المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المقتفي بن المستظهر) - تاريخ مختصر الدول - جـ ١

[ابن العبري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌الدولة الاولى للأولياء قبل الدّخول إلى أرض الميعاد

- ‌(آدم)

- ‌(شيث بن آدم)

- ‌(انوش بن شيث)

- ‌(قينان بن انوش)

- ‌(مهلالايل بن قينان)

- ‌(يرد بن مهلالايل)

- ‌(حنوخ [1] بن يرد)

- ‌(متوشلح بن حنوخ)

- ‌(لمك بن متوشلح)

- ‌(شام بن نوح)

- ‌(أرفخشد بن شام)

- ‌(قينان بن أرفخشد)

- ‌(شالح بن قينان)

- ‌(عابر بن شالح)

- ‌(فالغ بن عابر)

- ‌(ارعو بن فالغ)

- ‌(ساروغ بن ارعو)

- ‌(ناحور بن ساروغ)

- ‌(ترح بن ناحور)

- ‌(ابراهيم بن ترح)

- ‌(اسحق بن ابرهيم)

- ‌(يعقوب بن اسحق)

- ‌(لاوي بن يعقوب)

- ‌(قاهاث بن لاوي)

- ‌(عمرم بن قاهاث)

- ‌(موسى بن عمرم)

- ‌الدولة الثانية المنتقلة من الأولياء الى القضاة قضاة بني إسرائيل

- ‌(أيشوع [1] بن نون)

- ‌(فينحاس [1] بن اليعازر بن هرون الكاهن)

- ‌(كوشن الأثيم [3] المتغلّب)

- ‌(عثنائيل)

- ‌(عجلون)

- ‌(اهور بن جارا)

- ‌(شمغر بن عناث)

- ‌ يابين ملك حاصور

- ‌(دبورا النبيّة وبارق)

- ‌(المذيانيّون)

- ‌(جذعون)

- ‌(ابيملك بن جذعون)

- ‌(تولع بن فوا)

- ‌(يائير الجلعدي)

- ‌(العمونيّون)

- ‌(يفتاح)

- ‌(ابيصان)

- ‌(الون)

- ‌(ابدون [3] بن هليان)

- ‌(الفلسطينيون)

- ‌(شمشون الجبّار المتقشف)

- ‌(مشايخ الأمّة)

- ‌(عالي الكاهن)

- ‌(شموايل النبيّ)

- ‌الدولة الثالثة المنتقلة من قضاة بني إسرائيل إلى ملوكهم

- ‌(شاول)

- ‌(داود بن ايشي)

- ‌ سليمان بن داود

- ‌(رحبعم بن سليمان)

- ‌(ابيّا بن رحبعم)

- ‌(آسا بن ابيّا)

- ‌(يوشافاط بن آسا)

- ‌(يورم بن يوشافاط)

- ‌(احزيا بن يورم)

- ‌(عثليا ام احازيا)

- ‌(يواش بن احزيا)

- ‌(اموصيا بن يواش)

- ‌(عوزيا بن اموصيا [1]

- ‌(يوثم بن عوزيا)

- ‌(أحاز بن يوثم)

- ‌(حزقيا بن أحاز)

- ‌(منشا بن حزقيا)

- ‌(امون بن مناشا)

- ‌(يوشيا بن امون)

- ‌(يهواحاز بن يوشيا)

- ‌(يوياقيم بن يوشيا)

- ‌(يوياخين [3] بن يوياقيم)

- ‌ صدقيا بن يوشيا

- ‌الدولة الرّابعة المنتقلة من ملوك بني إسرائيل الى ملوك الكلدانيّين

- ‌(بختنصّر بن نبوفلسّر)

- ‌(أول مرودخ بن بختنصر)

- ‌(بلطشاصر بن بختنصّر)

- ‌(داريوش المادي [1]

- ‌(كورش الفارسي)

- ‌(قمباسوس بن كورش)

- ‌(داريوش بن بشتسب [2] :

- ‌(احشيرش بن داريوش)

- ‌(ارطبانس)

- ‌(ارطحششت الطويل اليدين)

- ‌(احشيرش الثاني)

- ‌ سغدينوس [5]

- ‌(داريوش نوثوش [6]

- ‌(ارطحششت الثاني)

- ‌(ارطحششت الثالث)

- ‌(ارسيس [3] بن اوخوس)

- ‌(داريوش بن ارشك)

- ‌الدولة السّادسة المنتقلة من ملوك الفرس المجوس إلى ملوك اليونانيّين الوثنيّين

- ‌ الإسكندر بن فيليفوس

- ‌(بطلميوس بن لاغوس)

- ‌(بطلميوس فيلاذلفوس)

- ‌(بطلميوس اورغاطيس)

- ‌(بطلميوس فيليفاطور)

- ‌(بطلميوس افيفانوس)

- ‌(بطلميوس فيلوميطور)

- ‌(بطلميوس اورغاطيس الثاني)

- ‌(بطلميوس فيسقوس)

- ‌ بطلميوس فيسقوس

- ‌(بطلميوس الاكسندروس)

- ‌(بطلميوس ذيانوسيوس)

- ‌(قلاوفطرا)

- ‌(اغوسطس قيصر)

- ‌(طيباريوس قيصر)

- ‌(غاييوس قيصر)

- ‌(قلوذيوس قيصر)

- ‌(نارون قيصر)

- ‌(اسفسيانوس قيصر)

- ‌(طيطوس قيصر)

- ‌(ذوميطيانوس قيصر)

- ‌(طريانوس قيصر)

- ‌(اذريانس قيصر)

- ‌(طيطوس انطونيانس قيصر)

- ‌(مرقوس اورليوس قيصر)

- ‌(فرطيناخس قيصر)

- ‌(سوريانس قيصر)

- ‌(انطونيانس قيصر)

- ‌(ماقرينوس قيصر [2]

- ‌(انطونيانس قيصر المعروف باليوغالي)

- ‌(الإسكندروس قيصر)

- ‌(مكسيميانوس قيصر)

- ‌(غورديانس [5] قيصر)

- ‌(فيليبوس قيصر)

- ‌(ذوقيوس قيصر)

- ‌(غالوس قيصر)

- ‌(اولارينوس قيصر)

- ‌(غالوس قيصر الثاني)

- ‌(قلوذيس قيصر)

- ‌(اورلينوس قيصر)

- ‌(ططقيطوس قيصر)

- ‌(فروبوس قيصر)

- ‌(قاروس قيصر)

- ‌(ذيوقليطيانوس قيصر)

- ‌(قسطنطيس قيصر الكبير)

- ‌(قسطنطينوس قيصر القاهر)

- ‌(قسطنطينوس وقسطوس وقسطنطيس)

- ‌(يوليانوس قيصر)

- ‌(يوينيانس قيصر)

- ‌(اولنطيانس قيصر)

- ‌(واليس قيصر)

- ‌(غراطيانس قيصر)

- ‌(ثاوذوسيوس قيصر الكبير)

- ‌(ارقاذيوس قيصر)

- ‌(ثاوذوسيوس قيصر الصغير)

- ‌(مرقيانوس قيصر)

- ‌(لان قيصر) :

- ‌(لاونطيوس قيصر)

- ‌(زينون قيصر)

- ‌(انسطس قيصر)

- ‌(يوسطينيانس قيصر [4]

- ‌(يوسطينيانس قيصر الصغير)

- ‌(يوسطينيانس قيصر الثالث)

- ‌الدولة الثامنة المنتقلة من ملوك الإفرنج إلى ملوك اليونانيين المتنصّرين

- ‌ طيباريوس قيصر

- ‌(موريقي قيصر)

- ‌(فوقا قيصر)

- ‌(هرقل قيصر)

- ‌(محمد بن عبد الله عليه السلام

- ‌(ابو بكر الصديق)

- ‌(عمر بن الخطاب)

- ‌(عثمان بن عفّان)

- ‌(عليّ بن ابي طالب)

- ‌(الحسن بن عليّ بن ابي طالب)

- ‌(معاوية بن ابي سفيان)

- ‌ يزيد بن معاوية

- ‌(معاوية بن يزيد)

- ‌(مروان بن الحكم)

- ‌(عبد الملك بن مروان)

- ‌(الوليد بن عبد الملك)

- ‌(سليمان بن عبد الملك)

- ‌ عمر بن عبد العزيز

- ‌(يزيد بن عبد الملك)

- ‌(هشام بن عبد الملك)

- ‌(الوليد بن يزيد بن عبد الملك)

- ‌ يزيد بن الوليد بن عبد الملك

- ‌(ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك)

- ‌(مروان بن محمد بن مروان بن الحكم)

- ‌(ابو العباس السفاح)

- ‌(ابو جعفر المنصور)

- ‌(المهدي بن المنصور)

- ‌(الهادي بن المهدي)

- ‌(هرون الرشيد بن المهدي)

- ‌(الأمين بن الرشيد)

- ‌(المأمون بن الرشيد)

- ‌(المعتصم بن الرشيد)

- ‌(الواثق بالله هرون بن المعتصم)

- ‌(المتوكل على الله جعفر بن المعتصم)

- ‌(المنتصر بن المتوكل)

- ‌(المستعين احمد بن محمد بن المعتصم)

- ‌(المهتدي بن الواثق)

- ‌(المعتمد بن المتوكل)

- ‌(المعتضد بن الموفق)

- ‌(المكتفي بن المعتضد)

- ‌(المقتدر بن المعتضد)

- ‌(القاهر بن المعتضد)

- ‌(الراضي بن المقتدر)

- ‌(المتّقي بن المقتدر)

- ‌(المستكفي بن المكتفي)

- ‌(المطيع بن المقتدر)

- ‌(الطائع بن المطيع)

- ‌(القادر بن اسحق بن المقتدر)

- ‌(القائم بن القادر)

- ‌(المقتدي بن محمد بن القائم)

- ‌(المستظهر بن المقتدي)

- ‌(المسترشد بن المستظهر)

- ‌(الرشيد بن المسترشد)

- ‌(المقتفي بن المستظهر)

- ‌(المستنجد بن المقتفي)

- ‌(المستضي بن المستنجد)

- ‌(الناصر بن المستضيء) :

- ‌(الظاهر بن الناصر) :

- ‌(المستنصر بن الظاهر)

- ‌(المستعصم بن المستنصر) :

- ‌الدولة العاشرة المنتقلة من ملوك العرب المسلمين الى ملوك المغول

- ‌(هولاكو بن تولي خان [1]

- ‌(جلوس قوبلاي قاان على كرسي المملكة) :

- ‌(اباقا ايلخان)

- ‌(السلطان احمد)

- ‌(ارغون ايلخان)

الفصل: ‌(المقتفي بن المستظهر)

الى بغداد ووصل أتابك عماد الدين زنكي بعده من الموصل وخطب للملك داود ببغداد.

فلما بلغ السلطان الخبر جمع العساكر وسار الى بغداد وحصرها نيفا وخمسين يوما فلم يظفر بهم فعزم على العود الى همذان فوصله طرنطاي صاحب واسط ومعه سفن كثيرة فعاد إليها فاختلفت كلمة الأمراء المجتمعين ببغداد فعاد الملك داود الى بلاده وتفرّق الأمراء وكان عماد الدين زنكي بالجانب الغربي فعبر اليه الخليفة الراشد وسار معه الى الموصل في نفر يسير من أصحابه ودخل السلطان مسعود الى بغداد واستقرّ بها وجمع القضاة والشهود والفقهاء وعرض عليهم اليمين التي حلف بها الراشد له وفيها بخطّ يده: انني متى جنّدت او خرجت او لقيت أحدا من اصحاب السلطان مسعود بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمر. فأفتوا وخلع وقطعت خطبته من بغداد وسائر البلاد وكانت خلافته احد عشر شهرا وثمانية عشر يوما.

وفي سنة ثلثين وخمسمائة كان ابو عليّ المهندس المصريّ موجودا بمصر قيّما بعلم الهندسة وكان فاضلا فيه وفي الأدب وله شعر يلوح عليه الهندسة فمن شعره:

تقسّم قلبي في محبة معشر

بكل فتى منهم هواي منوط

كأنّ فؤادي مركز وهم له

محيط واهواي لديه خطوط

وله ايضا:

اقليذس العلم الذي هو يحتوي [1]

ما في السماء معا وفي الآفاق

هو سلّم وكأنما اشكاله

درج الى العلياء للطرّاق

تزكو فوائده على إنفاقه

يا حبّذا زاك على الإنفاق

ترقى به النفس الشريفة مرتقى

أكرم بذاك المرتقي والراقي

(المقتفي بن المستظهر)

لما قطعت خطبة الراشد بالله تقدّم السلطان مسعود بعمل محضر يذكر فيه ما ارتكبه الراشد من أخذ الأموال وأشياء تقدح في الامامة ثم كتبوا فتوى: ما تقول العلماء في هذه صفته هل يصلح للامامة ام لا. فأفتوا أن من هذه صفته لا يصلح ان يكون إماما. فاستشار السلطان جماعة من اعيان بغداد فيمن يصلح ان يلي الخلافة فذكر الوزير محمد بن المستظهر ودينه وعقله ولين جانبه وعفته فأحضر المذكور وأجلس في الميمنة ودخل السلطان والوزير وتحالفا وقررّ الوزير القواعد بينهما

[1-) ] هو يحتوي. في احدى نسختي اكسفورد «يحوى به» وهو الصواب.

ص: 205

وخرج السلطان من عنده وحضر الأمراء والقضاة والفقهاء وبايعوه ثاني عشر ذي الحجة سنة ثلثين وخمسمائة ولقّب المقتفي لأمر الله.

وفي سنة احدى وثلثين فارق الراشد المخلوع أتابك زنكي من الموصل وسار الى همذان وبها الملك داود. وفيها رحل الى أصفهان. فلما كان آخر رمضان وثب عليه نفر من الخراسانيّة الذين كانوا في خدمته فقتلوه وهو يريد القيلولة وكان في أعقاب مرض قد برأ منه ودفن بظاهر أصفهان بشهرستان وكان عمره أربعين سنة. وفي سنة اثنتين وثلثين وصل أتابك زنكي الى حماة وأرسل الى شهاب الدين صاحب دمشق يخطب اليه امّه ليتزوجها واسمها زمرّد خاتون ابنة جاولي وهي التي بنت المدرسة بظاهر دمشق على نهر بردى. فتزوجها وتسلّم حمص مع قلعتها وانما حمله على التزوّج بها ما رآه من تحكمها في دمشق فظنّ انه يملك البلد بالاتصال إليها فلما تزوّجها خاب أمله ولم يحصل على شيء فأعرض عنها. وفيها ملك حسام الدين تمرتاش بن ايلغازي صاحب ماردين قلعة الهتّاخ أخذها من بعض بني مروان وهو آخر من بقي منهم له ولاية. وفي سنة ثلث وثلثين ملك أتابك زنكي بن اقسنقر بعلبكّ. وفي سنة اربع ملك زنكي شهرزور وأعمالها. وفي سنة سبع وثلثين وخمسمائة توفي محمد بن دانشمند صاحب ملطية والثغر واستولى على بلاده الملك مسعود بن قلج ارسلان صاحب قونية وهو من السلجوقية.

وفي سنة تسع وثلثين فتح أتابك عماد الدين زنكي مدينة الرها من الفرنج وحاصر قلعة البيرة وهي للفرنج بعد ملك الرها وهي من امنع الحصون وضيّق عليها وقارب ان يفتحها فجاءه خبر قتل نصير الدين نائبه بالموصل فسار عنها. فخاف من بالبيرة من الفرنج ان يعود إليها فأرسلوا الى نجم الدين صاحب ماردين وسلّموها اليه فملكها المسلمون.

وفي سنة أربعين وخمسمائة لخمس مضين من ربيع الآخر قتل أتابك عماد الدين زنكي بن اقسنقر صاحب الموصل والشام وهو يحاصر قلعة جعبر قتله جماعة من مماليكه ليلا غيلة وهربوا الى قلعة جعبر. فصاح من بها من أهلها الى العسكر يعلمونهم بقتله فأظهروا الفرح. فدخل أصحابه اليه فأدركوه وبه رمق وفاضت نفسه لوقته وكان قد زاد عمره على ستين سنة قد وخطه الشيب وكان شديد الهيبة على عسكره ورعيته عظيم السياسة وكانت الموصل قبل ان يملكها أكثرها خراب بحيث يقف الإنسان قريب محلّة الطبّالين ويرى الجامع العتيق والعرصة ودار السلطان ليس بين ذلك عمارة. وكان الإنسان لا يقدر على المشي في الجامع العتيق الا ومعه من يحميه وهو الآن في وسط العمارة. وكانت

ص: 206

الموصل من اقلّ بلاد الله فاكهة فصارت في أيامه وما بعدها من اكثر البلاد فواكه ورياحين. ولما قتل أتابك زنكي أخذ نور الدين محمود ولده خاتمه من يده وكان حاضرا معه وسار الى حلب وملكها. وكان سيف الدين غازي اخوه بمدينة شهر زور وهي اقطاعه فأرسل اليه زين الدين عليّ كوجك نائب أبيه عماد الدين زنكي بالموصل يستدعيه الى الموصل فحضر واستقرّ ملك سيف الدين على البلاد وبقي اخوه نور الدين بحلب وهي له.

وفي سنة اربع وأربعين وخمسمائة توفّي سيف الدين غازي بن أتابك زنكي صاحب الموصل بها من مرض حادّ. فلما اشتدّ مرضه أرسل الى بغداد واستدعى أوحد الزمان أبا البركات فحضر عنده ورأى شدّة مرضه فعالجه فلم ينجع الدواء وتوفّي آخر جمادى الآخرة وكانت ولايته ثلث سنين. وولي امر الموصل والجزيرة بعده اخوه قطب الدين مودود. وكان اخوه الأكبر نور الدين محمود بالشام وله حلب وحماة فسار الى سنجار وملكها ولم يحاققه اخوه قطب الدين ثم اصطلحا وأعاد نور الدين سنجار الى قطب الدين وتسلّم هو مدينة حمص والرحبة فبقي الشام له وديار الجزيرة لأخيه.

وفيها غزا نور الدين محمود بن زنكي بلد الافرنج من ناحية انطاكية فاجتمعت الفرنج مع البرنس فلقيهم نور الدين واقتتلوا قتالا عظيما فانهزم الفرنج وقتل البرنس [1] .

وملك بعده ابنه بيمند وهو طفل فتزوّجت امّه ببرنس [2] آخر ليدبّر البلد الى ان يكبر ابنها. وفيها توفّي الحافظ لدين الله عبد المجيد [3] وولي الخلافة بمصر ابنه الظافر بأمر الله ابو المنصور اسماعيل. وفي سنة ستّ وأربعين جمع نور الدين محمود عسكره وسار الى بلاد جوسلين الفرنجي وهي شمالي حلب. وكان جوسلين فارس الفرنج غير مدافع قد جمع الشجاعة والرأي فسار في عسكره نحو نور الدين فالتقوا واقتتلوا وانهزم المسلمون وقتل منهم وأسر جمع كثير وكان في جملتهم سلاح دار نور الدين فأخذه جوسلين ومعه سلاح نور الدين فسيّره الى الملك مسعود بن قلج ارسلان صاحب قونية واقصرا [4] وقال له: هذا سلاح دار زوج ابنتك وسيأتيك بعده ما هو أعظم منه.

[1-) ] هو ريموند الاول.

[2-) ] ببرنس ر بابرنس.

[3-) ] كانت خلافته عشرين سنة الّا خمسة أشهر وعمره نحوا من سبع وسبعين سنة ولم يزل في جميعها محكوما عليه يحكم عليه وزراؤه.

[4-) ] اقصرا ويقال اقسرا واكسرا مدينة بالروم ذات قلعة كبيرة حصينة وهي على ثلاث مراحل من قونية قيل ان أصلها اق سراي ومعنى اق ابيض وسراي بمعناه المعروف.

ص: 207

فلما علم نور الدين الحال عظم ذلك عليه واعمل الحيلة على جوسلين وهجر الراحة ليأخذ ثأره واحضر جماعة من الأمراء التركمان وبذل لهم الرغائب ان هم ظفروا بجوسلين وسلّموه اليه لأنه علم عجزه عنه في القتال. فجعل التركمان عليه العيون. فخرج متصيدا فظفر به طائفة منهم وحملوه الى نور الدين أسيرا. فسار نور الدين الى قلاع جوسلين فملكها وهي عين تاب وعزاز [1] وقورس والراوندان وبرج الرصاص ودلوك ومرعش ونهر الجوز وغير ذلك من اعماله.

وفي سنة سبع وأربعين توفي السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه بهمذان وكان عهده الى ملكشاه ابن أخيه السلطان محمود فخطب له الأمير خاصبك بالسلطنة ورتّب الأمور وقرّرها بين يديه. ثم قبض عليه وأرسل الى أخيه الملك محمد وهو بخوزستان يستدعيه وكان قصده ان يحضر عنده فيقبضه ويخطب لنفسه بالسلطنة. فسار اليه محمد فأجلسه على التخت وخطب له بالسلطنة. ثم شعر محمد بخبث خاصبك فثاني يوم وصوله لما دخل اليه قتله ومعه زنكي الجاندار والقى رأسيهما وبقيا حتى أكلتهما الكلاب واستقرّ محمد في السلطنة. وفيها توفي حسام الدين تمرتاش صاحب ماردين وميّافارقين وكانت ولايته نيّفا وثلثين سنة وولي بعده ابنه نجم الدين البي.

وفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ملك الفرنج بالشام مدينة عسقلان وكانت من جملة مملكة العلويّين المصريّين. وفي سنة تسع وأربعين في المحرّم قتل الظافر بن الحافظ العلوي صاحب مصر وولي ابنه الفائز بنصر الله ثاني يوم قتل أبوه وله من العمر خمس سنين فحمله الوزير عبّاس على كتفه وأجلسه على التخت سرير [2] الملك. وفيها في صفر ملك نور الدين محمود بن زنكي بن اقسنقر مدينة دمشق وأخذها من صاحبها مجير الدين ابق بن محمد بن بوري [3] بن طغدكين أتابك. وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة في رجب كان بالشام زلازل كثيرة قويّة خرّبت كثيرا من البلاد فخرب منها حمص وحماة وشيزر وكفرطاب والمعرّة وافامية وحصن الأكراد وعرقة واللاذقيّة وطرابلس وانطاكية. واما كثيرة القتلى فيكفي فيها ان معلما كان بمدينة حماة وذكر انه فارق المكتب لمهمّ عرض له فجاءت الزلزلة فخربت البلد وسقط المكتب على الصبيان جميعهم. (قال المعلم) فلم يأت احد يسأل عن صبيّ كان له.

[1-) ] عزاز (وربما قبلت الالف في أولها) بليدة فيها قلعة شمالي حلب بينهما يوم واحد.

[2-) ] على التخت سرير على سرير.

[3-) ] بوري ر بوزى س [؟]

ص: 208

وفيها في ربيع الاوّل توفي السلطان سنجر بن ملكشاه بن ألب ارسلان اصابه قولنج ثم بعده اسهال [1] . وفي سنة اربع وخمسين ثامن ربيع الآخر كثرت الزيادة في دجلة وخرج القورج فوق بغداد فامتلأت الصحارى وخندق البلد ووقع بعض السور فغرق بعض القطيعة وباب الأزج والمأمونية ودبّ الماء تحت الأرض الى أماكن فوقعت وأخذ الناس يعبرون الى الجانب الغربي فبلغت المعبرة عدّة دنانير ولم يكن يقدر عليها.

ثم نقص الماء فكثر الخراب وبقيت المحالّ لا تعرف وانما هي تلول فأخذ الناس حدود دورهم بالتخمين. وفيها في ذي الحجة توفّي السلطان محمد بن محمود بن محمد ابن ملكشاه وملك عمّه سليمان شاه بن محمد. وفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة ثاني ربيع الاوّل توفّي الخليفة المقتفي لأمر الله وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وعمره ستا وستين سنة. وهو اوّل من استبدّ بالعراق منفردا عن سلطان وحكم على عسكره وأصحابه من حين تحكم المماليك على الخلفاء ومن عهد المستنصر [2] الى الآن.

كان في وسط المائة السادسة من الأطباء المشار إليهم في الآفاق ثلثة أفاضل معا من ثلث ملل كل منهم هبة الله اسما ومعنى من النصارى واليهود والمسلمين هبة الله ابن صاعد بن التلميذ وهبة الله بن ملكا ابو البركات أوحد الزمان وهبة الله بن الحسين الاصفهاني. اما ابن التلميذ الطبيب النصراني البغدادي ففاضل زمانه وعالم أوانه خدم الخلفاء من بني العباس وتقدّم في خدمتهم وارتفعت مكانته لديهم وكان موفقا في المباشرة والمعالجة عالما بقوانين هذه الصناعة عمّر طويلا وعاش نبيلا جليلا وكان شيخا بهيّ المنظر حسن الرواء عذب المجتنى والمجتبى لطيف الروح ظريف الشخص بعيد الهمّ عالي الهمّة ذكيّ الخاطر مصيب الفكر حازم الرأي. وله في نظم الشعر كلمات راقية رائقة شافية شائقة تعرب عن لطافة طبعه. ومن شعره:

كانت بلهنية الشبيبة سكرة

فصحوت واستأنفت سيرة محمل

وقعدت ارتقب الفناء كراكب

عرف المحلّ فبات دون المنزل

وكان ابو الحسن بن التلميذ يحضر عند المقتفي كل أسبوع مرّة فيجلسه لكبر سنّة.

وتوفّي في صفر سنة ستين وخمسمائة وقد قارب المائة وذهنه بحاله. وسأله ابنه قبل ان

[1-) ] كان مولده سنة تسع وسبعين واربعمائة وخطب له على اكثر منابر الإسلام بالسلطنة نحو أربعين سنة وكان قبلها يخاطب بالملك عشرين سنة.

[2-) ] كذا في الأصل. ولعل الصواب المنتصر.

ابن العبري- 14

ص: 209

يموت بساعة: ما تشتهي. قال: ان اشتهي. واما هبة الله بن ملكا ابو البركات اليهوديّ في اكثر عمره المسلم في آخر امره فكان طبيبا فاضلا عالما بعلوم الأوائل وكان حسن العبارة لطيف الاشارة صنّف كتابا سمّاه المعتبر أخلاه من النوع الرياضيّ وأتى فيه بالمنطق والطبيعيّ والالهيّ فجاءت عبارته فصيحة ومقاصده في ذلك الطريق صحيحة.

ولما مرض احد السلاطين السلجوقية استدعاه من بغداد فتوجه نحوه ولاطفه الى ان برأ وأعطاه العطايا الجمّة من الأموال والمراكب والملابس والتحف وعاد الى العراق على غاية ما يكون من التجمّل والغنى. وسمع ان ابن أفلح قد هجاه بقوله:

لنا طبيب يهوديّ حماقته

إذا تكلّم تبدو فيه من فيه

يتيه والكلب أعلى منه منزلة

كأنه بعد لم يخرج من التيه

ولما سمع ذلك علم انه لا يبجّل بالنعمة التي أنعمت عليه الّا بالإسلام فقوي عزمه على ذلك. وتحقق ان له بنات كبارا وانهنّ لا يدخلن معه في الإسلام وانه متى مات لا يرثنه فتضرّع الى الخليفة في الانعام عليهنّ من مال يخلفه وان كنّ على دينهنّ فوقّع له بذلك. ولما تحققه اظهر إسلامه وجلس للتعليم والمعالجة ولم يزل سعيدا الى ان قلب له الدهر ظهر المجنّ. ووضع من شأنه بعد ان اسنّ. فأدركته اعلال قصّر عن معاناتها طبّه. واستولت عليه الآلام ممّا لم يطق حملها جسمه ولا قلبه. وذلك انه عمي وطرش وبرص وجذم. فنعوذ بالله من استحالة الأحوال وضيق المحال وسوء المآل.

ولما احسّ بالموت اوصى الى من يتولاه ان يكتب على قبره ما مثاله: هذا قبر أوحد الزمان ابي البركات ذي العبر صاحب المعتبر. وفي كبر ابي البركات أوحد الزمان فتواضع أمين الدولة بن التلميذ يقول البديع هبة الله الاصطرلابيّ.

ابو الحسن الطبيب ومقتفيه

ابو البركات في طرفي نقيض

فذاك من التواضع في الثريّا

وهذا بالتكبّر في الحضيض

واما هبة الله بن الحسين بن عليّ الحكيم الطبيب الاصفهانيّ فكان من محاسن الدهر وأفاضل العصر وفيه قيل ان عند طبّه لا يشترى بقراط بقيراط ولا يستقيم سقراط على الصراط ولحق حق ابن بطلان بالبطلان. وتوفّي سنة نيّف وثلثين [1] وخمسمائة بسكتة اصابته ودفن في سرداب داره وهو مسكت فلما فتح بابه بعد أشهر لينقل وجد جالسا عند الدرجة وهو ميت. وله شعر حلو منه ما قاله يصف حمّاما في دار صديق له:

[1-) ] سنة نيف وثلاثين ر سنة ثلاثين إلخ.

ص: 210