الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقباء الديلم فتناولا يد المستكفي فظن انهما يريدان تقبيلها فمدها إليهما فجذباه عن سريره وجعلا عمامته في حلقه وساقاه ماشيا الى دار معزّ الدولة فاعتقل بها. وأخذت علم القهرمانة فقطع لسانها. وكانت مدة خلافة المستكفي سنة واحدة واربعة أشهر وما زال مغلوبا على أمره مع توزون وابن شير زاد. ولما بويع المطيع سلّم اليه المستكفي فسمله وأعماه وبقي محبوسا الى ان مات [1] .
وكان في هذا الزمان من الأطباء المشهورين هلال بن ابراهيم ابن زهرون [2] الصابي الحرّاني الطبيب نزيل بغداد وكان حاذقا عاقلا صالح العلاج متفننا تقدّم عند اجلّاء بغداد وخالطهم بصناعته وخدم امير الأمراء توزون. وحكى عنه ولده ابراهيم قال:
رأيت والدي في يوم من ايام خدمته لتوزون وقد خلع عليه وحمله على بغل حسن بمركب ثقيل ووصله بخمسة آلاف درهم وهو مع ذلك مشغول القلب متقسم الفكر. فقلت له:
ما لي أراك يا سيدي مهموما ويجب ان تكون في مثل هذا اليوم مسرورا. فقال: يا ابني هذا الرجل يعني توزون جاهل يضع الأشياء في غير موضعها ولست افرح بما يأتيني منه من جميلة عن غير معرفة. أتدري ما سبب هذه الخلعة. قلت: لا. قال: سقيته دواء مسهلا فحاف عليه فأسحجه فقام عدة مرار مجالس دما عبيطا حتى تداركته بما أزال ذلك عنه وكفي المحذور فيه فاعتقده بجهله ان في خروج ذلك الدم صلاحا له فأنعم عليّ بما تراه ولست آمن ان يستشعر في السوء من غير استحقاق فتلحقني منه الأذية.
(المطيع بن المقتدر)
هو ابو القاسم الفضل بن المقتدر. بويع له يوم الخميس ثاني عشر [3] جمادى الآخرة سنة اربع وثلثين وثلاثمائة وازداد أمر الخلافة إدبارا ولم يبق للخليفة وزير انما كان له كاتب يدبّر اقطاعه واخراجاته [4] وبالجملة لم يبق بيد المطيع الّا ما اقطعه معزّ الدولة مما يقوم ببعض حاجاته. وفي هذه السنة في ذي الحجة مات الإخشيد صاحب ديار مصر بدمشق وولي الأمر بعده ابنه ابو جور واستولى على الأمر كافور الخادم الأسود. فسار كافور الى مصر. فقصد سيف الدولة دمشق فملكها.
ثم جاء كافور من مصر فأخرج اهل دمشق سيف الدولة عنهم. وفي سنة سبع وثلثين سار سيف الدولة بن حمدان الى بلد الروم فلقيه الروم واقتتلوا فانهزم سيف الدولة وأخذ
[1-) ] كانت وفاته في ربيع الاول سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.
[2-) ] زهرون ر هارون.
[3-) ] ثاني عشر ر ثاني عشرين.
[4-) ] اخراجاته ر خراجاته.
الروم مرعش وأوقعوا بأهل طرسوس. وفي سنة ثماني وثلثين وثلاثمائة توالت على عماد الدولة عليّ بن بويه الأسقام بمدينة شيراز فلما احس بالموت ولم يكن له ولد أنفذ الى أخيه ركن الدولة يطلب منه ان ينفذ اليه ابنه عضد الدولة فناخسروا ليجعله وليّ عهده.
فوصل اليه فأجلسه في داره على السرير ووقف هو بين يديه وأمر الناس بالانقياد له وكان يوما عظيما مشهودا. وفي سنة تسع وثلثين وثلاثمائة دخل سيف الدولة بن حمدان الى بلاد الروم فغزا وأوغل فيها وسبى وغنم. فلما أراد الخروج أخذوا عليه المضايق فهلك من كان معه من المسلمين اسرا وقتلا واستردّ الروم الغنائم والسبي وغنموا أثقال المسلمين وأموالهم ونجا سيف الدولة في عدد يسير. وفي سنة ثلث وأربعين وثلاثمائة مات الأمير نوح بن نصر الساماني في ربيع الآخر وملك خراسان بعده ابنه عبد الملك. وفيها غزا سيف الدولة ابن حمدان بلاد الروم وقتل ابن نيقيفور الدمستق فعظم الأمر عليه. فجمع عساكر كثيرة من الروم والروس والبلغار وقصد الثغور فسار اليه سيف الدولة فالتقوا واشتدّ القتال بينهم وصبر الفريقان. ثم انتصر المسلمون وانهزم الروم واستوسر صهر الدمستق وابن ابنة. وفي سنة تسع وأربعين وثلاثمائة غزا ايضا سيف الدولة بلاد الروم وسبى وغنم وأسر وبلغ الى خرشنة. ثم ان الروم أخذوا عليه المضايق فلما أراد الرجوع قال له من معه من اهل طرسوس: الرأي ان لا تعود في الدرب الذي دخلت منه ولكن ترجع معنا في مسالك نعرفها. فلم يقبل منهم وكان معجبا برأيه يحبّ ان يستبدّ ولا يشاور أحدا لئلّا يقال انه أصاب برأي غيره وعاد في الدرب الذي دخل منه. فظهر الروم عليه واستردوا ما معه من الغنائم ووضعوا السيف في أصحابه فأتوا عليهم قتلا واسرا وتخلّص هو في ثلاثمائة رجل بعد جهد ومشقة. وفي سنة خمسين وثلاثمائة سقط الفرس تحت عبد الملك بن نوح صاحب خراسان فمات من سقطته. وولي بعده اخوه منصور ابن نوح. وفي سنة احدى وخمسين وثلاثمائة في المحرّم نزل الروم مع الدمستق على عين زربة وفتحوها بالأمان فدخلها ونادى في البلد اوّل الليل بان يخرج جميع أهلها الى المسجد ومن تأخر في منزله قتل. فخرج من امكنه الخروج. فلما أصبح انفذ رجاله وكانوا ستين ألفا فقتلوا خلقا كثيرا من الرجال والنساء والصبيان ممن وجدوه خارج المسجد.
وأمر من في المسجد بان يخرجوا من البلد حيث شاءوا يومهم ذلك ومن أمسى قتل.
فخرجوا مزدحمين فمات بالزحمة جماعة ومرّوا على وجوههم لا يدرون اين يتوجهون فماتوا في الطرقات وقتل الروم من وجدوه بالمدينة آخر النهار. فلما أدرك [1] الصوم انصرف
[1-) ] أدرك ر أدركهم.
الروم الى القيسارية على ان يعودوا بعد العيد. وفيها استولى الروم على مدينة حلب وعادوا عنها بغير سبب. وفيها ملّك الروم عليهم نيقيفور الدمستق وجعلوا شخصا يسمّى شوموشقيق دمستقا له [1] . وفي سنة اربع وخمسين وثلاثمائة فتح الروم مصّيصة وطرسوس.
وفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة مات معز الدولة بن بويه ببغداد وجلس ابنه بختيار في الامارة ولقب عزّ [2] الدولة. وكانت احدى يدي عز الدولة [3] . مقطوعة قطعت في بعض الحروب. وفيها قبض ابو تغلب على أبيه ناصر الدولة بن حمدان وحبسه في القلعة لأنه كان قد كبر فساءت أخلاقه وضيّق على أولاده وخالفهم في أغراضهم للمصلحة فضجروا منه. وفي سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ملك الروم مدينة انطاكية. وفي سنة احدى وستين وثلاثمائة سار المعزّ لدين الله العلوي صاحب بلاد المغرب من افريقية يريد الديار المصرية فأقام قريبا من مدينة قيروان ولحقه رجاله وعماله [4] واهل بيته وجميع ما كان له في قصره من الأموال والامتعة حتى ان الدنانير سبكت وجعلت كهيئة الطواحين وحمل كل طاحونتين على جمل ثم سار حتى وصل الى الاسكندرية. وأتاه أهل مصر وأعيانها فلقيهم وأكرمهم واحسن إليهم وسار فدخل القاهرة خامس شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وملك الديار المصرية بلا ضرب ولا طعن. وفي سنة اثنتين وستين وثلاثمائة سار الدمستق الى آمد وبها هزارمرد غلام ابي الهيجاء بن حمدان. فكتب الى ابي تغلب يستصرخه ويستنجده. فسيّر اليه أخاه هبة الله بن ناصر الدولة فاجتمعا على حرب الدمستق وسارا اليه فالتقياه سلخ رمضان وكان الدمستق في كثيرة ولقياه في مضيق لا تجول فيه الخليل. والروم على غير أهبة الحرب فانهزموا. وأخذ المسلمون الدمستق أسيرا ولم يزل محبوسا الى ان مرض سنة ثلث وستين وثلاثمائة فبالغ ابو تغلب في علاجه وجمع الأطباء فلم ينفعه ذلك ومات. وفي سنة ثلث وستين في منتصف ذي القعدة خلع المطيع نفسه من الخلافة وسلمها الى ولده الطائع لله فكانت مدة خلافته تسعا وعشرين سنة وخمسة أشهر.
[1-) ] شوموشقيق او شمشقيق لقب ليوحنا الاول ملك الروم وهي كلمة ارمنية ومعناها قصير القامة. اما دمستق فهي كلمة لاتينية وهو لقب قائد جيش الروم. ويوحنا هذا قتل نيقيفور واستبد بالملك بعده وكان مظفرا في الحروب. وهو أول من ضرب السكك بهذا الرسم:
يسوع المسيح ملك الملوك.
[2-) ] عزّ ر في احدى نسختي اكسفرد «معزّ» .
[3-) ] كذا في الأصل والصواب معز الدولة. اطلب الصفحة 170 السطر 12.
[4-) ] عماله ر اعماله.