الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: ضعوه حتى افرغ من الدست. فلما فرغ نظر اليه وأمر بدفنه. وفي هذه السنة حبس المعتزّ المؤيد أخاه ثم أخرجه ميتا لا اثر فيه ولا جرح فقيل انه أدرج في لحاف سمّور وأمسك طرفاه حتى مات. وفي سنة اربع وخمسين ومائتين ولّى الأتراك احمد بن طولون مصر وكان طولون مملوكا تركيا للمأمون وولد له ولده احمد في سنة عشرين ومائتين ببغداد. وكان احمد عالي الهمّة يستقلّ بعقول الأتراك وأديانهم يثقون به في العظائم وتشاغل بالخير والصلاح فتمكنت في القلوب محبته وآل أمره الى ان استولى على مصر وجميع مدن الشام. وفي سنة خمس وخمسين ومائتين صار الأتراك الى المعتزّ يطلبون أرزاقهم فماطلهم بحقهم. فلما رأوا انه لا يحصل منه شيء دخل اليه جماعة منهم فجروا برجله الى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وأقاموه في الشمس في الدار وكان يرفع رجلا ويضع رجلا لشدّة الحرّ. ثم سلّموه الى من يعذبه فمنعه الطعام والشراب ثلثة ايام ثم أدخلوه سردابا وجصوا عليه فمات. وكانت خلافته من لدن بويع بسامرّا الى ان خلع اربع سنين وسبعة أشهر [1] .
وفي هذه السنة مات سابور بن سهل صاحب بيمارستان جنديسابور وكان فاضلا في وقته وله تصانيف مشهورة منها كتاب الأقرباذين المعوّل عليه في البيمارستانات ودكاكين الصيادلة اثنان وعشرون بابا. وتوفي نصرانيا في يوم الاثنين لتسع [2] بقين من ذي الحجة
(المهتدي بن الواثق)
بويع له لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين [3] ولم تقبل بيعته حتى أتى المعتزّ فخلع نفسه وأقر بالعجز عما أسند اليه وبالرغبة في تسليمها الى محمد بن الواثق فبايعه الخاصة والعامة. وبعد قتل المعتزّ طلبت أمه الامان لنفسها فأمنوها وظفروا لها بخزائن في دار تحت الأرض ووجدوا فيها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار وقدر ملوك زمرّد ومقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار ومقدار كيلجة من الياقوت الأحمر.
وكان طلب منها ابنها المعتزّ مالا يعطي الأتراك فقالت: ما عندي شيء. فسبّوها وقالوا:
عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار وعندها هذا المال جميعه. وفي منتصف رجب خلع المهتدي وتوفي لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه سنة ست وخمسين ومائتين وكانت خلافته احد عشر شهرا وعمره ثمانيا وثلثين سنة.
(المعتمد بن المتوكل)
ولما أخذ المهتدي وحبس احضر ابو العباس احمد بن المتوكل
[1-) ] وكان عمره أربعا وعشرين سنة.
[2-) ] لتسع ر لسبع.
[3-) ] خمس وخمسين ر خمسين.
وكان محبوسا بالجوسق فبايعه الأتراك وغيرهم ولقّب المعتمد على الله. ثم ان المهتدي مات ثاني يوم بيعة المعتمد. وفي سنة احدى وستين ومائتين ولّى المعتمد ابنه جعفر العهد ولقبه المفوّض الى الله وولّى أخاه أبا احمد العهد بعد جعفر ولقبه الموفّق بالله. وفي سنة اربع وستين ومائتين دخل عبد الله بن رشيد بن كاووس بلد الروم في اربعة آلاف فارس فغنم وقتل. فلما رحل عن البدندون خرج عليه بطريق سلوقية وبطريق خرشنة وأصحابها واحدقوا بالمسلمين. فنزل المسلمون فعرقبوا دوابّهم وقاتلوا فقتلوا الّا خمسمائة فإنهم حملوا حملة رجل واحد ونجوا على دوابهم وقتل الروم من قتلوا وأسر عبد الله بن رشيد وحمل الى ملك الروم. وفي سنة خمس وستين ومائتين وقع خلاف بين المعتمد واحمد بن طولون فسار الى سيما والي حلب وبقية العواصم فوجده بأنطاكية فحاصره بها وفتحها فظفر بسيما وقتله وجاء الى حلب وملكها وملك دمشق وحمص وحماة وقنسرين الى الرقة. وأمر المعتمد بلعن ابن طولون على المنابر فلعن ببغداد وسائر العراق ولعن ابن طولون المعتمد على المنابر في جميع اعماله بمصر وغيرها. وفي سنة سبعين ومائتين مات ابن طولون في ذي القعدة [1] وخلف سبعة عشر ابنا أحدهم خمارويه وسبع عشرة بنا وترك أموالا جمة ومماليك كثيرة. وكان كثير الصدقات والخيرات. وقام ولده خمارويه بعده بالملك احسن قيام ودبّر احسن تدبير. وفي سنة ثماني وسبعين ومائتين عرض للموفق وجع النقرس واشتدّ به فلم يقدر على الركوب. فعمل له سرير عليه قبّة وكان يقعد عليه هو وخادم له يبرد رجله بالثلج ثم صارت علّة رجله داء الفيل وكان يحمل سريره أربعون رجلا بالنوبة.
فقال لهم يوما: قد ضجرتم من حملي بودّي لو كنت كواحد منكم احمل على رأسي وآكل وانا في عافية. فوصل الى داره لليلتين خلتا من صفر وشاع موته. وعلى يديه جرى اكثر الحروب مع الزنج وباقي الخوارج. ولما مات الموفق اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس بولاية العهد بعد المفوّض ولقب المعتضد بالله. وفي سنة تسع وسبعين ومائتين توفي المعتمد ليلة الاثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب وكان قد شرب على الشط في الحسنيّ يوم الأحد شرابا كثيرا وتعشى فأكثر فمات ليلا. وكانت خلافته ثلثا وعشرين سنة [2] . وكان في خلافته محكوما عليه قد تحكم [3] عليه ابو احمد الموفق اخوه وضيّق عليه
[1-) ] القعدة ر الحجة- كانت امارته نحو ست وعشرين سنة.
[2-) ] وكان عمره خمسين سنة وستة أشهر وكان أسن من الموفق بستة أشهر. وهو أول الخلفاء انتقل من سر من رأى مذ بنيت ثم لم يعد إليها احد منهم.
[3-) ] تحكّم ر يحكم.
حتى انه احتاج في بعض الأوقات الى ثلاثمائة دينار فلم يجدها.
وكان استخصّ الموفق أخو المعتمد جعفر بن محمد المعروف بابي معشر البلخي واتخذه منجما له وكان معه في محاصرته للزنج بالبصرة. وقيل ان أبا معشر كان في أول امره من اصحاب الحديث ببغداد وكان يضاغن أبا يوسف يعقوب بن اسحق الكندي ويغري به العامة ويشنع عليه بعلوم الفلاسفة. فدسّ عليه الكندي من حسّن له النظر في علم الحساب والهندسة فدخل في ذلك فلم يكمل له فعدل الى علم احكام النجوم وانقطع شرّه عن الكندي. ويقال انه تعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره.
وكان فاضلا حسن القريحة صنف كتبا عدة في هذا الفن. فضربه المستعين أسواطا لأنه أصاب في شيء أخبر به قبل وقته. وكان يقول: أصبت فعوقبت. وجاوز ابو معشر المائة من عمرة ومات بواسط. وقيل كان ابو معشر مدمنا على شرب الخمر مشتهرا [1] بمعاقرتها وكان يعتريه صرع عند اوقات الامتلاءات القمرية. واما يعقوب الكندي فكان شريف الأصل بصريا وكان أبوه اسحق أميرا على الكوفة للمهدي والرشيد. وكان يعقوب عالما بالطب والفلسفة والحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة والهيئة وله في اكثر هذه العلوم تآليف مشهورة من المصنفات الطوال. ولم. يكن في الإسلام من اشتهر عند الناس بمعاناة علم الفلسفة حتى سمّوه فيلسوفا غير يعقوب هذا وعاصر قسطا بن لوقا البعلبكي وقسطا هذا الفيلسوف نصراني في الدولة الاسلامية دخل الى بلاد الروم وحصّل من تصانيفهم الكثيرة وعاد الى الشام واستدعي الى العراق ليترجم الكتب وله تصانيف مختصرة بارعة. وقيل اجتذبه سنحاريب الى ارمينية واقام بها الى ان مات هناك وبنى على قبره قبة إكراما له كاكرام قبور الملوك ورؤساء الشرائع. قال المؤرخ: لو قلت حقا قلت انه أفضل من صنّف كتابا بما احتوى عليه من العلوم والفضائل وما رزق من الاختصار للألفاظ وجمع المعاني.
وفي آخر دولة المعتمد تحرّك بسواد الكوفة قوم يعرفون بالقرامطة وكان ابتداء أمرهم ان رجلا فقيرا قدم من ناحية خوزستان الى سواد الكوفة وكان يظهر الزهد والتقشف ويسفّ [2] الخوص ويأكل من كسبه فأقام على ذلك مدة. وكان إذا قعد اليه رجل ذاكره أمر الدين وزهده في الدنيا واعلمه انه يدعو الى امام من اهل بيت النبيّ عليه السلام.
[1-) ] مشتهرا ر مستهترا.
[2-) ] ويسف ر ويتعانى نسف.