمِ حُزْنِهِ (وَنَظَافَةِ الْبَدَنِ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى اهْتِمَامِهِ بِأَمْرِ نَفْسِهِ وَلِلْخَوْفِ مِنْ ذَمِّ غَيْرِهِ

ص: 88

(وَنَحْوِهَا) كَإِظْهَارِ الْقُوَّةِ فِي رَفْعِ شَيْءٍ وَمُصَارَعَةٍ لِرَجُلٍ قَوِيٍّ لِوُصُولِ الدُّنْيَا أَوْ لِلتَّقَرُّبِ إلَى أَحَدٍ أَوْ لِلذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُرَائِي بِهِ أَهْلُ الدُّنْيَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَمِثْلُ هَذَا إنْ كَانَ بِقَصْدِ إظْهَارِ النِّعْمَةِ وَشُكْرِهَا لَيْسَ بِرِيَاءٍ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الرِّيَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِنَفْعِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَا ذُكِرَ رِيَاءً قُلْت قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ يُطْلَقُ الرِّيَاءُ أَيْضًا عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ هُنَا لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ حُكْمَهُ إمَّا هُنَا أَوْ هُنَالِكَ لَعَلَّ ذَلِكَ كَالنَّهْيِ التَّنْزِيهِيِّ لَا التَّحْرِيمِيِّ بِخِلَافِ الدِّينِيِّ.

(وَالثَّانِي) مِنْ الْخَمْسَةِ (الزِّيُّ) بِالْكَسْرِ الْهَيْئَةُ (كَلُبْسِ الصُّوفِ) الَّذِي يَعْتَادُهُ الصُّوفِيَّةُ (وَتَشْمِيرُهُ) تَرْفِيعُهُ (إلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ السَّاقِ) كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «أُزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ» (وَغَلِيظُ الثِّيَابِ) أَيْ الثَّخِينُ (وَالْمُرَقَّعُ وَالطَّيْلَسَانُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَاحِدُ الطَّيَالِسَةِ وَالْهَاءُ فِي الْجَمْعِ لِلْعُجْمَةِ؛ لِأَنَّهُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَهُوَ رِدَاءٌ مُدَوَّرٌ يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ ثَوْبٌ يُلْبَسُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ (لِيُظْهِرَ) بِذَلِكَ (أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِلسُّنَّةِ) وَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ سُنَّةً (وَلِتَنْصَرِفَ إلَيْهِ الْأَعْيُنُ) فَيَمِيلُوا إلَيْهِ (بِسَبَبِ تَمَيُّزِهِ) عَنْهُمْ لِغَرَابَةِ مَلْبَسِهِ بِهِ.

(وَلُبْسُ الثِّيَابِ الْمُخَرَّقَةِ) الْبَالِيَةِ الْمُتَقَطِّعَةِ (وَالْوَسِخَةِ) مِنْ عَدَمِ الْغَسْلِ (لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى اسْتِغْرَاقِ) قَلْبِهِ (الْهَمِّ) الِاهْتِمَامِ (بِالدِّينِ) وَمُهِمَّاتِ أَحْكَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لِكَمَالِ تَعَمُّقِهِ فِي إحْكَامِ أَحْكَامِ الدِّينِ لَا يَجِدُ وَقْتًا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لِكَمَالِ وَرَعِهِ لَا يَلْتَفِتُ إلَى الْخَلْقِ بَلْ قَصْدُهُ تَطْهِيرُ مَنْظَرِ الْخَالِقِ (وَ) عَلَى (عَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِلْخِيَاطَةِ) أَيْ خِيَاطَةِ الْمُخْرَقِ (وَ) كَذَا (الْغُسْلُ) فِي الْوَسِخِ تَرَكَهُ لِظُهُورِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ (أَوْ) يَدُلُّ (عَلَى التَّوَاضُعِ وَكَسْرِ النَّفْسِ) فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا اللُّبْسِ لَا يُوجَدُ إلَّا فِيمَنْ كَسَرَ نَفْسَهُ (وَ) عَلَى (الْفَقْرِ) إلَى اللَّهِ أَوْ مُطْلَقًا (وَالزُّهْدِ) فِي الدُّنْيَا (وَلَوْ كُلِّفَ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا وَسَطًا) لَا أَعْلَى وَلَا أَدْنَى تَقْيِيدُهُ بِهِ إمَّا لِكَوْنِهِ مَمْدُوحًا فِي نَفْسِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ كِسْوَةَ أَقْرَانِهِ فِي الْغَالِبِ (نَظِيفًا) خَالِيًا مِنْ الْوَسَخِ لِزِيَادَةِ التَّوْضِيحِ وَإِلَّا فَيُفْهَمُ مِنْ الْوَسَطِ (لَكَانَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ) لَا يَلْزَمُ فِي تَحْقِيقِ وُجُودِهِ هَذِهِ الرُّتْبَةُ بَلْ قَيْدٌ مُخَرَّجٌ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ (لِخَوْفِ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ) النَّاظِرُونَ الْوَاقِفُونَ (رَغِبَ فِي الدُّنْيَا) أَقْبَلَ عَلَيْهَا (وَرَجَعَ عَنْ الزُّهْدِ) فَتَسْقُطُ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَيْهِ (وَمِنْهُمْ) أَيْ الْمُرَائِينَ بِالزِّيِّ (مَنْ يُرِيدُ الْقَبُولَ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا) فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ الْمُتَوَرِّعَ الزَّاهِدَ (مِنْ الْمُلُوكِ وَالْأَغْنِيَاءِ) لِيُتَوَصَّلَ مِنْهُمْ نَحْوُ مَتَاعِ الدُّنْيَا.

(وَعِنْدَ أَهْلِ الصَّلَاحِ) فَإِنَّ أَهْلَ الصَّلَاحِ يُحِبُّونَ مَنْ هُوَ نَوْعُهُمْ وَزِيُّهُمْ الظَّاهِرُ غَايَةُ غَرَضِهِ أَيْضًا مُنْتَهِي إلَى الدُّنْيَا وَإِلَّا فَالْقَبُولُ عِنْدَ أَهْلِ الصَّلَاحِ أَمْرٌ مَمْدُوحٌ وَنَفِيسٌ مَطْلُوبٌ (فَلَوْ لَبِسَ الْخَلِقَةَ وَالْوَسِخَةَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِيهِمَا (ازْدَرَتْهُ أَهْلُ الدُّنْيَا) ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الثِّيَابِ مُهَانٌ فِي نَظَرِهِمْ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ مِثْلُ تِلْكَ الثِّيَابِ

ص: 89

مِنْ لَوَازِمِ الصَّلَاحِ فَكَيْفَ يَزْدَرِي بِهِمْ أَهْلُ الدُّنْيَا وَهُمْ يُحِبُّونَ الصُّلَحَاءَ قُلْت ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْعَادَاتِ (وَلَوْ ` ` لَبِسَ الْفَاخِرَةَ رَدَّتْهُ أَهْلُ الدِّينِ) لَا يَقْبَلُونَهُ؛ لِأَنَّ زِيَّ أَهْلِ الدُّنْيَا مَبْغُوضٌ عِنْدَهُمْ لِنَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ فَإِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ» وَكُلُّ ثَوْبٍ ذِي شُهْرَةٍ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَسَّرَ الشُّهْرَةَ بِمَزِيدِ الزِّينَةِ وَالنُّعُومَةِ أَوْ مَزِيدِ الْخُشُونَةِ وَالرَّثَاثَةِ بِهَا (وَلَا يُعْلَمُ) عِنْدَهُمْ (زُهْدُهُ وَصَلَاحُهُ) وَمُرَادُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمَقْبُولًا عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ.

(فَيَطْلُبُونَ الْأَصْوَافَ) جَمْعُ صُوفٍ (الرَّقِيقَةَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الرَّفِيعَةَ بِالْفَاءِ فَالْعَيْنِ (وَالْأَكْسِيَةَ) جَمْعُ كِسَاءٍ ثَوْبٌ مَعْمُولٌ أَيْضًا مِنْ الشَّعْرِ (الرَّقِيقَةَ) قِيلَ عَنْ الْمَوَاهِبِ بِقَافَيْنِ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَوْ بِفَاءٍ فَمُهْمَلَةٍ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي أَحَدِ ذَيْنِك وَالْآخَرُ فِي الْآخَرِ (مِمَّا قِيمَتُهَا قِيمَةُ ثِيَابِ الْأَغْنِيَاءِ) لِكَوْنِهَا ذَاتَ قِيمَةٍ كَثِيرَةٍ (وَهَيْئَتُهَا هَيْئَةُ ثِيَابِ الصُّلَحَاءِ) لِكَوْنِهَا مِنْ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ (فَيَلْتَمِسُونَ الْقَبُولَ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ) أَيْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الصَّلَاحِ لَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ حَمَاقَتِهِ وَقِلَّةِ تَدَبُّرِهِ فَإِنَّ أَهْلَ الصَّلَاحِ تَرِدُ مِنْ قِيمَةِ ثَوْبِهِ كَذَا وَإِنَّ هَيْئَتَهُ مُوَافِقَةٌ لَهُمْ (وَلَوْ كُلِّفُوا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (لُبْسَ) ثَوْبٍ (خَشِنٍ أَوْ وَسِخٍ لَكَانَ عِنْدَهُمْ كَالذَّبْحِ خَوْفًا مِنْ السُّقُوطِ مِنْ أَعْيُنِ الْمُلُوكِ وَالْأَغْنِيَاءِ وَلَوْ كُلِّفُوا بِلُبْسِ مَا يَلْبَسُهُ الْأَغْنِيَاءُ لَعَظُمَ عَلَيْهِمْ) أَيْ صَعُبَ وَثَقُلَ عَلَيْهِمْ (خَوْفًا مِنْ أَنْ يُقَالَ رَغِبُوا فِي الدُّنْيَا) مَالُوا إلَيْهَا (وَأَنْ لَا يُعْلَمَ) أَيْ وَخَوْفًا أَنْ لَا يُعْلَمَ (أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالزُّهْدِ) وَغَرَضُهُمْ كَوْنُهُمْ مَقْبُولِينَ عِنْدَهُمْ وَمَعْدُودِينَ مِنْهُمْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِمْ بِالْفَرِيقَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ سُوءِ الظَّنِّ بَلْ الْمَقْصُودُ إعْلَامُ كَوْنِهِ رِيَاءً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ كُلًّا يَعْرِفُ مَا فِي نَفْسِهِ هَذَا رِيَاءُ الْعِبَادِ وَالزُّهَّادِ (وَرِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) فِي الزِّيِّ (بِالثِّيَابِ النَّفِيسَةِ) كَثِيرَةِ الْقِيمَةِ (وَالْمَرَاكِبِ) مَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ كَالْفَرَسِ (الرَّفِيعَةِ) عَلِيَّةِ الْقَدْرِ غَالِيَةِ الْقِيمَةِ.

(وَالْمَسَاكِنِ) جَمْعُ مَسْكَنٍ كَالْبُيُوتِ (الْوَاسِعَةِ) لِيُعَظِّمَهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمُلُوكُ وَالْأَغْنِيَاءُ وَتَهَابُهُمْ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ (يَلْبَسُونَ) مَعَ ذَلِكَ (فِي بُيُوتِهِمْ الثِّيَابَ الْخَشِنَةَ وَلَا يَخْرُجُونَ بِهَا) إلَى النَّاسِ خَوْفًا مِنْ احْتِقَارِهِمْ وَحَمْلِهِمْ عَلَى الْخِسَّةِ وَالدَّنَاءَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ لَهُ بُرْدٌ وَفِي رِوَايَةٍ أَخْضَرُ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ قُلْنَا ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِتَعْظِيمِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ لَا لِتَحْسِينِ مَنْظَرِ النَّاسِ أَوْ لِتَعْظِيمِ الْمَلَائِكَةِ الْحَاضِرِينَ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَحَّ أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَجَمَّلُ لِلْوُفُودِ أَيْضًا قُلْنَا قَالَ الْغَزَالِيُّ كَانَ هَذَا مِنْهُ عِبَادَةً؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَعْوَةِ الْخَلْقِ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الِاتِّبَاعِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِهِمْ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ أَعْيُنِهِمْ لَمْ يَرْغَبُوا فِي اتِّبَاعِهِ فَإِنَّ أَعْيُنَ الْعَوَامّ تَمْتَدُّ إلَى الظَّاهِرِ دُونَ السَّرَائِرِ وَلِهَذَا سُنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حُسْنَ الْهَيْئَةِ وَاللِّبَاسِ وَيَتَعَمَّمُ وَيَرْتَدِي وَأَيَّدَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِخَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا «كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ يَلْبَسُهُمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ» وَفِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ فَإِذَا انْصَرَفَ طَوَيْنَاهُمَا إلَى مِثْلِهِ.

(تَنْبِيهٌ) : ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ طُولَ رِدَائِهِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ثَلَاثَةٍ وَطُولَ إزَارِهِ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرَانِ، وَكَانَ يَلْبَسُهُمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ كُلُّهُ مِنْ الْمُنَاوِيِّ.

(وَالثَّالِثُ) مِمَّا بِهِ الرِّيَاءُ (الْقَوْلُ كَالْوَعْظِ) لِلنَّاسِ بِتَرْغِيبِ مَا يَنْفَعُهُمْ وَتَنْفِيرِ مَا يَضُرُّهُمْ (وَالنُّطْقِ بِالْحِكْمَةِ) .

ص: 90

بِالْمَعَارِفِ الْخَفِيَّةِ وَالْعُلُومِ الْغَرِيبَةِ وَالْأَسْرَارِ الْعَجِيبَةِ وَالْحَقَائِقِ الْإِلَهِيَّةِ (وَالْأَخْبَارِ) النَّبَوِيَّةِ (وَالْآثَارِ) عَنْ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ دُونَهُمْ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ قَالَ فِي نُخْبَةِ الْفِكْرِ الْخَبَرُ مُرَادِفٌ لِلْحَدِيثِ وَقِيلَ الْحَدِيثُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَالْخَبَرُ مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ وَقِيلَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ فَكُلُّ حَدِيثٍ خَبَرٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ (إظْهَارًا لِغَزَارَةِ) كَثْرَةِ (الْعِلْمِ وَدَلَالَةً عَلَى شِدَّةِ الْعِنَايَةِ) الِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ (بِأَحْوَالِ السَّلَفِ) بِنَقْلِ مَقَالِهِمْ وَذِكْرِ أَحْوَالِهِمْ وَالِاشْتِغَالِ عَلَى مَا شَغَلَهُمْ (وَكَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ بِالذِّكْرِ) لِيَظُنَّ النَّاظِرُ أَنَّهُ لَا يُعَطِّلُ وَقْتَهُ بَلْ يَسْتَوْعِبُهُ بِذِكْرِ رَبِّهِ (وَكَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِمَشْهَدٍ) مَحَلُّ نَظَرٍ وَشُهُودٍ مِنْ (الْخَلْقِ) لَا يَخْفَى أَنَّ نَفْسَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يَنْفَكَّانِ عَنْ الْخَلْقِ فَالْقَيْدُ كَالْمُسْتَدْرَكِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ مَشْهَدِ الْخَلْقِ غَيْرُ الَّذِينَ أُمِرُوا أَوْ نُهُوا لَكِنْ يُوهِمُ عَدَمَ تَحَقُّقِ الرِّيَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ.

(وَإِظْهَارِ الْغَضَبِ لِلْمُنْكَرَاتِ) إنْ أُرِيدَ بِإِظْهَارِ الْغَضَبِ مَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ فَدَاخِلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْفِعْلِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ أَوْ عَطْفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ لَكِنْ حِينَئِذٍ لَا يُلَائِمُهُ إعَادَةُ الْكَافِ (وَإِظْهَارِ الْأَسَفِ) أَيْ الْحُزْنِ الشَّدِيدِ (عَلَى مُقَارَفَةِ) بِالْقَافِ فَالرَّاءِ فَالْفَاءِ أَيْ اكْتِسَابِ (النَّاسِ لِلْمَعَاصِي) إظْهَارًا لِغَيْرَتِهِ فِي الدِّينِ (وَتَرْقِيقِ الصَّوْتِ) تَلْيِينِهِ وَتَحْسِينِهِ (بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) لَا لِامْتِثَالِ حَدِيثِ «زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ» بَلْ (لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى الْحُزْنِ) الْحَاصِلِ فِي فُؤَادِهِ وَتَأَثُّرِهِ مِنْ تَدَبُّرِ مَعَانِيهِ (وَالْخَوْفِ) مِنْ عُقُوبَتِهِ تَعَالَى (وَكَادِّعَاءِ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ) إظْهَارًا لِشَجَاعَتِهِ فِي هَذَيْنِ (وَ) ادِّعَاءِ (لِقَاءِ الشُّيُوخِ) فَيُبَاهِي بِهِمْ وَيَحْتَجُّ عَلَى مَنْ يُخَاصِمُهُ بِهِمْ افْتِخَارًا (وَذِكْرِ مَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ) فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لِيَنَالَ غَرَضَهُ مِنْ الدُّنْيَا (وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ) مَثَلًا (بِبَيَانِ خَلَلٍ فِي نَقْلِهِ) فِي مَتْنِهِ زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا أَوْ سَنَدًا أَوْ جَرْحًا أَوْ تَضْعِيفًا أَوْ تَخْرِيجًا (أَوْ صِحَّتِهِ) كَعَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (أَوْ لَفْظِهِ) بِنَحْوِ تَبْدِيلٍ أَوْ تَصْحِيفٍ (لِيُعْرَفَ أَنَّهُ بَصِيرٌ) عَالِمٌ مُتْقِنٌ (بِالْأَحَادِيثِ) وَمَاهِرٌ فِي فَنِّهِ بِحَيْثُ أَحَاطَ بِجَمِيعِ أَقْسَامِهِ وَأَحْكَامِهِ لِإِظْهَارِ الْفَضْلِ فِيهِ فَيَصِيرُ مَرْجِعًا فِيهَا فَيَنَالُ غَرَضَهُ مِنْ الدُّنْيَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا هِيَ مِنْ قَصْدِهِ، وَإِلَّا فَالرَّدُّ فِي مِثْلِ هَذَا النَّقْلِ وَاجِبٌ تَحَاشِيًا عَنْ الدُّخُولِ تَحْتَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» وَالتَّقْرِيرُ كَالتَّحْدِيثِ وَمِنْ طُرُقِ التَّحَمُّلِ سُكُوتُ الشَّيْخِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: السَّامِعُ لِذَلِكَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَذَا قِيلَ لَكِنْ إذَا كَانَ الرَّدُّ حِينَئِذٍ وَاجِبًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْكُتَ لِخَوْفِ الرِّيَاءِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ، وَكَذَا نَحْوُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ (وَكَالْمُجَادَلَةِ) الْمُخَاصَمَةِ لَا عَلَى إظْهَارِ الصَّوَابِ بَلْ (عَلَى قَصْدِ إفْحَامِ) أَيْ تَعْجِيزِ (الْخَصْمِ) وَإِسْكَاتِهِ بِالْحُجَّةِ (لِيُظْهِرَ لِلنَّاسِ قُوَّتَهُ) شَرَفَهُ وَرُتْبَتَهُ (فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ) فَلَوْ كَانَ لِإِظْهَارِ الصَّوَابِ أَوْ لِإِلْزَامِ الْمُتَعَنِّتِ الْقَاصِدِ لِهَتْكِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ بَلْ وَاجِبٌ (وَنَحْوُ ذَلِكَ) مِنْ وُجُوهِ رِيَاءِ

ص: 91

الْقَوْلِ قِيلَ كَرَدِّ غَيْبَةِ أَحَدٍ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى مَحَبَّتِهِ وَنَيْلِ غَرَضِهِ مِنْهُ بِذَلِكَ وَالْخَطَابَةِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ لِإِظْهَارِ الْفَضِيلَةِ لَعَلَّ مِنْهُ الْخَتْمُ لِرُوحِ الْمَيِّتِ بِالْأُجْرَةِ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ.

وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ» أَيْ يَجْرِي مَعَهُمْ فِي الْمُنَاظَرَةِ رِيَاءً وَسُمْعَةً «أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ» يُجَادِلُهُمْ مُبَاهَاةً وَفَخْرًا «أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إلَيْهِ» أَيْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِنِيَّةِ تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَصَرْفِ وُجُوهِ الْعَامَّةِ «أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» وَفِيهِ أَيْضًا «مَنْ أَكَلَ بِالْعِلْمِ» أَيْ اتَّخَذَ عِلْمَهُ ذَرِيعَةً إلَى جَلْبِ الْمَالِ وَوُصُولِ الدُّنْيَا «طَمَسَ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ» وَفِي رِوَايَةِ الدَّيْلَمِيِّ «طَمَسَ عز وجل عَيْنَهُ وَرَدَّهُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَكَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ انْتَفَعَ النَّاسُ بِعِلْمِهِ» ؛ لِأَنَّ مَا أَفْسَدَهُ بِعِلْمِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَصْلَحَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ انْزِجَارَ الْجَاهِلِ عَنْ الدُّنْيَا بِانْزِجَارِ الْعَالِمِ فَإِذَا جَعَلَ عِلْمَهُ ذَرِيعَةً إلَى الدُّنْيَا فَيَكُونُ سَبَبًا لِجَرَاءَةِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ يُعِدُّ نَفْسَهُ أَنَّهُ خَيْرُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَيَخَافُ مِنْهُ سُوءَ الْخَاتِمَةِ قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ: وَالْعِلْمُ النَّافِعُ مِمَّا يَزِيدُ الْخَوْفَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَصِيرَةَ بِعُيُوبِ النَّفْسِ وَيَطَّلِعُ عَلَى مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ وَغُرُورِهِ وَكَيْفِيَّةِ تَلْبِيسِهِ عَلَى الْعُلَمَاءِ السُّوءِ حَتَّى عَرَّضَهُمْ لِمَقْتِ اللَّهِ حَيْثُ أَكَلُوا الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَاتَّخَذُوا الْعِلْمَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ مِنْ السَّلَاطِينِ وَأَكْلِ أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ وَالْيَتَامَى وَصَرْفِ هِمَمِهِمْ طُولَ النَّهَارِ إلَى طَلَبِ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ وَاضْطَرَّهُمْ ذَلِكَ إلَى الْمُمَارَاةِ وَالْمُنَافَسَةِ وَالْمُبَاهَاةِ كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ وَقِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَسْمَاءِ لِقَهْرِ مَنْ يَسْتَحِقُّ لِقُوَّةِ ظُلْمِهِ لَيْسَ بِرِيَاءٍ عَلَى مَا بَسَطَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ هَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ.

(وَ) أَمَّا (رِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) فَيَكُونُ (بِالْأَشْعَارِ) الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأَحْكَامِ (وَالْأَمْثَالِ) الْأَدَبِيَّةِ كَضُرُوبِ الْأَمْثَالِ فِي الْمُكَالَمَةِ (وَإِظْهَارِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ) فِي الْمُخَاطَبَاتِ وَالْمَكْتُوبَاتِ قِيلَ كَإِظْهَارِ التَّوَدُّدِ إلَى النَّاسِ لِاسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ، وَقِيلَ هَذَا أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ تَوَسَّلَ بِهِ لِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

(وَالرَّابِعُ) مِمَّا بِهِ الرِّيَاءُ (الْعَمَلُ كَتَطْوِيلِ الْمُصَلِّي الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَتَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ) فِي الْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا كَمَا هُوَ عِنْدَ بَعْضٍ فِي جَرَيَانِ الرِّيَاءِ خَفَاءً يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فَارْجِعْ فَتَدَبَّرْ (وَإِطْرَاقِ) طَأْطَأَةِ (الرَّأْسِ) لِإِيهَامِ أَنَّهُ عَلَى خَوْفٍ وَزِيَادَةِ خَشْيَةٍ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لَهُ خَيْرٌ عَنْ غَيْرِهِ (وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ) إلَى غَيْرِ مَا سُنَّ نَظَرُهُ فِي الصَّلَاةِ (وَإِظْهَارِ الْهُدُوِّ) أَيْ السُّكُونِ فِي الْأَفْعَالِ (وَالسُّكُونِ) كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ لَكِنَّهُ أَتَى بِهِ لِزِيَادَةِ بَسْطِ (وَتَسْوِيَةِ الْقَدَمَيْنِ وَ) تَسْوِيَةِ (الْبَدَنِ) كَالصَّالِحِينَ (فِي مَحْضَرِ النَّاسِ) لِيُعَظِّمُوهُ وَلَا يَذُمُّوهُ (دُونَ الْخَلْوَةِ) فَيَتْرُكُ حِينَئِذٍ (وَقِسْ عَلَيْهَا) عَلَى مَا ذُكِرَ (سَائِرَ الْعِبَادَاتِ) كَإِعْطَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا قِيلَ {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] فَافْهَمْ مَرَّتَيْنِ أَقُولُ وَكَذَا نَحْوُ الْغَزْوِ وَنَوَافِلِ الصَّدَقَةِ وَلَعَلَّ كَذَا بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالْقَنْطَرَاتِ وَنَحْوِهَا هَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الْآخِرَةِ (وَرِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) فِي بَابِ الْعَمَلِ (بِالتَّبَخْتُرِ) التَّمَايُلِ (وَالِاخْتِيَالِ)، وَهُوَ الْخُيَلَاءُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْكِبْرِ (وَتَقْرِيبِ الْخُطَى) بِالضَّمِّ جَمْعُ خَطْوَةٍ بِالْفَتْحِ قِيلَ عَنْ الْعَوَارِفِ مَرَّ الْمُهَلَّبُ صَاحِبُ جَيْشِ الْحَجَّاجِ مُتَبَخْتِرًا فِي جُبَّةِ خَزٍّ أَيْ إبْرَيْسِمَ فَقَالَ لَهُ مُطَرِّفٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذِهِ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ فَقَالَ: الْمُهَلَّبُ أَمَا تَعْرِفُنِي قَالَ أَعْرِفُك حَقَّ الْمَعْرِفَةِ أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ أَيْ فَاسِدَةٌ وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ وَأَنْتَ تَحْمِلُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ عَذِرَةً فَتَرَكَ الْمُهَلَّبُ مِشْيَتَهُ تِلْكَ (وَالْأَخْذِ بِأَطْرَافِ الذَّيْلِ) لِإِظْهَارِ الْخِفَّةِ وَالنَّشَاطِ (وَنَحْوِهِ) كَوَضْعِ أَطْرَافِ الْقَدَمِ وَالْأَصَابِعِ

ص: 92