المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الثالث في العلاج العلمي والعملي للحسد] - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية - جـ ٢

[محمد الخادمي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّقْوَى] [

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي فَضِيلَة التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي فِي تَفْسِير التَّقْوَى]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا التَّقْوَى]

- ‌[الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْخُلُقِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَعَدَدهَا سِتُّونَ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع]

- ‌[الْأَوَّلُ كُفْر جَهْلِيٌّ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي كُفْرٌ جُحُودِيٌّ وَعِنَادِيٌّ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْقَلْبِ حُبُّ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِلْكُفْرِ كُفْرٌ حُكْمِيٌّ]

- ‌[السَّادِسُ اعْتِقَادُ الْبِدْعَةِ]

- ‌[السَّابِع اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ بِالْغَيْرِ]

- ‌[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي آلَةُ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مَا قَصَدَهُ الْمُرَائِي بِرِيَائِهِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ فِي أَحْكَامِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الْأَمَلُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّادِسُ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أُمُورٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ السَّابِعُ فِي عِلَاجِ الرِّيَاءِ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ الْكِبْرُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْكِبْرِ]

- ‌[الْكِبْرِ جَائِزٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ]

- ‌[التَّذَلُّلُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْخَمْسَةِ لِلْكِبْرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالثَّانِي مِنْ الْأَسْبَابِ السَّبْعَةِ لِلْكِبْرِ الْعِبَادَةُ وَالْوَرَعُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لِلْكِبْرِ النَّسَبُ]

- ‌[وَالرَّابِعُ الْجَمَالُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[وَالْخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْقُوَّةُ الْبَدَنِيَّةُ وَشِدَّةُ الْبَطْشِ]

- ‌[وَالسَّادِسُ الْمَالُ وَالتَّلَذُّذُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ]

- ‌[لَلتَّكَبُّرَ دُونَ الْكِبْرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أُخَرُ الْأَوَّلُ الْحِقْدُ]

- ‌[السَّبَبُ الثَّالِثُ لَلتَّكَبُّرُ الرِّيَاءُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي عَلَامَاتِ الْكِبْرِ وَالتَّكَبُّرِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ آخِرُ مَبَاحِثِ الْكِبْرِ فِي أَسْبَابِ الضَّعَةِ]

- ‌[الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْعُجْبُ]

- ‌[الْخُلُقُ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ آفَات الْقَلْب الْحَسَدُ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِي غَوَائِلِ الْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

- ‌[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَمِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ التَّطَيُّرُ]

- ‌[فَرْعٌ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ]

الفصل: ‌[المبحث الثالث في العلاج العلمي والعملي للحسد]

(وَالسَّابِعُ: عَمَى الْقَلْبِ حَتَّى يَكَادَ لَا يَفْهَمُ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى) فَتَنْطَمِسُ بَصِيرَتُهُ وَتَعْمَى سَرِيرَتُهُ.

(قَالَ سُفْيَانُ رحمه الله لَا تَكُنْ حَاسِدًا تَكُنْ سَرِيعَ الْفَهْمِ) فِي كُلِّ حَقٍّ وَحُكْمٍ شَرْعِيٍّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ عَنْ سُفْيَانَ عَلَيْك بِطُولِ الصَّمْتِ تَمْلِكُ الْوَرَعَ وَلَا تَكُنْ حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا تَكُنْ حَافِظًا وَلَا تَكُنْ طَعَّانًا تَنْجُ مِنْ أَلْسُنِ النَّاسِ وَلَا تَكُنْ حَاسِدًا تَكُنْ سَرِيعَ الْفَهْمِ. (وَالثَّامِنُ الْحِرْمَانُ) مِنْ نَيْلِ الْمُرَادِ (وَالْخِذْلَانُ) عَدَمُ الْوُصُولِ إلَى الْأَمَانِي ضِدُّ التَّوْفِيقِ وَفُسِّرَ بِتَيْسِيرِ أَسْبَابِ الشَّرِّ وَالسُّوءِ (فَلَا يَكَادُ يَظْفَرُ بِمُرَادِهِ وَلَا يُنْصَرُ عَلَى عَدُوِّهِ) كَمَا قَالَ حَاتِمٌ الطَّعِينُ غَيْرُ ذِي دِينٍ وَالَعَائِبُ غَيْرُ عَابِدٍ وَالنَّمَّامُ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالْحَسُودُ غَيْرُ مَنْصُورٍ قُلْت الْحَسُودُ كَيْفَ يَظْفَرُ بِمُرَادِهِ وَمُرَادُهُ زَوَالُ نِعَمِ اللَّهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَيْفَ يُنْصَرُ عَلَى أَعْدَائِهِ وَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ الْمُؤْمِنُونَ كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ (فَلِذَا قِيلَ) الْقَائِلُ بَعْضُ السَّلَفِ، وَهَكَذَا فِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ فَمَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ حَدِيثٌ فَمَوْضُوعٌ كَمَا فِي مَوْضُوعَاتِ عَلِيٍّ الْقَارِئِ «الْحَسُودُ لَا يَسُودُ» أَيْ الْكَثِيرُ الْحَسَدِ لَا يَصِلُ إلَى مَرْتَبَةِ السِّيَادَةِ عَلَى أَحَدٍ أَصْلًا بَلْ حَالُهُ فِي انْخِفَاضٍ دَائِمًا وَأَمْرُهُ فِي نُقْصَانٍ فَلَا يَصِلُ إلَى مُرَادٍ وَمِنْ غَوَائِلِ الْحَسَدِ تَنْقِيصُ الْعُمْرِ.

قَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ رَأَيْت أَعْرَابِيًّا أَتَى عَلَيْهِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً فَقُلْت مَا أَطْوَلَ عُمْرَك، فَقَالَ تَرَكْت الْحَسَدَ فَبَقِيت.

وَمِنْهَا الْإِفْضَاءُ إلَى ضَرْبِ أَعْمَالِهِ وَجْهَ صَاحِبِهِ قَالَ فِيهَا أَيْضًا وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ إنَّ فِي السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ مَلَكًا يَمُرُّ بِهِ عَمَلُ عَبْدٍ لَهُ ضَوْءٌ كَضَوْءِ الشَّمْسِ فَيَقُولُ قِفْ فَأَنَا مَلَكُ الْحَسَدِ أَضْرِبُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ حَاسِدٌ. وَمِنْهَا عَدَاوَةُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام «إنَّ لِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْدَاءً فَقِيلَ وَمَنْ ذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ يَحْسُدُونَ النَّاسَ. وَمِنْهَا الْإِفْضَاءُ إلَى لَعْنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَغَضَبِهِمْ وَمِنْهَا شِدَّةُ الْمَوْتِ وَمِنْهَا الْفَضِيحَةُ وَالْعُقُوبَةُ فِي الْمَوْقِفِ» .

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ مِنْ الْمَجَالِسِ إلَّا مَذَمَّةً وَذُلًّا وَلَا يَنَالُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلَّا لَعْنَةً وَغَضَبًا وَلَا يَنَالُ مِنْ الْخَلْقِ إلَّا جَزَعًا وَغَمًّا وَلَا يَنَالُ عِنْدَ النَّزْعِ إلَّا شِدَّةً وَهَوْلًا وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْمَوْقِفِ إلَّا فَضِيحَةً وَنَكَالًا وَمِنْهَا عَدَمُ قَبُولِ دَعْوَةِ صَاحِبِهِ.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يُقَالُ ثَلَاثَةٌ لَا تُسْتَجَابُ دَعَوْتهمْ آكِلُ الْحَرَامِ وَمِكْثَارُ الْغِيبَةِ وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ أَوْ حَسَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَمِنْهَا مُبَارَزَةُ رَبِّهِ، عَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ بَارَزَ الْحَاسِدُ رَبَّهُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهِ: الْأَوَّلُ قَدْ أَبْغَضَ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِهِ.

الثَّانِي سَخَطَ بِقِسْمَةِ رَبِّهِ.

الثَّالِثُ بَخِلَ بِفَضْلِهِ تَعَالَى.

الرَّابِعُ يُرِيدُ خِذْلَانَ مَنْ اخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

الْخَامِسُ أَعَانَ إبْلِيسَ بَلْ صَارَ شَرِيكَهُ فِي صِفَةٍ خَاصَّةٍ صَارَ بِهَا كَإِبْلِيسَ وَهِيَ حَسَدُهُ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ التَّسْلِيمَةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْغَوَائِلِ كَادَ أَنْ لَا يَتَنَاهَى كَمَا ذُكِرَ بَعْضُهَا هُنَا آنِفًا فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ

[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ لِلْحَسَدِ]

(الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ)(فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ) . (الْأَوَّلُ) أَيْ الْعِلْمِيُّ (أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْحَسَدَ ضَرَرٌ عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ) كَمَا ذُكِرَ فِي الْغَوَائِلِ الْأُولَى تَقْدِيمُ الدِّينِ، فَإِمَّا لِوُجُودِهَا أَوَّلًا، أَوْ لِأَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا يَكْثُرُ خَوْفُهُمْ مِنْ دُنْيَاهُمْ أَوْ أَنَّ مُعْظَمَ سَبَبِهِ هُوَ الدُّنْيَا (وَأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَحْسُودِ فِيهِمَا) فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى (بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِيهِمَا أَمَّا ضَرَرُهُ لَك) أَيُّهَا الْحَاسِدُ (فِي الدِّينِ فَلِأَنَّك بِالْحَسَدِ سَخِطْت قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى) بِمَا أَعْطَاهُ لِلْمَحْسُودِ (وَكَرِهْت نِعْمَتَهُ الَّتِي قَسَمَهَا لِعِبَادِهِ) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ (وَ) كَرِهْت (عَدْلَهُ) بِمَنْعِك مَا أَعْطَاهُ لِمَحْسُودِك (وَاسْتَنْكَرْت ذَلِكَ) الْفِعْلَ مِنْهُ تَعَالَى (وَغَشَشْت) غَشَّهُ غَشًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَالِاسْمُ غِشٌّ بِالْكَسْرِ لَمْ يَنْصَحْهُ وَزَيَّنَ لَهُ غَيْرَ الْمَصْلَحَةِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (رَجُلًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَتَرَكْت نُصْحَهُ وَالْغِشُّ) الَّذِي صَدَرَ مِنْك بِحَسَدِك (حَرَامٌ) .

قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ غَشَّ

ص: 256

فَلَيْسَ مِنَّا» .

قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ خَانَ يَعْنِي لَيْسَ عَلَى سُنَّتِنَا وَطَرِيقَتِنَا فِي مُنَاصَحَةِ الْإِخْوَانِ (وَالنَّصِيحَةُ وَاجِبَةٌ) وَفِي الْحَدِيثِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . قَالَ فِي الْفَيْضِ أَيْ عِمَادُهُ وَقِوَامُهُ النَّصِيحَةُ عَلَى وَزْنِ الْحَجُّ عَرَفَةَ فَبُولِغَ فِي النَّصِيحَةِ حَتَّى جَعَلَ الدِّينَ كُلَّهُ إيَّاهَا. وَقِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ رُبْعُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَلْ هُوَ وَحْدَهُ فَلِذَا كَانَتْ النَّصِيحَةُ أَعْظَمَ وَصَايَا السَّلَفِ، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ وُجُوبُ النُّصْحِ وَإِنْ عُلِمَ عَدَمُ فَائِدَتِهِ وَمَنْ قَبِلَ النَّصِيحَةَ أَمِنَ الْفَضِيحَةَ وَمَنْ أَبَى فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ وَأَيْضًا مِنْ ضَرَرِهِ الدِّينِيِّ أَنَّهُ مُفَارَقَةُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُشَارَكَةُ إبْلِيسَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ فِي مَحَبَّتِهِمْ الْبَلَايَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَزَوَالِ النِّعَمِ وَأَنَّهُ يُبْطِلُ بِهِ حَسَنَاتِهِ ثُمَّ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى الْمُصَنِّفُ هُنَا بِالْإِحَالَةِ عَلَى الْغَوَائِلِ لَكَانَ أَخْصَرَ لَعَلَّهُ أَرَادَ زِيَادَةَ تَفْصِيلٍ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ. (وَأَمَّا) ضَرَرُك (فِي الدُّنْيَا فَغَمٌّ وَحُزْنٌ وَضِيقُ نَفْسٍ) كَمَا عَرَفْت فِي الْغَوَائِلِ.

(وَأَمَّا أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَحْسُودِ فِيهِمَا) فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا (فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ لَا تَزُولُ عَنْهُ) أَيْ الْمَحْسُودِ (بِحَسَدِك وَلَا يَأْثَمُ بِهِ) بِالْحَسَدِ فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ دُنْيَوِيٌّ أَوْ دِينِيٌّ (وَأَمَّا انْتِفَاعُهُ) أَيْ انْتِفَاعُ الْمَحْسُودِ مِنْ حَسَدِ الْحَاسِدِ (فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ أَنَّهُ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِك) وَالْمَظْلُومُ مَأْجُورٌ وَدَعَوْته عَلَى ظَالِمِهِ مُجَابَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» كَمَا قِيلَ إنَّ دُعَاءَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ مُجَابٌ (لَا سِيَّمَا إذَا أَخْرَجَكَ الْحَسَدُ إلَى الْقَوْلِ) فِي عِرْضِهِ وَدِينِهِ وَإِلْحَاقِ الشَّيْنِ بِهِ (وَالْفِعْلِ بِالْغِيبَةِ لَهُ وَهَتْكِ سِتْرِهِ) بَيْنَ النَّاسِ (وَالْقَدْحِ فِيهِ وَنَحْوِهَا) كَالسِّعَايَاتِ الْبَاطِلَةِ إلَى الظَّلَمَةِ لِإِضْرَارِهِ مَالًا أَوْ بَدَنًا أَوْ عِرْضًا وَتَحْرِيكِ مُدَّعٍ عَلَيْهِ (فَهَذِهِ هَدَايَا تَهْدِيهَا إلَيْهِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ) يَعْنِي أَنَّك بِذَلِكَ تَهْدِي إلَيْهِ حَسَنَاتِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنْ كَانَتْ وَأَلَّا يُحْمَلُ عَلَيْك وِزْرُهُ فَتُلْقَى فِي النَّارِ فَأَضَفْت لَهُ نِعْمَةً إلَى نِعْمَةٍ وَأَضَفْت لِنَفْسِك شَقَاوَةً إلَى شَقَاوَةٍ وَيَكُونُ نَظِيرُك كَمَنْ رَمَى إلَى عَدُوِّهِ حَجَرًا فَلَمْ يُصَبْ وَانْقَلَبَ إلَيْهِ وَأَعْمَى عَيْنَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا قَدْ اغْتَابَك فَبَعَثَ إلَيْهِ طَبَقًا مِنْ الرُّطَبِ وَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّك أَهْدَيْت إلَيَّ حَسَنَاتٍ فَأَرَدْت أَنْ أُكَافِئَك عَلَيْهَا فَاعْذُرْنِي فَإِنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُكَافِئَك بِهَا عَلَى التَّمَامِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. (وَأَمَّا) انْتِفَاعُهُ (فِي الدُّنْيَا فَلِأَنَّ أَهَمَّ أَغْرَاضِ الْخَلْقِ مَسَاءَةُ الْأَعْدَاءِ وَغَمُّهُمْ) قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ الْحَاسِدُ لَا يَخْلُو أَبَدًا مِنْ الْغَمِّ وَالْهَمِّ وَالْمِحْنَةِ إذْ لَا يَزَالُ أَعْدَاؤُهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى وَلَا عَذَابَ أَعْظَمَ مِمَّا فِي الْحَاسِدِ مِنْ أَلَمِ الْحَسَدِ وَغَايَةُ أَمَانِي أَعْدَائِك أَنْ يَكُونُوا فِي نِعْمَةٍ وَأَنْتَ فِي غَمٍّ وَحَسْرَةٍ وَقَدْ فَعَلْت بِنَفْسِك مُرَادَهُمْ مِنْ فَرَحِ عَدُوِّك بِغَمِّك وَلَوْ عَلِمَ بِخَلَاصِك مِنْ أَلَمِ الْحَسَدِ لَكَانَ أَعْظَمَ مُصِيبَةً عِنْدَهُ فَإِذَنْ أَنْتَ عَدُوُّ نَفْسِك وَصِدِّيقُ عَدُوِّك إذْ قَدْ حَزِنْت وَخَسِرْت وَآثَرْت عَلَى عَدُوِّك إبْلِيسَ (وَالْعِلَاجُ الْعَمَلِيُّ أَنْ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ نَقِيضَ مُقْتَضَاهُ) أَيْ نَقِيضِ الْحَسَدِ هُوَ النُّصْحُ (فَإِنْ بَعَثَهُ) أَيْ الْحَسَدُ الْحَاسِدَ (عَلَى الْقَدْحِ فِيهِ) بِاللِّسَانِ (كَلَّفَ لِسَانَهُ الْمَدْحَ لَهُ) وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ (وَإِنْ) بَعَثَهُ (عَلَى التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ) احْتِقَارًا لَهُ. (أَلْزَمَ نَفْسَهُ التَّوَاضُعَ لَهُ) عَمَلًا لَهَا بِنَقِيضِ مُرَادِهَا (وَالِاعْتِذَارَ إلَيْهِ) مِمَّا قَدْ يَبْدُو مِنْهُ (وَإِنْ) بَعَثَهُ

ص: 257