الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا من عند الله جلّ وعزّ لانني ما قلته للجارية الا وقد كان هاجسا من غير اصل.
ولما ولدت الخيزران موسى الهادئ سر المهدي سرورا عظيما. وحدثته الخيزران الحديث فاستدعى أبا قريش وخاطبه. فلم يجد عنده علما بالصناعة الا شيئا يسيرا من علم الصيدلة. الا انه اتخذه طبيبا لما جرى منه واستصحبه وأكرمه الإكرام التام وحظي عنده [1] .
(الهادي بن المهدي)
لما توفي المهدي كان الرشيد معه في ماسبذان. فكتب الى الآفاق بوفاة المهدي والبيعة لموسى الهادي. وسار نصير الوصيف الى الهادي بجرجان يعلمه بوفاة المهدي والبيعة له. فنادى بالرحيل. ولما قدم بغداد استوزر الربيع. وفي هذه السنة وهي سنة تسع وستين ومائة تتبع الهادي الزنادقة وقتل منهم جماعة كانوا إذا نظروا الى الناس في الطواف يهزلون ويقولون: ما أشبههم ببقر تدوس البيدر. وقتل ايضا يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب.
وفي سنة سبعين ومائة توفي الهادي. وسبب وفاته انه لما ولي الخلافة كانت أمه الخيزران تستبد بالأمور دونه. وكلمته يوما في أمر لم يجد الى إجابتها سبيلا. فقالت:
لا بد من الاجابة اليه. فغضب الهادي وقال: والله لا قضيتها لك. قالت: إذا والله لا اسألك حاجة ابدا. قال: لا أبالي. فقامت مغضبة. فقال: مكانك. والله لئن بلغني انه وقف في بابك احد من قوادي لأضربنّ عنقه. ما هذه المواكب التي تغدو وتروح الى بابك. اما لك مغزل يشغلك او مصحف يذكرك او بيت يصونك. فانصرفت وهي لا تعقل. ووضعت جواريها عليه لما مرض فقتلنه بالغم وبالجلوس على وجهه. فمات ليلة الجمعة للنصف من ربيع الاول. وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر وكان عمره ستا وعشرين سنة.
(هرون الرشيد بن المهدي)
لما توفي الهادي بويع الرشيد هرون بالخلافة في الليلة التي مات فيها الهادي. وكان عمره حين ولي اثنتين وعشرين سنة. وأمه الخيزران. ولما مات الهادي خرج الرشيد فصلى عليه بعيساباذ. ولما عاد الرشيد الى بغداد وبلغ الجسر دعا الغوّاصين وقال: كان ابي قد وهب لي خاتما شراؤه مائة ألف دينار. فأتاني رسول
[1-) ] قال ابن ابي اصيبعة: «فوجه المهدي الى ابي قريش فأحضره وأقيم بين يديه. فلم يزل يطرح عليه الخلع وبدر الدنانير والدراهم حتى علت رأسه وصير هرون وموسى في حجره وكناه أبا قريش اي أبا العرب
…
فصار ابو قريش نظير جيورجيس ابن جبريل بل اكبر منه حتى تقدمه في المرتبة. وتوفي المهدي واستخلفه هرون الرشيد وتوفي جيورجيس وصار ابنه تبع ابي قريش في خدمة الرشيد. ومات ابو قريش وخلف اثنين وعشرين ألف دينار مع نعمة سنية» .
الهادي اخي يطلب الخاتم وانا ههنا فألقيته في الماء. فغاصوا عليه وأخرجوه فسرّ به.
ولما مات الهادي هجم خزيمة بن خازم تلك الليلة على جعفر بن الهادي فأخذه من فراشه وقال له لتخلعنها او لأضربنّ عنقك. فأجاب الى الخلع. وأشهد الناس عليه.
فحظي بها خزيمة.
وقيل لما مات الهادي جاء يحيى بن خالد البرمكيّ الى الرشيد فأعلمه بموته. فبينا هو يكلمه إذ أتاه رسول آخر يبشره بمولود. فسماه عبد الله وهو المأمون. فقيل: في ليلة مات خليفة وقام خليفة وولد خليفة. وفي هذه السنة ولد الأمين واسمه محمد في شوال وكان المأمون اكبر منه. ولما ولي الرشيد استوزر يحيى البرمكي.
وفي سنة اثنتين وثمانين ومائة بايع الرشيد لعبد الله المأمون بولاية العهد بعد الأمين وولّاه خراسان وما يتصل بها الى همذان ولقبه المأمون وسلمه الى جعفر بن يحيى البرمكيّ.
وفيها حملت بنت خاقان الخزر الى الفضل بن يحيي البرمكيّ. فماتت ببرذعة فرجع من معها الى أبيها فأخبروه انها قتلت غيلة فتجهز الى بلاد الإسلام. وفيها سلمت الروم عيني ملكهم قسطنطين بن لاون وأقرّوا أمه ايريني. وغزا المسلمون الصائفة فبلغوا أفسوس مدينة اصحاب الكهف. وفي سنة ثلث وثمانين ومائة خرج الخزر بسبب ابنة خاقان من باب الأبواب فأوقعوا بالمسلمين واهل الذمة وسبوا اكثر من مائة ألف رأس وانتهكوا أمرا عظيما لم يسمع بمثله في الأرض.
وفي سنة ست وثمانين ومائة أخذ الرشيد البيعة للقاسم ابنه بولاية العهد بعد المأمون وسمّاه المؤتمن. وفي سنة سبع وثمانين ومائة خلعت الروم ايريني الملكة وملكت نيقيفور وهو من أولاد جبلة. فكتب الى الرشيد: من نيقيفور ملك الروم الى هرون ملك العرب.
اما بعد فان الملكة ايريني حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أضعافه إليها.
لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن [1] . فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما أخذت والّا فالسيف بيننا وبينك. فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزّه الغضب وكتب في ظهر الكتاب: من هرون امير المؤمنين الى نيقيفور زعيم الروم. قد قرأت كتابك والجواب ما تراه دون ما تسمعه. ثم سار من يومه حتى نزل على هرقلة فأحرق وخرّب ورجع. وفي هذه السنة أوقع الرشيد بالبرامكة وقتل جعفر بن يحيى البرمكي وحبس أخاه الفضل وأباه يحيى بالرقة حتى ماتا. وكتب الى العمال في جميع النواحي بالقبض على البرامكة واستصفى
[1-) ] حمقهن ر عجزهن.
ابن العبري- 9
أموالهم [1] . وفي سنة تسعين ومائة ظهر رافع بن الليث بما وراء النهر مخالفا للرشيد بسمرقند. وفي سنة اثنتين وتسعين ومائة سار الرشيد من الرقة الى بغداد يريد خراسان لحرب رافع. ولما صار ببعض الطريق ابتدأت به العلة. ولما بلغ جرجان في صفر اشتد مرضه. وكان معه ابنه المأمون. فسيره الى مرو ومعه جماعة من القواد. وسار الرشيد الى طوس. واشتد به المرض حتى ضعف عن الحركة. ووصل اليه هناك بشير بن الليث أخو رافع أسيرا فقال له الرشيد: والله لو لم يبق من اجلي الا ان أحرك شفتي بكلمة لقلت: اقتلوه. ثم دعا بقصّاب فأمر به ففصل أعضاءه. فلما فرغ منه أغمي عليه ثم مات ودفن بطوس سنة ثلث وتسعين ومائة. وكانت خلافته ثلثا وعشرين سنة. وكان عمره سبعا وأربعين سنة. وكان جميلا وسيما ابيض جعدا قد وخطبه الشيب. وكان بعهده ثلثة الأمين وأمه زبيدة بنت جعفر بن المنصور ثم المأمون وأمّه ام ولد اسمها مراجل ثم المؤتمن وأمه ام ولد. قيل: وكان الرشيد يصلي كل يوم مائة ركعة الى ان فارق الدنيا الّا من مرض. وكان يتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم بعد زكاته.
قيل ان الرشيد في بدء خلافته سنة احدى وسبعين ومائة مرض من صداع لحقه.
فقال ليحيي بن خالد بن برمك: هؤلاء الأطباء ليسوا يفهمون شيئا وينبغي ان تطلب لي طبيبا ماهرا. فقال له عن بختيشوع بن جيورجيس [2] . فأرسل البريد في طلبه الى جنديسابور [3] . ولما كان بعد ايام ورد ودخل على الرشيد. فأكرمه وخلع عليه خلعة سنية ووهب له مالا وافرا وجعله رئيس الأطباء. ولما كان في سنة خمس وسبعين ومائة مرض جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك. فتقدم الرشيد الى بختيشوع ان يخدمه.
ولما أفاق جعفر من مرضه قال لبختيشوع: أريد ان تختار لي طبيبا ماهرا أكرمه واحسن
[1-) ] وقد اختلف العلماء في سبب نكبة الرشيد للبرامكة. والأرجح ان سبب ذلك ما كان من امر جعفر مع العباسة بنت المهدي وهذا هو رأي المؤرخ. وقد أورد الاتليدي هذا الخبر مطولا في الصفحة 165 من كتابه اعلام الناس. واخبر عن عظم النكبة فقال: «ثم اظهر وجهه لقصور جعفر ودوره وقبض على أبيه وأخيه وجميع أولاد البرامكة ومواليهم وغلمانهم واستباح ما فيها ووجه مسرورا الى العسكر فأخذ جميع ما فيه من مضارب وخيام وسلاح وغير ذلك. فلما أصبح يوم السبت فإذا هو قد قتل من البرامكة وحاشيتهم نحو ألف انسان وترك من بقي منهم لا يرجع الى وطنه وشتت شملهم في البلاد ولم يقدر واحد منهم على كسرة خبز» (174) .
[2-) ] بختيشوع ثلاثة أطباء وهم بختيشوع بن جيورجيس وبختيشوع بن جبريل وبختيشوع بن يوحنا وسيأتي ذكر هذا في الكلام على خلافة المقتدر. قال ابن ابي اصيبعة: «معنى بختيشوع عبد المسيح لان في اللغة السريانية البخت العبد» . وعندي ان البخت لفظة فارسية معناها الحظ والسعد.
[3-) ] طلبه الى جنديسابور ر حمله من نيسابور.
اليه. قال له بختيشوع: لست اعرف في هؤلاء الأطباء احذق من ابني جبريل. فقال له جعفر: أحضرنيه. فلما أحضره شكا اليه مرضا كان يخفيه. فدبّره في مدة ثلثة ايام وبرئ. فأحبه جعفر مثل نفسه. وفي بعض الأيام تمطّت حظيّة الرشيد ورفعت يدها فبقيت مبسوطة لا يمكنها ردّها والأطباء يعالجونها بالتمريخ والادهان فلا ينفع ذلك شيئا. فقال له جعفر عن جبريل ومهارته. فأحضره وشرح له حال الصبية. فقال جبريل: ان لم يسخط امير المؤمنين عليّ فلها عندي حيلة. قال له الرشيد: ما هي.
قال: تخرج الجارية الى هاهنا بحضرة الجمع حتى اعمل ما أريد وتتمهّل عليّ ولا تسخط عاجلا. فأمر الرشيد فخرجت وحين رآها جبريل اسرع إليها ونكس رأسها وأمسك ذيلها فانزعجت الجارية ومن شدة الحياء والانزعاج استرسلت اعضاؤها وبسطت يدها الى أسفل وأمسكت ذيلها. فقال جبريل: لقد برئت يا أمير المؤمنين. فقال الرشيد للجارية ابسطي يدك يمنة ويسرة. ففعلت. فعجب الرشيد وكل من حضر وأمر لجبريل في الوقت بخمسمائة ألف درهم واجبه. ولما سئل عن سبب العلة قال: هذه الصبية النصبّ الى اعضائها وقت الغشيان خلط رقيق بالحركة وانتشار الحرارة ولأجل ان سكون حركة الغشيان تكون بغتة جمدت الفضلة في بطون الاعصاب وما كان يحلّها الّا حركة مثلها فاحتلّت حتى انبسطت حرارتها وحلّت الفضلة فبرئت.
ومن أطباء الرشيد يوحنا بن ماسويه النصراني السرياني ولّاه الرشيد ترجمة الكتب الطبية القديمة. وخدم الرشيد ومن بعده الى ايام المتوكل وكان معظما ببغداد جليل القدر وله تصانيف جميلة. وكان يعقد مجلسا للنظر ويجري فيه من كل نوع من العلوم القديمة بأحسن عبارة. وكان يدرّس ويجتمع اليه تلاميذ كثيرون. وكان في يوحنا دعابة شديدة يحضره من يحضره لأجلها في الأكثر. وكان من ضيق الصدر وشدّة الحدّة على اكثر مما كان عليه جبريل بن بختيشوع. وكانت الحدة تخرج من يوحنا ألفاظا مضحكة. فمما حفظ من نوادره ان رجلا شكا اليه علة كان شفاه منها الفصد فأشار عليه به. فقال له:
لم اعتد الفصد. قال له يوحنا: ولا احسبك اعتدتّ العلة من بطن أمّك. وصار اليه قسيس وقال: قد فسدت عليّ معدتي. فقال له يوحنا: استعمل جوارشن الخوزي.
فقال له: قد فعلت. قال: فاستعمل الكموني. قال: قد استعملت منه أرطالا. فأمره باستعمال البنداذيقون. فقال: قد شربت منه جرة. قال: استعمل المروسيا. فقال له:
قد فعلت وأكثرت. فغضب يوحنا وقال له: ان أردت ان تبرأ فأسلم فان الإسلام يصلح المعدة. وكان بختيشوع بن جبريل يداعب يوحنا كثيرا. فقال له في مجلس ابراهيم بن