الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملوك العراق من بني بويه واختلفت به الأيام ما بين رفع ووضع وتقديم وتأخير واعتقال واطلاق. وتوفي سنة اربع وثمانين وثلاثمائة. قال ابو حيّان التوحيديّ: سألني وزير صمصام الدولة بن عضد الدولة عن زيد بن رفاعة في حدود سنة ثلث وسبعين وثلاثمائة وقال: لا أزال اسمع من زيد بن رفاعة قولا يريبني ومذهبا لا عهد لي به. وقد بلغني انك تغشاه وتجلس اليه وتكثر عنده. ومن طالت عشرته لإنسان أمكن اطلاعه على مستكنّ رأيه. فقلت: ايها الوزير هناك ذكاء غالب وذهن وقّاد. قال: فعلى هذا ما مذهبه. قلت: لا ينسب الى شيء لكنه قد اقام بالبصرة زمانا طويلا وصادف بها جماعة لاصناف العلم فصحبهم وخدمهم وكانت هذه العصابة قد تألّفت بالعشرة وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة فوضعوا بينهم مذهبا زعموا انهم قرّبوا به الطريق الى الفوز برضوان الله وذلك انهم قالوا: ان الشريعة قد تدنّست بالجهالات واختلطت بالضلالات ولا سبيل الى غسلها وتطهيرها الّا بالفلسفة وزعموا انه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال وصنفوا خمسين رسالة في خمسين نوعا من الحكمة ومقالة حادية وخمسين جامعة لانواع المقالات على طريق الاختصار والإيجاز وسمّوها رسائل اخوان الصفا وكتموا فيها أسماءهم وبثّوها في الورّاقين ووهبوها للناس وحشوا هذه الرسائل بالكلمات الدينية والأمثال الشرعية والحروف المجتمعة [1] والطرق المموهة [1] وهي مبثوثة [2] من كل فنّ بلاد إشباع ولا كفاية وفيها خرافات وكنايات وتلفيقات وتلزيقات فتعبوا وما أغنوا وغنّوا وما اطربوا ونسجوا فهلهلوا ومشطوا ففلفلوا وبالجملة فهي مقالات مشوّقات غير مستقصاة ولا ظاهرة الادلّة والاحتجاج. ولما كتم مصنّفوها أسماءهم اختلف الناس في الذي وضعها فكل قوم قالوا قولا بطريق الحدس والتخمين. فقوم قالوا: هي من كلام بعض الأئمّة العلويّين. وقال آخرون: هي تصنيف بعض متكلّمي المعتزلة في العصر الاول.
(القادر بن اسحق بن المقتدر)
لما قبض الطائع ذكر بهاء الدولة من يصلح للخلافة واتفقوا على القادر بالله ابي العباس احمد بن اسحق المقتدر وكان بالبطيحة. ولما وصل الرسل اليه كان تلك الساعة يحكي مناما رآه تلك الليلة يدلّ على خلافته. فبويع له يوم حادي عشر من شهر رمضان سنة احدى وثمانين وثلاثمائة. وفيها مات سعد الدولة ابن سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب بالقولنج وولي بعده ابنه ابو الفضائل ووصّى
[1-) ] المجتمعة ر المجملة. المموهة ر الموهمة.
[2-) ] مبثوثة ر مثبوتة.
ابن العبري- 12
الى لؤلؤة به وبسائر اهله. وفي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة نزل ملك الروم بارمينية وحصر خلاط وملازكرد [1] وأرجيش فضعفت نفوس الناس عنه ثم هادنه ابو عليّ الحسن ابن مروان مدة عشر سنين وعاد ملك الروم. وفي سنة ست وثمانين وثلاثمائة توفّي العزيز العلوي صاحب مصر وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر بمدينة بلبيس [2] وولي بعده ابنه ابو عليّ المنصور ولقّب الحاكم بأمر الله. وكان العزيز يحبّ العفو ويستعمله فمن حلمه انه كان بمصر شاعر كثير الهجاء فهجاء يعقوب بن كلس الوزير وأبا نصر كاتب الإنشاء فقال:
قل لابي نصر كاتب القصر
…
والمتأني لنقض ذا الأمر
انقض عرى الملك للوزير تفز
…
منه بحسن الثنا والذكر
وأعط وأمنع ولا تخف أحدا
…
فصاحب القصر ليس بالقصر
وليس يدري ماذا يراد به
…
وهو إذا ما درى فما يدري
فشكاه الوزير الى العزيز وأنشده الشعر. فقال له: هذا شيء اشتركنا في الهجاء به فشاركني في العفو عنه. وفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة توفّي الأمير نوح بن منصور صاحب بخارا وولي الأمر بعده ابنه منصور. وفيها مات سبكتكين [3] وملك بعده إسماعيل. ثم أرسل اليه وهو بغزنة [4] اخوه يمين الدولة محمود من نيسابور يعرّفه [5] ان أباه انما عهد اليه لبعده عنه ويذكّره ما يتعيّن من تقديم الكبير. فلم يجبه الى ذلك.
فسار اليه وقاتله وقبض عليه ثم أعلى منزلته وشركه في الملك [6] . وفيها مات فخر الدولة ابن ركن الدولة بن بويه وقام بملكه بعده ولده مجد الدولة ابو طالب رستم وعمره اربع سنين وكان المرجع الى امّه في تدبير الملك وعن رأيها يصدرون. وفيها توفّي مأمون ابن محمد صاحب خوارزم وولي الأمر بعده ولده عليّ. وفي سنة احدى واربعمائة خطب قرواش بن المقلد امير بني عقيل للحاكم العلويّ صاحب مصر بأعماله كلّها وهي الموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها. وفي سنة ثلث واربعمائة قتل شمس المعالي
[1-) ] ملازكرد ر ملاسكرد.
[2-) ] وكانت خلافته احدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفا ومولده بالمهدية من افريقية.
[3-) ] وكانت مدة ملكه عشرين سنة ودام ملك بيته مدة طويلة جازت مدة ملك السامانية والسلجوقية وغيرهم.
[4-) ] وهو بغزنة ر يعزّيه.
[5-) ] يعرفه ر وذكر.
[6-) ] كان يمين الدولة محمود أول من لقّب بالسلطان ولم يلقب به احد قبله.
قابوس بن وشمكير [1] وكان سبب قتله انه كان مع كثرة فضائله ومناقبه عظيم السياسة شديد الأخذ قليل العفو يقتل على الذنب اليسير. فضجر أصحابه منه ومضوا اليه الى الدار التي هو فيها وقد دخل الى الطهارة متخففا فأخذوا ما عليه من كسوة وكان الزمان شتاء وكان يستغيث: اعطوني ولو جلّ فرس. فلم يفعلوا فمات من شدّة البرد. وولي بلاده ابنه منوجهر ولقب فلك [2] المعالي. وكان قابوس عزيز [3] الأدب وافر العلم له رسائل وشعر حسن [4] وكان عالما بالنجوم وغيرها من العلوم. وفيها توفّي بهاء الدولة ابن عضد الدولة بن بويه وهو الملك حينئذ بالعراق [5] وولي الملك بعده ابنه سلطان الدولة ابو شجاع. وفي سنة سبع واربعمائة قتل [6] خوارزمشاه ابو العبّاس مأمون بن مأمون وملك يمين الدولة خوارزم. وفي سنة ثماني واربعمائة خرج الترك من الصين في عدد كثير يزيدون على ثلاثمائة ألف خركاه وملكوا بعض البلاد وغنموا وسبوا وبقي بينهم وبين بلاساغون [7] ثمانية ايام. ولما سمعوا بجمع عساكر طغان خان عادوا الى بلادهم.
فسار خلفهم نحو ثلثة أشهر حتى أدركهم وهم آمنون لبعد المسافة فكبسهم وقتل منهم زيادة على مائتي ألف رجل وغنم من الدوابّ واواني الذهب والفضة ومعمول الصين ما لا عهد لأحد بمثله. وفي سنة احدى عشرة واربعمائة عظم امر ابي عليّ مشرّف الدولة ابن بهاء الدولة ثم ملك العراق وأزال عنه أخاه سلطان الدولة. وفيها فقد الحاكم بن العزيز ابن المعزّ العلويّ صاحب مصر بها ولم يعرف له خبر. وقيل انه خرج يطوف ليلته على رسمه وعادته وأصبح عند قبر الفقاعيّ وتوجه الى شرقيّ حلوان ومعه ركابيّان فأعادهما فعادا وذكرا انهما خلّفاه عند العين وبقي الناس على رسومهم يخرجون كل يوم يلتمسون رجوعه. فلما أبطأ خرج جماعة من خواصّه فبلغوا حلوان [8] ودخلوا في الجبل فبصروا بالحمار
[1-) ] وشمكير ر وشكمير.
[2-) ] فلك ر ملك.
[3-) ] عزيز ر غزير. وهي الرواية الصحيحة.
[4-) ] ومن جيد شعره ما قاله في المصائب وصروف الدهر:
قل للذي بصروف الدهر عيّرنا
…
هل عاند الدهر الّا من له خطر
اما ترى البحر يطفو فوقه جيف
…
وتستقرّ بأقصى قعره الدرر
فان تكن نشبت ايدي الخطوب بنا
…
ومسّنا من توالي صرفها ضرر
ففي السماء نجوم لا عداد لها
…
وليس يكسف الّا الشمس والقمر
[5-) ] وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وتسعة أشهر ونصفا وملكه أربعا وعشرين سنة.
[6-) ] قتله غيلة أمراء دولته بعد ان نهوه عن الخطبة ليمين الدولة على منابر بلاده.
[7-) ] بلاساغون بلد عظيم في ثغور الترك وراء نهر سيحون قريب من كاشغر.
[8-) ] حلوان ر عسفان.
الذي كان عليه وقد ضربت يداه بسيف وعليه سرجه ولجامه. فاتبعوا الاثر فانتهى بهم الى البركة فرأوا ثيابه وهي سبع قطع صوف وهي مزرّرة بحالها لم تحلّ وفيها اثر السكاكين فعادوا ولم يشكّوا في قتله. وكان عمره سبعا وثلثين سنة وولايته خمسا وعشرين سنة.
وكان جوادا بالمال سفّاكا للدماء وكانت سيرته عجيبة أمر بسبّ الصحابة وكتب الى سائر عمّاله بذلك. ثم أمر بعد ذلك بمدّة بالكفّ عن السبّ وهدم بيعة القيامة ببيت المقدس ثم عاد بناها. وحمل اهل الذمّة على الإسلام او المسير الى مأمنهم او لبس الغيار فأسلم كثير منهم. ثم كان الرجل منهم بعد ذلك يلقاه فيقول له: أريد العود الى ديني فيأذن له. ومنع النساء عن الخروج من بيوتهنّ وقتل من خرج منهنّ. فشكا اليه من لا قيّم لها يقوم بأمرها فأمر الناس ان يحملوا كلّما يباع في الأسواق الى الدروب ويبيعوه على النساء وأمر من يبيع ان يكون معه شبه المغرفة بساعد طويل يمدّه الى المرأة وهي من وراء الباب وفيه ما تشتريه فإذا رضيته وضعت الثمن في المغرفة وأخذت ما فيها لئلّا يراها. فنال الناس من ذلك شدّة عظيمة. ولما عدم الحاكم بويع ابنه ابو الحسن عليّ وهو صبيّ ولقّب الظاهر لاعزاز دين الله وباشرت ستّ الملك اخت الحاكم الأمور بنفسها وقامت هيبتها عند الناس واستقامت الأمور. وعاشت بعد الحاكم اربع سنين وماتت. وفي سنة اربع عشرة واربعمائة استولى علاء الدولة ابو جعفر بن كاكويه على همذان وملكها. وفيها توفّي عليّ بن هلال المعروف بابن البوّاب الكاتب المشهور واليه انتهى الخطّ. وفي سنة خمس عشرة في شوّال توفّي الملك سلطان الدولة بشيراز [1] وملك بعده ابنه ابو كاليجار. وفي سنة ستّ عشرة واربعمائة توفّي الملك مشرّف الدولة ابو عليّ بن بهاء الدولة [2] وخطب ببغداد لأخيه ابي طاهر جلال الدولة. وفيها ملك نصير الدولة [3] بن مروان صاحب ديار بكر مدينة الرها وكانت لرجل من بني نمير يسمّى عطيرا وفيه شرّ وجهل فكتب الرهاويّون ليسلّموا اليه البلد فسيّر إليهم نائبا كان بآمد يسمّى زنكي فتسلّمها وقتل عطيرا. وفي سنة عشرين واربعمائة أوقع يمين الدولة بالاتراك الغزّيّة أصحاب ارسلان بن سلجوق وكانوا يفسدون بخراسان وينهبون فيها فأرسل إليهم جيشا فسبوهم واجلوهم عن خراسان فسار منهم اهل ألفي خركاه فلحقوا باصفهان. واما طغرلبك وداود وأخوهما بيغو وهم بنو ميكائيل بن سلجوق بن تقاق فإنهم كانوا بما وراء النهر وطائفة من الغزّ الذين كانوا بخراسان وصلوا الى اذربيجان وساروا
[1-) ] كان عمره اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر.
[2-) ] وعمره ثلاث وعشرون سنة وثلاثة أشهر وملكه خمس سنين وخمسة وعشرون يوما.
[3-) ] يروي في الكامل نصر الدولة.
الى مراغة فدخلوها وأحرقوا جامعها وقتلوا من عوامّها مقتلة عظيمة ومن الأكراد الهذبانية [1] ثم سار طائفة منهم الى الريّ وطائفة الى همذان فملكوها. وفيها ملك الغزّ الموصل ووثب بهم اهل الموصل. وفي سنة احدى وعشرين واربعمائة مات يمين الدولة [2] محمود بن سبكتكين وملك ولده محمد [3] ثم خلعه اخوه مسعود وولي مكانه. وفي سنة اثنتين وعشرين واربعمائة في ذي الحجة توفّي الامام القادر بالله وعمره ستّ وثمانون سنة وعشرة أشهر وخلافته احدى وأربعون وسنة. وكانت الخلافة قبله قد طمع فيها الديلم والأتراك فلما وليها ألقى الله هيبته في قلوب الخلق فأطاعوه احسن طاعة. وكان حليما كريما ديّنا وكان يخرج من داره في زيّ العامّة ويزور قبور الصالحين كقبر معروف وغيره.
وفي سنة ثماني وأربعين وثلاثمائة انتقل الى العراق محمد بن محمد بن يحيى بن الوفاء [4] البوزجاني من بلد نيسابور قرأ عليه الناس واستفادوا وصنف كتبا جمّة في العلوم العدديّة والحسابيّة وله كتاب مجسطي وفسّر كتاب ديوفنطوس في الجبر والمقابلة.
وفي سنة ثماني وتسعين وثلاثمائة توفّي ابو عليّ عيسى بن زرعة النصرانيّ اليعقوبيّ المنطقيّ ببغداد وهو احد المتقدمين في علم المنطق والفلسفة وأحد النقلة المجودين وله تصانيف مذكورة ونقول من السرياني الى العربي.
ومن الأطباء المتقدمين بالديار المصريّة منصور بن مقشر ابو الفتح المصريّ النصرانيّ وله منزلة سامية من اصحاب القصر ولا سيما في ايام العزيز منهم. واعتلّ منصور هذا في ايام العزيز في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وتأخر عن الركوب فلما تماثل منصور ابن مقشر كتب اليه العزيز بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم طبيبنا سلّمه الله سلام الله الطيّب وأتمّ النعمة عليه. وصلت إلينا البشارة بما وهبه الله من عافية الطبيب وبرئه.
والله العظيم لقد عدل عندنا ما رزقناه نحن من الصحة في جسمنا. أقالك الله العثرة واعادك الى أفضل ما عوّدك من صحة الجسم وطيبة النفس وخفض العيش بحوله وقوته.
وخدم منصور هذا بعد العزيز الحاكم ابنه ايضا. واتفق ان عرض لرجل الحاكم عقد
[1-) ] الهذبانية ر الهرائيّة.
[2-) ] كان مولده سنة ستين وثلاثمائة.
[3-) ] كان لقبه جلال الدولة.
[4-) ] ويروى: ابو البقاء. والصواب ابو الوفاء.
زمن ولم يبرأ. فكان ابن مقشّر وغيره من أطباء الخاص المشاركين له يتولّون علاجه فلا يؤثر ذلك الا شرّا في العقد. فأحضر له جرائحيّ يهوديّ كان يرتزق بصناعة مداواة الجراح في غاية الخمول. فلما رأى العقد طرح عليه دواء يابسا فشقّه وشفاه في ثلثة ايام.
فأطلق له الحاكم ألف دينار وخلع عليه ولقبّه بالحقير النافع وجعله من أطباء الخاصّ.
ولما ولي الحاكم الأمر بمصر وكان يميل الى الحكمة بلغه خبر ابي عليّ بن الحسين بن الهيثم المهندس البصريّ انه صاحب تصانيف في علم الهندسة عالم بهذا الشأن متقن له متفنّن فيه قائم بغوامضه ومعانيه. فتاقت نفسه الى رؤيته. ثم نقل له عنه انه قال:
لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص. فازداد الحاكم اليه شوقا وسيّر اليه سرا جملة من مال فارغبه في الحضور. فسار نحو مصر ولما وصلها خرج الحاكم للقائه والتقيا بقرية على باب القاهرة المعزّيّة تعرف بالخندق وأمر بإنزاله وإكرامه واقام ريثما استراح وطالبه بما وعد به من أمر النيل فسار معه جماعة من الصنّاع ليستعين بهم على هندسة كانت خطرت له. ولما سار الى الإقليم بطوله ورأى آثار من تقدّم من ساكنيه من الأمم الخالية وهي على غاية من احكام الصنعة وجودة الهندسة وما اشتملت عليه من أشكال سماوية ومثالات هندسية وتصوير معجز تحقّق ان الذي يقصده ليس بممكن فان من تقدّمه لم يعزب عنهم علم ما علمه ولو أمكن لفعلوا. فانكسرت همّته ووقف خاطره. ووصل الى الموضع المعروف بالجنادل قبليّ مدينة أسوان وهو موضع مرتفع ينحدر فيه ماء النيل فعاينه وباشره واختبره من جانبيه فوجد أمره لا يمشي على موافقة مراده وتحقق الخطأ عمّا وعد به وعاد منخجلا منخذلا واعتذر بما قبل الحاكم ظاهره ووافقه عليه. ثم ان الحاكم ولّاه بعض الدواوين فتولّاها رهبة لا رغبة. وتحقق الغلط في الولاية لكثرة استحالة الحاكم وإراقته الدماء بغير سبب او بأضعف سبب من خيال مخيلة. فأجال ابو الحسن بن الهيثم فكرته في أمر يتخلّص به فلم يجد طريقا الى ذلك الا إظهار الجنون والخيال فاعتمد ذلك وشاع.
فأحيط على موجودة بيد الحاكم ونوّابه. وجعل برسمه من يخدمه ويقوم بمصالحه وقيّد وترك في موضع من منزله. ولم يزل على ذلك الى ان مات الحاكم. وبعد ذلك بيسير أظهر العقل وعاد الى ما كان عليه وأقام متنسكا منقبعا [1] واشتغل بالتصنيف والنسخ والافادة وكان له خطّ قاعد في غاية الصحة. وحكي عنه انه كان ينسخ في مدّة سنة ثلثة كتب في ضمن أشغاله وهي اقليذس والمتوسطات والمجسطي ويشكلها فإذا شرع
[1-) ] منقبعا ر مقبعا.