الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَيَضْرِبُهُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ مَوْلَاهُ وَتَقَرُّبًا لَهُ بِهِ) بِالضَّرْبِ (بِلَا تَكَبُّرٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلَدِ (بَلْ هُوَ مُتَوَاضِعٌ لَهُ) لِلْوَلَدِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَلِكَ إمَّا أَمَرَ بِالتَّكَبُّرِ صَرِيحًا أَوْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الْتِزَامًا وَلَيْسَ بِمَعْقُولٍ أَنْ يُحَصِّلَ الْمَقْصُودُ مَعَ تَوَاضُعِهِ لِلْوَلَدِ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالضَّرْبِ لَا يَأْمُرُ بِالتَّوَاضُعِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ نَهْيُهُ تَعَالَى عَنْ التَّكَبُّرِ وَأَمْرُهُ بِالتَّوَاضُعِ عِنْدَ بُغْضِ الْمُبْتَدِعِ وَالْكَافِرِ (يَرَى قَدْرَهُ) أَيْ قَدْرَ الْوَلَدِ عِنْدَ مَوْلَاهُ فَوْقَ قَدْرِ نَفْسِهِ لَكِنْ لَا يَرَى قَدْرَ الْمُبْتَدِعِ وَالْكَافِرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَوْقَ قَدْرِهِ سِيَّمَا حَالًا، وَأَمَّا الْخَاتِمَةُ فَأَمْرٌ احْتِمَالِيٌّ يَنْدُرُ وُقُوعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ قَالُوا الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ الشَّائِعِ لَا لِلنَّادِرِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْكِفَايَةِ.
(فَكَذَلِكَ عَلَيْك أَنْ تَنْظُرَ إلَى الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ وَتَقُولَ رُبَّمَا كَانَ قَدْرُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمَ) مِنِّي فِي الْآخِرَةِ (لِمَا سَبَقَ) فِي عِلْمِهِ تَعَالَى (لَهُمَا مِنْ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ فِي الْأَزَلِ وَلِمَا سَبَقَ لِي مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِيهِ وَ) الْحَالُ (أَنَا غَافِلٌ عَنْهُ فَتَغْضَبُ وَتُنْهِي لِحُكْمِ الْأَمْرِ مَحَبَّةً لِمَوْلَاك إذْ جَرَى مَا يَكْرَهُهُ تَعَالَى) مِنْ الْبِدْعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ (مَعَ التَّوَاضُعِ لِمَنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ مِنْك عِنْدَهُ فِي الْآخِرَةِ) فَهَكَذَا بُغْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَكْيَاسِ فَيُضَمُّ إلَيْهِ الْخَوْفُ وَالتَّوَاضُعُ وَأَمَّا الْغُرُورُ فَإِنَّهُ يَتَكَبَّرُ وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرْجُو لِغَيْرِهِ مَعَ جَهْلِهِ بِالْعَاقِبَةِ فَهَذَا سَبِيلُ التَّوَاضُعِ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَاعْتَقَدَ الْبِدْعَةَ مَعَ الْغَضَبِ عَلَيْهِ وَمُجَانَبَتِهِ لِحُكْمِ الْأَمْرِ.
[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]
(وَالثَّانِي) مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ (الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ) وَذَلِكَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْعِبَادِ وَلَا يَخْلُو عَنْ رَذِيلَةِ الْكِبْرِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ النَّاسِ وَالزُّهَّادِ (فَإِنَّ الْعَابِدَ الْوَرِعَ قَدْ يَتَكَبَّرُ عَلَى الْفَاسِقِ، بَلْ عَلَى مَنْ لَا يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِ مِنْ النَّوَافِلِ) وَسَائِرِ الْفَضَائِلِ (وَ) مِنْ (الِاحْتِرَازِ عَنْ الشُّبُهَاتِ وَفُضُولِ الْحَلَالِ وَهَذَا) أَيْ التَّكَبُّرُ بِهَذَيْنِ (أَيْضًا) كَالتَّكَبُّرِ بِالْعِلْمِ مَذْمُومٌ نَاشِئٌ (مِنْ الْجَهْلِ) قِيلَ الْعَالِمُ الْعَامِلُ إنَّمَا هُوَ الْمُتَوَاضِعُ ثُمَّ إنَّك هَلْ تَكُونُ أَعْبَدَ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ هُمْ مُتَوَاضِعُونَ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ وَقَدْ مُثِّلَ الْعَالِمُ الْغَيْرُ الْعَامِلُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ دَائِمًا وَبِحِمَارٍ يَحْمِلُ أَسْفَارًا فَأَيُّ خِزْيٍ أَعْظَمُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِهِمَا وَأَيُّ عِتَابٍ أَشْنَعُ مِنْهُ.
(فَعِلَاجُهُ أَيْضًا) كَالْعِلْمِ (مَعْرِفَتَانِ مَعْرِفَةُ أَنَّ فَضْلَ الْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِجْمَاعِهِمَا) أَيْ الْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ (الشَّرَائِطَ) الَّتِي يَتَوَقَّفَانِ عَلَيْهَا شَرَائِطُ الْأَوَّلِ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِيَّةِ وَشَرَائِطُ الثَّانِي فِي كُتُبِ التَّصَوُّفِ (وَالْأَرْكَانَ) الَّتِي كَانَتْ فِي أَجْزَاءِ الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُرَاعِ أَنَّ جُزْءًا أَصْلِيًّا لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ رَأْسًا وَأَنَّ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْمُكَمِّلَةِ لَا تَصِحُّ كَمَالًا وَلَا كَذَا الشَّرَائِطُ، أَمَّا الْعِبَادَةُ فَكَالصَّلَاةِ الَّتِي شَرَائِطُهَا وَأَرْكَانُهَا وَمُرَاعَاتُهَا أَصْلًا وَكَمَالًا بِمُرَاعَاةِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمُسْتَحَبَّاتِهَا وَفَضَائِلِهَا وَمُكَمِّلَاتِهَا الَّتِي حُرِّرَتْ فِي مَحَلِّهَا، وَأَمَّا الْوَرَعُ فَبَحْرٌ عَمِيقٌ وَحِمْلٌ ثَقِيلٌ وَفِعْلٌ صَعْبٌ وَأَمْرٌ ذُو تَعَبٍ فَحُصُولُهُ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا عَقْلًا لَكِنْ فَكَالْمُحَالِ عَادَةً فَلَا يَجْرُؤُ عَلَى دَعْوَى حُصُولِهِ عَاقِلٌ إلَّا مُتَعَصِّبٌ جَاهِلٌ؛ إذْ الْوَرَعُ عَلَى مَا فِي الْقُشَيْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ الْوَرَعُ تَرْكُ كُلِّ شُبْهَةٍ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِيك تَرْكُ الْفَضَلَاتِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه -
كُنَّا نَدَعُ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْحَلَالِ مَخَافَةَ أَنْ نَقَعَ فِي الْحَرَامِ وَعَنْ الشِّبْلِيِّ الْوَرَعُ أَنْ تَتَوَرَّعَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ الْوَرَعُ وَرَعٌ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَتَحَرَّكُ إلَّا بِاَللَّهِ وَوَرَعٌ فِي الْبَاطِنِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ قَلْبَك سِوَاهُ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ الْوَرَعُ الْخُرُوجُ عَنْ كُلِّ شُبْهَةِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ مَعَ كُلِّ طَرْفَةٍ، وَعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ مَكَثَ بِالْبَصْرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَلَمْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ تَمْرِ الْبَصْرَةِ وَلَا مِنْ رُطَبِهَا حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يُذَقْهُ فَكَانَ إذَا انْقَضَى وَقْتُ الرُّطَبِ قَالَ يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ هَذَا بَطْنِي مَا نَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا زَادَ فِيكُمْ شَيْءٌ وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ وَلَعَلَّك سَمِعْته سَابِقًا (وَمُجَانَبَتُهَا الْمُفْسِدَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ) بِعَدَمِ مُرَاعَاةِ بَعْضِ شَرَائِطِهِمَا أَوْ بِعَدَمِ إتْيَانِ بَعْضِ مَوَادِّهِمَا لَكِنَّ الشُّبْهَةَ الْبَعِيدَةَ لَيْسَتْ مِمَّا يَلْزَمُ اجْتِنَابُهَا فِيهِمَا كَتَرْكِ التَّزْوِيجِ مِنْ نِسَاءِ بَلَدٍ كَبِيرٍ خَوْفَ الْمَحْرَمِيَّةِ لَهُ وَتَرْكِ مَاءٍ فِي فَلَاةٍ لِجَوَازِ عُرُوضِ النَّجَاسَةِ أَوْ غَسْلِ ثَوْبٍ مَخَافَةَ لُحُوقِ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ الْوَرَعُ فِي مِثْلِهَا وَسْوَسَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ وَسَيُفَصِّلُ الْمُصَنِّفُ (وَمُقَارَنَتُهُمَا النِّيَّةَ الصَّادِقَةَ) وَقْتَهُ وَقَدْ سَبَقَ (وَالْإِخْلَاصُ) وَهُوَ إفْرَادُ الْحَقِّ فِي الطَّاعَةِ بِالْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِطَاعَتِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ تَصَنُّعِ الْمَخْلُوقِ أَوْ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مَدْحٍ مِنْ الْخَلْقِ أَوْ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي سِوَى التَّقَرُّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي اسْتَوْدَعْته قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْت مِنْ عِبَادِي» ، وَقِيلَ التَّوَقِّي عَنْ مُلَاحَظَةِ الْخَلْقِ وَالصِّدْقُ وَالتَّنَقِّي مِنْ مُطَالَعَةِ النَّفْسِ (وَالتَّقْوَى) وَقَدْ سَبَقَ مَاهِيَّتُهَا وَتَحْقِيقُهَا وَتَفْصِيلُهَا مَتْنًا وَشَرْحًا (وَصَوْنُهُمَا عَنْ الْمُحْبِطَاتِ) مِنْ الْحَبْطِ (وَالْمُبْطِلَاتِ) كَالْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ، الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْكُفْرِيَّاتِ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا وَإِلَّا فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا حُبُوطَ لِطَاعَةِ الْمُؤْمِنِ بِمَعْصِيَتِهِ وَلَا لِمَعْصِيَتِهِ بِطَاعَتِهِ، وَمَنْ قَالَ يَحْبَطُ الْأَقَلُّ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمَا مَعَ سُقُوطِ مِثْلِهِ فِي الْأَكْثَرِ كَأَبِي هَاشِمٍ أَوْ بِدُونِهِ كَأَبِي عَلِيٍّ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا فِي أُنْمُوذَجِ الْعُلُومِ لِأُسْتَاذِ الشَّيْخِ الْوَالِدِ مُحَمَّدٍ الطَّرْطُوسِيِّ عَامَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِلُطْفِهِ الْقُدُّوسِيِّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ فَيَضْمَحِلُّ مَا يُتَوَهَّمُ هُنَا مِنْ حَبْطِ مُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا زَوَالُ الْعَمَلِ بِنَحْوِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ فَلَيْسَ مِنْ الْبَابِ وَقَدْ حُقِّقَ فِي مَحَلِّهِ (إلَى الْمَوْتِ وَحُصُولُ هَذِهِ) الْأُمُورِ (بِأَسْرِهَا مِنْ أَمْثَالِنَا مُتَعَسِّرَةٌ بَلْ مُتَعَذِّرَةٌ) لِأَنَّ النَّفْسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْهَوَى وَأَنَّ الْمَنَاهِيَ مَطْبُوعَةٌ وَقَدْ كَانَ الشَّيْطَانُ فِي مَعِيَّتِهَا فَفِي كُلِّ عِبَادَةٍ قَلَّمَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْ سُيُوفِهِمَا وَسِهَامِهِمَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُوَ الِامْتِنَاعُ الْمُطْلَقُ حَتَّى يُتَوَهَّمَ عَدَمُ لُزُومِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَا لَا يُطَاقُ، بَلْ الْكَلَامُ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ تَوْضِيحًا لِمَرَامٍ الْمَقَامِ (لَا سِيَّمَا) قِيلَ الْأَوْلَى وَلَا سِيَّمَا مُسْتَنِدًا إلَى مُغْنِي اللَّبِيبِ (الْإِخْلَاصُ) الْمُضَادُّ لِلرِّيَاءِ (وَالتَّقْوَى) بَعْدَمَا تَيَقَّنْتهمَا فِيمَا قَبْلُ تَعْرِفُ وَجْهَ التَّرَقِّي الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَا سِيَّمَا فِيهِمَا (فَلِذَا) أَيْ لِتَعَذُّرِ هَذِهِ الْأُمُورِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] لَا تَمْدَحُوهَا بِأَنَّهَا أَزْكَى مِنْ غَيْرِهَا {هُوَ} [النجم: 32] أَيْ اللَّهُ {أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا أَنْتُمْ فَتَزْكِيَتُكُمْ رُبَّمَا تَكُونُ عَلَى خِلَافِ مَنْ اتَّقَى حَالَ كَوْنِهِ (مُشِيرًا بِأَنَّ تَزْكِيَةَ النَّفْسِ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّقْوَى) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَزْكِيَةَ النَّفْسِ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّقْوَى وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ صُدُورَ التَّقْوَى مِنْكُمْ لِغَايَةِ خَفَائِهِ وَصُعُوبَةِ حُصُولِهِ (وَأَنَّهَا) أَيْ التَّقْوَى (لَا يَعْلَمُ كُنْهَهَا وَحَقِيقَتَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى) فَلَا يَعْرِفُ حُصُولَهَا إلَّا مَنْ يَعْرِفُ مَاهِيَّتَهَا وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعَبْدُ مَاهِيَّتَهَا فَلَا يَعْرِفُ حُصُولَهَا مِنْهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ بِمَا لَا يَعْرِفُ حُصُولَهُ مِنْهَا لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْحَصْرِ إذْ مَاهِيَّتُهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ الشَّرْعِ كَمَا مَرَّ فَالْأَوْلَى لَا يَعْلَمُ صُدُورَهَا مِنْ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ الْقَبُولِ بِأَنْ يُرَاعِيَ شَرَائِطَهَا وَأَرْكَانَهَا وَيَرْفَعَ مَوَانِعَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى لَعَلَّ مُرَادَهُ هَذَا وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ ذَلِكَ.
(وَالْمَعْرِفَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهَا الْعِلَاجُ