المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الرابع في علامات الكبر والتكبر] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[المبحث الرابع في علامات الكبر والتكبر]

تَمْتَدُّ إلَى الظَّاهِرِ دُونَ السَّرَائِرِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَزِيدَ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَاللِّبَاسِ وَيَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِيَ انْتَهَى أَقُولُ إنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَدُّ مِنْ الْخَوَاصِّ؛ إذْ الْأَصْلُ أَنَّهُ أُسْوَةٌ يُقْتَدَى بِهِ فِي فِعْلِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ خُصُوصِهِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ جَارٍ فِي الْغَيْرِ وَالشَّيْخُ فِي قَوْمِهِ كَالنَّبِيِّ فِي أُمَّتِهِ كَيْفَ وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ فَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِطْلَاقِ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَيَسْتَنْكِفُ مِنْ حَمْلِ حَوَائِجِهِ) مِنْ السُّوقِ مَثَلًا إلَى بَيْتِهِ (بَيْنَ النَّاسِ) لِئَلَّا يُسْقِطُوهُ مِنْ نَظَرِهِمْ (وَيَحْمِلُهُ فِي اللَّيْلِ) لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ (أَوْ) فِي النَّهَارِ (حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ) عُمُومُهُ أَوْ خُصُوصُهُ كَمَا عِنْدَ أَشْرَافِهِمْ أَوْ عِنْدَ الْغُرَبَاءِ، وَكَذَا الْكَسْبُ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عِنْدَ الْخَلْوَةِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْجَلْوَةِ يَشْكُلُ أَنَّهُ قَدْ أُشِيرَ فِيمَا سَبَقَ كَمَا هُنَا أَيْضًا أَنَّ مِثْلَهُ مِنْ الرِّيَاءِ وَلَوْ جُعِلَ مِنْ الْكِبْرِ أَيْضًا لَزِمَ التَّوَارُدُ أَوْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءَ عِلَّةٍ وَعِلَّةً نَاقِصَةً أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا عِلَّةً لِلْآخَرِ وَالْآخَرُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ فَاعْرِفْهُ

[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

(الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ)(فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ) الْأَوَّلُ مَا بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي مَا بِالتَّكَلُّفِ (اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ) لِقُوَّةِ خَفَائِهِ (قَدْ يَخْفَى عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَظُنَّ) يَعْتَقِدَ (أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ) وَالْحَالُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِهِ (فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَخْلَاقِ الْمُتَكَبِّرِينَ حَتَّى يَعْرِضَ كُلُّ سَالِكٍ) آخِرَةً (نَفْسَهُ عَلَيْهَا) أَيْ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْكُورَةِ (فَيَمِيزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ فَلَا يَغُرُّهُ الْغَرُورُ) قِيلَ بِالْفَتْحِ الشَّيْطَانُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5] ، وَقِيلَ الْهَوَى أَوْ الدُّنْيَا (فَمِنْهَا) أَيْ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُتَكَبِّرِينَ (أَنْ يُحِبَّ قِيَامَ النَّاسِ لَهُ) عِنْدَ قُدُومِهِ، قِيلَ وَقَدْ يُحِبُّ الْقِيَامَ لِكَوْنِهِ مَجْبُولًا عَلَى ذَلِكَ مِنْ صِغَرِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَشْرَافِ بِلَا أَخْطَارِ كِبْرٍ وَقَدْ يُحِبُّ لِرَغْمِ أَنْفِ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي الدِّينِ وَقَدْ يُحِبُّ لِيُظْهِرَ عَظَمَتَهُ فَيَمْتَثِلُونَ فِي نُصْحِ الدِّينِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كِبْرًا وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي الْقُلُوبِ غَيْرُ عَلَّامِ الْغُيُوبِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ مَنْظُورٌ فِيهِ (أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ) كَمَا هُوَ عَادَةُ الظَّلَمَةِ فَإِنَّ خُدَّامَهُمْ وَغِلْمَانَهُمْ قِيَامٌ عِنْدَ حُضُورِهِمْ وَأَشْنَعُ مَا اعْتَادُوا كَوْنُهُمْ مُرْدًا (تَعْظِيمًا لِنَفْسِهِ) وَإِظْهَارًا لِشَرَفِهِ عَلَيْهِمْ وَلِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ لَدَيْهِمْ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إلَى رَجُلٍ قَاعِدٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَوْمٌ قِيَامٌ.

وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ «لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام وَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ» .

وَأَمَّا لَوْ أَحَبَّ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِشَرَفِ الْعِلْمِ وَإِظْهَارًا لِمَرْتَبَةِ رَوْنَقِهِ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْعَيْنِيِّ شَارِحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ السَّعِيدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَرَى يَحْيَى بْنَ الْقَطَّانِ يُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ مَنَارِ مَسْجِدِهِ فَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالشَّاذَكُونِيُّ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمْ يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْحَدِيثِ وَهُمْ قِيَامٌ عَلَى أَرْجُلِهِمْ إلَى أَنْ تَجِيءَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ اجْلِسْ وَلَا يَجْلِسُونَ هَيْبَةً لَهُ وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَيَقْرَبُ إلَى هَذَا الْجِنْسِ مَا فِي الْفَتَاوَى كَالْخُلَاصَةِ يَتَقَدَّمُ الشَّابُّ الْعَالِمُ عَلَى الشَّيْخِ الْغَيْرِ الْعَالِمِ وَالتِّلْمِيذُ لَا يَفْتَحُ الْكَلَامَ قَبْلَ أُسْتَاذِهِ وَلَا يَجْلِسُ مَكَانَهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهُ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي مَشْيِهِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى أَيْضًا أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ لَا يَقُومُ عِنْدَ قُدُومِ الْعُلَمَاءِ وَيَقُومُ عِنْدَ قُدُومِ الْأَعْوَانِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ إنَّ طَبِيعَتَهُمْ مَجْبُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَأَذَّوْنَ مِنْ تَرْكِ الْقِيَامِ دُونَ مَجَالِسِنَا انْتَهَى

وَذَلِكَ رِضًا بِالْمَعْصِيَةِ وَعَوْنٌ عَلَيْهَا (بِلَا وِجْدَانِ كَرَاهَةٍ مِنْ نَفْسِهِ) بَلْ يَرْضَى وَيَكُونُ مَسْرُورًا (لِهَذَا الْحُبِّ)

ص: 221

حُبِّ الْقِيَامِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحُبَّ ضِدُّ الْكَرَاهَةِ النَّفْسِيَّةِ فَالْقَيْدُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا، بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّأْكِيدِ أَوْ التَّوْضِيحِ كَالتَّكْرِيرِ الْإِطْنَابِيِّ (بَلْ بِقَبُولٍ وَرُكُونٍ إلَيْهِ) حَتَّى يَزِيدَ عَلَيْهِ حُبُّهُ وَيَقْضِي لِأَجْلِهِ حَاجَتَهُ وَيُعِينُ فِي أَمْرِهِ، فَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ يَغْضَبُ عَلَيْهِ وَيُعَادِي (فَإِنْ وَجَدَ كَرَاهَةً وَعَدَمَ إجَابَةٍ) لِلْحُبِّ الْمَذْكُورِ (فِي نَفْسِهِ فَذَلِكَ) الْحُبُّ (مَيْلٌ طَبِيعِيٌّ) غَيْرُ ضَارٍّ لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ قُدْرَتِهِ لَكِنْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ جَمْعُ هَذَا الْحُبِّ مَعَ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ وَهُمَا ضِدَّانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْحُبُّ سَابِقٌ وَضَرُورِيٌّ، وَالْكَرَاهَةُ لَاحِقٌ وَاخْتِيَارِيٌّ فَافْهَمْ (أَوْ وَسْوَسَةٌ) شَيْطَانِيَّةٌ (لَا يَضُرَّانِ) أَيْ الْمَيْلُ وَالْوَسْوَسَةُ لِعَدَمِ دُخُولِهِمَا تَحْتَ الْقُدْرَةِ (كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّيَاءِ) وَالضَّرَرُ الْمَحَبَّةُ مَعَ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا صُفُوفًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ»

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُثُولَ الِانْتِصَابُ يَعْنِي يَقُومُونَ لَهُ قِيَامًا صُفُوفًا أَوْ بِأَنْ يُقَامَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ قَالَ: قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَمَرَ بِمَعْنَى الْخَبَرِ كَأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ وَجَبَ لَهُ النَّارُ وَذَلِكَ نَاشِئٌ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ وَاعْتِقَادِ الْكَمَالِ وَذَا عُجْبٌ وَتَكَبُّرٌ وَجَهْلٌ وَغُرُورٌ وَلَا يُنَاقِضُهُ خَبَرُ «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ؛» لِأَنَّ سَعْدًا لَمْ يُحِبَّ ذَلِكَ وَالْوَعِيدُ لِمَنْ أَحَبَّ.

قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ زَجْرُ الْمُكَلَّفِ أَنْ يُحِبَّ قِيَامَ النَّاسِ لَهُ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلْقِيَامِ بِنَهْيٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَحَبَّةُ الْقِيَامِ لَهُ فَلَوْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ فَقَامُوا لَهُ أَوْ لَمْ يَقُومُوا فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَحَبَّهُ

ثُمَّ قَامُوا أَوَّلًا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِتَرْكِ الْقِيَامِ وَلَا يُنَافِيهِ نَدْبُ الْقِيَامِ لِأَهْلِ الْكَمَالِ وَنَحْوِهِمْ انْتَهَى ثُمَّ الْمُصَنِّفُ اقْتَفَى أَثَرَ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْقِيَامِ وَإِلَّا فَكُلُّ مَا يُنْبِئُ عَنْ التَّرَفُّعِ وَالتَّكَبُّرِ كَالتَّقَدُّمِ فِي الْمَجْلِسِ وَعَدَمِ الْمَشْيِ قُدَّامَهُ وَعَدَمِ التَّكَلُّمِ قَبْلَهُ وَعَدَمِ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ وَالتَّكَلُّمِ بِالْآدَابِ فِي حُضُورِهِ وَنَحْوِهَا مُلْحَقٌ بِمَا ذُكِرَ، فَالِاكْتِفَاءُ إمَّا لِلْمُقَايَسَةِ أَوْ الدَّلَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا أَنْ لَا يَمْشِيَ) فِي خَارِجِ بَيْتِهِ سِيَّمَا فِي أَسْوَاقِ مَدِينَتِهِ (إلَّا وَمَعَهُ غَيْرُهُ يَمْشِي خَلْفَهُ) أَوْ وَهُوَ رَاكِبٌ وَالْغَيْرُ كَالْخُدَّامِ وَالْغِلْمَانِ يَمْشُونَ قُدَّامَهُ وَسَائِرُ طُرَّافِهِ (دَيْلَمُ) الدَّيْلَمِيُّ (حَدّ) أَحْمَدُ (مج) ابْنُ مَاجَهْ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ) مِنْ بَيْتِهِ (يَمْشِي إلَى الْبَقِيعِ» بِفَتْحِ الْبَاءِ مَقْبَرَةِ الْمَدِينَةِ ( «فَتَبِعَهُ) عليه الصلاة والسلام (أَصْحَابُهُ فَوَقَفَ) عليه الصلاة والسلام (وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمُوا وَمَشَى خَلْفَهُمْ فَسُئِلَ) عليه الصلاة والسلام (عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي سَمِعْت خَفْقَ نِعَالِكُمْ» أَصْوَاتَهَا ( «فَأَشْفَقْت» حَذِرْت «أَنْ يَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ الْكِبْرِ» لَعَلَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِتَعْلِيمِ الْأَمْرِ وَإِلَّا فَعُرُوضُ الْكِبْرِ لَهُ بَعِيدٌ وَلَوْ سُلِّمَ عُرُوضُهُ بَغْتَةً لَأَمْكَنَ لَهُ إخْرَاجُهُ دَفْعَةً بِلَا حَاجَةٍ إلَى هَذَا التَّقْدِيمِ فَيَضْعُفُ بِهِ مَا قَالَ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا أَمْنَ لِأَحَدٍ مِنْ الْكِبْرِ وَأَنَّ غَايَتَهُ الْمَغْلُوبِيَّةُ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَزْدَادُ بُعْدًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَا مُشِيَ خَلْفَهُ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُعْرَفُ مِنْ عَبِيدِهِ إذْ كَانَ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُمْ فِي صُورَةٍ ظَاهِرَةٍ، ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَشْيَ الْغَيْرِ خَلْفَهُ سَبَبٌ لِلْكِبْرِ يَلْزَمُ احْتِرَازُهُ لَعَلَّ ذَلِكَ دَائِرٌ عَلَى الْقَلْبِ فَمَنْ لَا يَتَخَاطَرُ عَلَيْهِ شَائِبَةُ كِبْرٍ لَا يَلْزَمُ احْتِرَازُهُ.

(وَمِنْهَا) مِنْ أَخْلَاقِ الْمُتَكَبِّرِينَ (أَنْ لَا يَزُورَ غَيْرَهُ) سِيَّمَا نَحْوُ أَمْثَالِهِ (وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْ زِيَارَتِهِ) لِلْغَيْرِ (خَيْرٌ لَهُ) لِلزَّائِرِ وَالْمَزُورِ (أَوْ لِغَيْرِهِ) مِنْ اسْتِفَاضَةِ أَنْوَارِ الْعُلُومِ وَانْجِذَابِ الْكِمَالَاتِ النَّفْسِيَّةِ مِنْ الْمَلَكَاتِ الْحَمِيدَةِ وَالسِّيَرِ السَّنِيَّةِ، وَهَذَا الْمِسْكِينُ قَدْ رَضِيَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْخَوَالِفِ حَيْثُ رَجَّحَ عَلَى مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ تَلَهِّيَ هَوَاهُ وَأَجْرَى مُيُولَاتِهِ الشَّيْطَانِيَّةَ

ص: 222

(مِنْ التَّعْلِيمِ التَّوَاضُعُ) كَلِمَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا نَبَّهَ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ زِيَارَةِ الْكِبَارِ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ؛ لِأَنَّ أَثَرَ التَّوَاضُعِ أَظْهَرُ فِيهِ كَمَا فِي الِاحْتِسَابِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه زَارَ يَوْمًا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَأَلْقَاهُ وِسَادَةً، فَقَالَ عُمَرُ لَمْ أَحْضُرْ لِهَذَا وَإِنَّمَا جِئْتُك لِتَفْتَحَ عَنِّي عُقْدَةً فِي قَلْبِي، فَقَالَ لَا تَلُمْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخٌ مُسْلِمٌ فَأَلْقَاهُ وِسَادَةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا جَمِيعًا قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا» ، فَفِيهِ أَيْضًا بَيَانُ حُصُولِ الْخَيْرِ لَهُمَا وَاسْتِحْبَابُ الْقُدُومِ بِنَفْسِهِ لِأَجْلِ الْعِلْمِ وَمَسْأَلَتِهِ.

(وَمِنْهَا مَنْ يَسْتَنْكِفُ مِنْ جُلُوسِ غَيْرِهِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ) فِرَارًا مِنْ إيهَامِ تَسَاوِي الْمَنْزِلَةِ مَعَهُ وَالْغَيْرُ فِي اعْتِقَادِهِ مِنْ الْخَسَائِسِ (إلَّا أَنْ يَجْلِسَ) ذَلِكَ الْغَيْرُ (بَيْنَ يَدَيْهِ) بَعِيدًا مِنْهُ كَالتِّلْمِيذِ فَرَضَاهُ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسِ.

(وَمِنْهَا أَنْ يَتَوَقَّى مُجَالَسَةَ الْمَرْضَى وَالْمَعْلُولِينَ وَيَتَحَاشَى عَنْهُمْ) لَعَلَّ هَذَا مَا يَكُونُ لِدَاعِي الْكِبْرِ وَإِلَّا فَنَقْلُ جَوَازِ الْفِرَارِ مِنْ الْأَمْرَاضِ السَّارِيَةِ بِإِذْنِهِ تَعَالَى لَكِنْ فِي الْإِحْيَاءِ «دَخَلَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ جُدَرِيٌّ قَدْ تَقَشَّرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ فَمَا جَلَسَ بِجَنْبِ أَحَدٍ إلَّا قَامَ مِنْ جَنْبِهِ فَأَجْلَسَهُ عليه الصلاة والسلام بِجَنْبِهِ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يُقْعِدُ عَلَى الْمَائِدَةِ مَنْ رَأَى مِنْ الْمَجْذُومِ وَالْأَبْرَصِ وَالْمُبْتَلَى.

(وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَاطَى) لَا يَتَنَاوَلَ (بِيَدِهِ شُغْلًا فِي بَيْتِهِ) رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَاهُ لَيْلَةً ضَيْفٌ وَكَانَ يَكْتُبُ وَكَادَ السِّرَاجُ يُطْفَأُ فَأَرَادَ الضَّيْفُ إصْلَاحَهُ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْكَرَمِ اسْتِخْدَامُ الضَّيْفِ فَأَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ الْغُلَامَ قَالَ أَوَّلُ نَوْمَةٍ نَامَهَا فَقَامَ بِنَفْسِهِ فَمَلَأَ الْمِصْبَاحَ زَيْتًا، فَقَالَ الضَّيْفُ قُمْت أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ ذَهَبْت وَأَنَا عُمَرُ وَرَجَعْت وَأَنَا عُمَرُ وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مُتَوَاضِعًا.

(وَمِنْهَا أَنْ لَا يَحْمِلَ مَتَاعَهُ إلَى بَيْتِهِ) بِنَفْسِهِ (وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ هَذِهِ الْمَنْفِيَّاتِ) وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لَا يَنْقُصُ الرَّجُلَ مِنْ كَمَالِهِ مَا حَمَلَ مِنْ شَيْءٍ إلَى عِيَالِهِ وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ» ، وَفِيهِ أَيْضًا «يَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيَخْصِفُ النَّعْلَ وَيُرَقِّعُ الْقَمِيصَ وَيَلْبَسُ الصُّوفَ وَيَقُولُ مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَلْبَسُوا الصُّوفَ وَيَحْلِبُوا الْغَنَمَ وَيَرْكَبُوا الْحِمَارَ، وَقَالَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام بِحَقٍّ أَقُولُ إنَّهُ مَنْ طَلَبَ الْفِرْدَوْسَ فَغِذَاءُ الشَّعِيرِ لَهُ وَالنَّوْمُ عَلَى الْمَزَابِلِ مَعَ الْكِلَابِ كَثِيرٌ وَفِيهِ نَدْبُ خِدْمَةِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَأَنَّهُ لَا دَنَاءَةَ فِي ذَلِكَ.

(وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَنْكِفَ عَنْ لُبْسِ الدُّونِ مِنْ الثِّيَابِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا خَرَّجَهُ د) أَبُو دَاوُد (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ «الْبَذَاذَةُ» بِفَتْحِ الْبَاءِ رَثَاثَةُ الْهَيْئَةِ وَخُلُوقَةُ الثِّيَابِ وَقِيلَ الدُّونُ مِنْ الثِّيَابِ «مِنْ الْإِيمَانِ» مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفِيسَةِ بِلَا وِجْدَانِ كَرَاهَةٍ فِي الْقَلْبِ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إلَى السُّوقِ وَبِيَدِهِ الدِّرَّةُ وَعَلَيْهِ إزَارٌ فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رُقْعَةً بَعْضُهَا مِنْ أُدْمٍ وَقَالَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام جَوْدَةُ الثِّيَابِ خُيَلَاءُ الْقَلْبِ وَكَانَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الَّذِي لِأَجْلِهِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَأَجِدُ نَفْسَ الرَّحْمَنِ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ» وَكَانَ هُوَ يَجْمَعُ قِطَعَ الْخِرَقِ مِنْ الْمَزَابِلِ وَيَغْسِلُهَا وَيَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَيَلْبَسُهَا وَمِنْ أَحَادِيثِ الْجَامِعِ «أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُتَبَذِّلَ» أَيْ تَارِكَ الزِّينَةِ تَوَاضُعًا «الْمُحْتَرِفَ» الَّذِي لَهُ صِنَاعَةَ يَكْتَسِبُ بِهَا «الَّذِي لَا يُبَالِي مَا لَبِسَ» أَهُوَ مِنْ الْفَاخِرَةِ أَوْ أَدْنَى اللِّبَاسِ وَأَقَلِّهِ قِيمَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَأْبُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنْهَجُ الْحُكَمَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ مَا يَخْدُمُك وَلَا يَسْتَخْدِمُك قَالَ الْغَزَالِيُّ

ص: 223

الَّذِينَ يُنَظِّفُونَ ثِيَابَهُمْ وَيَطْلُبُونَ الثِّيَابَ الرَّفِيعَةَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَرُوسِ الَّتِي تُزَيِّنُ نَفْسَهَا طُولَ النَّهَارِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِبَادَةِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَبَيْنَ عِبَادَتِهِ صَنَمًا وَمَنْ رَأَى ثَوْبَهُ بِحَيْثُ يَلْتَفِتُ إلَيْهِ قَلْبُهُ فَهُوَ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ وَقَالَ الْبَسْ مَا يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَيَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَهُوَ كِسَاءٌ يُغَطِّي بِهِ رَأْسَهُ وَأَوْسَطُهُ قَمِيصٌ وَقَلَنْسُوَةٌ وَنَعْلَانِ وَأَعْلَاهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْدِيلٌ وَسَرَاوِيلُ وَرُوِيَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبِسَ الْمُسُوحَ حَتَّى نَقَبَتْ جِلْدَهُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ الْبَسْ مَكَانَ الْمِسْحِ جُبَّةً مِنْ صُوفٍ فَفَعَلَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ يَا يَحْيَى أَنْتَ عَلَى الدُّنْيَا فَبَكَى وَنَزَعَهَا وَعَادَ كَمَا كَانَ وَقَالَ أَيْضًا «وَكَانَتْ قِيمَةُ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَاحْتَذَى نَعْلَيْنِ جَدِيدَتَيْنِ فَأَعْجَبَهُ حُسْنَهُمَا فَخَرَّ سَاجِدًا وَقَالَ تَوَاضَعْت لِرَبِّي خَشْيَةَ أَنْ يَمْقُتَنِي ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا إلَى أَوَّلِ مِسْكِينٍ لَقِيَهُ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُمَا» وَاشْتَرَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثَوْبًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَلَبِسَهُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ وَقَطَعَ كُمَّيْهِ مِنْ رُسْغٍ وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَذَا مِنْ رِيَاشِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُنَاوِيِّ.

(وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَنْكِفَ عَنْ) إجَابَةِ (دَعْوَةِ الْفَقِيرِ) وَأَنْ يَحْضُرَ إلَى ضِيَافَتِهِ (لَا عَنْ دَعْوَةِ الْغَنِيِّ وَالشَّرِيفِ) حَيْثُ يُجِيبُ دَعْوَتَهُمَا وَقَدْ كَانَ الْفُقَرَاءُ أَفْضَلَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانُوا شَاكِرِينَ مَا دَامَ الْفُقَرَاءُ صَابِرِينَ وَأَيْضًا فِي طَعَامِهِمْ بَرَكَةٌ وَجَبْرُ قُلُوبِهِمْ وَكَسْرُ صَوْلَةِ النَّفْسِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ دُونَكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى» وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ «أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُحِبَّ الْمَسَاكِينَ وَأَدْنُوَ مِنْهُمْ» وَقَدْ «نَهَى عليه الصلاة والسلام عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَنْ مُخَالَطَةِ الْأَغْنِيَاءِ» وَعَنْ عُمَرَ إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى أَهْلِ السَّعَةِ وَحِينَ سَأَلَ هِرَقْلُ أَبَا سُفْيَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَتْبَعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَوْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَقَالَ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ هِرَقْلُ هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَعَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «قَالَ عليه الصلاة والسلام حِينَ مَرَّ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْمِسْكِينُ فِي الْمَسْجِدِ هَذَا يَعْنِي الْمِسْكِينَ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ هَذَا يَعْنِي الْغَنِيَّ» .

(وَمِنْهَا أَنْ يَسْتَنْكِفَ عَنْ قَضَاءِ حَاجَةِ الْأَقْرِبَاءِ وَالرُّفَقَاءِ) مِنْ الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ (فِي السُّوقِ خُصُوصًا شِرَاءَ الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ كَالصَّابُونِ وَالْكَبِدِ وَالْكَرِشِ وَالْحِنَّاءِ وَالنُّورَةِ وَالْمَصْطَكَى وَالْمُشْطِ وَمِنْهَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْهِ تَقَدُّمُ الْأَقْرَانِ فِي الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ بِحَيْثُ) ظَرْفٌ لِتَقَدُّمٍ أَوْ حَالٌ مِنْهُ (فَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ) التَّقَدُّمُ فِي الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ (فَإِمَّا أَنْ يَذْهَبَ وَيُفَارِقَ فَلَا يَمْشِي وَلَا يَجْلِسُ) مَعَهُ أَصْلًا (أَوْ يَبْعُدُ عَنْهُ فِي الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَقْرَانِهِ (أَشْخَاصٌ مِمَّنْ يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُمْ) أَيْ الْأَشْخَاصَ (أَدْوَنُ مِنْهُ) مِنْ الْمُتَكَبِّرِ (لِيُظْهِرَ) بَيْنَ النَّاسِ (أَنَّهُ اخْتَارَ التَّوَاضُعَ إذْ لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا مُؤَخَّرًا عَنْهُ) فِي الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ (لَظَنَّ أَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْهُ) وَذَلِكَ يَخِفُّ عَلَى نُفُوسِ الْمُتَكَبِّرِينَ إذْ يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَكَانَهُمْ بِالِاخْتِيَارِ وَالتَّفَضُّلِ فَيَكُونُ قَدْ تَكَبَّرَ وَتَكَبَّرَ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ أَيْضًا.

(وَمِنْهَا عَدَمُ قَبُولِ الْحَقِّ عِنْدَ مُنَاظَرَةِ الْأَقْرَانِ مِنْ صَاحِبِهِ) لِئَلَّا يَظُنَّ النَّاسُ أَعْلَمِيَّتَهُ

ص: 224