الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقصّر فيما يجب لك إذا تطأطأت من درجتك وانحططت عن مرتبتك. فاني أرجو ان يظفرك الله بعدوّك ويكبّه تحت موطئ قدميك ويردّ كيده في نحره ويعيدك الى مرتبتك برجاء الله تعالى. فلما وردت الجيوش على كسرى وقبض الأموال وتشجّع بقراءة كتاب موريقي سار مع جيوش الروم نحو بهرام فلقيه بين المدائن وواسط. فصارت الهزيمة على بهرام وقتل أصحابه كلّهم. واستباح كسرى عساكر بهرام ورجع الى مملكة فجلس فيها وبايعه الناس كلهم. ودعا بالروم فأحسن جائزتهم وصرفهم الى صاحبهم. وبعث الى موريقي من الألطاف والأموال أضعاف ما كان أخذ منه. وردّ دارا وميّافارقين الى الروم وبنى هيكلين للنصارى بالمدائن وجعل أحدهما باسم السيدة والآخر باسم مار سرجيس الشهيد.
وفي السنة السادسة عشرة لموريقي كان مطر شديد غرقت به مدن كثيرة مع أهلها ودوابها ومواشيها. ولأن موريقي بعد مصالحته للفرس قطع أرزاق جنوده فاجتمع عظماء الروم الى مدينة هرقلة وأرادوا تمليك فطري اخي موريقي. فهرب منهم ومضى الى قسطنطينية. وهرب ايضا موريقي الى خلقيذونية. فلحقته الروم فألفوه وعليه خلقان في ذي الفقراء والسؤّال فقتلوه وملّكوا عليهم رجلا من بطارقتهم يقال له فوقا.
(فوقا قيصر)
.
ملك ثماني سنين. ولم يكن من بيت الملك. فلما بلغ كسرى بن هرمز قتل موريقي نقض العهد وغزا دارا فافتتحها وافتتح ايضا آمد وحلب. ثم عطف على قنّسرين ورجع الى الرها. وفي السنة الثامنة لفوقا خرج عليه خارجيّان أحدهما هرقل والآخر غريغور بافريقية ووجّها جيوشا مع ابنيهما وهما هرقل بن هرقل ونقيطا بن غريغور وتقدّما إليهما بقتل فوقا وتعاقدوا بينهما ان الملك للسابق الى قسطنطينية إذا قتل فوقا.
فركب هرقل البحر وسار نقيطا في البرّ والفى هرقل البحر هادئا ساكنا فسبق ودخل المدينة وقتل فوقا وملك.
(هرقل قيصر)
ملك احدى وثلثين سنة وخمسة أشهر. وفي أول سنة من ملكه أرسل وفدا الى ملك الفرس ليصالحه. فلم يجبه الى ذلك بل غزا انطاكية وفامية وحمس وقيسارية وافتتحها. وفي هذه السنة عرض بالروم جوع شديد حتى أكل الناس الجيف وجلود البهائم. وقصد نقيطا بن غريغور مدينة الاسكندرية فاستولى عليها. وفي السنة الرابعة لهرقل ملكت العرب وهي سنة تسعمائة وخمس وثلثين للإسكندر [1] . وفي السنة الخامسة لهرقل افتتح الفرس البيت المقدس. وبعد ثلث سنين افتتحوا الاسكندرية ومصر
[1-) ] والصواب تسعمائة وثلث وثلثين. وهكذا ايضا في س.
ووصلوا الى النوبة وغزوا خلقيذونيا فافتتحوها. وفي السنة العاشرة لهرقل تحرّكت العرب بيثرب. وفي السنة الخامسة عشرة لهرقل غزا الفرس جزيرة رودس فافتتحوها. وأمر كسرى ان يؤخذ رخام الكنائس التي في جميع المدن التي فتحها وتحدر الى المدائن.
ولقي فيه الناس جهدا جهيدا. وفي هذه السنة غزا اهل هرقل الفرس فافتتحوا مدينة كسرى وسبوا منها خلقا كثيرا وانصرفوا. وفي السنة السابعة عشرة لهرقل انكسف نصف جرم الشمس وثبت كسوفها من تشرين الاول الى حزيران ولم يكن يظهر من نورها الّا شي يسير.
وفي هذا الزمان كان الحرث بن كلدة طبيب العرب أصله من ثقيف من اهل الطائف رحل الى ارض فارس وأخذ الطبّ عن أهل جنديسابور وغيرها في الجاهلية قبل الإسلام وطبّب بأرض فارس وحصّل مالا. ثم ان نفسه اشتاقت الى بلاده فرجع الى الطائف واشتهر وأدرك الإسلام. وكان النبيّ عليه السلام يأمر من كان به علّة ان يأتيه فيستوصفه. وكان الحرث يقول: من سرّه البقاء ولا بقاء فليباكر الغذاء وليخفف الرداء وليقلّ من غشيان النساء. يريد بخفة الرداء ان لا يكون عليه دين [1] وقيل مات الحرث في أول الإسلام ولم يصحّ إسلامه. وفي هذا الزمان كان يعرف اهرون القسّ الاسكندري. وكنّاشه في الطبّ موجود عندنا بالسريانية وهو ثلثون مقالة. وزاد عليها مقالتين أخريين.
[1-) ] قال ابن أبي أصيبعة: «سمي الدين رداء لقولهم: هو في عنقي وفي ذمتي. فلما كانت العنق موضع الرداء سمي الدين رداء» .
الدولة التاسعة المنتقلة من ملوك اليونانييّن المتنصّرين إلى ملوك العرب المسلمين
قال القاضي صاعد بن احمد الاندلسي صاحب قضاء مدينة طليطلة: ان العرب فرقتان فرقة بائدة وفرقة باقية. اما الفرقة البائدة فكانت امما ضخمة كعاد وثمود وطسم وجديس. ولتقادم انقراضهم ذهبت عنّا حقيقة اخبارهم وانقطعت عنّا اسباب العلم بآثارهم. واما الفرقة الباقية فهي متفرّعة من جذمين [1] قحطان وعدنان. ويضمّهما حالان حال الجاهلية وحال الإسلام. فأما حال العرب في الجاهلية فحال مشهور عند الأمم من العزّ والمنعة وكان ملكهم في قبائل قحطان وكان بيت الملك الأعظم في بني حمير وكان منهم الملوك السادة الجبابرة التبابعة. واما سائر عرب الجاهلية بعد الملوك فكانوا طبقتين أهل مدر [2] وأهل وبر. فامّا اهل المدر فهم الحواضر وسكّان القرى. وكانوا يحاولون المعيشة من الزرع والنخل والماشية والضرب في الأرض للتجارة. واما اهل الوبر فهم قطّان الصحارى. وكانوا يعيشون من ألبان الإبل ولحومها منتجعين بمنابت [3] الكلإ مرتادين لمواقع القطر فيخيمون هنالك ما ساعدهم الخصب وأمكنهم الرعي ثم يتوجهون لطلب العشب وابتغاء المياه فلا يزالون في حلّ وترحال كما قال بعضهم عن ناقته:
تقول إذا درأت لها وضيني
…
أهذا دينه ابدا وديني
أكلّ الدهر حلّ وارتحال
…
أما يبقي عليّ ولا يقيني
[1-) ] جذمين ر جدّين.
[2-) ] مدر. وبر ر مدن. وبرّ.
[3-) ] بمنابت ر لمنابت.