الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عيسى الطبيب المذكور ههنا هو ابن يوسف المعروف بابن العطّار كان متطبب القاهر وثقته ومشيره وسفيره بينه وبين وزرائه وتقدم في وقته تقدّما كثيرا. وشاركه سنان ابن ثابت بن قرّة في الطبّ وكان خصيصا بالقاهر وكان عيسى اشدّ تقدّما منه. ولكثرة اغتباط القاهر بسنان اراده على الإسلام فامتنع امتناعا شديدا كثيرا. فتهدّده القاهر فخافه لشدة سطوته فأسلم واقام مدّة. ثم رأى من القاهر انه إذا أمره بشيء أخافه فانهزم الى خراسان وعاد توفي ببغداد في سنة احدى وثلثين وثلاثمائة. ومن ظريف ما جرى لسنان في امتحان الاطبّاء [1] عند تقدّم الخليفة اليه بذلك انه أحضر اليه رجل مليح البشرة والهيئة ذو هيبة ووقار فأكرمه سنان على موجب منظره ورفعته. ثم التفت اليه سنان فقال: قد اشتهيت ان اسمع من الشيخ شيئا احفظه عنه وان يذكر شيخه في الصناعة.
فأخرج الشيخ من كمه قرطاسا فيه دنانير صالحة ووضعها بين يدي سنان وقال: والله ما أحسن اكتب ولا اقرأ شيئا جملة ولي عيال ومعاشي دار دائره واسألك ان لا تقطعه عنّي. فضحك سنان وقال: على شريطة انك لا تهجم على مريض بما لا تعلم ولا تشير بفصد ولا بدواء مسهل الّا بما قرب من الأمراض. قال الشيخ: هذا مذهبي مذ كنت ما تعديت السكنجبين والجلّاب. وانصرف. ولما كان من الغد حضر اليه غلام شابّ حسن البزّة مليح الوجه ذكيّ. فنظر اليه سنان فقال له: على من قرأت. قال: على ابي. قال: ومن يكون أبوك. قال: الشيخ الذي كان عندك بالأمس. قال: نعم الشيخ.
وأنت على مذهبه. قال: نعم. قال: لا تتجاوزه وانصرف مصاحبا. ولسنان تصانيف جيّدة وكان قويّا في علم الهيئة وله في ذلك أشياء ظاهرة تغني عن الاطالة بذكرها.
(الراضي بن المقتدر)
لما قبضوا القاهر سألوا عن المكان الذي فيه ابو العباس احمد بن المقتدر فدلّوهم عليه فقصدوه وفتحوا عليه ودخلوا فسلّموا بالخلافة وأخرجوه وأجلسوه على السرير ولقبوه الراضي بالله يوم الأربعاء لستّ خلون من جمادى الاولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وبايعه القواد والناس. وأرادوا عليّ بن عيسى على الوزارة فقال الراضي: ان الوقت لا يحتمل أخلاق عليّ وابن مقلة أليق بالوقت. فأحضره واستوزره. فلما استوزر احسن الى كل من أساء اليه واحسن سيرته. وفي سنة ثلث وعشرين وثلاثمائة عظم أمر الحنابلة وقويت شوكتهم وصاروا يكبسون دور القوّاد والعامة
[1-) ] كان سبب هذا الامتحان ان غلطا جرى على رجل من العامة من بعض المتطببين فمات الرجل فأمر الخليفة بمنع سائر المتطببين من التصرف الا من امتحنه سنان بن ثابت فصاروا اليه وامتحنهم واطلق الى كل واحد منهم ما يصلح كان يتصرف فيه. وبلغ عددهم في جانبي بغداد ثمانمائة رجل ونيف وستين رجلا سوى من استغنى عن محنته باشتهاره في التقدم في صناعته وسوى من كان في خدمة السلطان.
وان وجدوا نبيذا أراقوه وان وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء فارهجوا بغداد.
وركب صاحب الشرطة ونادى في جانبي بغداد الّا يجتمع من الحنابلة اثنان ولا يصلي منهم إمام الا إذا جهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الصبح والعشائين. فلم يفد فيهم. فخرج توقيع الراضي بما يقرأ على الحنابلة ينكر عليهم فعلهم ويوبخهم على اعتقاد التشبيه وغيره. فمنه: انكم تارة تزعمون ان صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين وتذكرون الكف والأصابع والرجلين والنعلين الذهب والشعر القطط والنزول الى الدنيا. فلعن الله شيطانا زيّن لكم هذه المنكرات ما أغواه. وامير المؤمنين يقسم بالله جهدا اليّه يلزمه الوفاء بها لئن لم تنتهوا عن مذموم مذهبكم ومعوج طريقكم هذه ليوسعنّكم ضربا وتشديدا وتبديدا وقتلا وليستعملنّ السيف في رقابكم والنار في منازلكم ومحالّكم. وفي سنة اربع وعشرين وثلاثمائة ألجأت الضرورة الراضي الى ان قلد أبا بكر محمد بن رائق امارة الجيش وجعله امير الأمراء وولّاه الخراج والمعاون والدواوين في جميع البلاد وأمر ان يخطب له على جميع المنابر وبطلت الوزارة من ذلك الوقت فلم يكن الوزير ينظر في شيء من الأمور انما كان ابن رائق وكاتبه ينظران في الأمور جميعا وكذلك كل من تولى امرة الأمراء بعده وصارت الأموال تحمل الى خزائنهم فيتصرفون فيها كما يريدون ويطلقون للخليفة ما يريدون. وفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة استولى معزّ الدولة ابو الحسن احمد بن بويه على الأهواز. وفيها كتب ابو علي بن مقلة الى الراضي يشير عليه بالقبض على ابن رائق وأصحابه ويضمن انه يستخرج منهم ثلاثة آلاف ألف ألف دينار [1] وأشار عليه باقامة بجكم [2] مقام ابن رائق وطلب ابن مقلة من الراضي ان ينتقل ويقيم عنده بدار الخليفة فأذن له في ذلك. فلما حصل بدار الخليفة اعتقله في حجرة وعرض على ابن رائق خط ابن مقلة. فشكر الراضي. وما زال ابن رائق يلح في طلب ابن مقلة حتى أخرج من محبسه وقطعت يده. ثم عولج فبرأ فعاد يكاتب الراضي ويخطب الوزارة ويذكر ان قطع يده لم يمنعه عن عمله وكان يشد القلم على يده المقطوعة ويكتب ويهدّد ابن رائق. فأمر الراضي بقطع لسانه. ثم نقل الى محبس ضيّق ولم يكن عنده من يخدمه فآل به الحال الى انه كان يستقي الماء بيده اليسرى ويمسك الحبل بفمه.
ولحقه شقاء شديد الى ان مات. وفيها دخل بجكم بغداد ولقي الراضي وقلده امرة الأمراء مكان ابن رائق. وفي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة مات الراضي بالله بالاستسقاء في
[1-) ] ويروى: ثلاثة آلاف ألف دينار.
[2-) ] ويروى: يحكم. ويروى: بحكم.