الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة الثالثة المنتقلة من قضاة بني إسرائيل إلى ملوكهم
لما بلغ شموايل [1] النبيّ من العمر سبعا وسبعين [2] سنة قال له بنو إسرائيل: انصب لنا ملكا منّا كسائر الأمم. فعلم الله بذلك فأوحى اليه قائلا: ان بني إسرائيل لم يعصوك أنت لكن ايّاي عصوا فأخبرهم اني ان نصبت لهم ملكا استعبدهم وجعل عليهم رؤوس ألوف ومئين ويحرثوا حرثه ويحصدوا حصاده ويعملوا أدوات قتاله ومراكبه. ويتسخر بناتهم كسّاحات وطحّانات وخبّازات ويختلس مزارعهم وكرومهم ويعطيها لعبيده ويعشّر أموالهم واغنامهم ودوابهم فيستغيثون منه اليّ فلا أجيبهم يومئذ. فأعلمهم شموايل بجميع ذلك فلم يقبلوا منه ولكن ألحوا عليه قائلين: لا بد لنا من ملك يسوسنا. فقال الله: سوف املّك عليهم ملكا.
(شاول)
من سبط بنيامين وتسمّيه العرب طالوت كان شابا لم يكن في بني إسرائيل أتم منه خلقة. فضلّت أتن لأبيه قيش فخرج مع غلام له طائفين عليها وانتهيا الى القرية التي فيها شموايل النبيّ. وقال الغلام لشاول [3] : ها هنا رجل عظيم نذهب اليه لعله يدلنا على الأتن [4] . وعند ما همّا بذلك خرج إليهم شموايل فقالا له: دلنا على بيت النظار.
[1-) ] شموايل ر شمويل.
[2-) ] سبعا وسبعين «عمّر سبعا وسبعين سنة منها خمس وثلاثون في مدة ملك شاول» . فلا يظهر اتفاق بين التاريخين.
[3-) ] لشاول ر لشاوول.
[4-) ] الأتن ر الماتونا والماترنا.
لأن في ذلك الزمان كانت تسمّى الأنبياء نظارة. فقال لهما: انا النظار ادخلا الى منزلي وكلا معي طعاما وانبئكما عن بغيتكما. فلما دخلا معه البيت قال لهما: لا تهتما بأمر الأتن فقد وجدت ولم تكن لذة بني إسرائيل الا لك يا شاول ولآل أبيك. فقال له شاول مستعفيا: قبيلتي اقلّ سبط بنيامين. وأخذ شموايل قرن الدهن وافاضه على رأس شاول قائلا: ان الله اصطفاك لتكون ملكا لميراثه. وسيلقاك في مضيك زمرة من الأنبياء ويتنبأون وتتنبأ معهم. فمضى شاول حتى لقي الأنبياء وبين أيديهم صنوج ودفوف فنزل عليه روح الربّ وتنبأ معهم. فقال الناس: وشاول ايضا من الأنبياء. وصار ذلك مثلا سائرا بينهم. وبعد قليل اقبل ملك العمونيين وهو منوط بجيوش عظيمة طالبا قتال بني إسرائيل. فأرسلوا اليه قائلين: صالحنا على ما نؤديه إليك وتنصرف عنا. فقال لهم: اصالحكم على ان يفقأ كل رجل منكم عينه اليمنى. فسمع ذلك شاول واشتد غضبه وجمع من بني إسرائيل ثلاثمائة ألف مقاتل ومن بني يهوذا ثلثين ألف مقاتل وسار نحو العمونيين وقاتلهم وهزمهم وحينئذ أذعن له بنو إسرائيل بالملك. ثم قال له شموايل: ربك يقول لك ان تقاتل العمالقة وتبيدهم وتقتل رجالهم ونساءهم وولدانهم وماشيتهم. فسار شاول نحو العمالقة وأبادهم وأسر ملكهم ولم يقتله وأبقى ايضا نقاوة ماشيتهم. فأوحى الله الى شموايل يقول له: اني قد رذلت شاول لمخالفته اياي. فاشتد ذلك على شموايل وقال لشاول: ما لي اسمع ثغاء الغنم وخوار البقر. فأجابه شاول قائلا: ان بني إسرائيل اقبلوا بها ليذبحوها لله ربك. فقال له شموايل: أولم تعلم ان الله لا يرضى بالذبائح كمرضاته عمّن يطيع امره قد أسخطت ربك ورذلك من الملك بمعصيتك له. فقال شاول: استغفر الله فقد اخطأت وأريد ان ترجع معي حتى اسجد له وأتوب اليه. فأبى عليه شموايل وجلس حزينا. فأوحى الله اليه: حتّام تحزن على شاول قم وانطلق الى شخص اسمه ايشي من قرية بيت لحم فقد ارتضيت من بنيه ملكا. فمضى اليه شموايل وقال له: أريد ان امسح احد أولادك ملكا. فقال له ايشي:
انّى لي بذلك. واحضر ابنه الكبير فأعجبه حسنه. فأوحى الله اليه ان نظري ليس كنظر البشر فأعرض عنه. ووقف شموايل حتى عرض عليه سبعة من بنيه. فلم يفض القرن على أحدهم. فقال لا يشي: هل بقي من بنيك احد. قال له: بقي غلام هو أصغرهم سنّا يرعى الغنم. فقال: ائتني به. فأحضره ايشي وأفاض عليه القرن ومسحه ملكا ومضى الى منزله.
وفي تلك الأيام ظهر علج من الفلسطينيين اسمه جولياذ والعرب تسميه جالوت وكان يسب بني إسرائيل ويستهين بهم. فدنا منه داود قائلا: أنت اتيتني بالسيف والدرقة
وانا أتيتك باسم الرب الذي عيّرت صفوفه. وتناول داود حجرا من خريطته فوضعه في مقلاعه ثم رماه فغيبه في جبهة العلج فوقع على وجهه فسل داود سيفه وقطع به رأسه.
واتى بداود الى شاول فقال له: من أنت يا غلام. قال: ابن عبدك ايشي من بيت لحم.
وكان شاول قد اصابه ريح سوء فقيل له: ليكن عندك انسان جيد الضرب بالصنج ذي الأوتار ليلهيك عما بك. ووصف له داود انه ماهر في ذلك. فطلبه من أبيه وكان يلهيه.
وكانت بنات إسرائيل بعد قتل داود جولياذ يغنين ويفرحن ويقلن: قتل شاول ألوفا وداود عشرات ألوف. فحسد شاول داود. وزج يوما برمح لطيف كان عنده بيده نحوه. فارتاع لذلك داود. فخافه شاول ورأسه على ألف رجل. وقال يوما: من اتاني بغرلة مائتي فلسطيني زوجته ابنتي ملكيل [1] . فخرج داود وقتل منهم مائتي رجل وأتاه بغرلهم فزوجه إياها فأحبت داود حبا شديدا وكذلك أخوها يوناثان وجميع بني إسرائيل. وحذر يوناثان داود من أبيه وهربه الى بعض الجبال. وخرج شاول في طلبه حتى اتى مع أصحابه الى مغارة في ذلك الجبل وباتوا فيها. فسار داود ليلا واتى الى المغارة وصادف شاول نائما فقطع قطعة من ردائه ورجع الى أصحابه. ولما أصبح النهار وخرج شاول من المغارة ناداه داود وقبل الأرض بين يديه وقال له: لا تسمع في سيدي قول واش فقد أسلمك الله في يدي اليوم ولم يدنك مني سوء وهذا طرف ردائك معي. قال له شاول: جزاك الله خيرا. انك ستملك. فاحلف لي انك لا تهلك ذريتي. فحلف له. ومضى شاول الى منزله. ومات شموايل النبي. وخرج شاول في طلب داود مرة ثانية ونام في بعض الطريق ليلا مع أصحابه فأتاه داود وهو نائم ورام اصحاب داود قتله فمنعهم قائلا: لا يحلّ لا حد ان يمد يده الى مسيح الرب اتركوه ليومه. ثم أخذ رمحه وكوز الماء وانطلق. فعلم ذلك شاول وقال: اخطأت في طلبك يا داود ولست بعائد. وقاتل الفلسطينيون بني إسرائيل وقتل يوناثان واخوته وهرب شاول وخاف ان يدركوه فتحامل على سيفه حتى خرج من ظهره وأدركه القوم فقطعوا رأسه وانفذوه الى بيوت أصنامهم وصلبوا جسده على سور مدينتهم. وجاء شخص من بني إسرائيل وادعى انه قتل شاول. فقال له داود: كيف طاوعتك نفسك ان تقتل مسيح الله فقتله. وناح داود وأصحابه على شاول ويوناثان ابنه ورثاهما قائلا: ان حجفة شاول مصبوغة بدم القتلى وقوس يوناثان لم تكن تنثني الى ورائها وحربة شاول لم تكن تنثني. لقد كان اخف من النسور سيرا وأشجع من الأسد بطشا.
يا بنات إسرائيل ابكينانّ شاول الذي كان يكسوكن الأرجوان والبهرمان. وكانت مدة
[1-) ] هكذا في السرياني [؟]«ملكل» . واما في العبراني فهي [؟]«ميكال» .