الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم كنت أقول: الدعوى باطلة لان البرج منقلب والمشتري في الوبال والقمر في المحاق والكوكبان الناظران في برج كذاب وهو العقرب. ومن الحكماء يوحنا بن البطريق الترجمان مولى المأمون كان أمينا على ترجمة الكتب الحكمية حسن التأدية للمعاني ألكن اللسان في العربية وكانت الفلسفة اغلب عليه من الطبّ. ومن الأطباء سهل بن سابور ويعرف بالكوسج. كان بالأهواز وفي لسانه لكنة خوزية وتقدّم بالطب في ايام المأمون. وكان إذا اجتمع مع يوحنا ابن ماسويه وجيورجيس بن بختيشوع وعيسى بن الحكم وزكريا الطيفوري قصر عنهم في العبارة ولم يقصر عنهم في العلاج. ومن دعاباته انه تمارض واحضر شهودا يشهدهم على وصيته وكتب كتابا اثبت فيه أولاده فأثبت في اوله جيورجيس ابن بختيشوع والثاني يوحنا بن ماسويه وذكر انه أصاب أمّيهما زنا فأحبلهما. فعرض لجيورجيس زمع من الغيظ وكان كثير الالتفات. فصاح سهل: صري وهكّ المسيه اخرؤا في أذنه آية خرسي. أراد بالعجمة التي فيه: صرع وحق المسيح اقرؤا في أذنه آية الكرسي. ومن دعاباته انه خرج في يوم الشعانين يريد المواضع التي تخرج إليها النصارى فرأى يوحنا بن ماسويه في هيئة احسن من هيئة. فحسده على ذلك فصار الى صاحب مسلحة الناحية فقال له: ان ابني يعقّني وان أنت ضربته عشرين درّة موجعة أعطيتك عشرين دينارا. ثم اخرج الدنانير فدفعها الى من وثق به صاحب المسلحة ثم اعتزل ناحية الى ان بلغ يوحنا الموضع الذي هو فيه فقدمه الى صاحب المسلحة وقال: هذا ابني يعقّني ويستخف بي. فجحد ان يكون ابنه. فقال: يهذي هذا. قال سهل: انظر يا سيدي. فغضب صاحب المسلحة ورمى يوحنا من دابته وضربه عشرين مقرعة ضربا موجعا مبرّحا. ومن أطباء المأمون جبريل الكحّال. كانت وظيفته في كل شهر ألف درهم وكان أول من يدخل اليه في كل يوم. ثم سقطت منزلته بعد ذلك. فسئل عن سبب ذلك فقال: اني خرجت يوما من عند المأمون فسألني بعض مواليه عن خبره فأخبرته انه قد اغفى. فبلغه ذلك فأحضرني ثم قال: يا جبريل اتخذتك كحّالا او عاملا للأخبار عليّ. اخرج من داري. فأذكرته حرمتي فقال: ان له لحرمة فليقتصر به على اجراء مائة وخمسين درهما في الشهر ولا يؤذن له في الدخول.
(المعتصم بن الرشيد)
هو ابو اسحق محمد بن هرون الرشيد. بويع له بعد موت المأمون فشغب الجند ونادوا باسم العباس بن المأمون. فخرج إليهم العباس فقال: ما هذا الحب البارد وقد بايعت عمي. فسكنوا. ودخل كثير من اهل الجبال وهمذان
وأصفهان وماسبذان وغيرهم في دين الخرّميّة [1] وتجمعوا فعسكروا في عمل همذان. فوجّه إليهم المعتصم العساكر فأوقعوا بهم فقتل منهم ستون ألفا وهرب الباقون الى بلد الروم.
وفي سنة تسع عشرة ومائتين احضر والمعتصم احمد بن حنبل وامتحنه بالقرآن. فلما لم يجب بكونه مخلوقا أمر به فجلد جلدا شديدا حتى غاب عقله وتقطع جلده. وكان ابو هرون بن البكاء من العلماء المنكرين لخلق القرآن يقر بكونه مجعولا لقول الله: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا. 43: 3 ويسلم ان كل مجعول مخلوق ويحجم عن النتيجة ويقول: لا أقول مخلوق ولكنه مجعول. وهذا عجب عاجب. وفي سنة عشرين ومائتين عقد المعتصم للأفشين حيدر بن كاوس على الجبال ووجّهه لحرب بابك فسار اليه. وكان ابتداء خروج بابك سنة احدى ومائتين وهزم من جيوش السلطان عدّة وقتل من قواده جماعة ودخل الناس رعب شديد وهول عظيم واستعظموه واحتوى [2] اليه القطاع واصحاب الفتن وتكاثفت جموعه حتى بلغ فرسانه عشرين ألفا سوى الرجالة وأخذ يمثل [3] بالناس. وكان أصحابه لا يدعون رجلا ولا امرأة ولا صبيّا ولا طفلا مسلما او ذميا الّا قطعوه وقتلوه وأحصي عدد القتلى بأيديهم فكان مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة انسان. فلما انتدب الافشين لحرب بابك قاومه الافشين سنة وانهزم من بين يديه غير مرة وعاوده.
وآل الأمر الى ان انتحى [4] بابك الى البذ [5] مدينة فلما ضاق أمره خرج هاربا ومعه اهله الى بلاد الروم في زي التجار. فعرفه سهل بن سنباط [6] الارمني البطريق فأسره.
فافتدى نفسه منه بمال عظيم. فلم يقبل منه وبعثه الى الافشين بعد ما ركب الأرمن من أمه وأخته وامرأته الفاحشة بين يديه. وكذا كان يفعل الملعون بالناس إذا اسرهم مع حرمهم. وحمل الافشين بابك الى المعتصم وهو بسر من رأى. فأمر بإحضار سياف بابك فحضر فأمره ان يقطع يديه ورجليه فقطعها فسقط. فأمر بذبحه وشق بطنه. وأنفذ رأسه الى خراسان وصلب بدنه بسامرّا. وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين خرج توفيل بن ميخائيل ملك الروم الى بلاد الإسلام فبلغ ز بطرة فقتل من بها من الرجال وسبى الذرّية والنساء. وأغار على ملطية وغيرها وسبى المسلمات ومثّل بمن صار في يده من المسلمين
[1-) ] الحرميّة ر الحرامية.
[2-) ] واحتوى ر واجتوى وانطوى.
[3-) ] يمثل ر يميل.
[4-) ] انتحى ر التجأ.
[5-) ] البذّ ر النبل والنبذ او البند.
[6-) ] سنباط ر شباط.
فسمل أعينهم وقطع آنافهم وآذانهم. فلما بلغ الخبر المعتصم استعظمه وتوجه الى بلاد الروم وفتح عمورية وقتل ثلثين ألفا وأسر ثلثين ألفا. وفي سنة خمس وعشرين ومائتين تغير المعتصم على الفشين لأنه كاتب مازيار أصبهبذ [1] طبرستان وحسّن له الخلاف والمعصية وأراد ان ينقل الملك الى العجم فقتله وصلبه بازاء بابك. ووجده بقلفته لم يختن.
واخرجوا من منزله أصناما فأحرقوه بها. وفي سنة سبع وعشرين ومائتين توفي المعتصم ابو اسحق يوم الخميس لثماني عشرة مضت من ربيع الاول عن ثمانية بنين وثماني بنات وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وكان عمره سبعا وأربعين سنة. وحكي ان المعتصم بينما هو يسير وحده قد انقطع عن أصحابه في يوم مطر إذ رأى شيخا معه حمار عليه شوك وقد زلق الحمار وسقط في [2] الأرض والشيخ قائم. فنزل عن دابته ليخلص الحمار. فقال له الشيخ: بأبي أنت وأمي لا تهلك ثيابك. فقال له: لا عليك. ثم انه خلّص الحمار وجعل الشوك عليه وغسل يده ثم ركب. فقال له الشيخ: غفر الله لك يا شابّ. ثم لحقه أصحابه فأمر له باربعة آلاف درهم. وهذا دليل على غاية ما يمكن ان يكون من طيب أعراق الملوك وسعة أخلاقهم.
قال حنين: ان سلموية كان عالما بصناعة الطبّ فاضلا في وقته. ولما مرض عاده المعتصم وبكى عنده وقال له: أشر عليّ بعدك بمن يصلحني. فقال: عليك بهذا الفضولي يوحنا بن ماسويه. وإذا وصف شيئا خذ أقلّه اخلاطا. ولما مات سلموية قال المعتصم: سألحق به لأنه كان يمسك حياتي ويدبّر جسمي. وامتنع عن الأكل في ذلك اليوم وأمر بإحضار جنازته الى الدار وان يصلّى عليها بالشمع والبخور على رأي النصارى.
ففعل ذلك وهو يراهم. وكان سلموية يفصد المعتصم في السنة مرتين ويسقيه عقيب كل فصد دواء. فلما باشره يوحنا أراد عكس ما كان يفعله سلموية فسقاه الدواء قبل الفصد.
فلما شربه حمي دمه وحمّ وما زال جسمه ينقص حتى مات وذلك بعد عشرين شهرا من وفاة سلموية. وخدم الافشين زكريا الطيفوريّ وذكر: اني كنت مع الافشين في معسكره وهو في محاربة بابك. فجرى ذكر الصيادلة فقلت: اعزّ الله الأمير ان الصيدلاني لا يطلب منه شيء كان عنده او لم يكن الا اخبر بأنه عنده. فدعا الافشين
[1-) ] اصبهبذ ر اصهيد واصبهيد.
[2-) ] وسقط في ر ووقع الى.