الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُجْتَهِدِ فَيُعْتَمَدُ عَلَى خَبَرِهِ (فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِكُلِّ كِتَابٍ) فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى هَذَا تَفْرِيعٌ لِقَوْلِهِ فِي نَقْلِ كِتَابٍ مُعْتَبَرٍ يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِكِتَابٍ مَجْهُولٍ مَسْتُورٍ كَالنَّوَادِرِ نَقَلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَمِثْلُهُ كِتَابُ الْحَاوِي وَجَامِعِ الْفَتَاوَى وَالْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ وَرَوْضَةِ الْمَجَالِسِ وَمُشْتَمَلِ الْأَحْكَامِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالتَّسْهِيلِ لِلْقَاضِي مَحْمُودٍ وَالْمُهِمَّاتِ وَالْحَدَّادِيَّةِ وَأَيْضًا لِقُنْيَةٍ مَشْهُورَةٍ بِضَعْفِ الرِّوَايَةِ وَصَاحِبُهَا مُعْتَزِلِيٌّ.
وَأَيْضًا صُرَّةُ الْفَتَاوَى لَكِنْ إذَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ أَقْوَى مِنْهَا وَلَا خِلَافَ قِيَاسٌ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِي كِتَابٍ مُعْتَبَرٍ فَلَا جَرَمَ يَعْمَلُ بِهِ، وَالْكِتَابُ الْمُعْتَبَرُ كَالْمُتُونِ الْأَرْبَعَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ قَالُوا اجْتِمَاعُهَا فِي مَسْأَلَةٍ كَنَصٍّ قَاطِعٍ وَمِنْ الْفَتَاوَى كَقَاضِي خَانْ وَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْغَيْرَ سِيَّمَا لِلْأَوْثَقِ وَالْأَكْثَرِ فِي كَوْنِ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْكِتَابِ الْمُعْتَبَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي كِتَابٍ قَوِيٍّ كَمَا نَقَدُوا فِي بَعْضِ أَقْوَالِ الْهِدَايَةِ، وَأَمَّا كُتُبُ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَنَا حُجَّةً فِي الْأَحْكَامِ أَحَادِيثُ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام كَقَوْلِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلَّامِ لِكَوْنِهَا مَنْصِبَ الِاجْتِهَادِ فَأَصَحُّهَا صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ فَمُسْلِمٌ عَلَى الْأَصَحِّ ثُمَّ بَوَاقِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الضَّعِيفَةَ يَجُوزُ رِوَايَتُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إنْ لَمْ يُخَالِفْ أَقْوَى مِنْهَا وَلَا الْقِيَاسَ وَفِي تَأْيِيدِ عَمَلٍ ثَابِتٍ أَوْ احْتِيَاطِ عَمَلٍ أَيْضًا لَا فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ أَصْلًا، وَأَمَّا الْمَوْضُوعُ فَلَا يَجُوزُ رِوَايَتُهُ إلَّا مَعَ تَنْبِيهِ مَوْضُوعِيَّتِهِ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ أَصْلًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ (وَلَا) يَجُوزُ الْعَمَلُ (بِقَوْلِ كُلِّ مَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ الْعُلَمَاءِ) مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ حَالِهِ عِلْمًا وَثِقَةً وَعَمَلًا فَلَا بُدَّ مِمَّنْ يَصْلُحُ اقْتِدَاؤُهُ لِكَوْنِهِ مُجَرَّبَ الْعِلْمِ وَالْعَدْلِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ عَالِمٍ أَوْ عَالِمًا لَكِنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْفَسَادِ الْكَبِيرِ الْعَالِمَ الْمُتَهَتِّكَ وَأَيْضًا إذَا زَلَّ عَالِمٌ زَلَّ عَالَمٌ.
(وَمُقَابِلُ اعْتِقَادِ الْبِدْعَةِ اعْتِقَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَسَبَبُهُ) سَبَبُ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ (التَّمَسُّكُ بِالسُّنَّةِ) اعْتِقَادًا وَأَقْوَالًا وَأَعْمَالًا فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ بَلْ فِي الْعَادَاتِ (وَمَا عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ) مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - (وَ) سَبَبُهُ أَيْضًا (تَرْكُ الْهَوَى) أَيْ الْحُظُوظَاتِ الْعَاجِلَةِ (وَ) تَرْكِ (الْإِعْجَابِ بِالرَّأْيِ) أَيْ تَحْسِينِ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ (مَعَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ أَوْ التَّقْلِيدِ لِصَاحِبِهِ) أَيْ لِصَاحِبِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ (وَلَوْ مَعَ إثْمٍ) لِتَرْكِ الْوَاجِبِ.
[التَّاسِعُ الرِّيَاءُ]
[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاء]
(وَالتَّاسِعُ) مِنْ السِّتِّينَ الْمَذْمُومَةِ
(الرِّيَاءُ) وَفِيهِ سَبْعَةُ مَبَاحِثَ تَعْرِيفُهُ وَمَا بِهِ الرِّيَاءُ وَمَا لَهُ الرِّيَاءُ وَالرِّيَاءُ الْخَفِيُّ وَعَلَامَاتُهُ وَأَحْكَامُ الرِّيَاءِ وَالْأُمُورُ الْمُتَرَدِّدَةُ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ وَعِلَاجُ الرِّيَاءِ (الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِهِ) لِيَمْتَازَ عَنْ الْآخَرِ لِكَمَالِ الْعِنَايَةِ بِهِ لِعِظَمِ خَطَرِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِهِ (وَتَقْسِيمُهُ هُوَ) أَيْ الرِّيَاءُ لُغَةً إظْهَارُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مَصْدَرُ رَاءَى يُرَائِي مُرَاءَاةً وَرِيَاءً يُقَالُ رَاءَيْته أَظْهَرْت لَهُ خِلَافَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَقِيلَ هُوَ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي الْقُلُوبِ بِإِرَادَةِ الْفَضَائِلِ مُطْلَقًا وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَالْعُرْفُ هُوَ (إرَادَةُ نَفْعِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ أَوْ دَلِيلِهِ) أَيْ دَلِيلِ الْعَمَلِ نَحْوِ ذُبُولِ الشَّفَتَيْنِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى مَا يُقَالُ الرِّيَاءُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي الْقُلُوبِ بِإِظْهَارِ الْعِبَادَاتِ (أَوْ إعْلَامِهِ) أَيْ عَمَلِ الْآخِرَةِ (أَحَدًا مِنْ النَّاسِ) فَالرِّيَاءُ بِثَلَاثَتِهِ (مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ مُلْجِئٍ) مُضْطَرٍّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى مَا لَا يَرْضَاهُ وَلَا يَخْتَارُهُ إذَا خَلَى وَنَفْسُهُ فَإِمَّا كَامِلٌ إنْ أَفْسَدَ الِاخْتِيَارَ وَأُعْدِمَ الرِّضَا فَهُوَ مُلْجِئٌ أَيْ يُوجِبُ الِاضْطِرَارُ كَالتَّهْدِيدِ بِمَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَإِمَّا قَاصِرٌ بِعَدَمِ الرِّضَا لَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَلَا يَقْصِدُ الِاخْتِيَارَ كَمَا بِنَحْوِ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ فَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ إبَاحَةِ الرِّيَاءِ بِمُجَرَّدِ الْإِكْرَاهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُلْجِئًا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ الْإِمَامِ الْبُرَغْرِيِّ إنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ مُبَاحٌ كَالْقَتْلِ وَالرِّيَاءِ وَفَرْضٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَمُرَخَّصٌ كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالْإِفْطَارِ وَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَتَأَمَّلْ.
(الْبَاعِثِ) صِفَةُ الْإِعْلَامِ (عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْعَمَلِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَصْدِهِ إعْلَامُ الْغَيْرِ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْعَمَلِ أَوْ صِفَةٌ لِنَفْعِ الدُّنْيَا يَعْنِي الْبَاعِثَ عَلَى نَفْسِ عَمَلِ الْآخِرَةِ هُوَ نَفْعُ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَاعِثٍ عَلَى التَّنْكِيرِ أَيْ بَاعِثُ ذَلِكَ الْإِكْرَاهِ عَلَى نَفْسِ الْعَمَلِ يَعْنِي يَكُونُ الْإِكْرَاهُ دَاعِيًا إلَى الْعَمَلِ بِالرِّيَاءِ وَبِالْجُمْلَةِ لَعَلَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ (وَضِدُّهُ الْإِخْلَاصُ، وَهُوَ تَجْرِيدُ قَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالطَّاعَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّقَرُّبِ (عَنْ نَفْعِ الدُّنْيَا) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّجْرِيدِ (وَ) عَنْ (الْإِعْلَامِ السَّابِقِ) ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ مِنْهُ وَلَمْ يَقْصِدْ فَلَا يَضُرُّ فِي إخْلَاصِهِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَاجِلِ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ وَهَذَا قَرِيبٌ إلَى مَا فِي الْقُشَيْرِيَّةِ الْإِخْلَاصُ إفْرَادُ الْحَقِّ فِي الطَّاعَةِ بِالْقَصْدِ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِطَاعَتِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ تَصَنُّعِ الْمَخْلُوقِ أَوْ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْإِخْلَاصُ التَّوَقِّي عَنْ مُلَاحَظَةِ الْأَشْخَاصِ وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي اسْتَوْدَعَتْهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْته مِنْ عِبَادِي»
وَعَنْ ذِي النُّونِ ثَلَاثٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِخْلَاصِ اسْتِوَاءُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ الْعَامَّةِ وَنِسْيَانُ رُؤْيَةِ الْأَعْمَالِ فِي الْأَعْمَالِ وَاقْتِضَاءُ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ الْإِخْلَاصُ لَا يَكُونُ لِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ بِحَالٍ (وَيُثْمِرُ) أَيْ الْإِخْلَاصُ يُنْتِجُ (الْإِحْسَانَ) أَيْ الْمَذْكُورَ فِي نَحْو - {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]- {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]- {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]- فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ قِيلَ وَحَقِيقَتُهُ سَجِيَّةٌ فِي النَّفْسِ تَحْمِلُ عَلَى مُجَازَاةِ الْمُسِيءِ بِجَوَائِزِ الْمُحْسِنِ وَقِيلَ هُوَ مَعْرِفَةُ الْعُبُودِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ مَعًا
وَقِيلَ اتِّفَاقُ
الْمَعْنَى عَلَى اتِّفَاقِ الْعِيَانِ وَالْإِحْسَانُ لِمَنْ أَسَاءَ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَقِيلَ إتْقَانُ الْعِبَادَةِ بِإِيقَاعِهَا عَلَى وَجْهِهَا مَعَ رِعَايَةِ حَقِّ الْحَقِّ وَمُرَاقَبَتِهِ وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَتِهِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا (وَهُوَ) نَحْوَ أَنَّ أَحَدَهُمَا غَالِبٌ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ كَمَا قَالَ (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ) مَنْ عَبَدَ أَطَاعَ وَالتَّعَبُّدُ التَّنَسُّكُ وَالْعُبُودِيَّةُ الْخُضُوعُ وَالذِّلَّةُ (كَإِنَّك تَرَاهُ) بِأَنْ تَتَأَدَّبَ فِي عِبَادَتِهِ كَأَنَّك تَنْظُرُ إلَيْهِ فَجَمَعَ مَعَ الْإِيجَازِ بَيَانَ الْمُرَاقَبَةِ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْإِخْلَاصَ فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالْحَثَّ عَلَيْهِمَا بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ عَايَنَ رَبَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ مُمْكِنِهِ وَالثَّانِي مَنْ لَا يَنْتَهِي إلَى هَذِهِ الْحَالِ لَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَقَّ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَمُشَاهِدٌ لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْيَقِينُ وَالْحُضُورُ إلَى هَاتِيك الرُّؤْيَةِ فَإِلَى أَنْ تَحَقَّقَ أَنَّ نَفْسَك بِمَرْأَى مِنْهُ تَقَدَّسَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ مُشَاهِدٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فِي حَرَكَتِهِ وَسُكُونِهِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُقَصِّرُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَصِّرُ فِي الثَّانِي لِاسْتِوَائِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِاطِّلَاعِهِمَا إلَى اطِّلَاعِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا أُمِرَ بِمُرَاقَبَةِ اللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ وَاسْتِحْضَارِ قُرْبِهِ مِنْهُ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ شَقَّ عَلَيْهِ فَيَسْتَعِينُ عَلَيْهِ بِإِيمَانِهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ لَا يَخْفَى مِنْهُ شَيْءٌ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ إلَى ذَلِكَ الْمَقَامِ الْأَكْمَلِ الَّذِي هُوَ مَقَامُ الشُّهُودِ الْأَكْبَرِ وَذَلِكَ قَرِيبٌ إلَى مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الْمُرَاقَبَةَ عَلَى نَحْوِ حَالَيْنِ
أَحَدُهُمَا غَالِبٌ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ فَكَأَنَّهُ يَرَاهُ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ عليه السلام «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي عِبَادَةِ رَبِّي» وَثَانِيهِمَا لَا يَنْتَهِي إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَكِنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَقَّ سبحانه وتعالى مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَمُشَاهِدٌ لَهُ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْله تَعَالَى - {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218]{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219]- وَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ ثَمَرَةُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَشْيَتِهِ (وَقَدْ يُطْلَقُ الرِّيَاءُ) شَرْعًا (عَلَى حُبِّ الْمَنْزِلَةِ) الْعَالِيَةِ (وَقَصْدِهَا فِي قُلُوبِ النَّاسِ) لِيَحْمَدُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ (بِأَعْمَالِ الدُّنْيَا) مِثْلَ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ (وَهَذَا رِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا) لِيَنَالَ بِهِ رُتْبَةَ الدُّنْيَا وَهَذَا أَيْضًا مَذْمُومٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى الدِّينِ (وَالْأَوَّلُ بِقِسْمَيْهِ) الْأَوَّلُ إرَادَةُ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ أَوْ دَلِيلِهِ وَالثَّانِي إعْلَامُهُ بِذَلِكَ وَيُسَمَّى هَذَا بِالسُّمْعَةِ (رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ) الْمُحْبِطُ لِلْعَمَلِ (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ إنْ لَمْ يُقَارِنْهُ إرَادَةُ نَفْعِ الْآخِرَةِ) أَصْلًا بَلْ مُرَادُهُ نَفْعُ الدُّنْيَا كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِجَلْبِ الْأَمْوَالِ (فَهُوَ رِيَاءٌ مَحْضٌ، وَإِنْ قَارَنَتْهُ) أَيْ قَارَنَتْ إرَادَةُ نَفْعِ الْآخِرَةِ إلَى الْأَوَّلِ (فَرِيَاءُ تَخْلِيطٍ) لِاخْتِلَاطِ الْإِرَادَتَيْنِ وَهَذَا ثَلَاثَةٌ (إمَّا) نَفْعُ الدُّنْيَا (غَالِبٌ) عَلَى نَفْعِ الْآخِرَةِ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ فَتَدَبَّرْ (أَوْ مُسَاوٍ أَوْ مَغْلُوبٌ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَةٌ) دِينِيٌّ مَحْضٌ وَتَخْلِيطٌ تَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَالْإِعْلَامُ يَعْنِي لَمَّا كَانَ أَوَّلُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ فَإِذَا ضُمَّ إلَيْهَا ثَانِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَصِيرُ خَمْسَةً (وَالْمُرَادُ مِنْهُ نَفْعُ الدُّنْيَا) ، وَهُوَ أَوَّلُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الَّذِي يُرَادُ مِنْهُ نَفْعُ الدُّنْيَا (أَمَّا خَالِقٌ) إذْ يُرَادُ ذَلِكَ النَّفْعُ وَيُطْلَبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ هِيَ عَمَلُ الْآخِرَةِ يُقْصَدُ بِهَا اسْتِكْشَافُ الْأَمْرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ مَخْلُوقٌ) كَإِظْهَارِ الصَّلَاحِ لِجَلْبِ الدُّنْيَا مِنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقِ
وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ نَفْعَ الدُّنْيَا أَيْ أَوَّلَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا ضُرِبَ هَذَانِ الِاثْنَانِ فِيهَا يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَإِذَا وُضِعَ بِجَنْبِهَا ثَانِي الْأَوَّلِ يَعْنِي الْإِعْلَامَ فَتِسْعَةٌ (وَنَفْعُ الدُّنْيَا) أَيْضًا (إمَّا جَاهٌ) رِيَاسَةٌ كُلِّيَّةٌ أَوْ إضَافِيَّةٌ أَوْ جُزْئِيَّةٌ كَمَنْ يَطْلُبُ بِالْعِلْمِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ الْآخِرَةِ الْمَنَازِلَ
الرَّفِيعَةَ هِيَ نَفْعُ الدُّنْيَا وَالْجَاهُ (أَوْ مَالٌ) كَمَنْ يَقْرَأُ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ لِيَكْثُرَ مَالُهُ (أَوْ قَضَاءَ شَهْوَةٍ) كَالتَّزَوُّجِ (أَوْ دَفْعَ ضَرَرٍ يَسِيرٍ) قَالَ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي وَتَبِعَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ احْتِرَازًا عَنْ الْكَثِيرِ مِثْلَ الْقَتْلِ وَتَلَفِ الْعُضْوِ لَعَلَّ مُرَادَهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مِنْ الرِّيَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إكْرَاهًا مُلْجِئًا فَيَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْكَثِيرُ هُوَ الْأَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ إذَا ضُرِبَتْ فِي الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَعِنْدَ ضَمِّ الْإِعْلَامِ الْمَذْكُورِ فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ (وَكُلٌّ مِنْهَا) الظَّاهِرُ رَاجِعٌ إلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْمَضْرُوبَةِ فِي تِلْكَ الثَّمَانِيَةِ الْبَالِغَةِ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ (إمَّا لِلتَّوَسُّلِ إلَى عَمَلِ الْآخِرَةِ أَوَّلًا) فَالْأَقْسَامُ بَالِغَةٌ إلَى أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ.
(وَالْأَوَّلُ) أَيْ إرَادَةُ نَفْعِ الدُّنْيَا لِلتَّوَسُّلِ إلَى الْآخِرَةِ بِجَمِيعِ أَقْسَامِهِ وَقُيُودِهِ فِي ذَلِكَ الْمَبْلَغِ إنْ كَانَ (مِنْ الْخَالِقِ تَعَالَى لَيْسَ بِرِيَاءٍ) لَعَلَّ الْأَخْصَرَ وَالْأَظْهَرَ وَالْأَضْبَطَ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَرَامِ أَنْ يُقَالَ الرِّيَاءُ إمَّا إرَادَةُ نَفْعِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ أَوْ دَلِيلِهِ وَإِمَّا إعْلَامُهُ أَحَدًا وَإِمَّا حُبُّ الْمَنْزِلَةِ الْأَوَّلَانِ رِيَاءُ أَهْلِ الدِّينِ وَالثَّالِثُ رِيَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ لَا يُقَارِنَ إرَادَةَ نَفْعِ الْآخِرَةِ فَرِيَاءٌ مَحْضٌ أَوْ يُقَارِنَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا أَوْ مُسَاوِيًا فَتَخْلِيطٌ ثُمَّ نَفْعُ الدُّنْيَا الْمُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ إمَّا جَاهٌ أَوْ مَالٌ أَوْ قَضَاءُ شَهْوَةٍ أَوْ دَفْعُ ضَرَرٍ يَسِيرٍ وَكُلُّ ذَلِكَ إمَّا لِلطَّلَبِ مِنْ الْخَالِقِ أَوْ الْمَخْلُوقِ وَكُلُّ ذَلِكَ إمَّا لِلتَّوَسُّلِ إلَى عَمَلِ الْآخِرَةِ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ إنْ مِنْ الْخَالِقِ لَيْسَ بِرِيَاءٍ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ زِيَادَةَ بَسْطٍ وَتَفْصِيلٍ فِي الْمَقَامِ لِزِيَادَةِ اهْتِمَامٍ فِي الْمَرَامِ وَإِلَّا فَأَوْضَحَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ هُوَ إرَادَةُ نَفْعِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ إلَخْ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ أَعْنِي نَفْعَ الدُّنْيَا إمَّا جَاهٌ أَوْ مَالٌ إلَخْ وَالْمُضَافُ يَعْنِي الْإِرَادَةَ الْمَذْكُورَةَ إمَّا مُجَرَّدَةٌ فَرِيَاءٌ مَحْضٌ أَوْ مُقَارِنُ غَالِبٍ أَوْ مَغْلُوبٍ أَوْ مُسَاوٍ وَأَيْضًا الْإِرَادَةُ إمَّا مِنْ الْخَالِقِ أَوْ الْمَخْلُوقِ وَأَيْضًا إمَّا لِلتَّوَسُّلِ إلَى عَمَلِ الْآخِرَةِ أَوْ لَا
ثُمَّ أَقُولُ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ كَوْنُ الْإِعْلَامِ خَارِجًا عَنْ هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ تَجْرِي فِي إرَادَةِ نَفْعِ الدُّنْيَا بِإِعْلَامِ عَمَلِ الْآخِرَةِ فَتَخْصِيصُهُ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ إعْلَامُ الْغَيْرِ إلَخْ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا لِلتَّوَسُّلِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ الْأَقْسَامِ السَّابِقَةِ كَمَا لَزِمَ عَلَى تَوْضِيحِ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي كَمَا أُشِيرَ آنِفًا وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الرِّيَاءُ الْمَحْضُ فَيَئُولُ الْمَعْنَى أَنَّ مَا لَا يُقَارِنُ إرَادَةَ نَفْعِ الْآخِرَةِ إمَّا لِلتَّوَسُّلِ إلَى عَمَلِ الْآخِرَةِ إلَى آخِرِهِ فَقِسْمُ الشَّيْءِ قَسِيمٌ لَهُ أَوْ قَسِيمُ الشَّيْءِ قِسْمٌ مِنْهُ أَوْ قُبْحُ التَّرْدِيدِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُقَارَنَةِ وَالتَّوَسُّلِ بَعِيدٌ فَتَأَمَّلْ.
(لِوُرُودِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ) فَإِنَّ طَلَبَ الْمَطَرِ لِأَجَلِ الزُّرُوعِ وَالنَّبَاتَاتِ إرَادَةُ نَفْعِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ الْخَالِقُ تَعَالَى لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ قَصْدَ التَّوَسُّلِ إلَى عَمَلِ الْآخِرَةِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَإِنْ لَزِمَ نَفْسُ التَّوَسُّلِ بِلَا قَصْدٍ وَالْكَلَامُ فِي الْقَصْدِ لَا فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْمِثَالَ عَلَى مَنْ يَطْلُبُ الْمَطَرَ لِأَجْلِ نَحْوِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَوْ الزُّرُوعِ لَكِنْ بِشَرْطِ نِيَّةِ التَّقَوِّي بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ الْآخِرَةِ فَلَا يَخْفَى غَايَةُ بُعْدِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بِكِفَايَةِ لُزُومِ التَّوَسُّلِ وَأَيْضًا إنَّ نَحْوَ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ لَا يُقَارِنُهَا إرَادَةُ نَفْعِ الْآخِرَةِ فِي الْأَكْثَرِ سِيَّمَا عَامَّةُ الْعَوَامّ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ رِيَاءً مَحْضًا يَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهُ إلَّا بِتِلْكَ النِّيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَدَعْوَى الْكِفَايَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُمْكِنُ هُنَا لِتَصْرِيحِ الْإِرَادَةِ (وَالِاسْتِخَارَةُ) فَإِنَّهَا أَيْضًا كَذَلِكَ عِنْدَ كَوْنِ الِاسْتِخَارَةِ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ لَا دِينِيٍّ (وَالْحَاجَةُ) فَإِنَّهَا كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ (وَنَحْوُهَا) قِيلَ كَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ بِالْأُجْرَةِ، فَإِنَّهَا نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ لِلتَّوَسُّلِ إلَى إنْفَاقِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَتَفَرُّغِ عِبَادَتِهِ تَعَالَى وَقِيلَ مِثْلُ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ فِي أَيَّامِ الْعُسْرَةِ وَدَفْعِ الْفَقْرِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَالْإِخْلَاصِ وَالْأَنْعَامِ لِشِفَاءِ الْأَمْرَاضِ وَقِرَاءَةِ يس لِمَا أَرَادَ.
(وَغَيْرُهَا) بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ أَيْ غَيْرُ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى عَمَلِ الْآخِرَةِ مِنْ الْخَالِقِ (كُلُّهُ) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ سَابِقًا مِنْ الْأَقْسَامِ مِمَّا هُوَ مِنْ الْمَخْلُوقِ مُطْلَقًا وَمِنْ الْخَالِقِ أَنَّ عَدَمَ التَّوَسُّلِ الْأُخْرَوِيِّ
(رِيَاءٌ) فَظَاهِرُهُ شَامِلٌ لِأَنْوَاعِ التَّخْلِيطِ وَلَوْ مَغْلُوبًا فَيَلْزَمُ عَدَمُ ثَوَابِ حَجٍّ مَنْ ضَمَّ قَصْدَ التِّجَارَةِ إلَى قَصْدِ حَجِّهِ بَلْ حُرْمَتُهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ قَصْدَ الدُّنْيَا مُطْلَقًا مَانِعًا مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ بِالْغَلَبَةِ فَإِنْ غَلَبَ الدُّنْيَا لَا وَإِلَّا نَعَمْ وَبَعْضُهُمْ أَثَابَ مُطْلَقًا بِقَصْدِهِ الدِّينِيِّ؛ لِأَنَّ مَا ضُمَّ إلَيْهِ أَمْرٌ مُبَاحٌ فَفِي الْمَقَامِ مَا إنْ تُؤُمِّلَ فُهِمَ (وَإِنْ كَانَ إعْلَامُ الْغَيْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِصَدْرِ الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ فَهُوَ الْإِعْلَامُ الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاءِ (بَاعِثًا) لَهُ (عَلَى مُجَرَّدِ الْإِظْهَارِ) لَا يَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الْقَيْدِ (لِلِاقْتِدَاءِ) أَيْ اقْتِدَاءِ الْغَيْرِ الَّذِي أَعْلَمَ إلَيْهِ فَيَعْمَلُ مِثْلَهُ فَمِنْ بَابِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ (وَنَحْوَهُ مِنْ النِّيَّاتِ الصَّالِحَةِ لَا عَلَى نَفْسِ الْعَمَلِ) لَعَلَّ مِنْهُ غَرَضَ حَسَنِ الِاعْتِقَادِ إلَيْهِ وَالشَّهَادَةَ بِحَسَنِ حَالِهِ عَسَى أَنْ يَغْفِرَهُ اللَّهُ بِاعْتِقَادِهِ أَوْ بِشَهَادَتِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ كَقَصْدِ الشُّكْرِ أَوْ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لَهُ بِنِيَّةِ نُصْرَةِ الْحَقِّ وَقِيلَ كَالتَّعْلِيمِ لِلْجَاهِلِ (فَلَيْسَ بِرِيَاءٍ) بَلْ مِمَّا يُثَابُ قِيلَ هُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَصْدَ الْإِعْلَامِ حَالَ الْعَمَلِ فَرِيَاءٌ، وَإِنْ وُجِدَ الْعَمَلُ خَالِصًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِعْلَامُ فَلَيْسَ بِرِيَاءٍ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مِنْ حَاصِلِ الْمَقَامِ إذْ مَعْنَى الْمَقَامِ كَمَا عَرَفْت إرَادَةَ نَفْعِ الدُّنْيَا بِإِعْلَامِ عَمَلِ الْآخِرَةِ فَالْإِعْلَامُ بَعْدَ الْعَمَلِ بِالْخُلُوصِ رِيَاءٌ غَايَتُهُ أَمْرٌ آخَرُ غَيْرَ الْعَمَلِ وَلَا يُزِيلُ ثَوَابَهُ قِيلَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الْكِتَابِ إنِّي تَرَكْت عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ بِأَسْرِهَا لِكَوْنِهَا كَالْهَذَيَانَاتِ وَالْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ فَالِاشْتِغَالُ بِهَا اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِي وَأَوْرَدَ بِأَنَّهُ مِنْ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مُرَادِهِ وَقُصُورِ النَّظَرِ عَنْ الشَّرْحِ عَلَى وَفْقِ مَرَامِهِ لِكَوْنِ مَأْخَذِهِ شَرِيفًا فَلَا يَطَّلِعُ إلَّا مَنْ سَاعَدَهُ التَّوْفِيقُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ.
أَقُولُ لَعَلَّ مُرَادَ الْمُورِدِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَفْصِيلِ هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ وَتَكْثِيرِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ بَلْ الْإِجْمَالُ كَافٍ فِي وُصُولِ الْمُرَادِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ أَكْثَرَ الْأَقْسَامِ مُتَقَارِبَةٌ وَمُتَشَابِهَةٌ بَلْ مُتَمَاثِلَةٌ فَيَحْتَاجُ تَمْيِيزُ مَا يَكُونُ رِيَاءً مِمَّا لَا يَكُونُ رِيَاءً إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّعْبِيرِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْمُتَوَرِّعِ الْخَبِيرِ مِمَّا يُوجِبُ الشَّيْنَ وَالتَّحْقِيرَ لَا يَلِيقُ إلَّا مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِالتَّقْصِيرِ (فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ) فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ لَكِنْ فِي شَرْحِهِ لِلْحَمَوِيِّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَالْمَنْفِيُّ بِعَدَمِ الرِّيَاءِ صَوْمُ الْفَرِيضَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الطَّاعَاتِ لِحَدِيثٍ قُدْسِيٍّ «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَلَمْ يَرَ مِثْلَهُ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ صَائِمٌ فَالرِّيَاءُ فِي خَبَرِهِ لَا فِي صَوْمِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِخْلَاصِ ثُمَّ خَالَطَهُ الرِّيَاءُ فَالْعِبْرَةُ بِالْبِنَاءِ وَلَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ فَصَحِيحَةٌ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ الثَّوَابِ أَصْلًا أَوْ كَمَالًا
وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ بِمَا إذَا شَارَكَ مُرِيدُ اللَّحْمِ مُرِيدَ الْأُضْحِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً خَرَجَ الْكُلُّ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً فَلَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي نَفْسِ الْبَزَّازِيَّةِ الذَّبْحُ لِلْقَادِمِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْغَزْوِ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ مَيْتَةٌ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي كُفْرِ الذَّابِحِ قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَالْمُرَادُ مِنْ الذَّابِحِ قِيلَ حَقِيقَةٌ وَقِيلَ مَجَازٌ عَنْ الْآمِرِ وَعَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا افْتَتَحَ خَالِصًا ثُمَّ دَخَلَ فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا افْتَتَحَ وَعَنْ الْوَاقِعَاتِ أَنَّ التَّحَرُّزَ مِمَّا يَعْرِضُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَا يُمْكِنُ وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ النَّاسِ لَا يُصَلِّي وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي فَأَمَّا لَوْ صَلَّى مَعَ النَّاسِ يُحْسِنُهَا وَلَوْ وَحْدَهُ لَا يُحْسِنُ فَلَهُ ثَوَابُ أَصْلِ الصَّلَاةِ دُونَ الْإِحْسَانِ وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ صَلَّى رِيَاءً لَا أَجْرَ لَهُ بَلْ الْوِزْرُ وَقِيلَ لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا وِزْرَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ أَوْ الْقِرَاءَةَ وَخَافَ مِنْ دُخُولِ الرِّيَاءِ فَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَالْحَاجُّ إذَا خَرَجَ تَاجِرًا فَلَا أَجْرَ لَهُ كَمَا فُهِمَ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ