الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذا فهم ومعرفة يحبّ الحكماء والعلماء. وبعده بقليل اندرجت طقز خاتون زوجته وكانت ايضا عظيمة في رأيها وخبرتها.
(اباقا ايلخان)
بعد ذلك اجتمعت الأولاد والأمراء والخواتين واتفقوا على ان اباقا ابن هولاكو يقعد على كرسي المملكة لان عنده العقل والكفاية والعلم والداراية. ولما جلس وتمكن كان سعيدا منصورا في جميع حركاته وسكناته محبوبا من جميع الخلق.
وكان قد سيّر هولاكو طلب ابنة ملك القسطنطينية خطبها لنفسه. فلما أخذها الرسل وخرجوا بها ووصلوا الى القيساريّة بلغهم الخبر بموت هولاكو ولم تتمكن من الرجوع الى بلادها فوصلت اليه ودخل عليها. وفيها وصل اليراليغ من اباقا الى بغداد ان علاء الدين صاحب الديوان يكون حاكما مطلقا لا يكون فوق يده يد. وكان شحنة بغداد قرابوغا ونائبه اسحق الارمنيّ يرومان اذيّته فانكفئا عنه وصارا يتحيّلان له بأذى فحصّلا شخصا أعرابيا وعلّماه ان يقول عنه انه سيّر جاء به من البادية بحيث يكون له دليلا عند ما يريد ان يأخذ ماله وأولاده وما يتعلّق به ويمشي الى الشام. وأوثقا مع البدويّ هذا الكلام. حينئذ سيّرا احتاطا بدار صاحب الديوان والبدويّ يحملانه الى الاردو.
وعند ما ضرب البدويّ وقرّر اقرّ ان اسحق الارمني علّمه ذلك فقتل البدويّ واسحق.
وفيها سيّر البندقدار صاحب مصر الى حاتم ملك الأرمن بحيث يدخل في طاعته ويحمل الجزية ويمكّن الناس من مشترى الخيل والبغال والحنطة والشعير والحديد من بلده وهم ايضا يخرجون الى الشام ويتاجرون ويبيعون ويشترون. وملك الأرمن خوفا من المغول لم يجب الى ذلك. فلم يتأخر البندقدار عن إنفاذ العسكر والركب الى بلد الأرمن.
وحاتم الذي هو ملك الأرمن لما تحقق ذلك خرج الى بلد الروم يطلب النجدة من امير المغول هناك يسمّى نفجي. فقال له: نحن بلا امير السلطان اباقا لا يمكن ان نفعل ذلك. وهجم المصريون على بلد الأرمن. ولما لم يكن ملكهم حاضرا اجتمعت اخوته وأولاده وامراؤه وجمعوا اتباعهم [1] وخرجوا ليمنعوا المصريّين من الدخول الى البلد.
ولما التقوهم عند موضع يقال له حجر سروند انكسرت الأرمن واستؤسر ولد الملك حاتم وقتل ولده توروس وانهزم الأمراء والعسكر. ونهبوا واخربوا بيعة سيس الكبيرة وكان الخراب العظيم في سيس وإياس وأقاموا هناك مدّة عشرين يوما ينهبون ويحرقون ويسبون.
وبعد خروجهم من البلد وصل الملك حاتم وقد صحب معه عسكرا من المغول والروم فما وجدوا أحدا بل البلد خرابا واشتغلوا بالأكل والشرب ومدّوا أيديهم وجمعوا جميع ما كان
[1-) ] ويروى: وامرأته وجمعوا العساكر اتباعهم.
قد تخلّف من المصريّين تمموه هم والملك مشتغل بالهمّ والغمّ على ما جرى على ولديه وأصحابه وبلده. وكانت المضرّة منهم اشدّ وأصعب. واما حاتم ملك الأرمن فانه شرع يخاطب البندقدار في خلاص ولده ويعده بالأموال والمدن والقلاع الى غير ذلك.
فجاويه: ان نحن ما لنا رغبة في الأموال والمدن وغيرها. وانما لنا شخص صديق أسير عند المغول يسمّى سنقر الأشقر تخلّصه وتسيّره وتأخذ ولدك. ففعل ذلك وخلّص ولده. وذلك انه في سنة ثماني وستين وستمائة قصد الملك حاتم خدمة ملك الأرض اباقا وبكى لديه وطلب منه سنقر الأشقر ليخلّص به ولده. فرحمه ورقّ لبكائه وقاله له:
تمشي الى بلدك تستريح ونحن نطلب هذا سنقر من ايّ مكان هو فيه ونسيّره إليك.
فعاد حاتم من خدمة اباقا. وكان امير من أمرائه سبقه الى بلده في مهمّ له فاجتاز به بروانة فاستشار به انه يريد يخطب لنفسه ابنة الملك حاتم. فأجابه بان الملك حاتم واصل عقيبنا إليكم فأنتم التقوه وأحسنوا اليه وهو يجيبكم الى ذلك. ولما وصل الملك حاتم الى بروانة وقد جمع بروانة اكابره والتقاه احسن ملتقى وأكرمه وقدّمه له تقدمات نفيسة الى ان خجل الملك حاتم بحيث لم يعلم ما الذي أوجب هذا الإسراف في خدمته. فلما اظهر بروانة ما في قلبه اجابه بالسمع والطاعة واظهر له الفرح والبشاشة والغبطة وقرّر معه انه لا يمكن التعريس قبل خلاص اخي البنت فإذا خلّص نفعل ذلك ان شاء الله تعالى.
وفي سنة تسع وستين وستمائة وصل سنقر الأشقر من بلاد سمرقند الى الملك حاتم وهو سيّره الى البندقدار مكرّما وأوهبه وأعطاه. ثم ان البندقدار سيّر له ولده ايضا بحرمة عظيمة وخيّالة كثيرة. وفي هذه السنة حاصر البندقدار مدينة انطاكية وأخذها وقتل فيها وسبى واحرق كنائسها المشهورة في العالم. وفيها توجه الملك حاتم الى اباقا وشكر ودعا له على خلاص ولده من الأسر واستقال من السلطنة وطلب ان يكون ولده موضعه وانه شيخ عاجز. فقال له: انه إذا حضر عندنا نحن نملّكه. فتوجّه الى بلده وسيّر ولده الى عبودية اباقا.
وفي سنة سبعين وستمائة في شهر نيسان تزلزلت الأرض في بلاد الأرمن وخربت قلاع كثيرة ومات فيها مائة ألف نفر من الناس غير الدوابّ. وفي سنة خمس وسبعين وستمائة نزل اباقا الى بغداد ليشتّي بها وصار غلاء عظيم ومجاعة وعزّت الأسعار.
وفي هذا التاريخ توفي خواجا نصير الدين الطوسي الفيلسوف صاحب الرصد بمدينة مراغة حكيم عظيم الشأن في جميع فنون الحكمة. واجتمع اليه في الرصد جماعة
من الفضلاء المهندسين. وكان تحت حكمه جميع الأوقاف في جميع البلاد التي تحت حكم المغول. وله تصانيف كثيرة منطقيّات وطبيعيّات والاهيّات واوقليدس ومجسطى.
وله كتاب أخلاق فارسيّ في غاية ما يكون من الحسن جمع فيه جميع نصوص أفلاطون وأرسطو في الحكمة العمليّة. وكان يقوّي آراء المتقدّمين ويحلّ شكوك المتأخرين والمؤاخذات التي قد أوردوا في مصنفاتهم. وكان من الفضلاء في زمانه نجم الدين القزوينيّ [1] منطقيّ عظيم صاحب كتاب العين. ومؤيّد الدين العرضيّ وفخر الدين المراغيّ وقطب الدين الشيرازيّ ومحيي الدين المغربيّ. ومن الأطباء المشهورين فخر الدين الاخلاطيّ وتقيّ الدين الحشائشيّ. واشتهر هذا في عمل الترياق شهرة عظيمة وان لم يكن من الأطباء المشتغلين المشهورين وبسفاهته استظهر على باقي الأطباء في هذا الزمان. ومنهم نفيس الدين بن طليب [2]- الدمشقيّ وولده صفيّ الدين النصرانيّ الملكيّ.
وفي هذا التاريخ وهو سنة خمس وسبعين وستمائة وهي سنة سبع وثمانين وخمسمائة وألف للإسكندر عزم بندقدار ان يدخل بنفسه الى بلد الروم لان كان عنده أقوام قد هربوا من بلد الروم الذين هربوا الى الشام قد قوّوا عزمه على ذلك. ولما احسّ الملك لاون ابن ملك الأرمن سيّر الى أمراء المغول الذين في بلد الروم وعرّفهم ذلك وحذّرهم.
واما بروانة فانه بوجهين كان يكذّب ملك الأرمن في هذا قوله الاول انه كان يختار ورود البندقدار إذ له معه وعد. والثاني لأنه كان يبغض ملك الأرمن وكان يختار ان يزيّف قوله. ولما ان الأمراء المغول أهملوا الأمر إذ هاجمهم المصريون وهم سكارى فلم يلحق أحدهم ان يركب فرسه. وان الياسا الذي لهم انهم لا يهربون قبل ان يلتقوا العدوّ.
ولما التقوا وقعت الكسرة فيهم وقتل جميع أكابر المغول أحدهم طوغو والآخر توذان بهادر.
وكان مع المغول ثلثة ألف كرج فوقفوا وبذلوا المجهود فقتل منهم الفان وتخلف ألف واحد. وقتل ايضا من عسكر المصريّين خلق كثير. ولما حقّق بروانة كسرة المغول هرب وتحصّن في بعض القلاع. واما البندقدار فانه نزل عند القيسارية في موضع سمّي كيقوباد وبقي هناك خمسة عشر يوما ودخل الى القيسارية مرّة واحدة ولم يدن منه لأحد من الرعايا شرّ ولا كلّفهم شيئا أصلا وانما جميع ما يحتاجون اليه كانوا يشترونه مشترى.
وكان يقول: اني ما جئت الى ههنا لأخرب البلد لكن لافكّ صاحبه من الأسر. واما اباقا ايلخان فحين وصلت اليه الاخبار بذلك غضب غضبا شديدا وجمع العساكر
[1-) ] القزويني ر النقجواني.
[2-) ] طليب ر الطبيب.
وقصد بنفسه الروم. ولما عرف البندقدار انه لا يمكنه مقاومته رحل عن بلد الروم وتوجه الى الشام. ولما وصل اباقا الى بلد الروم لم يجد أحدا من المصريّين وفي الحال نزل البروانة اليه ولم يره اباقا شيئا من الغضب وانما احسن اليه وأكرمه واخذه صحبته الى الطاق لما عاد حيث يستشيره كم يقدّر ان يكون في الروم عسكر يقاوم المصريّين.
وعمل دعوة عظيمة وسقاه من لبن الخيل شيئا كثيرا لأنه ما كان يشرب خمرا. وفيما هو قد خرج البروانة ليريق ماءه أشار اباقا الى أناس من حوله ليقتلوه فقتلوه وقطعوه قطعا قطعا وكان ذلك في ثاني يوم من شهر آب لتلك السنة. واما البندقدار فلما قرب من حمص أدركه اجله ومات يقولون اصابه في الحرب مع المغول نشابة في وركه ولم يمكن إخراج النصل منه وبقي أياما كثيرة ولما اذن للجرائحي ان يخرجه وجاهد في إخراجه مع خروج النصل فارق الدنيا. وآخرون قالوا ان أناسا من جماعته سقوه في لبن الخيل سمّا ولما احسّ عاد سقى لمن أسقاه منه فماتا اثناهما.
وفي سنة تسع وسبعين وستمائة لما قام الالفي ليتملك على الديار المصرية والشام لم يوافق في ذلك سنقر الأشقر. ولما تمكن الالفي وقوي جانبه هرب منه سنقر الأشقر ووصل الى الرحبة واتفق هو وامير بدويّ اسمه عيسى بن مهنا وسيّرا رسولا الى اباقا ايلخان يستدعيانه ليركب الى الشام ويسلّما اليه البلاد الشامية والديار المصرية. ولما وصلت عساكر المغول الى الشام خاف سنقر الأشقر منهم على نفسه ولم يلتق بهم بل هرب وتحصن في قلعة صهيون. فوصل المغول الى حلب واي موضع صادفوه خرّبوه.
وكان وصولهم الى الشام في وقت الشتاء من سنة ثمانين وستمائة وكان مقدّمهم قونغرتاي أخو اباقا الصغير وعاد المغول الى البلاد. وفي سنة احدى وثمانين وستمائة دخل المغول الى الشام في خمسين ألفا وفي رأسهم مونكاتمور الأخ الأصغر لاباقا وأخذوا معهم ملك الأرمن بعساكره. واجتمع عسكر الشام وفي رأسهم الالفي وسنقر الأشقر فإنهما اصطلحا في ذلك الوقت على محاربة المغول. والتقى العسكران بين حماة وحمص في يوم الخميس سلخ تشرين الاول لتلك السنة وقوي جانب المغول على جانب الشاميّين. ولما قاربوا لينتصروا عليهم نصرة ويهزموهم إذ خرج على المغول كمين العرب من بني تغلب من ميسرتهم فتوهّم المغول ان عساكر كثيرة قد أحاطت بهم من قدّامهم ومن خلفهم ولم يلحق الهرب [1] اصحاب الميسرة مع اهل القلب. واصحاب الميمنة وفيهم ملك الأرمن
[1-) ] يريد انهم انهزموا ولكن لم يفوزوا بالنجاة في هزيمتهم ويؤكد هذا المعنى قول ابي الفداء ونصه: «وانزل الله نصرته على القلب والميمنة فهزموا من كان قبالتهم من التتر وركبوا قفاهم يقتلونهم» .