المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(القائم بن القادر) - تاريخ مختصر الدول - جـ ١

[ابن العبري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌الدولة الاولى للأولياء قبل الدّخول إلى أرض الميعاد

- ‌(آدم)

- ‌(شيث بن آدم)

- ‌(انوش بن شيث)

- ‌(قينان بن انوش)

- ‌(مهلالايل بن قينان)

- ‌(يرد بن مهلالايل)

- ‌(حنوخ [1] بن يرد)

- ‌(متوشلح بن حنوخ)

- ‌(لمك بن متوشلح)

- ‌(شام بن نوح)

- ‌(أرفخشد بن شام)

- ‌(قينان بن أرفخشد)

- ‌(شالح بن قينان)

- ‌(عابر بن شالح)

- ‌(فالغ بن عابر)

- ‌(ارعو بن فالغ)

- ‌(ساروغ بن ارعو)

- ‌(ناحور بن ساروغ)

- ‌(ترح بن ناحور)

- ‌(ابراهيم بن ترح)

- ‌(اسحق بن ابرهيم)

- ‌(يعقوب بن اسحق)

- ‌(لاوي بن يعقوب)

- ‌(قاهاث بن لاوي)

- ‌(عمرم بن قاهاث)

- ‌(موسى بن عمرم)

- ‌الدولة الثانية المنتقلة من الأولياء الى القضاة قضاة بني إسرائيل

- ‌(أيشوع [1] بن نون)

- ‌(فينحاس [1] بن اليعازر بن هرون الكاهن)

- ‌(كوشن الأثيم [3] المتغلّب)

- ‌(عثنائيل)

- ‌(عجلون)

- ‌(اهور بن جارا)

- ‌(شمغر بن عناث)

- ‌ يابين ملك حاصور

- ‌(دبورا النبيّة وبارق)

- ‌(المذيانيّون)

- ‌(جذعون)

- ‌(ابيملك بن جذعون)

- ‌(تولع بن فوا)

- ‌(يائير الجلعدي)

- ‌(العمونيّون)

- ‌(يفتاح)

- ‌(ابيصان)

- ‌(الون)

- ‌(ابدون [3] بن هليان)

- ‌(الفلسطينيون)

- ‌(شمشون الجبّار المتقشف)

- ‌(مشايخ الأمّة)

- ‌(عالي الكاهن)

- ‌(شموايل النبيّ)

- ‌الدولة الثالثة المنتقلة من قضاة بني إسرائيل إلى ملوكهم

- ‌(شاول)

- ‌(داود بن ايشي)

- ‌ سليمان بن داود

- ‌(رحبعم بن سليمان)

- ‌(ابيّا بن رحبعم)

- ‌(آسا بن ابيّا)

- ‌(يوشافاط بن آسا)

- ‌(يورم بن يوشافاط)

- ‌(احزيا بن يورم)

- ‌(عثليا ام احازيا)

- ‌(يواش بن احزيا)

- ‌(اموصيا بن يواش)

- ‌(عوزيا بن اموصيا [1]

- ‌(يوثم بن عوزيا)

- ‌(أحاز بن يوثم)

- ‌(حزقيا بن أحاز)

- ‌(منشا بن حزقيا)

- ‌(امون بن مناشا)

- ‌(يوشيا بن امون)

- ‌(يهواحاز بن يوشيا)

- ‌(يوياقيم بن يوشيا)

- ‌(يوياخين [3] بن يوياقيم)

- ‌ صدقيا بن يوشيا

- ‌الدولة الرّابعة المنتقلة من ملوك بني إسرائيل الى ملوك الكلدانيّين

- ‌(بختنصّر بن نبوفلسّر)

- ‌(أول مرودخ بن بختنصر)

- ‌(بلطشاصر بن بختنصّر)

- ‌(داريوش المادي [1]

- ‌(كورش الفارسي)

- ‌(قمباسوس بن كورش)

- ‌(داريوش بن بشتسب [2] :

- ‌(احشيرش بن داريوش)

- ‌(ارطبانس)

- ‌(ارطحششت الطويل اليدين)

- ‌(احشيرش الثاني)

- ‌ سغدينوس [5]

- ‌(داريوش نوثوش [6]

- ‌(ارطحششت الثاني)

- ‌(ارطحششت الثالث)

- ‌(ارسيس [3] بن اوخوس)

- ‌(داريوش بن ارشك)

- ‌الدولة السّادسة المنتقلة من ملوك الفرس المجوس إلى ملوك اليونانيّين الوثنيّين

- ‌ الإسكندر بن فيليفوس

- ‌(بطلميوس بن لاغوس)

- ‌(بطلميوس فيلاذلفوس)

- ‌(بطلميوس اورغاطيس)

- ‌(بطلميوس فيليفاطور)

- ‌(بطلميوس افيفانوس)

- ‌(بطلميوس فيلوميطور)

- ‌(بطلميوس اورغاطيس الثاني)

- ‌(بطلميوس فيسقوس)

- ‌ بطلميوس فيسقوس

- ‌(بطلميوس الاكسندروس)

- ‌(بطلميوس ذيانوسيوس)

- ‌(قلاوفطرا)

- ‌(اغوسطس قيصر)

- ‌(طيباريوس قيصر)

- ‌(غاييوس قيصر)

- ‌(قلوذيوس قيصر)

- ‌(نارون قيصر)

- ‌(اسفسيانوس قيصر)

- ‌(طيطوس قيصر)

- ‌(ذوميطيانوس قيصر)

- ‌(طريانوس قيصر)

- ‌(اذريانس قيصر)

- ‌(طيطوس انطونيانس قيصر)

- ‌(مرقوس اورليوس قيصر)

- ‌(فرطيناخس قيصر)

- ‌(سوريانس قيصر)

- ‌(انطونيانس قيصر)

- ‌(ماقرينوس قيصر [2]

- ‌(انطونيانس قيصر المعروف باليوغالي)

- ‌(الإسكندروس قيصر)

- ‌(مكسيميانوس قيصر)

- ‌(غورديانس [5] قيصر)

- ‌(فيليبوس قيصر)

- ‌(ذوقيوس قيصر)

- ‌(غالوس قيصر)

- ‌(اولارينوس قيصر)

- ‌(غالوس قيصر الثاني)

- ‌(قلوذيس قيصر)

- ‌(اورلينوس قيصر)

- ‌(ططقيطوس قيصر)

- ‌(فروبوس قيصر)

- ‌(قاروس قيصر)

- ‌(ذيوقليطيانوس قيصر)

- ‌(قسطنطيس قيصر الكبير)

- ‌(قسطنطينوس قيصر القاهر)

- ‌(قسطنطينوس وقسطوس وقسطنطيس)

- ‌(يوليانوس قيصر)

- ‌(يوينيانس قيصر)

- ‌(اولنطيانس قيصر)

- ‌(واليس قيصر)

- ‌(غراطيانس قيصر)

- ‌(ثاوذوسيوس قيصر الكبير)

- ‌(ارقاذيوس قيصر)

- ‌(ثاوذوسيوس قيصر الصغير)

- ‌(مرقيانوس قيصر)

- ‌(لان قيصر) :

- ‌(لاونطيوس قيصر)

- ‌(زينون قيصر)

- ‌(انسطس قيصر)

- ‌(يوسطينيانس قيصر [4]

- ‌(يوسطينيانس قيصر الصغير)

- ‌(يوسطينيانس قيصر الثالث)

- ‌الدولة الثامنة المنتقلة من ملوك الإفرنج إلى ملوك اليونانيين المتنصّرين

- ‌ طيباريوس قيصر

- ‌(موريقي قيصر)

- ‌(فوقا قيصر)

- ‌(هرقل قيصر)

- ‌(محمد بن عبد الله عليه السلام

- ‌(ابو بكر الصديق)

- ‌(عمر بن الخطاب)

- ‌(عثمان بن عفّان)

- ‌(عليّ بن ابي طالب)

- ‌(الحسن بن عليّ بن ابي طالب)

- ‌(معاوية بن ابي سفيان)

- ‌ يزيد بن معاوية

- ‌(معاوية بن يزيد)

- ‌(مروان بن الحكم)

- ‌(عبد الملك بن مروان)

- ‌(الوليد بن عبد الملك)

- ‌(سليمان بن عبد الملك)

- ‌ عمر بن عبد العزيز

- ‌(يزيد بن عبد الملك)

- ‌(هشام بن عبد الملك)

- ‌(الوليد بن يزيد بن عبد الملك)

- ‌ يزيد بن الوليد بن عبد الملك

- ‌(ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك)

- ‌(مروان بن محمد بن مروان بن الحكم)

- ‌(ابو العباس السفاح)

- ‌(ابو جعفر المنصور)

- ‌(المهدي بن المنصور)

- ‌(الهادي بن المهدي)

- ‌(هرون الرشيد بن المهدي)

- ‌(الأمين بن الرشيد)

- ‌(المأمون بن الرشيد)

- ‌(المعتصم بن الرشيد)

- ‌(الواثق بالله هرون بن المعتصم)

- ‌(المتوكل على الله جعفر بن المعتصم)

- ‌(المنتصر بن المتوكل)

- ‌(المستعين احمد بن محمد بن المعتصم)

- ‌(المهتدي بن الواثق)

- ‌(المعتمد بن المتوكل)

- ‌(المعتضد بن الموفق)

- ‌(المكتفي بن المعتضد)

- ‌(المقتدر بن المعتضد)

- ‌(القاهر بن المعتضد)

- ‌(الراضي بن المقتدر)

- ‌(المتّقي بن المقتدر)

- ‌(المستكفي بن المكتفي)

- ‌(المطيع بن المقتدر)

- ‌(الطائع بن المطيع)

- ‌(القادر بن اسحق بن المقتدر)

- ‌(القائم بن القادر)

- ‌(المقتدي بن محمد بن القائم)

- ‌(المستظهر بن المقتدي)

- ‌(المسترشد بن المستظهر)

- ‌(الرشيد بن المسترشد)

- ‌(المقتفي بن المستظهر)

- ‌(المستنجد بن المقتفي)

- ‌(المستضي بن المستنجد)

- ‌(الناصر بن المستضيء) :

- ‌(الظاهر بن الناصر) :

- ‌(المستنصر بن الظاهر)

- ‌(المستعصم بن المستنصر) :

- ‌الدولة العاشرة المنتقلة من ملوك العرب المسلمين الى ملوك المغول

- ‌(هولاكو بن تولي خان [1]

- ‌(جلوس قوبلاي قاان على كرسي المملكة) :

- ‌(اباقا ايلخان)

- ‌(السلطان احمد)

- ‌(ارغون ايلخان)

الفصل: ‌(القائم بن القادر)

في نسخها جاءه من يعطيه فيها مائة وخمسين دينارا مصريّة. وصار ذلك كالرسم الذي لا يحتاج الى مواكسة ولا معاودة قول فيجعلها مؤنته لسنته. ولم يزل على ذلك الى ان مات بالقاهرة بعد سنة ثلثين واربعمائة. واما تصانيفه فهي كثيرة مشهورة.

(القائم بن القادر)

ولما توفي القادر بالله جدّدت البيعة لابنه القائم بأمر الله سنة اثنتين وعشرين واربعمائة وكان أبوه قد بايع له بولاية العهد سنة احدى وعشرين. وفيها اعني سنة اثنتين وعشرين ملك الروم مدينة الرها وكانت بيد نصير [1] الدولة بن مروان.

وفيها سارت عساكر السلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب خراسان الى كرمان فملكوها. وفي سنة خمس وعشرين واربعمائة كانت حرب شديدة بين نور الدولة دبيس وأخيه ابي قوام ثابت ثم اصطلحا وتحالفا.. وسار البساسيري نجدة لثابت فلما سمع بصلحهم عاد الى بغداد. وهؤلاء أمراء عرب من بني اسد وخفاجة. وفيها توفّي رومانوس ملك الروم وملك بعده رجل صيرفيّ ليس من بيت الملك وانما ابنة قسطنطين اختارته وتزوجته. وفي سنة سبع وعشرين واربعمائة توفّي الظاهر لاعزاز دين الله الخليفة العلويّ بمصر [2] وكان له مصر والشام والخطبة له بافريقية. وولي بعده ابنه ابو تميم ولقب المستنصر [3] بالله. وفي سنة تسع وعشرين واربعمائة دخل ركن الدين ابو طالب طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجوق مدينة نيسابور مالكا لها. وفي سنة ثلثين واربعمائة وصل الملك مسعود [4] من غزنة الى بلخ واجلى السلجوقية عن خراسان.

وفيها خطب شبيب بن وثاب النميريّ صاحب حرّان والرقّة للإمام القائم بأمر الله وقطع خطبة المستنصر بالله العلويّ المصريّ. وفي سنة اثنتين وثلثين واربعمائة اتفق انوستكين [5] الخصيّ البلخيّ في جماعة من الغلمان الدارية وثاروا بالملك مسعود وقبضوا عليه وأقاموا أخاه محمدا وسلّموا عليه بالامارة. فأحضر أخاه الملك مسعودا وقال له:

لا قابلتك على فعلك بي. وذلك لأنه كان سملة وأعماه. فانظر اين تريد ان تقيم حتى أحملك اليه ومعك أولادك وحرمك. فاختار قلعة كرى [6] فأنفذه إليها. ثم ان احمد

[1-) ] نصير ر نصر. وكذلك في الكامل لابن الأثير.

[2-) ] وكان عمره ثلاثا وثلاثين سنة وكانت خلافته ست عشرة سنة.

[3-) ] المستنصر. في احدى نسختي اكسفورد «المنتصر» .

[4-) ] كان السلطان مسعود شجاعا كريما محبا للعلماء. كثير الصدقة والإحسان الى اهل الحاجة وكان ملكه عظيما فسيحا ملك أصبهان والري وهمذان وما يليها من البلاد وملك طبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الراون وكرمان وسجستان والسند والرخج وغزنة وبلاد الغور والهند وأطاعه اهل البر والبحر.

[5-) ] في الكامل انوشتكين.

[6-) ] وفي نسخة كبرى. ويروى في الكامل كيكي. وروى ابن خلدون كيدي.

ص: 183

ابن محمد [1] دخل الى أبيه فطلب خاتمه ليختم به بعض الخزائن فأعطاه. فسار به غلمانه الى القلعة وأعطوا الخاتم لمستحفظيها وقالوا: معنا رسالة الى مسعود فأدخلوهم اليه فقتلوه.

فلما وصل الخبر الى مودود بن مسعود وهو بخراسان عاد مجدّا بعساكره الى غزنة فتصافّ هو وعمّه محمد فانهزم محمد وقبض عليه وعلى ولده احمد وانوستكين الخصيّ البلخيّ فقتلهم وقتل أولاد عمّه جميعهم وقتل كل من كان له في القبض على والده صنع. وفي سنة ثلث وثلثين واربعمائة ملك السلطان طغرلبك جرجان وطبرستان. وفيها توفّي ميخائيل ملك الروم وملك بعده ابن أخيه ميخائيل ايضا [2] . وفي سنة خمس وثلثين توفي الملك جلال الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه ببغداد [3] وملك ابو كاليجار ابن سلطان الدولة بن بهاء الدولة. وفي سنة تسع وثلثين وقع الصلح بين الملك كاليجار والسلطان طغرلبك. وفي سنة أربعين واربعمائة مات الملك ابو كاليجار ببغداد [4] وملك ابنه الملك الرحيم. وفي سنة احدى وأربعين ملك البساسيري الأنبار ودخلها أصحابه. وفيها مات مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة [5] وملك عمّه عبد الرشيد [6] . وفي سنة اثنتين وأربعين ملك السلطان طغرلبك أصفهان. وفي سنة ستّ وأربعين استولى طغرلبك على اذربيجان. وفي سنة سبع وأربعين وصل طغرلبك الى بغداد وخطب له بها. وفي سنة خمسين واربعمائة سار طغرلبك في اثر البساسيري ودبيس ومعهما أهلهما فأوقع بهم الأتراك وقتلوا البساسيري ودخلوا في الظعن فساقوه جميعه.

وكان البساسيري مملوكا تركيا من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة وهو منسوب الى بساسير مدينته [7] . وفي سنة احدى وخمسين اصّلح دبيس بن مزيد واحضر الى خدمة السلطان طغرلبك فأحسن اليه. وفي سنة خمس وخمسين سار السلطان طغرلبك من بغداد الى بلد الجبل فوصل الى الريّ فمرض بها وتوفي وكان عمره سبعين سنة تقريبا [8] وكان

[1-) ] ان احمد بن محمد ر ان ابن محمد أخيه.

[2-) ] هما ميخائيل الرابع والخامس.

[3-) ] كان مولده سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وملك ببغداد اثني عشرة سنة.

[4-) ] كان عمره أربعين سنة وشهورا.

[5-) ] وكان عمره تسعا وعشرين سنة وملكه تسع سنين وعشرة أشهر.

[6-) ] ولقب شمس دين الله سيف الدولة وقيل جمال الدولة.

[7-) ] اسمه ارسلان وكنيته ابو الحارث. وجاء في معجم البلدان ما نصه «بسا بالفتح ويعربونها فيقولون فسا مدينة بفارس. وذكر ابو العباس احمد بن علي بن بابه القاشي ان ارسلان البساسيري منسوب إليها.

قال: هكذا ينسب اهل فارس الى بسا بساسيري» .

[8-) ] وكانت مملكته بحضرة الخلافة ثمان سنين.

ص: 184

عقيما لم يلد ولدا. وملك بعده ألب ارسلان بن داود جعفري [1] اخي السلطان طغرلبك.

وفي سنة ثمان وخمسين ولدت صبية بباب الأزج ولدا برأسين ورقبتين ووجهين واربع أيد على بدن واحد. وفي سنة احدى وستين احترق جامع دمشق فدثرت محاسنه وزال ما كان فيه من الأعمال النفيسة. وكان سبب ذلك حرب وقعت بين المغاربة اصحاب المصريّين والمشارقة فضربوا دارا مجاورة للجامع بالنار فاحترقت واتصلت النار بالجامع.

وفي سنة ثلث وستين واربعمائة خرج رومانوس [2] ملك الروم الملقب ديوجانيس وهو اسم من اسماء الحكماء في مائة ألف ووافي بتجمّل [3] كثير وزيّ عظيم فوصل الى ملازكرد من اعمال خلاط [4] وكان السلطان ألب ارسلان بمدينة خونج من اذربيجان فسار اليه في خمسة عشر ألف فارس إذ لم يتمكن من جمع العساكر لبعدها وقرب العدوّ. فجدّ في السير فلما قرب العسكران أرسل السلطان الى رومانوس الملك يطلب منه المهادنة. فقال: لا أهادنه الّا بالريّ. فانزعج السلطان لذلك. فلما كان يوم الجمعة بعد الزوال صلّى وبكى فبكى الناس لبكائه. وقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف فما ههنا سلطان يأمر وينهى. وألقى القوس والنشّاب وأخذ السيف والدبّوس وعقد ذنب فرسه بيده وفعل عسكره مثله ولبس البياض وتحنّط وقال: ان قتلت فهذا كفني.

وزحف الى الروم وزحفوا اليه واشتدّ القتال فانهزم الروم وقتل منهم خلق وأسر الملك اسره بعض المماليك اسمه شادي وكان قد حضر عنده مع رسول فعرفه فلما رآه نزل وسجد له وقصد به السلطان. فضربه ثلث مقارع بيده وقال له: ألم أرسل إليك في المهادنة فأبيت. فقال: دعني من التوبيخ وافعل ما تريد. فقال السلطان: ما عزمت ان تفعل بي ان أسرتني. فقال: القبيح. قال له: فما تظنّ انني افعل بك. قال: امّا ان تقتلني وامّا ان تشهرني في بلادك. والاخرى بعيدة وهي العفو وقبول الأموال واصطناعي نائبا عنك. قال: ما عزمت على غير هذا. ففداه بألف ألف دينار وان يطلق كل أسير عنده من المسلمين. واستقرّ الأمر على ذلك وأجلسه معه على سريره وأنزله في خيمة وأرسل اليه عشرة آلاف دينار يتجهّز بها واطلق جماعة من البطارقة وخلع عليه وعليهم وسيّر معه عسكرا يوصلوه الى مأمنه وشيّعه فرسخا. واما الروم فلما بلغهم خبر الوقعة وثب

[1-) ] ويروى: جعدى.

[2-) ] هو رومانوس الرابع.

[3-) ] بتجمل ر بخيل.

[4-) ] يقال خلاط واخلاط.

ص: 185

ميخائيل [1] على المملكة فملك البلاد. فلما وصل رومانوس الملك الى قلعة دوقية بلغه الخبر فلبس الصوف وأظهر الزهد وأرسل الى ميخائيل يعرّفه ما تقرّر مع السلطان.

وجمع رومانوس ما عنده من المال وكان مائتي ألف دينار فأرسله الى السلطان وحلف له انه لا يقدر على غير ذلك. وفي أول سنة خمس وستين واربعمائة قصد السلطان ألب ارسلان محمد بن داود جغريبك ما وراء النهر فعقد على جيحون جسرا وعبر عليه في نيّف وعشرين يوما وعسكره يزيد على مائتي ألف فارس فأتاه أصحابه بمستحفظ قلعة اسمه يوسف الخوارزميّ وحمل الى قرب سريره مع غلامين. فتقدّم ان يضرب له اربعة أوتاد ويشدّ أطرافه إليها. فقال له يوسف: يا مخنّث مثلي يقتل هذه القتلة. فغضب السلطان وأخذ القوس والنشاب وقال للغلامين: خلّياه. فخليّاه. ورماه السلطان بسهم فأخطأه. فوثب يوسف يريده. فقام السلطان عن السرير ونزل عنه فعثر فوقع على وجهه. فبرك [2] عليه يوسف وضربه بسكين كانت معه في خاصرته. ونهض السلطان فدخل الى خيمة أخرى. وضرب بعض الفرّاشين يوسف بمرزبّة على رأسه فقتله. ولما جرح السلطان ألب ارسلان اوصى بالسلطنة لابنه ملكشاه وقام بوزارته نظام الملك [3] .

وفي سنة سبع وستين واربعمائة ليلة الخميس ثالث عشر شعبان توفي القائم بأمر الله. ولما أيقن بالموت احضر النقيبين وقاضي القضاة والوزير ابن جهير [4] واشهدهم على نفسه انه جعل ابن ابنه أبا القاسم عبد الله بن محمد بن القائم وليّ عهده. وكان عمر القائم ستا وسبعين سنة وثلثة أشهر وخلافته أربعا وأربعين سنة وتسعة أشهر.

وفي هذه السنين اشتهر بعلوم الأوائل ابو الريحان [5] محمد بن احمد البيروني متبحر في فنون الحكمة اليونانية والهندية وتخصّص بأنواع الرياضيات وصنّف فيها الكتب الجليلة ودخل الى بلاد الهند واقام بها عدّة سنين وتعلّم من حكمائها فنونهم وعلّمهم طرق اليونانيين في فلسفتهم. ومصنفاته كثيرة متقنة محكمة غاية الأحكام. وبالجملة لم يكن في نظرائه في زمانه وبعده الى هذه الغاية احذق منه بعلم الفلك ولا اعرف بدقيقه

[1-) ] هو ميخائيل السابع.

[2-) ] فبرك ر فركب.

[3-) ] كان ألب ارسلان بلغ من العمر أربعين سنة وشهورا وكانت مدة ملكه منذ خطب له بالسلطنة الى ان قتل تسع سنين وستة أشهر.

[4-) ] ويروى: جهين.

[5-) ] ر الحكيم الفارسي ابو الريحان.

ص: 186

وجليله. وعرف ايضا بالعلوم الحكمية ابو عليّ الحسين بن عبد الله بن سينا الشيخ الرئيس. وحكى عن نفسه قال: ان ابي كان رجلا من اهل بلخ وانتقل منها الى بخارا في ايام نوح بن منصور واشتغل بالتصرّف بقرية خرميثن وتزوج أمّي من قرية يقال لها أفشنة وولدت منها بها وولد اخي ثم انتقلنا الى بخارا وأحضرت معلّم القرآن والأدب وكملت العشر من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب. حتى كان يقضى مني العجب. وأخذ والدي يوجهني الى رجل كان يبيع البقل ويقوم بحساب الهند حتى اتعلمه منه. ثم جاء الى بخارا ابو عبد الله الناتلي [1] وكان يدّعي الفلسفة وأنزله ابي دارنا رجاء تعلّمي منه. فقرأت ظواهر المنطق عليه واما دقائقه فلم يكن عنده منها خبرة. ثم أخذت اقرأ الكتب على نفسي واطالع الشروح وكذلك كتاب اقليذس فقرأت من اوّله خمسة أشكال او ستة عليه ثم تولّيت حلّ الكتاب بأسره.

ثم انتقلت الى المجسطي. وفارقني الناتلي. ثم رغبت ف 0 علم الطبّ وصرت اقرأ الكتب المصنفة فيه وتعهدت المرضى فانفتح عليّ من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف وانا في هذا الوقت من أبناء ستّ عشرة سنة. ثم توفّرت على القراءة سنة ونصفا وكلّما كنت اتحيّر في مسألة ولم [2] أكن اظفر بالحدّ الأوسط في قياس تردّدت الى الجامع وصلّيت وابتهلت الى مبدع الكلّ حتى فتح لي المغلق منه والمتعسر. وكنت ارجع بالليل الى داري وأضع السراج بين يدي واشتغل بالقراءة والكتابة فمهما غلبني النوم او شعرت بضعف عدلت الى شرب قدح من الشراب ريثما تعود اليّ قوّتي ثم ارجع الى القراءة ومتى اخذني ادنى نوم احلم بتلك المسائل بأعيانها حتى ان كثيرا منها انفتح لي وجوهها في المنام. ولم أزل كذلك حتى أحكمت علم المنطق والطبيعيّ والرياضيّ.

ثم عدت الى العلم الالهيّ وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت افهم ما فيه والتبس عليّ غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظا وانا مع ذلك لا افهمه وأيست من نفسي وقلت: هذا كتاب لا سبيل الى فهمه. وإذا انا يوما حضرت وقت العصر في الورّاقين وبيد دلال مجلّد ينادي عليه فعرضه عليّ فرددته ردّ متبرّم معتقد ان لا فائدة في هذا العلم. فقال لي: اشتر مني هذا فانه رخيص أبيعكه بثلثة دراهم وصاحبه محتاج الى ثمنه. فاشتريته فإذا هو كتاب لابي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة. فرجعت الى بيتي وأسرعت قراءته فانفتح عليّ في الوقت أغراض ذلك

[1-) ] ويروى: البابلي والنابلي.

[2-) ] ولم ر او لم.

ص: 187

الكتاب بسبب انه قد صار لي على ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدّقت بشيء على الفقراء شكرا لله تعالى. فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها وكنت إذ ذاك للعلم احفظ ولكنه اليوم معي انضج والا فالعلم واحد لم يتجدّد لي.

بعده شيء. ثم مات والدي وتصرفت بي الأحوال وتقلدت شيئا من اعمال السلطان.

ودعتني الضرورة الى الارتحال من بخارا والانتقال عنها الى جرجان وكان قصدي الأمير قابوس فاتفق في اثناء هذا أخذ قابوس وحبسه وموته. ثم مضيت الى دهستان ومرضت بها مرضا صعبا وعدت الى جرجان وأنشأت في حالي قصيدة فيها بيت القائل:

لما عظمت فليس مصر واسعي

لما غلا ثمني عدمت المشتري

قال ابو عبيدة الجوزجاني [1] : الى ههنا انتهى ما حكاه الشيخ عن نفسه. وفي هذا الموضع اذكر انا بعض ما شاهدت من أحواله في حال صحبتي له والى حين انقضاء مدّته. قال: في مدة مقامه بجرجان صنّف اوّل القانون ومختصر المجسطيّ وغير ذلك.

ثم انتقل الى الريّ واتصل بخدمة السيدة وابنها مجد الدولة. ثم خرج الى قزوين ومنها الى همذان فاتصل بخدمة كدبانويه [2] وتولّى النظر في أسبابها. ثم سألوه تقلّد الوزارة فتقلّدها. ثم اتفق تشويش العسكر عليه وإشفاقهم منه على أنفسهم فكبسوا داره وأخذوه الى الحبس وأخذوا جميع ما كان يملكه وساموا الأمير شمس الدولة قتله فامتنع منه وعدل الى نفيه عن الدولة طلبا لمرضاتهم. فتوارى الشيخ في دار بعض اصدقائه أربعين يوما.

فعاد الأمير طلبه وقلّده الوزارة ثانيا. ولما توفّي شمس الدولة وبويع ابنه طلبوا ان يستوزر الشيخ فأبى عليهم وتوارى في دار ابي غالب العطّار وهناك اتى على جميع الطبيعيات والإلهيات ما خلا كتابي الحيوان والنبات من كتاب الشفاء. وكاتب علاء الدولة سرا يطلب المسير اليه فاتّهمه تاج الملك بمكاتبته وأنكر عليه ذلك وحثّ في طلبه.

فدلّ عليه بعض أعدائه فأخذوه وأدّوه الى قلعة يقال لها بردجان [3] وأنشأ هناك قصيدة فيها:

دخولي باليقين [4] كما تراه

وكلّ الشكّ في امر الخروج

وبقي فيها اربعة أشهر. ثم أخرجوه وحملوه الى همذان ثم خرج منها متنكرا وانا

[1-) ] الجوزجاني ر الجورجاني.

[2-) ] ويروى: كربانويه وكذبانويه.

[3-) ] بردجان ر بردوان.

[4-) ] دخولي باليقين ر في احدى نسختي اكسفرد: دخول النفس فيك.

ص: 188

واخوه وغلامان معه في زيّ الصوفيّة الى ان وصلنا الى أصفهان فصادف في مجلس علاء الدولة الإكرام والإعزاز الذي يستحقه مثله. وصنّف هناك كتبا كثيرة. (قال) وكان الشيخ قويّ القوى كلها وكانت قوة المجامعة من قواه الشهوانيّة أقوى واغلب وكان كثيرا ما يشتغل به فأثّر في مزاجه. وكان سبب موته قولنج عرض له ولحرصه على برئه حقن نفسه في يوم واحد ثماني مرّات فتقرّح بعض امعائه وظهر به سحج وعرض له الصرع الذي قد يتبع القولنج وصار من الضعف بحيث لا يقدر على القيام. فلم يزل يعالج نفسه حتى قدر على المشي لكنه مع ذلك لا يتحفظ ويكثر التخليط في أمر المعالجة ولم يبرأ من العلّة كل البرء وكان ينتكس ويبرأ كل وقت. ثم قصد علاء الدولة همذان وسار معه الشيخ فعاودته في الطريق تلك العلّة الى ان وصل الى همذان وعلم ان قوّته قد سقطت وانها لا تفي بدفع المرض فأهمل مداواة نفسه وأخذ يقول: المدبّر الذي كان يدبّرني قد عجز عن التدبير والآن فلا تنفع المعالجة. وبقي على هذا أياما ثم انتقل الى جوار ربّه ودفن بهمذان وكان عمره ثمانيا وخمسين سنة وكان موته في سنة ثمان وعشرين واربعمائة. وفيه قال بعضهم:

ما نفع الرئيس من حكمه الطبّ

م ولا حكمه على النيّرات

ما شفاه الشفاء [1] من ألم المو

ت ولا نجّاه كتاب النّجاة

وقيل أول حكيم توسّم بخدمة الملوك ارسطوطاليس وكان الحكماء قبله مثل فيثاغوروس وسقراطيس وأفلاطون يترفّعون عن ذلك ولا يقربون أبواب السلاطين. والدليل على ذلك ان بعض ملوك اليونانيين كان مجتازا بمكان كان فيه سقراطيس جالسا فلما دنا بقربه وهو لم ينهض ولم يتحرّك من مكانه ولا يلتفت فأقبل اليه بعض الغلمان فركله برجله.

فقال له: لم تركلني. قال له: اما تبصر الملك كيف لا تنهض وتقوم له. اجابه سقراطيس قائلا: كيف أقوم لعبد عبدي. فالتفت الملك الى مشاجرتهما فاستدعى به فحمل اليه فقال له: اي شيء قلت:. قال: قلت لا أقوم لعبد عبدي. قال الملك:

وانا عبد عبدك. قال: نعم ايها الملك أنت استعبدتك الدنيا وأنت خادمها وانا زهدتها واستعبدتها فهي عبدي وأنت عبدها. فالملك استحسن له ذلك وتقدّم بالإحسان اليه فلم يقبل. قيل وأول حكيم شغف بشرب الخمر واستفراغ القوى الشهوانية الشيخ الرئيس ابو عليّ بن سينا. ثم اقتدى به في الانهماك من كان بعده فهذان غيّرا السنّة الفلسفية.

وقيل ان شيخ الشيخ ابي عليّ في الطبّ ابو سهل المسيحيّ وكان طبيبا فاضلا منطقيا

[1-) ] الشفاء كتاب جليل من تأليف ابن سينا.

ص: 189

عالما بعلوم الأوائل مذكورا في بلد خراسان له كنّاش يعرف بالمائة كتاب مشهور.

مات وعمره أربعون سنة.

وفي سنة خمس وثلثين واربعمائة توفّي ابو الفرج عبد الله بن الطيّب وهو عراقي فيلسوف فاضل مطّلع على كتب الأوائل وأقاويلهم وعني بشروح الكتب القديمة في المنطق وانواع الحكمة من تآليف ارسطوطاليس ومن الطبّ كتب جالينوس وبسط القول في الشروح بسطا شافيا قصد به التعليم والتفهيم. قال القاضي الأكرم جمال الدين القفطي رحمه الله: لقد رأيت بعض من ينتحل هذه الصناعة يذمّ أبا الفرج بن الطيّب بالتطويل وكان هذا العائب يهوديا ضيّق الفطن قد وقف مع عبارة ابن سينا. فامّا انا وكل مصنّف فلا يقول الا ان أبا الفرج بن الطيّب قد أحيا من هذه العلوم ما دثر وابان منها ما خفي. وقد تلمذ له جماعة سادوا وافادوا منهم المختار بن الحسن بن عبدون المعروف بابن بطلان. قال ابن بطلان: ان شيخنا ابو الفرج ابن الطيّب بقي عشرين سنة في تفسير ما بعد الطبيعة ومرض من الفكر فيه مرضة كان [1] تلفّظ نفسه فيها وهذا يدلّك على شدّة حرصه واجتهاده وطلب العلم لعينه [2] . وابن بطلان هذا فهو طبيب نصرانيّ بغداديّ وكان مشوّه الخلقة غير صبيحها كما شاء الله منه وفضل في علم الأوائل وكان يرتزق بصناعة الطب وخرج عن بغداد الى الموصل وديار بكر ودخل حلب وأقام بها مدّة وما حمدها وخرج عنها الى مصر فأقام بها مدّة قريبة واجتمع بابن رضوان المصريّ الفيلسوف في وقته وجرت بينهما منافرة احدثتها المغالبة في المناظرة. وخرج ابن بطلان عن مصر مغضبا على ابن رضوان وورد انطاكية وأقام بها وقد سئم كثرة الاسفار وضاق عطنه عن معاشرة الأغمار فغلب على خاطره الانقطاع فنزل بعض الاديرة [3] بأنطاكية وترهّب وانقطع الى العبادة الى ان توفي سنة اربع وأربعين واربعمائة. ومن مشاهير تصانيف ابن بطلان كتاب تقويم الصحة مجدول [4] وكتاب دعوة الأطباء مقامة ظريفة. ورسالة اشتراء الرقيق. ولمّا جرى لابن بطلان بمصر مع ابن رضوان ما جرى كتب اليه ابن بطلان رسالة يقطعه فيها ويذكر معايبه ويشير الى جهله بما يدّعيه من علم الأوائل ورتّبها على سبعة فصول الاول فضل من لقي الرجال على من درس في

[1-) ] كان ر كاد.

[2-) ] لعينه ر بعينه.

[3-) ] الاديرة ر الديرة.

[4-) ] مجدول ر بجدول.

ص: 190

الكتب. الثاني في ان الذي علم المطالب من الكتب علما رديئا شكوكه بحسب علمه يعسر حلّها. الثالث في ان اثبات الحق في عقل لم يثبت فيه المحال أسهل من إثباته عند من ثبت في عقله المحال. الرابع في ان من عادات الفضلاء عند قراءاتهم كتب القدماء ان لا يقطعوا في مصنّفها بطعن إذا رأوا في المطالب تباينا وتناقضا لكن يخلدوا الى البحث والتطلّب. الخامس في مسائل مختلفة صادرة عن براهين صحيحة من مقدمات صادقة يلتمس أجوبتها بالطريقة البرهانية. السادس في تصفّح مقالته في المباهلة التي ضمن فيها: انني اسأله ألف مسئلة ويسألني مسألة واحدة. السابع في تتبّع مقالته في النقطة الطبيعية والتعيين على موضع الشبهة في هذه التسمية. وختم الرسالة بقوله:

وليتحقق ان اللذة بمضغ الكلام لا تفي بغصّة الجواب. فان لنا موقف حساب. ومجمع ثواب وعقاب. يتظلم فيه المرضى الى خالقهم. ويطالبون الأطباء بالاغلاط القاضية في هلاكهم. وانهم لا يسامحون الشيخ كما سامحته بسبّي ولا يغضون عنه كما اغضيت عن ثلب عرضي. فليكن من لقائهم على يقين. ويتحقق انهم لا يرضون منه الا بالحق المبين. والله يوفقنا وإياه للعمل بطاعته والتقرّب اليه بابتغاء مرضاته وهو حسبي ونعم الوكيل. وذكر ابن بطلان في الفصل الرابع من رسالته الى ابن [1] رضوان حكاية ظريفة وجب إيرادها ههنا قال: انني حضرت مع تلميذ من تلامذة الشيخ يعني الشيخ ابن رضوان ظاهر التجمّل بادي الذكاء ان صدقت الفراسة فيه بحضرة الأمير ابي عليّ ابن جلال الدولة بن عضد الدولة فناخسرو في حمّى نائبة أخذت اربعة ايام ولا تبدو ببرد وتقشع بنداوة وقد سقاه ذلك الطبيب دواء مسهلا وهو عازم على فصده من بعد على عادة المصريّين في تأخير الفصد بعد الدواء واطعام المريض القطائف بجلّاب في نوب الحمّى. فسألت الطبيب مستخبرا عن الحمّى. فقال بلفظة المصريين: نعم سيدي حمّى يوم مركبة من دم وصفراء نائبة اربعة ايام فلما سقيناه الدواء تحلّل الدم وبقيت الصفراء ونحن على فصده لنأمن الصفراء بمشيئة الله. فذهبت لا اعلم مما اعجب أمن كون حمّى يوم تنوب في اربعة ايام بعلامات المواظبة أم من كونها من أخلاط مركبّة أم من الدواء الذي حلّل الدم الغليظ وترك الصفراء اللطيفة. وما اشبّه ذلك من حكايته الا بما سمعت بأنطاكية ان طبيبا روميّا شارط مريضا به غبّ خالصة على برئه دراهم معلومة وأخذ في تدبيره بما غلظ المادة فصارت شطر غب بعد ما كانت خالصة.

فأنكروا ذلك عليه وراموا صرفه فقال: انني استحق نصف الكراء لان الحمّى ذهب

[1-) ] الى ابن ر عن ابن.

ص: 191